الاثنين، 25 يوليو 2022

أيام الثقافة المصرية في جينف ... امتزاج الكلمة والصورة

 

أيام الثقافة المصرية في جينف

امتزاج الكلمة والصورة

عماد أبو غازي



  الزمان: الساعة الثانية وخمسة وأربعون دقيقة من بعد ظهر يوم الأربعاء 30 أبريل سنة 2008.

  المكان: سراي المعارض الكبرى (بالكسبو) بمدينة جنيف.

  المناسبة: افتتاح صالون جينف الدولي الثاني والعشرين للكتاب والصحافة.

  الحدث: وصول السيد باسكال كوشبان رئيس الاتحاد الفيدرالي السويسري إلى بالكسبو، حيث كان في استقباله السيد بيير مارسيل فافر مدير الصالون وكبار المدعويين ورؤساء الوفود المشاركة، وقام رئيس الاتحاد السويسري بقص الشريط وتفقد الأجنحة الرئيسية للصالون.









 في الساعة الثالثة وخمسة وثلاثين دقيقة وصل الموكب إلى الجناح المصري وكان في استقباله الدكتور ناصر الأنصاري رئيس الوفد المصري نيابة عن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة، وحضر افتتاح الجناح المصري المفكرين والأدباء والكتاب المصريين الذين شاركوا في البرنامج الثقافي المصري بالصالون ومنهم: محمد سلماوي وجابر عصفور وزينب رضوان وآدم حنين ووحيد عبد المجيد وجاب الله علي جاب الله وإبراهيم أصلان وفايزة هيكل وغيرهم...

 كما حضر الافتتاح عدد من المصريين المقيمين بجنيف والذين شاركوا في أنشطة الجناح المصري ومنهم رشيدة تيمور وفوزية أسعد وجميل عطية إبراهيم وليلى الوكيل وفوزية العشماوي.....

 وقدم الدكتور فتحي صالح عرضا لكلتوراما الثقافة والحضارة المصرية، ثم قدم تخت شرقي من دار الأوبرا المصرية مقطوعة موسيقية.




 لقد استضافت مدينة جينف السويسرية على مدى خمسة أيام الثقافة المصرية ضيفًا للشرف في صالون جينف الدولي للكتاب والصحافة، ويعد صالون جنيف للكتاب والصحافة، ثاني أهم معرض فرانكفوني للكتاب بعد معرض باريس، وفي هذا العام انعقدت الدورة الثانية والعشرين للصالون الذي يعد حدثًا ثقافيًا مهمًا في مدينة جنيف السويسرية، ويختار الصالون الذي تنظمه هيئة ثقافية مستقلة في كل عام دولة لتكون ضيفًا للشرف، في هذه الدورة وقع الاختيار على مصر.

 وعلاقة مصر بالكتاب وصناعته قديمة قدم تاريخ مصر المكتوب الممتد لأكثر من خمسة آلاف عام، فقد ابتكر المصرى القديم الكتابة التصويرية فى الآلف الرابع قبل الميلاد، كما اخترع المصريون القدماء البردى كمادة للكتابة، وسرعان ما كان للمصريين إنتاجًا فكريًا مدونًا على أوراق البردى وعلى جدران المقابر والمعابد، وفى العصر البطلمى احتضنت الإسكندرية أكبر مكتبة فى العالم القديم، وعبر مصر عرف العالم الكتاب المجلد نقلاً عن الأحباش، وعرف المصري الكتاب كوعاء للمعرفة عبر عصور حضارته مدونًا بالأقلام واللغات التي تتابعت على أرض مصر، الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية من الأقلام المصرية القديمة، ثم اليونانية والقبطية والعربية وإذا كانت فترة العصور الوسطى قد خلفت عشرات الآلاف من المخطوطات العربية والقبطية واليونانية فى مصر، وعرفت لفترة محدودة أشكالًا من ألواح الطباعة، فإن طباعة الكتاب بالمطابع الحديثة لم تستقر في مصر إلا فى القرن التاسع عشر الميلادى في عصر محمد علي، وفى ذلك القرن أيضًا ـ القرن التاسع عشر ـ دخلت الصحافة إلى مصر، ومنذ ذلك الحين تطورت الصناعاتان تطورًا كبيرًا.

                                    ***************

 اتسم الجناح المصري بالتميز، لقد صمم هذا الجناح مصمم مصري متميز هو المهندس محمد عبد الكريم الذي أخرج تحفه فنية تجمع بين عراقة الحضارة المصرية القديمة في واجهة معبد سوداء ضخمة يعبر الزائر من خلالها إلى ساحة مفتوحة مضيئة تسمح بزيارة سلسة مريحة بين أرفف الكتب، هذه الأرفف تبسيط لأعمدة المعبد.






**************

 ولم تقتصر مشاركة مصر في صالون جينف على عرض الكتب المصرية والذي شارك فيه قرابة عشرين دار نشر حكومية وخاصة، ولا على القسم الذي ضم أعمال الكتاب والروائيين والباحثيين المصريين المترجمة إلى الفرنسية وإلى غيرها من اللغات الأوروبية والذي ضم كذلك مؤلفات متنوعة عن مصر وحضارتها العريقة وثقافتها المعاصرة، لكن الجناح المصري اشتمل كذلك على برنامج ثقافي متنوع، تضمن مجموعة من الأنشطة الثقافية داخل المعرض وخارجه تعكس واقع الثقافة المصرية الراهن وتراث مصر الثقافى والحضارى، حيث قدم الجناح المصرى عرضًا تفاعليًا عن التراث الحضاري المصري، بالإضافة إلى مجموعة من الندوات والأنشطة الثقافية تدور حول موضوعات وقضايا مختلفة، تناقش الخصوصية الثقافية والعولمة، والترجمة وحوار الحضارات، والمرأة فى الثقافة العربية، ومسيرة المرأة المصرية في العصر الحديث. وخصص البرنامج ندوات تتناول الفنون والأنواع الأدبية المختلفة في مصر حديثها وقديمها، فهناك ندوة حول مئوية السينما المصرية، وأخرى بعنوان مئة عام من الفن التشكيلى فى مصر، وندوة ثالثة عن تطور الرواية العربية في مصر من خلال الدور البارز لنجيب محفوظ، وأخرى عن توفيق الحكيم وتطور المسرح المصرى، ثم ندوة عن آثار مصر القديمة.



  وأقيم أسبوعًا للسينما المصرية على هامش المعرض، شمل عروضًا لخمسة أفلام مصرية لخمسة مخرجين يمثلون مدارس وأجيال مختلفة، صلاح أبو سيف وفيلمه القاهرة 30 المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ القاهرة الجديدة، توفيق صالح وفيلمه يوميات نائب في الأرياف عن رواية توفيق الحكيم، ويوسف شاهين وفيلمه الأرض عن رواية عبد الرحمن الشرقاوي، ثم المومياء لشادي عبد السلام، ويادنيا يا غرامي لمجدي أحمد علي.

 كما صاحب ندوة مئوية السينما المصرية التي تحدثت فيها سلمى مبارك عرضًا لأول فيلم مصري روائي قصير صامت، فيلم برسوم يبحث عن وظيفة (1923) للمخرج الرائد محمد بيومي، وقد لفت الفيلم انتباه الجمهور السويسري حيث كشف عن التطور المبكر لفن السينما في مصر.





*****************

 لقد تميزت المشاركة المصرية في صالون جينف بامتزاج الكلمة بالصورة، كما تميزت بكثافة المرئي وتنوعه، بدأ من كلتراما التراث المصري، التي كانت تستقبل زائر الجناح المصري، والتي حققت نجاحًا في التعريف بالحضارة المصرية عبر عصورها المتوالية، وتعد كالتراما التراث المصري من الإنجازات المهمة لمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقرية الذكية، والبانوراما عرض يعتمد على التقنيات الحديثة وعلى إمكانيات الكومبيوتر في تقديم صورة حية للحضارة المصرية منذ أقدم العصور، وهذا المشروع من ابتكار الدكتور فتحي صالح ويعاونه في العرض مجموعة متميزة من الشابات والشبان الذين يقدمون نموذجًا تفخر به مصر، وقد كان هذا العرض الذي يقدم من خلال تسع شاشات كومبيوتر عملاقة يستقبل الزائرين في مدخل الجناح المصري ويعاد عرضه خمس مرات على مدار اليوم يلقى إقبالًا غير عادي.



***************

 ولم تقدم الآثار من خلال الكلتراما وحدها، بل كانت الآثار المصرية موضوعًا لندوة شارك فيها ثلاثة من علماء المصريات جاب الله علي جاب الله وفايزة هيكل وجون ليك شاباز، كانت الندوة مصحوبة بعرضين مصورين الأول حول اكتشافات الآثار الغارقة، الموضوع الذي تحدث عنه الدكتور جاب الله في محاضرته، والثاني عن تجسدات الحضارة المصرية في التخطيط العمراني والعمارة والآثاث في أوروبا، العرض الذي صاحب محاضرة الدكتورة فايزة هيكل عن الولع بمصر أو الإيجيبتومانيا.



****************

 وبقدر ما كان للحضارة المصرية القديمة حضورها الذي تضاعف من خلال معرض مصاحب للآثار المصرية والمستنسخات بقاعة المعارض الرئيسية، كان للفن التشكيلي المصري المعاصر نصيبًا من خلال ندوة عن مئوية الفنون الجميلة في مصر شارك فيه الفنانون آدم حنين وأحمد فؤاد سليم ومحمد بغدادي الذي تحدث عن فن الخط العربي في محاضرة مصحوبة بعرض مصور لتطور هذا الفن.



*****************

 كما قدمت الفنانة نازلي مدكور معرضًا رائعًا في ركن من أركان الجناح المصري عرضت فيه نسخة من التحفة الفنية التي انجزتها، ليالي نجيب محفوظ مصحوبة برسوم نازلي مدكور، وهي طبعة محدودة حيث أن رسوم جميع النسخ أصول جرافيكية ملونة وموقعة من الفنان، وقد جذبت نسخة الكتاب التي عرضت في خزانة زجاجية مغلقة الجمهور السويسري، وقد أحاطت بالكتاب نسخة من اللوحات نفسها.

*****************

 أما العمارة المصرية الحديثة فقد حضرت من خلال معرض الملصقات الذي نظمته الدكتورة ليلى الوكيل أستاذة العمارة بجامعة جينف وعضو الجمعية المصرية السويسرية، وقد ضم المعرض اثنا عشر ملصقًا لعمارة القاهرة الخديوية، وقدم نماذج من تلك العمارة التي ترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.




**************

 أما المعرض الثاني الذي شاركت به مصر بالتعاون مع المؤسسة الثقافية السويسرية (بروهلفتيا) كان معرض الشيخ إبراهيم بوركهارت وضم ثمانية عشر لوحة كبيرة رسمت أوائل القرن التاسع عشر تحكي حياة الرحالة السويسري يوهان لودفيج بوركهارت، الذي زار المشرق العربي فى مطلع القرن التاسع عشر وقام برحلة إلى مصر وبها مات ودفن عام 1817.

 لقد ولد بوركهارت في مدينة لوزان في 25 نوفمبر من عام 1784 وأمضى طفولته في مدينة بازل في منزل أسرته الذي تحول الآن إلى متحف، وقد تلقى الصبي الصغير تعليمه الأولي مع أخواته على أيدي مدرسين خصوصيين بمنزل أسرته ببازل، وفي سن السادسة عشرة سافر ليدرس القانون والفلسفة والتاريخ في مدينتي لايبزيج وجوتيجن بألمانيا حاليا، وقضى هناك خمس سنوات بين عامي 1800 و1805، كانت عائلته تعده للعمل في المحاماة أو الدبلوماسية أو التجارة، لكن الأقدار كانت تخبئ له مسارًا آخر.

 عندما عاد الشاب يوهان لودفيج بوركهارت وهو في الحادية والعشرين من عمره إلى بازل لم يجد عملًا بسهولة، فسافر بعد فترة إلى لندن بحثًا عن عمل هناك، لكنه لم يوفق رغم ما كان يحمله من شهادات دراسية ورسائل توصية، وبعد عامين من المعاناة حصل الشاب على أول وظيفة له في لندن، وهنا لعبت المصادفة دورًا كبيرًا في تغيير مسار حياته، وفي دفعه إلى علاقة بعالم جديد لم يفكر في اقتحامه من قبل، أفريقيا والشرق، إلتقى بوركهارت بالسير جوزيف بانكس رئيس الجمعية الأفريقية، أو "جمعية تشجيع اكتشاف المناطق الداخلية من أفريقيا" التي تأسست عام 1788 في لندن، فحتى ذلك الحين لم يكن لدى الأوروبيين معرفة دقيقة بالأجزاء الداخلية من القارة الأفريقية، وكانت معرفتهم قاصرة على المناطق الساحلية وقليل من الأجزاء الداخلية من بعض البلدان مثل مصر، وقام السير بانكس بإلحاق بوركهارت بالجمعية وكلفه بالسفر إلى وسط وغرب أفريقيا، إلى حوض النيجر عبر مصر، وعند هذه النقطة تحولت حياة بوركهارت تمامًا.

 كانت الرحلة تحتاج إلى إعداد خاص للتمكن من تحقيق أهدافها، فقامت الجمعية الأفريقية بإرسال بوركهارت إلى جامعة كمبردج لتعلم اللغة العربية، ودراسة الكيمياء والفلك وعلم الفلزات والطب.

 وفي شهر فبراير من عام 1809 بدأ بوركهارت ـ ولم يكن قد بلغ الخامسة والعشرين بعد ـ الرحلة إلى الشرق، أبحر متجها إلى مالطا، ومنها إلى مدينة حلب السورية التي وصلها في شهر يوليو، وقضى هناك ثلاث سنوات لمزيد من تعلم اللغة العربية والتعرف على الثقافة المحلية في منطقة المشرق العربي، وأثناء إقامته في حلب أطلق بوركهارت لحيته على الطريقة الشرقية وارتدى ملابس عربية وسمى نفسه الشيخ إبراهيم بن عبد الله، ثم أعلن اعتناقه الإسلام واتجه إلى دراسة القرآن.

 وخلال إقامته بحلب قام بوركهارت بالترحال في المناطق المحيطة بها، فتجول بين عدد من المدن السورية كما توجه إلى شمال العراق، وزار المناطق الأثرية في تدمر في سوريا وبعلبك في لبنان، وفي يونيو من عام 1912 توجه إلى مصر ليبدأ في تنفيذ مهمته الأفريقية.

 وفي طريقه إلى مصر مرورا بفلسطين وشرق نهر الأردن مر بأطلال مدينة البتراء وكتب عنها: "صرفت فترة 15 يوما في الصحراء ما بين البحر الميت والبحر الأحمر .... وفي وسط المسافة بين البحرين تقوم آثار مدينة مهيبة تقع في وادي موسى، ويُحتمل أن تكون البتراء، فيها نشاهد مدافن ذات زخرفة منحوتة في الصخر، وبقايا معابد وقصور ومدرجات وقنوات مياه وغيرها من الغرائب والروائع النادرة التي تجعل هذه المدينة أكثر إثارة للاهتمام من أي شيء أخر شاهدته في حياتي".











 وفي سبتمبر 1812 وصل الشيخ إبراهيم إلى القاهرة لينتقل منها إلى قلب أفريقيا مع قافلة فزان، ولكن تأخر موعد القافلة وحبه للاكتشاف دفعه لاستثمار الوقت في رحلة خطط لها أن تكون قصيرة في الصعيد، وطالت الرحلة، وقادته إلى عوالم جديدة. غادر القاهرة في خريف سنة 1812 إلى أسنا ومنها توجه إلى بلاد النوبة، حيث سجل ملاحظاته حول عادات أهل النوبة وشمال شرق السودان وعادات البدو في المناطق الصحراوية، كما شاهد آثار جنوب مصر وبلاد النوبة، ودون مشاهدته للأجزاء الظاهرة من أحد معبدي أبو سمبل المطمور تحت الرمال، وكان ذلك قبل اكتشاف بلزوني الإيطالي للمعبد بأكثر من ثلاثين عامًا، وإن كان اهتمامه الأكبر في تلك الرحلة قد انصب على دراسة المراكز التجارية وطرق التجارة.

 وفي صيف عام 1814 عبر بوركهارت البحر الأحمر من سواكن إلى جدة ومنها إلى مكة والمدينة حيث مكث هناك ثلاثة أشهر أدى خلالها فريضة الحج، وعاد إلى القاهرة منتصف سنة 1815، ومنها قام برحلة سريعة إلى سيناء ثم استقر بالقاهرة إلى أن مات بتسمم غذائي في 15 أكتوبر سنة 1817 ودفن بمدافن باب النصر.

 وقد اقتنى بوركهارت خلال رحلته بالشرق عشرات المخطوطات العربية النادرة، كما خلفت رحلاته عددًا من الأعمال المهمة: أولها ترجمة لروبنسن كروز إلى العربية هي الأولى من نوعها، وثلاث رحلات: رحلة إلى النوبة وبلاد السودان، ورحلة في سوريا والأراضي المقدسة، ورحلة في الجزيرة العربية، ثم كتاب ضمنه ملاحظاته على البدو والوهابيين، وكتاب آخر جمع فيه الأمثال العربية الشائعة في مصر، وقد ترجمت كل أعماله إلى العربية منذ خمسينيات القرن الماضي، عن طريق الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، والهيئة المصرية العامة للكتاب، وأخيرا المركز القومي للترجمة، وشكلت تلك الكتب مصدرًا مهمًا لدراسة تاريخ الشرق في تلك المرحلة، كما قدم لنا بوركهارت معرفة تاريخية جديدة عن مصر والعوالم المحيطة بها من خلال رؤية عين فاحصة مدققة.

 وقد جاء هذا المعرض في سياق محور من محاور النشاط الثقافي بعنوان "سويسريون في مصر" في محاولة لتقديم نماذج للإسهامات السويسرية في الحياة المصرية خصوصًا في القرنين التاسع عشر والعشرين، فالعلاقات الثقافية والحضارية بين مصر وسويسرا قديمة ممتدة، من خلال بعض الشخصيات السويسرية التي لعبت دورًا في الحياة المصرية، فهي تعود إلى بدايات القرن التاسع عشر ـ على الأقل ـ حيث لعبت شخصيات سويسرية عديدة أدوارًا مهمة فى الحياة الثقافية والفنية والسياسية والاجتماعية فى مصر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، من أمثال هذه الشخصيات السويسرية: عالم الآثار الإسلامية ماكس فان برشم الذي اكتشف عددًا كبيرًا من النقوش الأثرية العربية ونشرها نشرًا علميًا وقدم بذلك خدمة مهمة لدراسة التاريخ والحضارة فى المنطقة العربية فى العصور الوسطى ومازالت مؤلفاته مرجعًا مهمًا لكل المشتغلين بالآثار الإسلامية وبعلم الكتابة العربية وبدراسة النقوش العربية، ويعد برشم من مؤسسي دراسات النقوش الأثرية العربية، وهناك في جنيف مؤسسة علمية سويسرية تحمل اسم ماكس فان برشم ويشرف عليها أحفاده، وقد حرص بعضهم على حضور الندوة التي تحدث فيها الدكتور خالد عزب عن ماكس فان برشم في الجناح المصري بصالون جنيف للكتاب، وربما تكون هذه المحاضرة فاتحة للتعاون بين مؤسسة برشم في سويسرا ومركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية.


 ومن هؤلاء السويسريون الذين عاشوا في مصر ولعبوا دورًا مهمًا في تاريخها السياسي جان نينيه رئيس الجالية السويسرية بمصر في عصر إسماعيل وتوفيق والذي عاصر أحداث الاحتلال البريطاني لمصر سنة 1882، وكان من المتعاطفين مع الحركة الوطنية المصرية والمؤيدين لها، وكتب عنها كتابًا، ويعد كتابه من المصادر الأوروبية المهمة المعاصرة لأحداث الصعود الوطني والديمقراطي في عصر الخديوي إسماعيل وللثورة العربية ثم الاحتلال البريطاني لمصر، وقد أنصف في كتاباته الحركة الوطنية المصرية، وفضح جرائم الاحتلال وموقف الخديوي توفيق الموالي للإنجليز، وقد ترجم الكتاب في العشرينيات من القرن الماضي إلى العربية واعتمد عليه مؤرخنا الكبير عبد الرحمن الرافعي في كتابه عن الثورة العرابية والاحتلال البريطاني لمصر، وقد أشرف العالم المصري الدكتور أنور لوقا الذي عاش في سويسرا على ترجمة رسائله من مصر التي صدرت في المشروع القومي للترجمة منذ سنوات وقام بترجمتها الكاتب والناقد فتحي العشري، وقد تحدث حلمي النمنم عن نينيه معتمدًا على كتابه ورسائله معرفًا بالرجل ودوره في الحياة المصرية.

 ومن بينهم أيضًا جروبي صاحب المحلات الشهيرة التي تحمل اسمه بالقاهرة والإسماعيلية، وهو الذي أدخل الحلوى والمخبوزات الغربية إلى المجتمع المصري فأدخل عادات اجتماعية وثقافية جديدة.

 ومنهم عديد من المعماريين السويسريين الذين ساهموا في تطوير عمارة المدن المصرية الحديثة، وقد نظمت الدكتورة ليلى الوكيل المصرية أستاذة العمارة بجامعة جنيف معرضًا لعمارة القاهرة الخديوية، مبرزة دور معماريين سويسريين في تحولات المدينة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

 ثم هناك الفنانة التشكيلية مارجو فيون التي عاشت فى مصر معظم سنوات عمرها وقدمت أعمالها التشكيلية متأثرة بأجوائها محققة المزج الثقافي والفني بين تراث الغرب والشرق، وقد أهدت أعمالها قبل وفاتها للجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأصدرت الجامعة كتابا عنها من تأليف السويسرية شارلوت هج التي تحدث في الندوة عن مارجو فيون، وقد تخلل المحاضرة عرضًا لمجموعة مهمة من أعمال الفنانة مارجو فيون.

 أما الرحالة السويسريون الذين زاروا مصر والأراضي المقدسة، فتحدثت عنهم كلود ريشارد في إطار حديثها عن مصر في عيون الرحالة الأوروبيين منذ العصور الوسطى.

***********

 من الأشياء التي لفتت انتباه الجمهور السويسري الذي توافد على الجناح المصري بكثافة أغلفة الكتب التي صممها الفنان عدلي رزق الله، فكانت سلسلة إبداعات التفرغ الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة تجذب الجمهور السويسري إليها، فيأخذون في تصفح الكتاب وتقليبه من الغلاف الأمامي إلى الغلاف الخلفي عسى أن يجدوا كلمة بلغة يستطيعون قراءتها ثم يتركون الكتاب ويمضون لحال سبيلهم، تكرر هذا المشهد عشرات المرات على مدى أيام المعرض الخمسة.







*********

















وقد حققت المشاركة المصرية نجاحا على كل المستويات، شهد به منظموا المعرض من السويسريين وشهدت به الصحافة السويسرية التي عبرت عن هذا النجاح من خلال رسم كاريكاتيري بكبرى صحف جنيف تحت عنوان مصر ضيف الشرف في صالون الكتاب والصحافة، يصور الكاريكاتير الأهرام المصرية وإلى جوارها كتاب مقلوب على شكل هرم يدخل الناس بين صفحاته ويخرجون، هكذا رأت الصحافة السويسرية مشاركة مصر في صالون الكتاب، وهكذا كانت حقا تلك المشاركة.

 مقالي في فنون مصرية 2008

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...