الاثنين، 10 أبريل 2023

جمعية محبي الفنون الجميلة مئة عام من العطاء للثقافة والفنون في مصر

 

 

جمعية محبي الفنون الجميلة

مئة عام من العطاء للثقافة والفنون في مصر

عماد أبو غازي

 عرفت مصر في القرن التاسع عشر المؤسسات الثقافية الحديثة، فخلال ذلك القرن وضعت أسس العديد من مؤسسات العمل الثقافي، والبعض منها يمارس نشاطه، ويلعب دوره في حياتنا الفكرية والثقافية والاجتماعية حتى الآن، وفي القرن العشرين أضيفت إلى تلك المؤسسات مؤسسات أخرى جديدة...

 وقد تفاوتت الدوافع والأهداف وراء إنشاء تلك المؤسسات واختلفت طبيعتها والجهات المسئولة عنها أو التي تقف وراء إنشائها، لكن هذه المؤسسات في مجموعها خلقت حالة من النشاط الثقافي في مصر، وجعلت منها نقطة استقطاب للمفكرين والمثقفين في المنطقة؛ بعض هذه المؤسسات أنشأتها الدولة في سياق إنشاء بنية الدولة الحديثة، وبعضها كان مؤسسات أهلية شكلتها تجمعات من المهتمين بالعمل الثقافي والاجتماعي، وكانوا في البداية خليطًا من أمراء أسرة محمد علي وأميراتها، وبعض المصريين الذين درسوا في الخارج، وبعض الأوروبيين المقيمين في مصر، بالإضافة إلى بعض المفكرين الشوام الذين انتقلوا للعيش في مصر.

 لقد سار العمل الثقافي منذ البداية في عدة مسارات: المسار الحكومي ومسار الصناعات الثقافية الربحية والنشاط الأهلي، ولعب النشاط الأهلي ممثلًا في الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني دورًا مهمًا في تطور الحياة الثقافية في مصر الحديثة، ورغم تراجع هذا الدور في بعض الفترات إلا أنه لم يتوقف أبدًا.

 ومن الجمعيات الأهلية التي لعبت دورًا مهمًا في مجال الثقافة بشكل عام والفنون التشكيلية بشكل خاص جمعية محبي الفنون الجميلة التي نحتفل بمئويتها الأولى هذا العام؛ وجمعية محبي الفنون الجميلة واحدة من ثمرات النشاط الأهلي في المجال الثقافي، بل لا نبالغ إذا قلنا إنها تعد بحق من أبرز ثمرات هذا النشاط في القرن العشرين، وذلك بما حققته من إنجاز، وما لعبته من دور، وما حافظت عليه من استمرار.

 جمعية محبي الفنون الجميلة وليده للتزاوج الذي جمع ما بين حركة البعث الوطني والفكري التي عاشتها مصر في مطلع القرن العشرين من جهة، والنهوض العام الذي أعقب الثورة المصرية سنة 1919 من جهة ثانية.

 تأسست جمعية محبي الفنون الجميلة يوم 22 مايو سنة 1922، وكانت بمعنى ما امتدادًا لجمعية سبقتها بسنوات قليلة ثم سلمت لها الراية، هي الجمعية المصرية للفنون الجميلة، كانت أهداف كلا الجمعيتين واحدة، وبعض المؤسسين هم نفس الأشخاص، وقد ترأس الجمعية عند بداية تأسيسها الأمير يوسف كمال الذي كان من أبرز الداعمين للثقافة والفنون والمؤسس لمدرسة الفنون الجميلة في مصر.

 لكن الرجل الذي تولى رئاسة الجمعية لفترة طويلة وارتبطت باسمه هو السياسي المصري محمد محمود خليل بك أحد رعاة الحركة الفنية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين.


 وقد توالى على رئاسة الجمعية بعد وفاة محمد محمود خليل عام 1953 رؤساء كان لكل منهم بصمته في مسيرة الجمعية، وهم أحمد صدقي وعطا عفيفي وعلي لبيب جبر وجمال عبد الرحمن وبدر الدين أبو غازي وسعيد الصدر وصلاح طاهر، ويتولى رئاستها الآن الدكتور أحمد نوار.







 وقد انضم للجمعية عند تأسيسها وفي السنوات التالية للتأسيس مجموعة من محبي الفنون الجميلة من المصريين والأجانب المقيمين في مصر، منهم: حافظ عفيفي والدكتور علي إبراهيم وشريف صبري وعلي الشمسي وجبرائيل تكلا وفؤاد أباظة ويوسف قطاوي ومن الفنانين محمد حسن ومحمد ناجي، ومن علماء الآثار الأجانب جاستون فييت وإيتين دريتون وبيير جوجيه.

 ومن أبرز من تولوا سكرتارية الجمعية فؤاد عبد الملك الذي لعب دورًا مهمًا في الانطلاقة الأولى للجمعية، وكان الرجل من بناة المؤسسات الثقافية في مصر، ومن أبرز منشأته متحف الشمع، من الأسماء البارزة التي تولت سكرتارية الجمعية محمد همام والفنان يحيى أبو حمدة.


 وعندما صدر قانون للجمعيات الأهلية في الخمسينات غيرت الجمعية اسمها في عام 1959 ليصبح "جمعية الفنون الجميلة" لكنها عادت إلى اسمها التاريخي مرة أخرى سريعًا، حيث يظهر الاسم في بعض مطبوعات عام 1962، ولكن المؤكد أن الاسم عاد بشكل رسمي في عام 1966 مع إعادة الإشهار بعد صدور قانون جديد للجمعيات سنة 1964.


 وعلى مدار مئة عام لعبت جمعية محبي الفنون الجميلة أدوارًا بارزة في الحياة الثقافية في مصر، وربما كان تنظيم المعارض الفنية من أهم أنشطة الجمعية التي لم تتوقف منذ تأسيسها، فخلال تاريخها الطويل نظمت جمعية محبي الفنون الجميلة مئات المعارض الفنية، ربما كان أهم إنجازاتها في هذا المجال صالون القاهرة خاصة في السنوات الخمسين الأولى من عمرها.

 لقد بدأ تنظيم صالون القاهرة قبل تأسيس جمعية محبي الفنون الجميلة، برعاية الأميرة سميحة حسين أبنة السلطان حسين كامل، وكانت فنانة تشكيلية، وشاركها في تنظيم الصالون ورعايته مجموعة من السيدات المصريات، وجاء تنظيم الصالون في سياق النهضة الفنية والثقافية التي صاحبت ثورة 1919، كما شاركت في البداية في تنظيمه الجمعية المصرية للفنون الجميلة ثم انتقلت مهمة تنظيمه والإشراف عليه إلى جمعية محبي الفنون بعد تأسيسها، وكان صالون 1924 أول صالون تنظمه الجمعية، أما صالون 1923 فلا يحمل كتالوجه اسم الجمعية أو شعارها، ولكن يشير إلى أنه يحظى بدعم دار الفنون والصنائع المصرية التي أسسها فؤاد عبد الملك، وهو نفسه الذي شغل منصب سكرتير عام جمعية محبي الفنون الجميلة لسنوات، وضم صالون 1923 قرابة 400 عمل فني، وتشكلت لجنة للمعرض من مجموعة السيدات برئاسة الأميرة سميحة حسين وكان الفنان راغب عياد المنسق الفني للمعرض.



 وتتوالى دورات المعرض بانتظام طوال العشرينيات والثلاثينيات، ويتوقف الصالون في ثلاث سنوات متفرقة في الأربعينيات ومطلع الخمسينيات بسبب كثافة أنشطة الجمعية على الأرجح، ثم يعود لينتظم مرة أخرى في الستينيات، إلى أن ظهر إلى جانبه المعرض العام الذي نظمته وزارة الثقافة، ورغم أن دورات الصالون تتواصل إلى الآن، إلا أن توقفه دوراته لمرات عدة منذ السبعينيات أدى إلى التفاوت بين عمر الجمعية المئوي ودورات الصالون التي لم تصل إلى الدورة الستين بعد، وفي كثير من الدورات كان الملك يفتتح الصالون بنفسه.


 إن استعراض كتالوجات صالون القاهرة عبر دوراته يقدم لنا جانبًا مهمًا من تاريخ الحركة الفنية في مصر، ففي كتالوج الصالون العاشر عام 1929 نجد قائمة بالأعمال المعروضة التي يصل عددها إلى 427 عملًا، وأغلب العارضين من الفنانين المصريين، لكن هناك عددًا من غير المصريين المقيمين في مصر منهم أتراك وإنجليز وفرنسيين وأرمن وسويسريين وإيطاليين ويونانيين وتشيك وأمريكان وألمان وروس ومجريين وفلسطينيين، وقليل من العارضين أجانب غير مقيمين، ومن اللافت للنظر عدد الفنانات العارضات، والأعمال مرتبة في الكتالوج حسب النوع الفني، وداخل النوع باسم الفنان، كذلك يضم المعرض 77 عملًا من الأعمال التي كانت الحكومة المصرية قد اقتنتها مؤخرًا في عامي، من بينها أعمال لكبار فناني العالم من أمثال بورديل ورودان وديجا، إلى جانب أعمال لفنانين وفنانات من مصر منهم مختار ومحمود سعيد ويوسف كامل وراغب عياد وأحمد صبري وجورج صباغ وحامد سعيد.


  وفي صالون 1929 يستمر دور مجموعة السيدات اللاتي أطلقن الصالون لأول مرة، وقد أصبحن يشكلن لجنة السيدات لجمعية محبي الفنون الجميلة.





 وتنشر الجمعية في الكتالوج ملخصًا لقانون الصالون الذي يحدد التزامات الفنان والتزامات الجمعية، وكان الكتالوج يباع بقرشي صاغ، ويتضمن عددًا من الإعلانات لمؤسسات مختلفة منها: دار الفنون والصنائع المصرية، ومحلات بوتشلاتي للأدوات الفنية، والبنك العثماني، والبنك العقاري المصري، ومشغل الاتحاد النسائي.

 ومن كتالوجات معارض الثلاثينات نكتشف مشاركة الجماعات الفنية، مثل جماعة الدعاية الفنية التي يشارك من أعضائها كل من حبيب جورجي وحسين بيكار ورمسيس يونان وشفيق رزق سليمان وصلاح طاهر ولبيب أيوب ونجيب أسعد ووهيب إلياس، وجماعة مرسم الإسكندرية التي شارك في الصالون عدد كبير من أعضائها، وبلغ عدد الأعمال المعروضة في الصالون الثامن عشر 597 عملًا.




 وفي المعرض التاسع عشر سنة 1939 تظهر مشاركة جماعة الدعاية الفنية وجماعة مرسم الإسكندرية بعدد أكبر من الفنانين، وفي المعرض العشرين سنة 1940 تستمر مشاركة جماعة الدعاية الفنية لكن بحضور أقل، ويختفي اسم رمسيس يونان الذي انضم لجماعة الفن والحرية، وتستمر مشاركة جماعة مرسم الإسكندرية، كما تشارك جماعة الخزافين المصريين بأعمال بعض فنانيها وفي مقدمتهم سعيد الصدر، ويخصص الصالون في هذه الدورة صالة خاصة للفنان الإيطالي المقيم بالإسكندرية أميل أمبرون يعرض  فيها 40 عملًا من أعماله، كما يخصص الصالون قسمًا لمشاريع الزخارف الخاصة بمعرض نيويورك عام 1939، ومن المشاركين في هذا القسم صدقي الجبخانجي ونحميا سعد وعبد العزيز صالح الذي أصبح فيما بعد أستاذًا للآثار المصرية بجامعة القاهرة وكان وقتها رسامًا بمصنع الصب بالمتحف المصري.

 وفي كتالوج صالون 1941 نجد للمرة الأولى أسماء أعضاء لجنة التحكيم التي ضمت: جورج ريمون ومحمد حسن ومحمد ناجي وأحمد عثمان وأحمد يوسف وستوبلر ورمسيس ويصا واصف وكريسويل، ثم فؤاد عبد الملك سكرتير اللجنة؛ وخصص الصالون في هذه الدورة صالة خاصة لمشاريع مسرحية (ملابس – أشخاص – مناظر) من ابتكار وتصميم صالح الشيتي، كما انفردت أعمال الحسين فوزي بصالة خاصة، كذلك عرض الصالون لوحات لمشاريع زخرفية لطلبة قسم الفنون الزخرفية بمدرسة الفنون الجميلة، وكان موضوعها السلم.


 وفي الخمسينات تطور الإخراج الفني لكتالوج الصالون، فنجد غلاف صالون القاهرة 35 في عام 1959 من تصميم الفنان الكبير سيف وانلي.


 ويكشف كتالوج صالون القاهرة 36 الذي نظمته الجمعية في مارس 1960 عن ملامح جديدة في الصالون، فالكتالوج يحمل الاسم الجديد للجمعية: "جمعية الفنون الجميلة"، مع إشارة في الغلاف الداخلي إلى اسمها السابق الذي احتفظت به على مدار سنوات عمرها التي كانت قد قاربت الأربعين وقتها، ويبدأ الكتالوج بكلمة تشير إلى قرار تغيير اسم الجمعية، وإلى انتخاب مجلس إدارة جديد لها وتشكيل مجموعة من لجان العمل، كما يرحب الصالون في هذه الدورة بمشاركة فنانين من "الإقليم الشمالي" للجمهورية العربية المتحدة (سوريا)، ويعلن عن اتجاه جديد في نشاط الصالون بتحديد موضوع خاص ليكون مجالًا خاصًا لمسابقة الصالون، وكان الموضوع المطروح: "من وحي النيل"، ولا شك في ارتباط الموضوع بالتقدم في العمل في مشروع السد العالي، وقسمت الجمعية في تلك الدورة المعرض بين قاعتي عرض، فخصصت صالة العرض في الجزيرة لمعروضات مسابقة من وحي النيل، بينما خصصت مبنى مقر الجمعية في جاردن سيتي للموضوعات العامة.



 ومن خلال كتالوج الصالون لعام 1960 نتعرف على أسماء جميع أعضاء الجمعية وقد بلغ عددهم 58 عضوًا وعضوة، كما نتعرف على منسقي المعرض محمد يوسف همام وريشار موصيري، وعلى لجنة الاختيار والتحكيم التي ترأسها أحمد صديق نائب رئيس الجمعية، وكان مقررها محمد يوسف همام أمين عام الجمعية، وضمت لجنة التحكيم ستة من أعضاء الجمعية، هم: أحمد عثمان وأحمد يوسف وسعيد الصدر وعبد القادر رزق وعثمان رفقي رستم وعلي إسماعيل، وأربعة من خارج الجمعية هم: أبو صالح الألفي وبدر الدين أبو غازي وسيد الغرابلي وولي الدين سامح، ويتضمن الكتالوج كذلك قوائم الفائزين بجوائز الصالون في دوراته من عام 1955 إلى عام 1959، ومن بينهم: عز الدين حمودة وسيف وانلي وزينب عبد الحميدوسيد عبد الرسول ومارجريت نخلة وتحية حليم وإنجي أفلاطون وخديجة رياض وعبد الهادي الجزار وكوكب يوسف وسعيد الصدر وصلاح طاهر ومنحة حلمي وصبري راغب وحامد عويس في التصوير، وكمال خليفة وجمال السجيني وحسن العجاتي ومنصور فرج ومحمد هجرس وأحمد عبد الوهاب ومحيي الدين طاهر وعبد الحميد حمدي وتحية هيكل وعايدة عبد الكريم في النحت؛ وكانت قيمة الجوائز تتراوح بين 100 جنيه وعشرة جنيهات، وبعض الجوائز باسم الجمعية، وبعضها الآخر جوائز ممنوحة من أفراد، وقد بدأت جوائز الأفراد من الصالون الرابع والثلاثين عام 1958.

 أما جوائز الصالون عام 1960 فكان مجموعها 450 جنيهًا، في مجالات التصوير والموزاييك والنحت والحفر، في مسابقة من وحي النيل، وفي مسابقة الموضوعات العامة منحت الجمعية ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية للفائزين، وقد حجبت لجنة التحكيم الجائزة الأولى (جائزة النحت) في المسابقتين، وشارك في الصالون الفنان حسن حشمت بستة أعمال من البورسلين، كما شارك 4 من فناني الإسكندرية هم بابا جورج وسيباستي وكارادجا ومحمود موسى بقسم خاص عرضوا به 8 أعمال في التصوير وعملين في النحت.

 أما كتالوج صالون القاهرة 37 في مارس 1961 فجاء فقير في طباعته قياسًا إلى كل الكتالوجات السابقة، فهو عبارة عن غلاف وأربع صفحات تتضمن قائمة المعروضات بالعربية والفرنسية فقط، واقتصر عدد الأعمال المشاركة على 118 عمل فقط، وعدد العارضين والعارضات على 74 فقط، كما تراجع بشكل واضح أسماء الفنانين العارضين من غير المصريين، واستمرت مشاركة فنانين من سوريا.



 واعتبارًا من عام 1966 في الدورة الثالثة والأربعين للصالون، أقيم المعرض بالقاهرة والإسكندرية بالتعاون مع متحف الفنون الجميلة الذي كان يتبع في هذا الوقت محافظة الإسكندرية.

وإذا انتقلنا إلى مرحلة السبعينيات فقد استضاف صالون القاهرة سنة 1971 النحات عبد القادر رزق كضيف شرف للصالون.


 وفي عام 1972 وفي سياق الاحتفال باليوبيل الذهبي للجمعية اتخذ صالون القاهرة شكلًا جديدًا فأقامت الجمعية ثلاثة معارض باسم صالون القاهرة؛ الأول لفن التصوير والثاني للحفر والثالث للاحتفاء بفن النحت في مصر، تحت عنوان: "ملامح من فن النحت المصري المعاصر، وقد افتتح معارض الصالون الدكتور عبد القادر حاتم نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام.





 وفي صالون القاهرة لعام 1973 والذي أقيم قسم منه بمتحف الفنون بالإسكندرية في صيف ذلك العام، اتخذ الصالون موضوع الإنسان في الفن المصري المعاصر محورًا رئيسيًا له، وكما جاء في مقدمة الكتالوج فإن الهدف كان "العودة إلى صورة الإنسان بعد أن طال بالفن المطاف في عالم الرموز والمجردات"، وشارك في المعرض 53 فنانًا وفنانة بخمسة وسبعين عملًا في التصوير والحفر والرسم والنحت.


 أما صالون القاهرة لعام 1977 فقد احتفل بدورته الخمسين، وحمل غلاف الكتالوج الذي صممه الفنان يحيى أبو حمدة صورة مركبة من أعمال أجيال من الفنانين المصرين من جيل الرواد والأجيال التالية، وقدم للصالون بدر الدين أبو غازي رئيس مجلس إدارة الجمعية بدراسة عن صالون القاهرة والحياة الفنية في مصر، ثم تضمن الكتالوج قائمة بمعارض الجمعية منذ عام 1924، وضم الصالون أعمالًا تمثل رحلة الصالون منذ بدايته حتى السبعينيات.


 وفي عام 1981 وفي إطار صالون القاهرة تنظم الجمعية صالونًا لفن الباتيك بقاعات الجمعية بجاردن سيتي، بعد أن نظمت الجمعية معرضًا لفنون الطباعة وكما يقول بدر الدين أبو غازي في تقديمه للصالون إن الهدف الدعوة إلى إفساح المجال وتهيئة الأسباب لنماء هذه الفنون في مصر، وضم المعرض أعمالًا في هذا الفن الذي ينتمي إلى الشرق لست فنانات هن أهداف عبد الحميد وزينب وهبة وسلوى شعبان وسهير عثمان وليلى لصاوي وهدى عبد الرحمن، والفنان توفيق زيادة، وتحمل مطوية صورة لوحة باتيك للفنان علي دسوقي.



 وفي دورة الصالون لعام 1984 التي عقدت بعد وفاة بدر الدين أبو غازي رئيس الجمعية بشهور قليلة تخصص الجمعية في كتالوج تلك الدورة مساحة لدراسة له عن تطور حركة الفنون في مصر، وفي الدورة الرابعة والخمسين لصالون القاهرة التي نظمتها الجمعية بالتعاون مع المركز القومي للفنون التشكيلية بقاعة النيل عام 1987، والذي شارك فيه 157 فنانًا وفنانة، قدم الفنان علي كامل الديب نائب رئيس الجمعية للصالون بكلمة في مطوية المعرض بعنوان "تعالوا نبني معًا هرم الثقافة والفنون المصرية" يشير فيها إلى عودة الصالون بعد توقف، ويؤكد قدرة الجمعية والصالون دومًا على تجاوز العقبات التي تحول دون انتظام الصالون.


 لكن دورات صالون القاهرة تتعثر، فطوال أكثر من ثلاثة وثلاثين عامًا بعد دورة 1987 التي تحمل رقم 54 لم تنعقد سوى 5 دورات فقط للصالون، في الدورتين الأخيرتين عامي 2018 (الدورة 58) و2020 (الدورة 59)، اتخذت كل دورة موضوعًا لها، فكان موضوع الأولى: الرسم الغاية والوسيلة، وموضوع الثانية الهالة والفرادة في الفن المصري المعاصر، وكنا ننتظر انعقاد صالون القاهرة في دورته الستين مع عام الاحتفال بالمئوية، لكنها لم تظهر لأسف! والجدير بالملاحظة أنه منذ الثمانينيات أصبح تنظيم المعرض مشاركة بين جمعية محبي الفنون الجميلة المركز القومي للفنون التشكيلية، الذي أصبح قطاعًا منذ نحو عشرين عامًا؛ فهل كان القطاع سببًا في تعثر الصالون؟


 ولا يقتصر دور جمعية محبي الفنون الجميلة على صالون القاهرة رغم أهميته؛ فعلى مدار ستة عقود تنظم جمعية محبي الفنون الجميلة معرض ومسابقة الطلائع لشباب الفنانين تحت سن الثلاثين، والذي يعكس حرص الجمعية على تشجيع الموهبة الفنية الشابة إلى جانب احتفائها بكبار الفنانين، وقد قدم هذا المعرض عشرات الفنانين والفنانات الذين أصبحوا علامات في المشهد الفني المصري من الستينيات وكانت بداية مسيرتهم من خلال معرض الطلائع ومسابقته.







 كذلك اهتمت الجمعية بالتصوير الفوتوغرافي منذ الثلاثينيات، فنظمت صالونًا للتصوير الشمسي منذ عام 1933، الذي عقد أكثر من عشرين دورة، بالإضافة إلى تنظيم معارض دولية للتصوير الفوتوغرافي لأكثر من مرة، فضلًا عن بعض معارض الفردية لمصورين فوتوغرافين، مثل معرض المصور راتب دوس في الخمسينيات ومعرض المصور عبد الفتاح عيد في السبعينيات، كما نظمت معارض موضوعية للتصوير الفوتوغرافي، مثل معرض الصور الفوتوغرافية للعسكريين من قوات الدول المتحالفة سنة 1944، ومعرض الصور الفوتوغرافية للقاهرة في الماضي منذ 1849 في سنة 1946.



 كما سعت الجمعية إلى تقديم فنون العالم المعاصرة والتراثية للمجتمع المصري، فسدت الفارغ في النشاط الثقافي والفني الذي تأخرت الدولة في القيام به؛ ولا يكاد يخلو عام من مثل هذه الأنشطة الدولية للجمعية منذ العشرينيات حتى الخمسينيات، فنظمت الجمعية في عام 1927 معرضًا للفن البلجيكي، وفي العام التالي استضافت معرضًا للنحت الفرنسي، وفي عام 1935 أقامت الجمعية معرض الفن الإيراني، وعادت في عام 1943 لتنظم معرضًا للمنمنمات الفارسية، وفي سنة 1936 نظمت الجمعية مرة أخرى معرضًا للفن البلجيكي وآخر للمستشرقين الفرنسيين، وفي عام 1947 نظمت الجمعية معرض الفن الدولي المعاصر، الذي ضم أجنحة لبريطانيا واليونان والصين وفرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فضلًا عن مصر، وفي عام 1950 نظمت معرضًا دوليًا للفنون التطبيقية، ومعرضًا للفن الإسباني، وكان عام 1953 حافلًا بالمعارض الدولية حيث شهد تنظيم معرض ليوناردو دافنشي ومعرض اللافتات السياحية الدولي ومعارض للفن الفوتوغرافي الهندي والأمريكي والباكستاني والبلجيكي، وفي موسم 1955/1956 احتفلت الجمعية بمرور مائة وخمسين عامًا على وفاة رامبراندت، وفي الموسم التالي نظمت الجمعية معرض الفن البيزنطي الإيطالي الذي حظي برعاية الرئيس جمال عبد الناصر.




 وفي المقابل نظمت الجمعية معارض للفن المصري في الخارج أبرزها معرض مصر فرنسا بمتحف اللوفر عام 1949، فكانت الجمعية نافذة لمصر على فنون العالم، ونافذة للعالم على الفن المصري.

 واهتمت الجمعية طوال مسيرتها بفنون الطفل، فنظمت عددًا من المعارض المحلية والدولية لرسوم الأطفال بدأتها سنة 1940، وفي فترة تولي بدر الدين أبو غازي لرئاسة الجمعية (1972-1983) أحيا معارض رسوم الأطفال، بمعرض لتلاميذ مدارس منطقة غرب القاهرة التعليمية.







 ومن المعارض التي نظمتها الجمعية أكثر من مرة المعارض المخصصة لبيع الأعمال الفنية وقد بدأت سنة 1930، وعادت الجمعية لنفس الفكرة بتنظيم معرض سوق الإنتاج الفني بهدف تشجيع اقتناء الأعمال الفنية، وكانت أسعار الأعمال تتراوح بين جنيهين وعشرة جنيهات، وأسعار أعمال الفنون التطبيقية بين 70 قرشًا وجنيه واحد.



 ومن المعارض التي تلفت النظر في نشاط الجمعية، معرض الصالات الجديدة والمقتنيات الحديثة في متحف الفن الحديث سنة 1940، وضم المعرض 194 عملًا، من بينها أعمال لرودان وديجا وديدرون وكلود مونيه ورينوار وكاربو، ومن الفنانين المصريين راغب عياد ومحمود سعيد ومحمد حسن وأحمد صبري ومختار ومحمد ناجي وعفت ناجي ومحمد عزت مصطفى وحسين يوسف أمين وحسين بيكار وأنطون حجار وجورج صباغ وحامد عبد الله وحسن حشمت وزينب عبده ومحمد يوسف همام وصدقي الجبخانجي وحبيب جورجي ومنصور فرج وغيرهم، كما خصص المتحف قسمًا لعرض أعمال السورياليين المصريين ضم أعمال ليوسف العفيفي ورمسيس يونان وكامل التلمساني وفؤاد كامل ومحمد عبد الهادي.


 وكان من ضمن أنشطة الجمعية المتكررة على مدار تاريخها تنظيم معارض للفنانين أعضاء الجمعية، كذلك تنظيم معارض فردية لبعض الفنانين مثل المعرض الشامل لمحمود سعيد الذي أقامته الجمعية عام 1951بمناسبة ثلاثين عامًا من ممارسته للفن، وعرض فيه 145 لوحة، وأقدم الأعمال المعروضة كانت لوحة المؤذن في المنصورة التي ترجع إلى عام 1921، وفي عام 1956 أقامت الجمعية معرض الرسام عبد الله، للفنان حامد عبد الله، وكان أخر معارضه قبل أن يغادر مصر إلى أوروبا، وبعدها بعشرين عامًا نظمت له الجمعية معرضًا آخر في عام 1976 افتتحه وزير الثقافة والإعلام وقتها جمال العطيفي، كما نظمت الجمعية في عام 1953 معرضًا مشتركًا لعز الدين حمودة وزينب عبد الحميد، وفي 1958 معرضًا لصلاح طاهر، وفي 1966 أقامت الجمعية معرضين فرديين لكل من يوسف عصر والحسين فوزي، وفي عام 1972 أقامت الجمعية معرضًا للفنان راغب عياد بالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي، ومعرضًا للفنان نحميا سعد، الذي رحل شابًا وظلت مجهولة لسنوات إلى أن قدمها للجمعية لعرضها صديقه أحمد جلال الدين رأفت، وفي 1975 أقامت الجمعية معرضًا لمحمد ناجي، كما نظمت في سنوات السبعينات التي شهدت تطورًا نوعيًا في نشاط الجمعية معارض لمارجريت نخلة ومصطفى الأرناؤوطي وسعيد الصدر وطاهر العمري.









 واهتمت الجمعية في مسيرتها الطويلة بتنظيم المعارض النوعية المتكررة، مثل معرض الفنون التطبيقية، ومعرض العرائس، ومعرض الملصقات السياحية، ومعرض الموضوع الواحد.

 كما نظمت في عام 1973 معرضًا للنحت في الهواء الطلق، وحاولت أن تحيي من خلاله جائزة مختار في النحت التي أسستها عام 1935 السيدة هدى شعراوي من خلال جمعية أصدقاء مختار، وكانت الجمعية قد قدمت جائزة باسم مختار في الصالون عام 1961.



 ومن المعارض المتميزة التي نظمتها الجمعية في السبعينات خلال تولي بدر الدين أبو غازي لرئاستها معرض المجموعات الخاصة عام 1974، وكان هدف المعرض البحث في المجموعات الخاصة عن الأعمال المجهولة لكبار الفنانين، وقد ساهم أعضاء الجمعية وأصدقائها بأعمال من مجموعاتهم الخاصة بلغ عددها 61 عملًا.






 ومن معارض تلك المرحلة معرض فن الميدالية الذي نظمته الجمعية في نوفمبر 1979 وأهدته لذكرى النحات جمال السجيني الذي يعتبر رائدًا في هذا الفن، وقد افتتح المعرض الدكتور محمود فوزي رئيس الوزراء السابق، وقد عرضت فيه الجمعية مجموعة كبيرة من الميداليات التذكارية والعملات من مصر ومن بعض المجموعات الأوروبية، وساهم أعضاء الجمعية في تقديم مجموعات من مقتنياتهم الخاصة.







 وفي يوليو 1981 أقامت الجمعية معرضًا للأعمال المقدمة للمسابقة الدولية للأمم المتحدة التي نظمتها الجمعية بالتعاون مع جمعية الأمم المتحدة في مصر.








 ونظمت الجمعية كذلك منذ بداية نشاطها معارض الكتاب وكان أولها من موسم 1924، كما نظمت معرضًا دوليًا لطوابع البريد عام 1946.

 إلى جانب المعارض الفنية والمعارض النوعية التي نظمتها الجمعية طوال مئة عام، تقوم الجمعية بالأنشطة الثقافية المتنوعة من محاضرات في الفنون والثقافة والتاريخ والحضارة، إلى تقديم العروض السينمائية ذات الصلة بالفن، كما أضافت الجمعية في فترة رئاسة الفنان صلاح طاهر لها نشاط جلسات الاستماع الموسيقي، وشهدت البرامج الثقافية في السنوات الخمسين الأخيرة من حياة الجمعية تنوعًا واضحًا في موضوعاتها، وانفتاحًا على مجالات الفنون والثقافة المختلفة، كذلك بدأت الجمعية في السنوات الأخيرة تنظم ورشًا نقدية على هامش معرض الطلائع.





 وأصدرت الجمعية مطبوعات متنوعة طوال نشاطها، فبالإضافة إلى كتالوجات المعارض، أصدرت الجمعية عدة أعداد من نشرة ثقافية في الستينيات والسبعينيات، كما أصدرت بعض الكتب في الفنون.


 ومن الجدير بالذكر هنا أنه طوال الحقبة شبه الليبرالية الممتدة من بداية العشرينيات حتى بداية الخمسينيات كانت جمعية محبي الفنون الجميلة تقوم بدور المعاون في رسم سياسة الدولة في مجال الفنون، وفي إقامة المعارض وفي تأسيس متحف الفن الحديث، سواء بما تقوم به مباشرة أو من خلال اللجان الاستشارية للفنون التي كان يصدر بتشكيلها مرسومًا ملكيًا، وكان معظم أعضائها من أعضاء جمعية محبي الفنون الجميلة؛ ففي عام 1926 صدر مرسوم ملكي بإنشاء لجنة استشارية للفنون الجميلة لها سلطة بحث "المشروعات والوسائل الخاصة بتعليم الفنون الجميلة وإنشاء المتاحف واقتناء الطرف الفنية وإقامة المعارض ونظام البعثات للخارج". وقد وضعت اللجنة لائحة للبعثات، كما وضعت تقريرًا عن سياسة لاقتناء الدولة للأعمال الفنية، وأوصت بتقرير مخصص للفنون الجميلة في ميزانية الدولة، كما دعت لأنشاء متحف الفن الحديث الذي تجمعت نواته الأولى من أعمال جيل الرواد والمبعوثين الأوائل؛ وفي سنة 1949 تعود اللجنة الاستشارية للفنون الجميلة للحياة بتشكيل جديد، ويرأسها محمد محمود خليل بك رئيس جمعية محبي الفنون الجميلة، وتشكلت اللجنة هذه المرة أيضًا بمرسوم ملكي، وكانت تتولى مجموعة من المهام مثل إنشاء الجوائز الفنية وحماية المواقع التاريخية والمناظر الطبيعية والميادين العامة وما يقام بها من منشآت وتماثيل، كما كانت تتولى مهمة إنشاء المتاحف واقتناء الأعمال الفنية، وتنظيم المعارض في مصر وتحديد مشاركات مصر في المعارض الخارجية، فضلًا عن اقتراح سياسة تعليم الفنون الجميلة، وإعانة الجمعيات الفنية ودعمها. وكانت الدولة ممثلة في علي أيوب باشا وزير المعارف ترى أن الإدارات الحكومية عاجزة عن وضع رؤية لسياسة تنمية الفنون الجميلة والنهوض بها، ومن ثم فإن اللجنة الاستشارية للفنون الجميلة يقع عليها عبء التخطيط واقتراح السياسات، وعلى الأجهزة الحكومية التنفيذ، وقد تبنت الدولة في ذلك الوقت مقترح رئيس اللجنة الاستشارية بالتوسع في إقامة متاحف للفنون الجميلة في عواصم محافظات مصر ومدنها الكبرى، بدءً بالإسكندرية وبورسعيد والسويس لكن العمل توقف بعد ذلك، واللافت للنظر أيضًا أن اللجان في معظمها جمعت ما بين العناية بالفنون التشكيلية وفنون الموسيقى والتمثيل.

 إن مسيرة جمعية محبي الفنون الجميلة في مئة عام تكشف لنا عن جوانب مهمة من تاريخ الثقافة المصرية، كما أنها تؤكد على الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني في النهوض بالثقافة إذا فتحنا أمام مؤسساته النوافذ والأبواب ويسرنا سبل العمل أمامه. 

مقالي في مجلة فنون العدد 58-59 ديسمبر 22 - يناير 23 عدد خاص بمناسبة مئوية جمعية محبي الفنون الجميلة  

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...