نساء مصر يقاومن الاحتلال
عماد أبو غازي
منذ سنة 1882 سقطت مصر تحت الاحتلال لقرابة 75
عاما، استمرت خلالها مسيرة المرأة المصرية في الدفاع عن الوطن والنضال من أجل
استقلاله.
فعندما هاجمت القوات البريطانية البلاد في يوليو
1882، وبدأت سفن الأسطول الإنجليزي في ضرب مدينة الإسكندرية، شاركت النساء في
الدفاع عنها ويرصد الشيخ محمد عبده في مذكراته تلك المشاركة فيقول: "كان
الرجال والنساء تحت نيران المدافع ينقلون الذخائر إلى بعض بقايا الطوبجية الذين
كانوا يضربونها، وكانوا يغنون بلعن الأمير سيمور ومن أرسله"، يقصد الأدميرال
سيمور قائد الأسطول الإنجليزي.
أما الزعيم أحد عرابي فيرصد هو الأخر تلك
المشاركة النسائية في سياق حديثة عن الدعم الشعبي للجيش أثناء المعركة، فيقول:
"في أثناء القتال تطوع كثير من الرجال والنساء في خدمة المجاهدين ومساعدتهم
في تقديم الذخائر الحربية وإعطائهم الماء وحمل الجرحى وتضميد جروحهم ونقلهم إلى
المستشفيات".
ويؤكد شاهد عيان ثالث هو محمود فهمي باشا في
كتابه "البحر الزاخر" نفس المعاني، ويشير إلى مشاركة المرأة المصرية في
الدفاع عن الإسكندرية، فيقول: "رأيت في ذلك الوقت بعيني ما حصل من غيرة
الأهالي بجهة رأس التين وأم كبيرية وطوابي باب العرب، وهمتهم في مساعدة عساكر
الطوبجية (المدفعية بمصطلحاتنا اليوم) من جلبهم المهمات والذخائر والخراطيش
والمقذوفات هم ونساؤهم وأولادهم وبناتهم، والبعض من الأهالي صار يعمر المدافع
ويضربها على الأسطول".
ومع سقوط الإسكندرية واستمرار المعارك البرية مع
الغزاة، تدافع المصريون لدعم جيشهم، وكان للمرأة دورها، ويذكر أحمد عرابي في
مذكراته أن والدة الخديوي إسماعيل تبرعت بجميع خيول عرباتها لصالح المجهود الحربي،
رغم أن الخديوي توفيق كان متواطأ مع الغزاة المحتلين، واقتدت بها بقية سيدات
العائلة الخديوية، وحرم خيري باشا رئيس الديوان الخديوي وحرم رياض باشا وكثير من
الذوات والسيدات، وشملت التبرعات الأقمصة والأربطة اللازمة للجرحى بالإضافة إلى
الخيول والأموال.
وخلال سنوات الاحتلال الأولى لعبت سيدات الأسرة
الحاكمة والأرستقراطية المصرية وبعض نساء الطبقة الوسطى دورا متناميا في العمل
الاجتماعي والحياة الثقافية، وخضن معارك المجتمع ومعارك في مواجهة المجتمع من أجل
حقوقهن، فظهرت أسماء مثل عائشة تيمور والأميرة نازلي فاضل وملك حفني ناصف ونبوية
موسى والأميرة فاطمة إسماعيل، ثم هدى شعراوي التي شاركت في العمل الثقافي
والاجتماعي في تلك الفترة ثم برز دورها
وتحول إلى النشاط السياسي الوطني مع ثورة 1919.
عائشة تيمور
الأميرة نازلي فاضل
ملك حفني ناصف
نبوية موسى
الأميرة فاطمة إسماعيل
هدى شعراوي
وطوال الحقبة الليبرالية شاركت النساء المصريات
من خلال لجنة سيدات الوفد والاتحاد النسائي المصري في التصدي للانقلابات الدستورية
التي قادتها السرايا الملكية ضد إرادة الأمة، كما شاركن في النضال الوطني من أجل
جلاء القوات البريطانية وتحقيق الاستقلال الكامل غير المنقوص لمصر.
وتحققت للمرأة
كثير من الانتصارات فاحتلت مكانتها في التعليم الجامعي وفي سوق العمل وفي النشاط
النقابي.
سهير القلماوي
عائشة عبد الرحمن
كوكب حفني ناصف
أمينة السعيد
عائشة راتب
وفي الحياة الثقافية والفنية.
أم كلثوم
فاطمة رشدي
إنجي أفلاطون
وتحقق مطلبها المشروع في حق الانتخاب
والترشيح الذي لعب الاتحاد النسائي منذ العشرينات دورًا مهمًا في المطالبة به ثم واصلت هذا الدور درية شفيق وحزبها في الأربعينيات والخمسينات من خلال التظاهر والاعتصام والإضراب عن الطعام.
مظاهرات نسائية تقتحم البرلمان للمطالبة بحق الانتخاب والترشح
درية شفيق
فمع صدور دستور 1956، وأصبحت السيدة راوية عطية أول نائبة منتخبة في مجلس
الأمة في أول انتخابات نيابية تجري على أساس دستور 56، ثم حكمت أبو زيد أول وزيرة مصرية ومفيدة عبد الرحمن أول وكيلة لمجلس الأمة في الستينيات.
راوية عطية
حكمت أبو زيد
مفيدة عبد الرحمن
لكن تبقى هناك محطات مهمة في النضال الوطني
لنساء مصر من أجل الاستقلال والدستور، فعندما قاد إسماعيل باشا صدقي انقلابا
دستوريا سنة 1930، وألغى دستور 23 ليحل محله دستور 30 الاستبدادي، نظمت لجنة سيدات
الوفد مظاهرة نسائية ضخمة ضد حكومة صدقي باشا، وخرجت المظاهرة من دار رياض باشا
وسارت في طرقات القاهرة، وانضم إليها المئات، وتدخلت الشرطة لفض المظاهرة بالقوة
واعتقلت عدد من السيدات وأودعتهن في أقسام الشرطة، ثم اضطرت تحت الضغط الشعبي
للإفراج عنهن ليلا، وقد شاركت النساء في أنشطة عديدة ضد حكومة صدقي أبرزها الدعوة
لمقاطعة الانتخابات البرلمانية الزائفة التي نظمتها الحكومة. كما شاركت الطالبات
الجامعيات زملائهن في ثورة الشباب سنة 35، تلك الانتفاضة التي أطاحت بحكومة توفيق
نسيم ودستور 30 وأعادت الحياة النيابية السليمة للبلاد مرة أخرى، ومهدت لتشكيل
الجهة الوطنية التي خاضت مفاوضات الجلاء مع بريطانيا بزعامة النحاس باشا، وانتهت
إلى معاهدة 1936، التي حسنت نسبيا من قيود الاستقلال المنقوص، وكانت سهير القلماوي
من كلية الآداب وحكمت أبو زيد طالبة الثانوي من القيادات البارزة في تلك الثورة.
سهير القلماوي
لكن العلامة المهمة في مشاركة الفتاة المصرية في
العمل الوطني كانت خلال الانتفاضة الطلابية العمالية التي تفجرت في مطلع عام 1946،
فقد شكل الطلاب والعمال الذين كانت تقود حركتهم القوي اليسارية لجانا وطنية،
وانتخبت الطالبة لطيفة الزيات التي كانت طالبة في السنة النهائية بكلية الآداب
سكرتيرا عاما للجنة الوطنية للطلبة والعمال، وهي اللجنة التي قادت كفاح الشعب
المصري ضد الاحتلال البريطاني في تلك الفترة.
لطيفة الزيات
لقد تركزت المطالب الوطنية بعد الحرب العالمية
الثانية على الاستقلال التام لمصر والسودان، ومع مطلع الخمسينيات تصاعدت الحركة
الوطنية واتخذ النحاس باشا رئيس الحكومة التي جاءت عقب انتخابات حرة ونزيهة قرارا
بإلغاء معاهدة 1936 في خريف عام 51، كما أعلن تأييد الحكومة ودعمها للمقاومة
الشعبية المسلحة في منطقة القناة، وقد شاركت المرأة المصرية في المظاهرات الوطنية
التي اندلعت تأييدا لقرار النحاس باشا، كما نظمت النساء المصريات حركة لمقاطعة
البضائع الإنجليزية، ووقفت مجموعة من الفتيات أمام فرع بنك باركليز الإنجليزي في
القاهرة تمنعن العملاء من الدخول.
وشكلت مجموعة من النساء المصريات أول لجنة نسائية
للمقاومة الشعبية تعاون الفدائيين في كفاحهم المسلح، وقد سقطت عدة شهيدات أثناء
عمليات المقاومة أشهرهن أم صابر في أبو حماد وسيدة بنداري في التل الكبير.
وبعد هذه المسيرة الممتدة من النضال نسمع اليوم
تلك الأصوات القبيحة التي تقلل من دور المرأة المصرية ومكانتها وتسعى إلى حجبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق