الاثنين، 30 يناير 2023

الفنان صفوت عباس رحلة الإبداع والبحث عن التقدم والعدل والحرية

 

 

الفنان صفوت عباس

رحلة الإبداع والبحث عن التقدم والعدل والحرية

 النهار ده تلقيت من الصديق الدكتور حسام فهمي نسخة من كتاب "صفوت عباس"، للصديق الدكتور ياسر منجي، الكتاب توثيق لرحلة حياة الفنان صفوت عباس، وتحليل نقدي لأعماله الفنية، الكتاب ثمرة تعاون بين الدكتور ياسر منجي وأسرة الفنان، وصدر عن دار الكرمة من أيام.

 ده تقديمي للكتاب...



تقديم وتحية

  يتناول هذا الكتاب سيرة ومسيرة واحد من مبدعي مصر المتميزين في فني التصوير والتصميم، مسيرة امتدت لأكثر من ستين عامًا، وسيرة لنموذج من نماذج المثقفين الملتزمين بقضية الوطن وقضايا الإنسان.


الفارس من أعمال الفنان صفوت عباس

 يقدم الدكتور ياسر منجي في هذا الكتاب قراءة نقدية لأعمال الفنان صفوت عباس وتحليلًا لها، لكنه يقدم هذه القراءة في سياق تاريخي لتطور الحركة الفنية المصرية ومدارسها وجماعاتها المتعددة منذ أربعينيات القرن الماضي، الزمن الذي تفتح فيه وعي الفنان، إنها قراءة تحليلية لمسيرة صفوت عباس الفنية تأتي في إطار سياقاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، قراءة تحول أن تضع الرجل في مكانه ومكانته في حركة الفن التشكيلي في مصر، وتحلل اتجاه الفني وتطور إبداعه، ويدّعم هذه القراءة الكتالوج المصاحب لأعمال الفنان صفوت عباس.

 هذا عن جانب تحليل الأعمال الفنية، لكن الكتاب يضم كذلك السيرة الذاتية للفنان، تلك السيرة التي تكمل فهمنا لجوانب إبداعه الفني، إنها سيرة ضافية تتبع جذور أسرته ودور والده في ثورة ١٩١٩ الذي كان له التأثير الواضح بلا شك على اتجاه الأبناء نحو العمل السياسي، ثم تأثير الأخوة الكبار لصفوت عباس على توجه السياسي، وقد استكمل هذه السيرة بمجموعة من الصور الأرشيفية التي تضيف إلى النص وتضفي عليه حيوية.

 لقد نسج الدكتور ياسر منجي ببراعة في هذا الكتاب العلاقة بين العام والخاص في حياة الفنان على المستويين السياسي والفني، فقدم صورة متكاملة لصفوت عباس إنسانًا ومناضلًا سياسيًا وفنانًا في سياق التطور التاريخي للمجتمع المصري سياسيًا وثقافيًا وفنيًا.


 وعندما طلب مني الصديق الدكتور حسام فهمي أن أقدم لهذا الكتاب الذي يتناول سيرة والده الفنان صفوت عباس ومسيرته الإبداعية، سعدت بذلك أيما سعادة، لسببين اثنين.

 أولًا لإعجابي بإبداع صفوت عباس الفني منذ وعيت على متابعة الحركة التشكيلية في مصر قبل أكثر من نصف قرن، فقد لفتت أعماله نظري بقوتها وسلاستها في آن واحد، وبقدرة أعمالها على إثارة الدهشة دومًا، وفي ظني أن وظيفة الفن والآدب الأولى إثارة دهشة المتلقي، وهذا ما يشكل تحديًا دائمًا للمبدع، كما جذبني إليه أنه رغم انتمائه الفكري والسياسي منذ شبابه المبكر لم يقع أبدًا في فخ المباشرة والدعائية، بل حافظ دائمًا على القيمة الفنية التي ظلت الأساس الأول في أعماله الإبداعية.

 أما السبب الثاني، فمعرفتي بالفنان صفوت عباس عن قرب، وإعزازي الكبير له على المستوى الإنساني، وما لمسته فيه من سخاء في المشاعر ورهافة في الحس، جعلتني أعتز بهذه المعرفة وأحسبها من الصداقات التي أضافت إليّ الكثير.

 لقد إلتقيت بالفنان صفوت عباس بشخصه للمرة الأولى في خريف ١٩٨٢، عندما التحقت بالعمل بمؤسسة دار المعارف في وحدة تحقيق التراث، كنا اثنان من الباحثين الشبان نعمل تحت إشراف الدكتور حسين مؤنس، ولم يكن لنا في بداية عملنا مكان نجلس فيه، فاستضافنا الفنان صفوت عباس في مكتبه بكرمه الغامر، وكان وقتها يعمل في القسم الفني في دار المعارف، رئيسًا له على ما أذكر، ذلك القسم المسؤل عن تصميم الإغلفة والإخراج الفني للكتب، وكان يشاركه في المكتب صديق مشترك هو عبد العزيز جمال الدين الذي كنت قد تعرفت عليه في ليمان طرة، ورغم أنه متخرج من قسم الجغرافيا بكلية الآداب إلا أنه برع في تصميم الأغلفة وإخراج الكتب، وزامل صفوت عباس في العمل وشاركه في مكتبه، كما شاركه في أفكاره واتجاهاته، وكان عبد العزيز مدخلي للتعرف على الرجل.

 كان صفوت عباس كبيرنا في هذه الغرفة، كنت أعرفه قبل أن ألتقيه، بحكم ارتباطي بمجالين وهب حياته لهما؛ كنت أعرف أعماله كفنان تشكيلي بحكم اهتمامي بالمجال كمتابع للحركة التشكيلية ومتذوق لهذا الفن، وكنت أعرف عنه كذلك نضاله السياسي في صفوف حركة اليسار المصري، وأعرف أنه شقيق القيادي في تنظيم التيار الثوري محمد عباس فهمي أحد المنظرين البارزين في الحركة الشيوعية المصرية، وذلك بحكم إنتمائي لليسار المصري منذ سنوات الدراسة بالجامعة، ورغم أن الخط السياسي الذي كنت أنتمي إليه كان على درجة كبيرة من الخلاف والاختلاف عن الاتجاه الذي انتمى إليه صفوت عباس، إلا أن اختلاطي بعدد من قادة التيار الثوري في المعتقلات وفي الحياة العامة منذ عام ١٩٨٠، جعلني أدرك مدى نقاء هذه المجموعة السياسية وإخلاصهم، وازداد احترامي وتقديري لهم رغم الاختلاف في السياسة، ورغم أن صفوت عباس كان قد ترك العمل في التنظيمات السياسية قبل ذلك بسنوات طويلة، إلا أنه ظل مؤمنًا بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مدافعًا عن قضايا الاستقلال الوطني، معتبرًا أن آداته في تحقيق القيم التي آمن بها هي فنه.

 سمحت لي علاقة العمل تلك بالاقتراب من الرجل على المستوى الإنساني، وبالتعرف على إبداعه الفني بدرجة أكبر، فقد تكررت زياراتي لمرسمه في الدور الثالث بأتيليه القاهرة، وفي إحدى هذه الزيارات رافقت أبي بدر الدين أبو غازي حيث كان يُعد لكتابة كلمه لمعرضه الذي أقامه في النصف الأول من عام ١٩٨٣ بقاعة السلام على قدر ما تسعفني الذاكرة.

  وعندما انتهت بعد أشهر قليلة علاقتي بالعمل بمؤسسة دار المعارف في صيف ١٩٨٣، استمرت الصلة بصفوت عباس، وتوطدت العلاقة وازدادت عمقًا، فتكررت الزيارات لمرسمه، والمتابعة لمعارضه، التي كنت أجد فيها في كل مرة شيئًا جديدًا وملهمًا.

 واتذكر دومًا موقفين دالين على شخصية الرجل، وما يحمله من طاقة إبداعية متفجرة دومًا بتلقائية، وإيمانه بالقضايا التي تبناها منذ شبابه المبكر، رغم ابتعاده عن العمل السياسي المباشر.

الموقف الأول حدث أثناء عملي بدار المعارف واستضافته لنا في مكتبه، في أثناء إعداده لعمل تصميم لغلاف انسكبت المحبرة على قطعة كبيرة من الورق الأبيض، وفي دقائق تحولت الورقة البيضاء إلى لوحة فنية، لوجه إنسان، وعندما ابديت إعجابي باللوحة، وقعها وأهدها لي، وما زلت أعتبرها من أهم القطع الفنية في مجموعة مقتنياتي، لما يمثله صفوت عباس من قيمة بالنسبة لي من ناحية، ولأنني كنت شاهدًا على ميلاد اللوحة من ناحية ثانية.

 الموقف الثاني وقع بعدها بسنوات قليلة، عندما نظمت لجنة الدفاع عن الثقافة القومية مجموعة من الأنشطة في صورة أسبوع للتضامن مع القضية الفلسطينية، وكان هذا الأسبوع يتضمن تنظيم معرض في نقابة الصحفيين تذهب حصيلة بيع أعماله لدعم الهلال الأحمر الفلسطيني، وطلبت منه المشاركة بعمل من أعماله، ولم يتردد لحظة واحدة وقدم إحدى لوحاته الزيتية هدية مساهمة منه في المعرض التضامني.

***

 في ختام هذا التقديم لا يتبقى لي سوى كلمة شكر وتقدير لأسرة الفنان صفوت عباس التي فكرت في تخليد اسمه بهذا السجل الذي يحفظ تاريخه الفني وأعماله ويقدمها للأجيال القادمة.

 وتحية للناقد والفنان الدكتور ياسر منجي الذي يحرص دائمًا على التنقيب في تاريخ الحركة الفنية في مصر وإلقاء الضوء على جوانبها المختلفة، موثقًا وقارئًا وناقدًا واعيًا، وهو يضيف بهذا الكتاب إلى رصيده وإلى معرفتنا.

 وأخيرًا تحية لذكرى الفنان صفوت عباس ولمسيرته الفنية التي شكلت إسهامًا مهمًا في حركة الفن المصري الحديث والمعاصر، ولمسيرته الفكرية التي التحمت بقيم التقدم والعدل والحرية.

عماد أبو غازي 

 

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...