السبت، 21 مارس 2015


بين المؤامرة الثلاثية والعدوان الثلاثي ... "البنت زي الولد"

عماد أبو غازي

  في شهر ديسمبر من كل عام كنا نحتفل بعيد النصر الذي يوافق يوم 23 ديسمبر، والذي أصبح اليوم عيدًا لمحافظة بورسعيد، إنه يوم نحتفل فيه بجلاء القوات البريطانية الفرنسية عن مدينة بورسعيد سنة 1956 في أعقاب العدوان الثلاثي، ذلك العدوان الذي بدأ يوم 29 أكتوبر 1956 باجتياح القوات الإسرائيلية لشبه جزيرة سيناء، ثم إنزال مشترك فرنسي بريطاني في منطقة القناة لإعادة احتلالها بحجة تأمين الملاحة فيها والفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، لكن الهدف الحقيقي كان تأديب مصر والرد على قرارها بتأميم قناة السويس، لقد كانت مؤامرة ثلاثية بين ثلاثة أطراف اجتمعت مصالحها ضد مصر: بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، انتهت بهزيمتهم بسبب سؤ تقديرهم للتوازنات الدولية الجديدة التي ظهرت عقب الحرب العالمية الثانية، والتي أصبحت فيها الكلمة العليا للقطبين الجديدين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، اللذان اتفقا ضد هذا العدوان وقتها، وأيضًا بسبب عدم توقعهم لحجم التأييد الشعبي العربي لمصر، ولا لقوة المقاومة الشعبية المصرية، فقد تصور الغزاة أن المصريين سيثورون ضد نظام ضباط يوليو الذي صادر الحريات، لكن العدوان كان على العكس من ذلك مصدر دعم للنظام وللالتفاف الجماهير حوله، كما كان فرصة جديدة لانطلاق المبادرة الشعبية المستقلة في مواجهة الغزوة الجديدة، حتى انتهى الأمر بخروج بريطانيا وفرنسا في أواخر ديسمبر ثم جلاء القوات الإسرائيلية من سيناء في ربيع 1957، بعد أن حصلت إسرائيل على حق مرور سفنها في مضايق تيران بخليج العقبة، وبعد أن وافق النظام المصري على نشر قوات الطوارئ الدولية على طول الحدود وفي منطقة شرم الشيخ لضمان تنفيذ اتفاق الانسحاب مقابل المرور.

تدريبات بنات الجامعة على السلاح أثناء العدوان الثلاثي 1956
 وقد لا يعرف الكثيرون أن مصر عرفت قبل أكثر من مائتي عام مؤامرة ثلاثية أخرى نُسجت خيوطها في عام 1806 بين ثلاثة أطراف كانت موجهة أيضًا ضد مصر واستقلال إرادة شعبها، أعني الاتفاق بين إنجلترا والدولة العثمانية وأمراء المماليك للسيطرة على مصر والقضاء على الإرادة الشعبية الوليدة التي فرضت على السلطان العثماني تعيين محمد علي حاكمًا على البلاد، وحققت الخطوة الأولى على طريق استقلال مصر.
 لقد كانت المؤامرة تقضي بأن يستولي الأمير محمد بك الألفي زعيم المماليك المناوئ لسلطة محمد علي على إقليم البحيرة تمهيدًا لإنزال للقوات الإنجليزية المحمولة بحرا في المنطقة وفتحا للطريق أمامها لاحتلال البلاد، وكل ذلك بمباركة عثمانية، للتخلص من محمد علي ولتأديب المصريين ومعاقبتهم على إجترائهم على مقام السلطان ونجاحهم في فرض إرادتهم.
 ومثلما كان للمقاومة الشعبية الباسلة للمصريين خاصة في مدينة بورسعيد دورًا في إحباط العدوان الثلاثي سنة 1956 وهزيمته، كان للمقاومة أيضًا الدور الأول في إحباط المؤامرة الثلاثية سنة 1806، وفي المرتين خرجت بنات مصر جنبًا إلى جانب رجالها للتصدي للغزاة.

 بنات مصر في المقاومة الشعبية 1956
لقد بدأت المؤامرة  أواخر سنة 1806 بمحاولة محمد بك الألفي الاستيلاء على مدينة دمنهور لتأمين الأرض أمام الإنزال الإنجليزي، وكان القائد المملوكي يتوقع أن تنجح مهمته بسهولة ويسر، فلم يكن محمد علي باشا قد بنى جيشه بعد، ولم يكن البك يتوقع أي مقاومة من المصريين، لكن ما حدث كان بخلاف المتوقع، فقد خرج أهالي المدينة رجالا ونساء للتصدي للمحاولة، شاركت النساء الرجال في الدفاع عن المدينة، وأدت بسالة أهالي دمنهور في الدفاع عن مدينتهم إلى فشل المحاولة مع ما ترتب على فشلها من انهيار المخطط الثلاثي الإنجليزي العثماني المملوكي.
 وتجمع المصادر الأوروبية على أهمية معركة دمنهور وشجاعة أهلها رجلا ونساء، فيقول فولابل في كتابه "مصر الحديثة": "يمكن اعتبار دفاع دمنهور الذي جمع بين الشجاعة والثبات من أهم الأسباب المباشرة التي أحبطت الخطة المرسومة بين الباب العالي والإنجليز"، ويقول العالم الفرنسي جومار وهو واحد من مؤلفي كتاب وصف مصر: "إن أهالي دمنهور قد أظهروا مثل هذه الشجاعة والمثابرة أثناء الحملة الفرنسية في ظروف تختلف عن الظروف التي قاوموا فيها قوات الألفي، مما يدل على ما فطروا عليه من الشجاعة". أما مانجان في كتابه "تاريخ مصر تحت حكم محمد علي" فيقول: "إن دفاع دمنهور المجيد جدير بأن يسجل في فحات تاريخ مصر الحربي، فقد تولى أهلها الشجعان هذا الدفاع وحدهم، دون أن يتلقوا أي مدد أو مساعدة حتى من محمد علي الذي كان هذا الدفاع دفاعا عنه، فقد قاوم أولئك الشجعان بكل ثبات وبسالة قوات الألفي كلها إلى أن تكلل دفاعهم بالنجاح، فكان له تأثير كبير في إحباط خطة الباب العالي".
 
 
 وقد اكتمال إحباط الخطة بهزيمة أهالي رشيد لحملة فريزر في ربيع عام 1807، فقد كانت هزيمة الألفي مفاجأة لإنجلترا ولم تتمكن من تعديل خطتها لغزو مصر، وعندما وصلت الحملة الإنجليزية بقيادة فريزر إلى رشيد شاركت النساء رجال المدينة تحت قيادة علي بك السلانكلي حاكم المدينة في التصدي للحملة الإنجليزية وهزيمتها في 31 مارس 1807، ثم شاركن الصمود أمام الهجوم الثاني والحصار الذي فرضته القوات الإنجليزية على المدينة في شهر إبريل من نفس العام، وقد أدت هزيمة حملة فريزر إلى تأجيل الاحتلال البريطاني لمصر لمدة 75 سنة.


 وبين البحيرة وبورسعيد 150 سنة من مشاركة بنات مصر في الدفاع عن الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦ وفارسة في مواجهة التطبيع

  لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦  وفارسة في مواجهة التطبيع   عماد أبو غازي     لطيفة الزيات علامة من علامات الجيل الذي ولد بعد ثو...