الأحد، 12 أبريل 2015

عيد القيامة المجيد
كل سنة وأنتم طيبين


أيقونة مذهبة للسيد المسيح
من مجموعة متحف الفنون في بوخارست

الجمعة، 10 أبريل 2015


مقالي المنشور في العدد الجديد من عالم الكتاب...

من ذكريات ليمان طرة

عماد أبو غازي
 مررت في شبابي بثلاث تجارب قصيرة مع السجن، ما بين حبس احتياطي واعتقال، لم تتجاوز أطوالها ستة أشهر، كان ذلك في ما بين عامي 1980 و1982، واختلفت فيها العلاقة بالكتاب والمكتبة داخل الأسوار، التجربة الأولى والأطول في ليمان طرة، كانت في عام 1980، كان متاح لنا خلال فترة الحبس الاحتياطي أن نتعامل مع مكتبة السجن، لكني فضلت ومجموعة من زملائي أن نكون مكتبتنا الخاصة مستفيدين من أن عددًا منا كانوا من الطلاب سواء في المرحلة الجامعية الأولى او مرحلة الدراسات العليا، حيث كانت إدارة السجن تسمح بدخول الكتب الدراسية لنا.
 ولما كنت طالبًا للدراسات العليا بمعهد البحوث والدراسات العربية، فقد سمح لي وضعي هذا بإدخال أعداد كبيرة من الكتب المتنوعة في موضوعاتها ومجالاتها، ما بين كتب في التاريخ والقانون والعلوم السياسية والأدب، ونادرًا ما منعت إدارة السجن دخول كتاب لنا، ونجحنا الصديقان فريد زهران ومصطفى الخولي وأنا، في أن نكوّن مكتبة كبيرة داخل السجن، كان مقرها الرئيسي في زنزانة 6 حيث أقمت مع بعض الزملاء السكندريين، تجاوز عدد الكتب مائتي وخمسين كتابًا، هذا بخلاف الصحف واليومية والمجلات الأسبوعية التي كنا نشتريها من رصيدنا بأمانات الليمان، فأصبح لدينا رصيد يفي باحتياجات "الحبسة" كلها ويزيد، بحيث يمكن لكل رفيق أن يكون معه كتابان في نفس الوقت، فقد كان عددنا 125 متهمًا، أضيف لنا خمسة من أهالينا وأصدقائنا تم القبض عليهم أثناء حضورهم أول جلسات تجديد حبسنا بمحكمة شمال القاهرة بالعباسية.
  أتذكر جيدًا أني أنهيت في هذه الحبسة قراءة كتاب لويس عوض المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي الحديث، الذي أرخ فيه للفكر المصري الحديث، وكنا نتبادله فريد زهران وأنا، ونسجل تعليقاتنا على هوامش صفحاته، كما قرأت الشوقيات المجهولة التي جمعها محمد صبري السوربوني في مجلدين، وكذلك كتابه عن مطران، وأعدت قراءة خمسة من كتب بدر الدين أبو غازي ـ والدي ـ وهي كتابيه عن مختار وكتابه الأول عن محمود سعيد وكتابي الفن في عالمنا وجيل من الرواد. وكان من الكتب التي قرأتها كذلك الدراسة المهمة التي كتبها السيد يسين وعلى الدين هلال عن الصراع العربي الإسرائيلي وصدرت في مجلدين عن معهد البحوث والدراسات العربية، وفي هذه الأشهر أعدت قراءة تاريخ الحركة الوطنية من 1918 إلى 1936 لعبد العظيم رمضان.
 وخلال هذه الأشهر الخمسة تمكنت من الانتهاء من كتابة رسالة الدبلوم التي كنت أعدها بعنوان "اليابان الحديثة دراسة في تطور الاستعمار الياباني" تحت إشراف أستاذي الراحلين الدكتور محمد أنيس والدكتور جمال زكريا قاسم، وذلك رغم الصعوبات في دخول بعض مراجع الدراسة حيث اعتبرتها إدارة السجن كتب ممنوعة، لأن بعضها للزعيم الصيني ماو تسي تونج، وبعضها يحمل في عنوانه كلمة الإمبريالية، فرفضت إدارة السجن دخولها!
 ولما كان المحاضرات المنسوخة بخط اليد والمصورة يسمح بدخولها لي، فقد قام أبي وأمي وأختي وعمتي بنسخ الأجزاء المطلوبة من هذه الكتب وإدخالها مع المحاضرات الدراسية، وهكذا تمكنت من إنهاء الرسالة، وإرسالها للطبع على الألة الكاتبة ومراجعتها قبل خروجي من السجن، وكان مقررًا أن أذهب من السجن لجلسة المناقشة في نهاية شهر يونيو مثلما ذهبت لأداء الامتحانات، لكن قرار النيابة بالإفراج عن من تبقى منا رهن الحبس الاحتياطي صدر قبل موعد المناقشة بأيام.
 كانت المشكلة كيف نخرج بهذه الكمية من الكتب والملابس والأدوات، ففي ذلك الزمن كان يسمح لنا بارتداء ملابسنا المدنية طوال فترة الحبس الاحتياطي، كان لدينا عدة صناديق من الكتب بخلاف متعلقاتنا الأخرى، ولما كانت إجراءات الإفراج تتطلب المرور على مباحث أمن الدولة بلاظوغلي وربما قضاء ليلة كاملة هناك، فقد حملنا أهلنا فريد وأنا بالكتب والمتعلقات قبل خروجنا من السجن، وكان من بينها عود للصديق حسن الدمشاوي من المنيا، الذي قبض عليه ومعه عوده، واتفقنا على أن يحضر إلينا بعد إتمام إجراءات الإفراج ليأخذ كل منهم متعلقاته.
 أما المرة الثانية فكانت أثناء الاعتقال بليمان طرة أيضًا في أكتوبر 1981، هذه المرة كانت المعاملة مختلفة تمامًا، كانت الكتب والصحف والمجلات والزيارات ممنوعة، كنا معزولين تمامًا عن العالم الخارجي، ولا يسمح لنا بالتريض أو الخروج من الزنازين سوى لمدة ربع ساعة في أول النهار ومثلها قبل المغرب لقضاء الحاجة.
 في الليل كنا في زنزانة 12 ننظم إذاعة يومية للعنبر من على شباك الزنزانة، إن لم تخني الذاكرة فقد شارك فيها فريد زهران ومصطفى الخولي والصديق الراحل نزار سمك الذي استشهد في حريق قصر ثقافة بني سويف، كنا نقدم في هذه الإذاعة بعض ما نحفظه من أشعار، أو موضوعات تاريخية وسياسية تعيها الذاكرة، كما نجحنا بعد أيام قليلة في تدبير وسائل للحصول على الأخبار، فأصبحت زنزانة 12 تقدم نشرة أخبار ليلية أزعجت إدارة السجن، التي كانت تقوم بتفتيش الزنزانة بحثًا عن الراديو الذي نعرف منه أخبار مصر والعالم، أو الصحف التي تصلنا، لكن دون جدوى. ومع استمرار سوء المعاملة بدأنا إضرابًا عن الطعام استمر ثلاثة عشر يومًا أسفر عن مجموعة من المكاسب كان من بينها دخول الصحف والكتب والراديو، لكن الاعتقال لم يطل حتى نكون مكتبة أخرى، وتم الإفراج عنا تدريجيًا.



 إلى اليوم كثيرًا ما أرجع إلى كتاب قديم في مكتبتي فأجد على صفحة الغلاف ختم ليمان طره واسمي بخط يد أبي، أو أجد بعد التعليقات بخطوط الزملاء في "حبسة 80" أو القضية 706 على هوامشه.

الخميس، 9 أبريل 2015


 النهار ده 9 أبريل ذكرى مذبحة دير ياسين، وده مقال كتبته سنة 1982، ونشرته لجنة الدفاع عن الثقافة القومية في سلسلة كراساتها...

هل باع الفلسطينيون أرضهم؟
عماد أبو غازي
 روج الاستعمار والصهيونية لعدد من الأفكار حول القضية الفلسطينية بهدف تشويه صورة الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني، وبهدف تصوير الحركة الصهيونية كصاحبة حق في فلسطين. وقد اعتمد الاستعماريون والصهاينة على الأسلوب النازي الشهير في الدعاية والذي يعتمد على ترديد الأكاذيب باستمرار حتى تصبح من كثرة ترديدها حقيقة راسخة في أذهان الناس.

ومن الأكاذيب الشهيرة التي رددها الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية منذ الثلاثينات والأربعينات،  ومازالت تتردد إلى الآن، بل ويشارك بعضنا عن سوء نية أو عن جهل في ترديدها، تلك الأكذوبة التي تقول بأن الفلسطينيون قد باعوا أرضهم لليهود.

فأين الحقيقة في موضوع بيع الأراضي؟

 أكثر من 90% من أرض فلسطين كانت في يد الشعب الفلسطيني حتى سنة 1948

 في البداية لابد من أن نقرر حقيقة أساسية تثبتها جميع الإحصائيات الرسمية لإدارة الانتداب البريطاني في فلسطين وإحصائيات المنظمات الصهيونية وهى: أن مجمل الأراضي التي امتلكها اليهود في فلسطين حتى منتصف عام 1948 لم يتجاوز في أي من هذه الإحصاءات 9% من أرض فلسطين. بينما ظلت النسبة الباقية وهى 91% في يد  الفلسطينيين أو الإدارة البريطانية التي ورثت ممتلكات الدولة العثمانية، بل إن بعض الإحصاءات تحدد هذه النسبة بـ 5،6% فقط من الأراضي الفلسطينية، كما أن الأراضي الزراعية التي امتلكها اليهود كانت أقل من 5/1 الأراضي الزراعية في فلسطين.
هذا في الوقت الذي قامت فيه دولة إسرائيل سنة 1948 على الأكثر من 50% من أرض فلسطين.
 معنى هذا ببساطة: أن القول بأن اليهود قد أشتروا فلسطين من العرب وأقاموا عليها دولتهم كذب مفضوح تكشفه حتى الأرقام والإحصائيات البريطانية والصهيونية، ومن هنا فلا مجال للقول بأن الفلسطينيين قد باعوا وطنهم...
  فعندما احتلت بريطانيا فلسطين عام 1918 كان لليهود 44 مستوطنة مساحتها حوالي 400,000 دونم، وكانوا يسيطرون على 2% من أراضي فلسطين، وهى كل الأراضي التي استطاعوا الحصول عليها منذ بدء  دخولهم إلى فلسطين سنة 1882 أثناء الاحتلال العثماني لفلسطين، وقد ظلت هذه المساحة تتزايد في ظل إدارة الانتداب البريطاني لفلسطين كنتيجة للسياسة البريطانية التي كانت تسعى إلى إقامة الدولة الصهيونية على أرض فلسطين العربية؛ ففي سنة 1927 وصلت مساحة الأراضي التي يسيطر عليها اليهود إلى حوالي 903.000 دونم، وفى سنة 1936 وصلت إلى حوالي مليون دونم، وفى سنة 1945 كان للعرب 7.797.129 دونم، ولليهود 1.731.300 دونم، بالإضافة إلى 231.664 دونم أرض على مشاع. وارتفع عدد المستوطنات إلى 274 مستوطنة. وقد ركز الصهاينة على الاستيلاء على الأراضي الزراعية فبلغت نسبة الأراضي الصالحة للزراعة 90.27% من الأراضي التي يسيطر عليها اليهود وبلغت الأراضي المزروعة فعلا 84.5%.
 ورغم كل هذا التوسع اليهودي في فلسطين؛ فإن اللجنة الملكية البريطانية التي جاءت للتحقيق في الأوضاع القائمة في فلسطين سنة 1937 والمعروفة باسم لجنة بيل، والتي وصلت إلى فلسطين لاحتواء الثورة العربية العارمة التي تفجرت سنة 1936 ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني، هذه اللجنة عندما قدمت مشروعها لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود صادفت مشكلة خطيرة تتلخص في أن الدولة العربية المقترحة في مشروع التقسيم كانت سوف تضم 1250 يهوديًا يملكون 100 ألف دونم إلى جانب السكان العرب. في الوقت الذي كانت فيه الدولة اليهودية سوف تضم 300,000 عربي يملكون 4/1 3 ملايين دونم و 311,000 يهودي لا يملكون سوى 4/1 1 مليون دونم فقط!!! لذلك أوصت اللجنة بتبادل السكان وإلزام حكومة كل قسم بشراء أملاك وأراضي الجنس الآخر!!! وهذا يكشف بوضوح حقيقة النوايا الاستعمارية البريطانية وحقيقة الدور البريطاني في إقامة الدولة الصهيونية، كما يكشف بوضوح كذلك كذب الادعاء القائل بان الفلسطينيين باعوا أرضهم؛ فرغم أن اليهود بدأوا مشروعهم الاستيطاني منذ سنة 1882، وتوسعوا فيه بشدة منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين سنة 1918، فإن القسم الذي اقترح لإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين سنة 1937 كان العرب يملكون أكثر من ثلثي أراضيه!!!

 لكن كيف حصل اليهود على 9% من أراضى فلسطين قبل مايو سنة 1948؟

وإذا كان اليهود قد تمكنوا من احتلال 9% من الأراضي الفلسطينية قبل سنة 1948، فلنر معا كيف انتقلت إليهم ملكية هذه الأراضي وما هي النسبة التي حصلوا عليها عن طريق الشراء من الفلاحين الفلسطينيين.
1)    دور الإقطاع الزراعي والملاك غير المقيمين في استيلاء اليهود على الأرض:
 لعب الإقطاع الزراعي دورًا كبيرًا في استيلاء اليهود على أرض فلسطين؛ فمعظم الأراضي التي انتقلت إلى اليهود عن طريق الشراء تم شراؤها من الإقطاعيين وكبار الملاك سواء المقيمين منهم في فلسطين أو غير المقيمين؛ فخلال الفترة السابقة على عام 1922 كانت نسبة 75,4% من الأراضي التي حصل عليها اليهود من ملاك غائبين، و20،8% من كبار الملاك المقيمين في فلسطين و3،8% من أراضي صغار الفلاحين.
 وخلال الفترة ما بين عامي 33- 1936 أشترى اليهود 14,9% من الأرض التي حصلوا عليها من ملاك غائبين، و62,7% من كبار الملاك المقيمين، و 14،9% من صغار الفلاحين.
 ويذكر تقرير لجنة شو أن 10/1 الأراضي التي أشتراها اليهود حتى سنة 1929 كانت من ملاك غير فلسطينيين.
 وتذكر بعض التقارير البريطانية الأخرى أنه حتى سنة 1936 كان مجموع ما حصلت عليه الشركات اليهودية عبارة عن 52,6% منه من كبار وأصحاب الأراضي الغائبين و24,6% من كبار أصحاب الأراضي المقيمين و13,4% من الحكومة والكنائس والشركات الأجنبية، و9،4% من الفلاحين العرب الفلسطينيين.
 معنى هذا أن الغالبية العظمى من نسبة 9,1% من أرض فلسطين التي تملكها اليهود قبل سنة 1948 حصلوا عليها عن طريق كبار الملاك، خاصة أولئك الملاك الكبار غير المقيمين في فلسطين وأن نسبة الأراضي التي حصلوا عليها من الفلاحين الفلسطينيين كانت ضئيلة للغاية.
 إن هذه الحقائق والأرقام تثبت أن النسبة الضئيلة التي اشتراها اليهود من الأراضي الزراعية في فلسطين إنما حصلوا عليها من كبار الملاك ومن الأسر الإقطاعية وغالبية هذه الأسر من أصل غير فلسطيني ومقيمة خارج فلسطين وهى أسر حصلت على امتيازاتها في أراضي فلسطين أثناء الحكم العثماني، بينما لم تتجاوز نسبة ما باعه الفلاحون الفلسطينيون لليهود 1,3% من مجمل الأراضي الزراعية في فلسطين حسب أعلى التقديرات وهذا يؤكد ثانية كذب الادعاء القائل بأن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم.
2)    القهر الاقتصادي والاجتماعي وراء بيع الأراضي:
ولكن ما هو السبب الذي دفع الفلاح الفلسطيني إلى بيع هذه النسبة من أرضه رغم ضآلتها؟
 إن المسئولية الأولى في هذا البيع تقع على عاتق إدارة الانتداب البريطاني التي مارست سياسة القهر الاقتصادي والاجتماعي تجاه الفلاحين الفلسطينيين لإرغامهم على بيع أراضيهم والتخلي عن المساحات الضئيلة التي كانوا يملكونها، لقد تواطأت حكومة الانتداب على تسهيل تنفيذ المخططات الصهيونية لغزو فلسطين وتشريد فلاحيها وإكراههم على دفع الضرائب والأعشار دون أن يملكوا الوسائل الضرورية لإعالتهم. فمنذ احتلت بريطانيا فلسطين سنة 1918 وبالتحديد منذ إعلان الانتداب رسميا سنة 1922 بدأت الإدارة البريطانية تسن القوانين التي ترهق الفلاح الفلسطيني بالضرائب حتى يضطر إلى بيع أرضه أو يعجز عن تسديد الديون فتصادر أرضه وفاء لهذه الديون، ووفرت الإدارة البريطانية في نفس الوقت سبل انتقال هذه الأراضي إلى اليهود؛ ففي مارس سنة 1921 أصدر هربرت صمويل الحاكم البريطاني لفلسطين قرارا بتصفية البنك الزراعي العثماني فأصبح الفلاح الفلسطيني تحت رحمة البنوك اليهودية بالكامل التي كانت تقدم للفلاحين قروضا بأرباح فاحشة كانت تصل نسبة الفائدة فيها أحيانا إلى 200% وكان من الطبيعي أن يعجز الفلاح عن سداد ديونه فتتعرض أرضه للمصادرة وفاء لهذه الديون وكانت السياسة البريطانية تقوم على أساس فرض ضرائب مرتفعة على الفلاح الفلسطيني، ففي الوقت الذي كانت نسبة الضريبة على الملاك في المدن لا تتجاوز 10% بلغت نسبة الضرائب على الفلاحين 34% من دخلهم.
وفى سنة 1930 على سبيل المثال كانت الديون تصل إلى 1000 جنيه للأسرة الواحدة وكان معدل الفائدة يصل إلى 200% سنويا.
وكان عبء الضرائب الأساسي يقع على كاهل طبقة الفلاحين فكان الفلاح يدفع أولا: ضريبة العشر: وهى معادلة لعشر المحصول مضافا إليه 2,5% فرضتها الحكومة العثمانية للمجهود الحربي أثناء الحرب العظمى، وقد أصبحت هذه الضريبة تجبى نقدا اعتبارا من عام 1920، وقد أصبحت في سنة 1925 تعادل 35% من إيراد الأرض الصافي.
ثانيا: ضريبة البيوت والأراضي: وكان مقدارها 36,2% على الأراضي و28,2% على المباني، وفى سنة 1928 أصبحت الضريبة 12% من قيمة الإيجار وخففت إلى 9% بسبب احتجاج الأهالي، إلا إنها رفعت ثانية إلى 15% في إبريل سنة 1932، ولم تخفض بعد ذلك رغم كثرة الاحتجاجات.
 وهكذا لجأت الإدارة البريطانية إلى إفقار الفلاح الفلسطيني لإرغامه على بيع أرضه أو إغراقه في الديون حتى تصادر أرضه وفاء لديونه، ثم تنتقل هذه الأراضي بعد ذلك إلى اليهود الذين كانت تتاح لهم في نفس الفترة كل الوسائل لتملك هذه الأراضي. ورغم كل هذه الظروف الصعبة فقد كان الكثيرون من الفلاحين الفلسطينيين حريصين على عدم بيع أراضيهم إلى اليهود إلا أن كبار الملاك من العرب كانوا يقومون بدور الوسطاء فيشترون الأراضي منهم ويبيعونها لليهود.
4)    قوانين مصادرة الأراضي وتيسير انتقال الأرض لليهود:
 كذلك لعبت إدارة الانتداب البريطاني في فلسطين دورا في تيسير انتقال الأرض لليهود بكل الوسائل فلم تكتف بفرض الضرائب الباهظة وإغراق الفلاح الفلسطيني في الديون ولكنها عمدت كذلك إلى إصدار القوانين التي تيسر انتقال الأراضي إلى اليهود وإلى إصدار قرارات وقوانين بمصادرة أراضي الفلاحين العرب لصالح حكومة الانتداب لتقوم بعد ذلك بنقل ملكيتها إلى اليهود.
 ففي فبراير سنة 1921 أصدر هربرت صمويل قانونا عدل به قانون الأراضي العثماني تم بمقتضاه انتقال معظم الأراضي التي كانت مملوكة للدولة العثمانية إلى أيدي اليهود. وقد أستخدم المندوب السامي البريطاني مطلق صلاحيته في إصدار التشريعات الخاصة بإجراءات نزع ملكية العربية بالذات دون اليهودية؛ فاستنادا إلى (قانون امتلاك الأراضي للجيش سنة 1920) أصدر هربرت صمويل في أول يونيو سنة 1921 أمرا بالاستيلاء على 3390 ذراعا مربعا من أرض تعرف بكرم أبو حسين بمدينة القدس. وفى أغسطس سنة 1924، استولت الحكومة على 3313 دونم من أرض قرية صرفند العربية، وقد انتقلت كل هذه الأراضي فيما بعد إلى اليهود.
وفى يوليو سنة 1926 صدر قانون نزع الملكية المعدل وأصبح نافذ المفعول في أغسطس سنة 1926 بحيث سمح للحكومة البريطانية بالاستيلاء على أية أراضي لازمة للاستيطان اليهودي. ورفع أهالي غزه عريضة احتجاج على القانون الذي اعتبروه مكيدة لاغتصاب أملاك وأراضي أهل البلاد بعد أن أغتصب حقهم السياسي وهو مقدمه لتمليك الشركات اليهودية أراضي أصحاب البلاد بعد أن عجزت عن شرائها من أربابها. ورفعت الناصرة مذكرة احتجاج أخرى ذكرت فيها: "إن القانون لم يسن إلا ليكون سلاحا قاطعا بأيدي أعداء البلاد وخصوم الأمة ليتمكنوا من الاستيلاء على أملاك الأهالي واغتصابها والتصرف بها باسم المشاريع العمومية"...
 ومع ذلك استمرت عمليات نزع ملكية الكثير من الأراضي العربية بحجة المشاريع العمومية ولم تسلم حتى أراضي الأوقاف الإسلامية من قوانين نزع الملكية. وفى سنة 1937 أقترح تقرير لجنة بيل الملكية تعديل صياغة بعض مواد صك الانتداب البريطاني على فلسطين بهدف توفير الأرض للاستيطان الكثيف من قبل اليهود.
 وهكذا فقد لعبت الإدارة البريطانية دورا مهما في انتقال الأراضي إلى اليهود من خلال القوانين التي تيسر هذا الانتقال ومن خلال قرارات وقوانين المصادرة التي كان يصدرها المندوب السامي البريطاني والتي تم بمقتضاها مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي التي يملكها صغار الفلاحين العرب بحجج مختلفة لصالح الإدارة البريطانية التي كانت تقوم بعد ذلك بإعادة بيعها لليهود.
5) استخدام الإرهاب المسلح في طرد السكان:
 لم يكتفي الصهاينة بكل ما سبق، ولكنهم نظرا لرفض الغالبية العظمى من الفلسطينيين بيع أراضيهم، ونظرا للمقاومة الباسلة للشعب الفلسطيني، لجأوا إلى الإرهاب للتخلص من الفلسطينيين حتى يتمكنوا من الاستيلاء على أراضيهم، وهذا أسلوب بدأته إدارة الانتداب البريطاني التي كانت تطرد الفلاحين العرب من الأراضي المصادرة أو تلك التي يبيعها ملاكها الكبار مستخدمة العنف والقوة المسلحة حتى تسلم الأراضي لليهود خالية من مستأجريها من الفلاحين العرب. كما استخدمت إدارة الانتداب أسلوب العقوبات الجماعية ونسف المنازل لإرغام الفلسطينيين على ترك أراضيهم.
 ومنذ منتصف الثلاثينيات برز الدور اليهودي في عمليات الإرهاب المنظمة ضد السكان العرب للتخلص منهم إما بقتلهم أو طردهم؛ لقد لجأت المنظمات الإرهابية الصهيونية إلى قتل المواطنين الفلسطينيين وتدمير القرى وإحراقها لإشاعة حالة من الذعر ولإرغام الأهالي العزل من السلاح على مغادرة أراضيهم وقراهم ليستولي عليها اليهود، وقد نجحت هذه السياسة الإرهابية إلى حد كبير في اقتلاع الآلاف من السكان الفلسطينيين من أرضهم.
 فعندما قامت منظمات المستعمرين الصهاينة وعصاباتهم الإرهابية المسلحة بإعلان دولة إسرائيل على جزء من التراب الوطني الفلسطيني كان مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني قد أرغموا على مغادرة ديارهم وترك أراضيهم تحت وطأة الإرهاب العنصري الذي مارسته المنظمات الصهيونية ضدهم تحت حماية دولة الانتداب على فلسطين. وكانت السنوات القليلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد شهدت تصعيدا واضحا في العمل الإرهابي الصهيوني الموجه ضد أصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينيين والأمثلة على العمليات الإرهابية التي مارستها العصابات الصهيونية بهدف إرهاب الفلسطينيين وتخويفهم وإرغامهم على الرحيل عن أرضهم عديدة، لعل أشهرها مذبحة دير ياسين التي قامت فيها عصابات الأرجون وشترن في 9أبريل سنة 1948 بإزالة قرية دير ياسين أحدى قرى القدس (700نسمة) من الوجود، بهدف إلقاء الرعب في قلوب العرب.
 وأستخدم الإرهابيون الصهاينة في المذبحة طائرة و100 دبابة ضد سكان القرية الذين لم يكونوا يملكون سوى 600 بندقية و4 رشاشات وتم في هذه المذبحة إبادة كل من بقى بالقرية بما فيهم النساء والشيوخ والأطفال وتهديم كل منازلهم.
 وبلغ عدد القتلى الفلسطينيين خلال شهر واحد فقط هو إبريل سنة 1948 ما يزيد على 1500 فلسطيني.
ويقول المؤرخ الصهيوني اريه بتسمانى عن هذه المذابح: إنه في بلد واحدة قتل ستون من الأعداء (يقصد الفلسطينيين) في منازلهم من غير المقاتلين وقد كان من المستحيل تفادى ضرب النساء والأطفال، وفى بلدة أخرى تم تفجير 20 منزلا بسكانهم وقتل حوالي 60 من العرب معظمهم من النساء والأطفال.
 بينما يقول الإرهابي مناحم بيجين ورئيس وزراء العدو وزعيم عصابة الأرجون التي نفذت مذبحة دير ياسين مفاخرا: إنه استولى على العرب في جميع أنحاء فلسطين بعد مذبحة دير ياسين، رعب لا حد له وأخذوا يهربون للنجاة بأرواحهم.
 وقد تحولت العمليات الصهيونية خلال الأسابيع القليلة التي سبقت 15 مايو سنة 1948 إلى عمليات حربية واسعة النطاق تدعمها مباشرة أو غير مباشرة قوات الاحتلال البريطاني، وعرف التحرك العسكري الصهيوني بخطة داليت وهى خطة هجومية للاستيلاء على الأراضي العربية مع الانسحاب البريطاني منها، استهدفت السيطرة على المناطق المخصصة لليهود وفقا لقرار التقسيم، ثم التوسع خارج الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة للدولة اليهودية خلال فترة وجيزة واحتلال أجزاء واسعة من فلسطين وطرد أهلها منها وتدمير القرى العربية بأكملها.
 إن هذه الحملة الإرهابية الواسعة التي مورست خلالها أبشع أشكال الإرهاب التي عرفها التاريخ الحديث ـ قبل مذابح لبنان الأخيرة ـ قد نجحت في إرغام عشرات الآلاف من الفلسطينيين على ترك أراضيهم، وعندما هزمت جيوش الدول العربية في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى سنة 1948 وتمكنت الدولة الصهيونية من الاستيلاء على مزيد من الأرض أرغمت آلاف جديدة من الفلسطينيين على الهجرة وترك أراضيهم.
 وبعد فإن الحقائق التاريخية ترد على الأكذوبة الاستعمارية الصهيونية التي ترددت بيننا والتي تقول بان الفلسطينيون قد باعوا أرضهم لليهود فالأرقام تكذب هذا الافتراء فلم يملك اليهود يوم إعلان دولتهم أكثر من 9،1% من أرض فلسطين والحقائق كذلك تكذب هذا الافتراء فهذا الجزء الذي نجح اليهود في الاستيلاء عليه قبل 15 مايو 1948 كانوا قد حصلوا عليه عن طريق:
الشراء من كبار الملاك الغائبين وعن طريق سياسة إدارة الانتداب البريطاني التي أرهقت الفلاح الفلسطيني بالضرائب وعن طريق قرارات المصادرة المستمرة للأراضي العربية واستخدام الإرهاب المسلح والعنف لتصفية الفلسطينيين.
الأهداف الاستعمارية وراء أكذوبة بيع الأرض: إن هذا القول الذي روجه الاستعمار والصهاينة في صفوفنا منذ أكثر من أربعين سنة له أهداف شديدة الخطورة، فالقول بان اليهود قد اشتروا أرض فلسطين يقصد منه أن الأراضي الفلسطينية قد أصبحت أرضا لهم بحق الملكية وبالتالي فإنهم قد أسسوا دولتهم على أراضى مملوكة لهم لم يعد للفلسطينيين حق فيها بعد أن تنازلوا عنها بالبيع. فهذه الأكذوبة إلى جانب مجموعة الأكاذيب الصهيونية الأخرى هي محاولة لإعطاء نوع من الشرعية لاحتلال الصهاينة للأراضي الفلسطينية وتأسيس دولتهم في سنة 1948 اغتصابا للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني صاحب الأرض والوطن.
 إن الصهاينة بعد أن تسللوا إلى قلب وطننا العربي واحتلوا فلسطين يريدون أن يحتلوا عقولنا ويقنعوننا بمشروعية اغتصابهم لبلادنا بترديد هذا القول العاري من الصحة، والذي لا يمنحهم ـ حتى في حالة صحته ـ الحق في إقامة دولة على حساب الشعب الفلسطيني وبالاغتصاب لأرضه ووطنه فلسطين.
 الجانب الأخر والخطير في هذه الأكذوبة الاستعمارية هو تصوير الشعب الفلسطيني المناضل الذي قدم آلاف الشهداء دفاعا عن أرضه ووطنه بصورة مشوهة غير حقيقية، وتصوير الفلاح الفلسطيني في صورة التاجر الذي يسقط أمام الذهب. فيبيع أرض وطنه لليهود ليقيموا دولتهم عليها. والنتيجة التي تترتب على ذلك هي أن هذا الشعب الذي باع أرضه ووطنه لا يستحق منا أن نقف إلى جانبه وندعم نضاله ومطالبه المشروعة بإقامة دولته الديمقراطية على كامل ترابه الوطني. وبهذا يتحقق هدف استعماري صهيوني أساسي وهو الإنفراد بكل شعب من شعوب منطقتنا العربية على حده. وكسر إرادة المقاومة العربية للاستعمار الصهيوني.
 وقد عمد أعوان الاستعمار في مصر منذ الثلاثينات والأربعينات وحتى اليوم إلى ترديد تلك الأكذوبة واستخدامها في تشويه صورة الشعب الفلسطيني، وقد أصبحت هذه الأكذوبة من كثرة ترديدها حقيقة راسخة في ذهن البعض، وغابت الحقيقة في ضباب الأكاذيب، وقد رأينا كيف أن هذه القصة قصة مختلفة لا أساس لها من الصحة. وأن الصهاينة لم يكونوا ليستطيعوا إقامة دولتهم لولا ما قام به الاستعمار البريطاني ثم الأمريكي من أجل خلق هذه الدولة التي زرعت في الوطن العربي لتحمى المصالح الاستعمارية الغربية في بلادنا.

السبت، 4 أبريل 2015


بكرة حد السعف للكنائس الشرقية وعيد القيامة للكنائس الغربية
كل سنة وأنتم طيبين


منمنمة من مخطوطة سريانية "قراءات الأناجيل" نسخت سنة 1220 م في دير مار متى بالقرب من الموصل، تمثل المنمنمة مشهد دخول السيد المسيح عليه السلام إلى القدس، نشرها ريتشارد إتنكهاوزن في كتابه "فن التصوير عند العرب"، ويبدو في المنمنمة وفقا لإتنكهاوزن تأثير مدارس التصوير العربية خاصة المدرسة العراقية على التصوير الديني المسيحي في المشرق العربي، ويبدو هذا التأثير واضحا في أسلوب رسم الملابس وتصوير الوجوه.
 

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...