الأحد، 12 مارس 2017

المرأة والفنون (5) ـ خاتمة ومراجع

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(5)

عماد أبو غازي

خاتمة ومراجع



  لقد كانت حصيلة تلك الحقبة في علاقة المرأة بالفن إيجابية إلى أبعد حد، لقد انتقلت المرأة المصرية إلى مرحلة جديدة بالمشاركة في الحركة الفنية في مجالاتها المختلفة، ففي الفنون الجميلة التي كانت مصر مهدا لها منذ أقدم العصور، تلك الفنون التي استعادت مكانتها في مصر مع مطلع القرن العشرين، بعد قرون طويلة من التراجع، كان للمرأة مكانا بارزا فيها احتلته بجدارة منذ قيام الثورة المصرية (ثورة 1919). وفي فنون المسرح والسينما تلك الفنون الجديدة الوافدة على المجتمع المصري، كان للمرأة دورها وعلاماتها الواضحة، بل أن فن السينما شهد ريادة نسائية فريدة على مستوى العالم في مجال هذا الفن من خلال أربع مخرجات رائدات، كما تغير وضع المرأة في الفنون القديمة التي لم تشهد انقطاعا مثل فنون الموسيقى والغناء، وتغيرت نظرة المجتمع إلى تلك الفنون مع تطور دورها في الحياة المصرية، بل أن فن الرقص أيضا كان من الفنون التي بدأت نظرة المجتمع تختلف تجاهها، فتغيرت النظرة للراقصة الشرقية، خاصة مع اقتران هذا الفن بفنون المسرح والسينما وتحول راقصات شرقيات إلى السينما ونبوغهن فيها مثل تحية كاريوكا وسامية جمال، وتجاوز نشاط الأولى منهن العمل الفني إلى العمل العام في مجال السياسة.
 كما تغيرت نظرة المجتمع للفن بشكل عام، فبعد أن كانت علاقة الفتاة بالفن قاصرة على بعض الطبقات العليا في المجتمع التي تعلم البنات بعضا من فنون الموسيقى أو التطريز أو التصوير على أيدي مدرسين خصوصيين بالقصور والبيوت، كنوع من استكمال "الوجاهة" الغربية، وأصبح من المقبول أن تدرس الفتاة الفنون في معاهد العلم خاصة مع ظهور مؤسسات تعليمية تُدرّس الفن، وتحولها تدريجيا إلى تبعية وزارة المعارف العمومية.


 كذلك أصبحت المرأة موضوعا للفن، ففي الفن التشكيلي إذا أخذنا مختار كرائد لفن النحت الحديث نموذجا، نجد أنه خط مكانة بارزة للمرأة المصرية عندما جعل الفلاحة رمزا للنهضة في تمثاله الميداني نهضة مصر، ونجح في أن يجمع الأمة حول هذا الرمز، ولا تقتصر المرأة في أعماله على تمثال النهضة، بل كانت دوما قيمة من القيم الأساسية التي وضعها من خلال أعماله في مسيرته للتمرد على الثوابت التقليدية للمجتمع، فأعلى قيمة المرأة وقيمة العمل، فإحدى القيم الأساسية في أعمال مختار الفنية هي قيمة المرأة وهي تعمل، وتحديدًا المرأة الفلاحة وهي تعمل في الحقل، وكانت المرأة رمزًا في كل أعمال مختار الفنية، المرأة وهي تحب، المرأة وهي تعمل، المرأة وهي ذاهبة إلى الترعة أو إلى النهر تجلب الماء مصدر الحياة، لقد ربط مختار دائمًا بين المرأة والعمل والحياة، وأصبحت المرأة عنده رمزًا للحضارة المصرية ورمزًا للعطاء لمصر. وتعتبر مجموعة التماثيل التي تمثل الفلاحات والماء هي المجموعة الأساسية في أعمال مختار، والتي مثلت المرأة في أوضاع مختلفة، حتى عندما تناول مختار موضوعات مثل الراحة والقيلولة والحزن، كانت المرأة هي الرمز دائمًا.


وقد ربط مختار أيضًا بين المرأة وبين تراثنا المصري القديم في مجموعة من الأعمال الرمزية مثل تمثال "كاتمة الأسرار" و"إيزيس" و"عروس النيل" و"لقية في وادي الملوك"، والتي اختار لها موضوعات مرتبطة بالحضارة المصرية القديمة وجسدها أيضًا من خلال المرأة. وعلى منوال مختار سار كثير من فناني عصره.

 أما المسرح والسينما فقد قدما صورا مختلفة للمرأة، وتناولا كثيرا من قضاياها، ولم تقتصر صورة المرأة في الأعمال الفنية على المرأة المحبة أو المحبوبة، بل تطرقت كثير من تلك الأعمال خاصة في الأربعينيات إلى مشكلات المرأة في المجتمع، وإلى قضايا تعليم المرأة وعملها فأسهمت بذلك في تغيير الصورة التقليدية للمرأة المصرية.

****************
المصادر والمراجع:
  • آمال السبكي: الحركة النسائية في مصر ما بين ثورتين 1919 و1952، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.
  • إجلال خليفة: الحركة النسائية الحديثة، المطبعة الحديثة، القاهرة، 1973.
  • أحمد فؤاد سليم: بانوراما الفن المصري في القرن العشرين، سلسلة دراسات تشكيلية (1)، تقديم: مصطفى الرزاز، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2003.
  • إيميه آزار: التصوير الحديث في مصر، ترجمة: إدوار الخراط ونعيم عطية، المشروع القومي للترجمة (1000)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005.
  • بث بارون: النهضة النسائية في مصر: الثقافة والمجتمع والصحافة، ترجمة: لميس النقاش، المشروع القومي للترجمة (118)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999.
  • بدر الدين أبو غازي: جيل من الرواد، جمعية محبي الفنون الجميلة، القاهرة، 1975.
  • جابر عصفور وآخرون: سمحة الخولي سنوات من العطاء، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006.
  • سمير فريد (محررا): المهرجان الثاني لأفلام المرأة المصرية، 8 ـ 16 مارس 2008، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2008.
  • مصطفى الرزاز: الفن المصري الحديث، القرن العشرين، وزارة الثقافة ـ قطاع الفنون التشكيلية، القاهرة، 2007.
  • هدى الصدة وعماد أبو غازي: مسيرة المرأة المصرية علامات ومواقف، ج1، مراجعة وتقديم: جابر عصفور، المجلس القومي للمرأة، القاهرة، 2001.


السبت، 11 مارس 2017

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(4)
المرأة وفنون الموسيقى والغناء

عماد أبو غازي


 ربما كانت فنون الموسيقى والغناء من الفنون التي ارتبطت بالمرأة في مصر منذ أقدم عصور حضارتنا، وتشهد على ذلك جداريات المقابر المصرية القديمة، وقد استمر هذا الوضع في عصور الحضارة العربية المتوالية حيث ارتبطت تلك الفنون بنظام الرق الذي ساد في تلك العصور، فكانت الجواري والقيان تمارسن فنون الغناء والعزف الموسيقي والرقص في أوساط الطبقات العليا في المجتمع، وكان الفنانون الشعبيون رجالا ونساء ينتشرون في موالد الأولياء والقديسين وفي الأفراح والاحتفالات الشعبية، واستمر هذا الوضع بشكل عام حتى منتصف القرن التاسع عشر، فمع إلغاء الرق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ تحول تدريجي في التعامل مع المؤدين في تلك الفنون وفي نظرة المجتمع إليهم، تواكب هذا التحول مع المؤثرات الأوروبية على فنون الموسيقى والتي بدأت تظهر مع إنشاء دار الأوبرا بمناسبة احتفالات افتتاح قناة السويس، تلك المؤثرات التي انعكست بدرجات متفاوتة على تطور الموسيقى الشرقية، وبلغت مداها في مطلع القرن العشرين، وكانت ثورة 1919 إيذانا بعصر جديد في الموسيقى والغناء حيث تصدرت الأغنية الوطنية المعبرة عن الثورة المصرية ومبادئها العظيمة ساحة الغناء، وكان لثورة سيد درويش في هذا الفن أثرها الذي امتد لسنوات.
  هذا ومنذ عصر إسماعيل عرفت فنون الموسيقى والغناء أسماء لامعة لنساء مارسن الموسيقى والغناء من أشهرهن ساكنة بك وألمظ التي ارتبط أسمها بمطرب العصر عبده الحامولي.

ساكنة بك

ألمظ
 ومع مطلع القرن العشرين ظهرت منيرة المهدية التي جمعت بين الغناء والمسرح.

منيرة المهدية
 لكن التحول الحقيقي لدور المرأة في تلك الفنون كان مع أم كلثوم تلك الفنانة التي نقلت فن الغناء العربي نقلة كبيرة، وقد ولدت أم كلثوم إبراهيم في ريف الدلتا بمحافظة الدقهلية لأسرة تعمل في مجال فنون الإنشاد الديني، ونشأها أبوها تنشئة فنية بمعاير عصره، وبدأت رحلتها مع الغناء بالإنشاد الديني وهي طفلة صغيرة، واستطاعت خلال سنوات قليلة أن تنافس على صدارة الغناء العربي لقوة صوتها وجماله، وقد شهدت الحقبة ما بين 1919 و1952 سطوعها في سماء فن الغناء، فتحولت من منشدة دينية في الموالد والاحتفالات الشعبية إلى مطربة، احتلت قلوب الملايين من عشاق الغناء والموسيقى على امتداد العالم العربي، الأمر الذي دفع نحات مصر الأول محمود مختار إلى اختيارها كرمز للفن المصري المعاصر، عندما كلفته إدارة متحف جريفان للتماثيل الشمعية بباريس في مطلع العشرينيات بنحت تمثال يمثل الفن المصري، فنحت تمثالا لأم كلثوم الفتاة التي كانت وقتها في مطلع العشرينيات، في نبوءة تحققت بعدها بسنوات عندما أصبحت أم كلثوم سيدة الغناء العربي، لقد كانت تعد بحق علامة بارزة على هذا الفن ـ فن الغناء ـ في القرن العشرين كله، ولم يقتصر دور أم كلثوم على الغناء بل أمتد كذلك إلى فن السينما من خلال خمسة أفلام غنائية قامت ببطولتها، وفي عام 1943 انتخبت أم كلثوم نقيبة للموسيقيين لتكون أول امرأة مصرية ترأس نقابة مهنية، واحتفظت بهذا المنصب لسنوات عديدة، وقد حصلت على نيشان الكمال من الملك فاروق عام 1944، فكانت أول فنانة مصرية تحصل على وسام بهذا القدر.
أم كلثوم
 ورغم المكانة التي احتلتها أم كلثوم فلم تكن وحدها في سماء الغناء في هذا العصر، فقد ظهرت بعدها وإلى جانبها أسماء مصرية وعربية كبيرة لمعت في مصر، منهن أسمهان ونور الهدى وليلى مراد ونجاة علي ورجاء عبده، ثم جاءت بعدهن أجيال من المطربات اللاتي بدأن في أواخر الأربعينيات واستمر عطائهن الفني في السنوات التالية.

 وقد ساعد دخول الراديو إلى مصر على تحقيق انتشار واسع لفنون الموسيقى والغناء في صفوف قطاعات أوسع من المواطنين، كما أدى ظهور المعاهد الفنية والكليات المتخصصة في دراسة الموسيقى وإشراف وزارة المعارف عليها، والتحاق الفتيات بها إلى ظهور أجيال جديدة من الدارسات الأكاديميات للموسيقى العربية والغربية على حد سواء، وشهدت السنوات الأولى من الخمسينيات تخرج رائدات لعبن في الحقبة التالية دورا مهما في الحياة الفنية في هذا المجال في مقدمتهن سمحة الخولي التي تخرجت من المعهد العالي للموسيقى ـ الذي أصبح الآن كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان ـ في سنة 1951، والتي تخصصت في الموسيقى الغربية.


الدكتورة سمحة الخولي

الدكتورة رتيبة الحفني
 ورتيبة الحفني التي اتجهت إلى مجال الموسيقى العربية إلى جانب تخصصها في الغناء الأوبرالي.

الجمعة، 10 مارس 2017

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(3)
المرأة وفنون المسرح والسينما


عماد أبو غازي
عرفت مصر فن المسرح بمفهومه الحديث في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكن مشاركة المرأة المصرية في الأعمال المسرحية كممثلة تأخرت بعض الشيء، في البداية كان بعض الرجال والفتيان يؤدون الأدوار النسائية، ثم بدأت النساء غير المصريات والمتمصرات يقمن بتلك الأدوار، وبالتدريج ظهرت ممثلات مصريات ولعبن أدوارا على المسرح، وكان من بينهن الممثلة الرائدة فاطمة رشدي، التي ولدت في الإسكندرية عام 1908 وبدأت حياتها الفنية في سن مبكرة، حيث التحقت بفرقة عبد الرحمن رشدي سنة 1919، وتعتبر فاطمة رشدي أول نجمة مسرحية مصرية، وقد امتد نجاحها إلى عدد من الدول العربية التي قدمت فيها عروضها المسرحية، حتى أصبحت نجمة للمسرح على المستوى العربي.
فاطمة رشدي
 وقد شهد عام 1926 حدثا مهما في علاقة المرأة بالمسرح، ففي ذلك العام قامت فاطمة رشدي بتأسيس فرقة مسرحية تحمل اسمها، وقد قدمت فرقتها عددا من كلاسيكيات الأدب العالمي، مثل: غادة الكاميليا وآنا كارينينا، ولعبت فاطمة رشدي دور البطولة في كثير من المسرحيات، ولم يقتصر دورها على المسرح فقط بل لعبت أدوارا في السينما كما كانت واحدة من أربع نساء رائدات في مجال الإخراج السينمائي، ولم تكن فاطمة رشدي فنانة المسرح الوحيدة التي ظهرت في تلك الحقبة وجمعت بين فني المسرح والسينما، فقد شهدت الساحة الفنية المصرية أسماء لامعة عديدة منهن: دولت أبيض وروزاليوسف وأمينة رزق وعلوية جميل وماري منيب وغيرهن كثيرات.

دولت أبيض

روزاليوسف

أمينة رزق
 أما فن السينما فقد عرفته مصر بعد نشأته بفترة وجيزة، ففي مدينة الإسكندرية أقيم أول عرض سينما توجراف في عام 1897، وبعدها بعشر سنوات كان أول فيلم سينمائي يصور في مصر ويدور حولها على أيدي بعض الأجانب المقيمين في مصر، وفي مطلع العشرينيات من القرن العشرين يؤسس محمد بيومي استوديو آمون ويبدأ في إخراج أفلام تسجيلية وروائية قصيرة، وفي أول أفلامه "برسوم يبحث عن وظيفة" 1923 تظهر على الشاشة ممثلتان، ثم تأتي النقلة الكبرى في علاقة المرأة بالسينما بعدها بأربع سنوات، وعلى وجه التحديد في يوم 16 نوفمبر 1927 تنتج عزيزة أمير أول فيلم سينمائي روائي مصري طويل صامت، فيلم "ليلى"، وقد عرض الفيلم بدار سينما متروبول بالقاهرة، وكانت عزيزة أمير قد بدأت حياتها الفنية سنة 1925 ممثلة في فرقة رمسيس المسرحية مع يوسف وهبي، ثم اتجهت إلى الإنتاج السينمائي، وخلال خمسة وعشرين سنة بين سنتي 1927 و1952 أنتجت خمسة وعشرين فيلما، كان أخرها أمنت بالله سنة 1952. وقد لعبت عزيزة أمير دورا مهما في تأسيس صناعة السينما في مصر ممثلة ومؤلفة ومنتجة ومخرجة، ولعبت مع فاطمة رشدي وبهيجة حافظ وأمينة محمد دورا رياديا كأربع مخرجات واكبن نشأة هذا الفن في مصر منذ مولده. وقد كان لعزيزة أمير فضلا في اكتشاف عديد من المواهب الفنية في كافة المجالات.
عزيزة أمير
 ومن الجدير بالذكر أن السينما المصرية نهضت ونمت بالفعل على أيدي نساء مبدعات من أمثال: عزيزة أمير وبهيجة حافظ وآسيا داغر اللبنانية الأصل التي جاءت إلى القاهرة وعاشت بها وأسست شركة الفيلم العربي التي أصبح اسمها فيما بعد لوتس فيلم.

 وقد شهدت تلك الحقبة من تاريخ مصر ظهور عددا من نجمات السينما في مصر اللاتي استمر دورهن لسنوات طويلة وخططن للمرأة المصرية مكانة بارزة في هذا الفن، منهن راقية إبراهيم وليلى فوزي ومديحة يسري وفاتن حمامة وغيرهن كثيرات.

الخميس، 9 مارس 2017

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(2)
المرأة والفنون الجميلة
عماد أبو غازي

 منذ فجر الحركة الفنية الحديثة في مصر، الذي تفتح مع بدايات القرن العشرين وإنشاء مدرسة الفنون الجميلة وتوالي معارض طلابها وخريجها لعبت المرأة دورًا مهمًا في تلك الحركة، وشكلت رعاية الفنون المجال الأول لنشاط المرأة.
 وفي مجال رعاية الفنون تبرز ثلاثة أسماء لعبت أدوارًا مهمة في هذا المجال: الأميرة أمينة هانم إلهامي والأميرة سميحة حسين والسيدة هدى شعراوي.

أمينة هانم إلهامي
 أسست الأولى مدرسة للصناعات والفنون التراثية، عرفت باسم المدرسة الإلهامية للصناعات والفنون الزخرفية التراثية، وتولت رعايتها والإنفاق عليها طوال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.
الأميرة سميحة حسين في الوسط بين شقيقتيها
 أما الثانية، الأميرة سميحة حسين فقد كانت راعية للحركة الفنية من خلال رعايتها لأنشطة الجمعية المصرية للفنون الجميلة، ورعاية معارضها الفنية، وتعد تلك الجمعية من أقدم الجمعيات الفنية في مصر، وكانت الأميرة سميحة حسين فضلًا عن ذلك فنانة تشكيلية رائدة، وقد استمرت رعاية الأميرة سميحة حسين للثقافة بعد وفاتها من خلال وصيتها بتحويل قصرها بالزمالك إلى مركز من مراكز الثقافة، الأمر الذي تحقق عندما حولت وزارة الثقافة قصرها إلى مكتبة عامة تحمل اسم مكتبة القاهرة الكبرى.
هدى هانم شعراوي
 أما الثالثة هدى شعراوي فقد بدأ نشاطها في رعاية الفنون جنبًا إلى جنب مع الأميرة سميحة حسين في الجمعية المصرية للفنون الجميلة، ثم انتقل دورها إلى جمعية محبي الفنون الجميلة، لكنها انفردت بدور آخر استمر حتى رحيلها في ديسمبر سنة 1947، عندما نظمت مسابقة مختار وانفقت عليها منذ عام 1935 في الذكرى الأولى لرحيل محمود مختار الذي حظي برعايتها ودعمها في حياته وتولت رعاية ذكره بعد وفاته من خلال تلك المسابقة، ومن خلال تأسيسها لجمعية أصدقاء مختار، تلك الجمعية التي تبنت مشروع جمع تراث مختار الفني وإنشاء متحف ومقبرة له، بعد أن أهدت أسرة مختار أعماله إلى الأمة، وقد أصبح المشروع واقعًا عندما افتتح الدكتور ثروت عكاشة متحف مختار بالجزيرة في يوليو سنة 1962.
 وبقدر ما كان عام 1919 عامًا للثورة الوطنية، وعامًا لانطلاق المرأة للمجال العام، كان عامًا للبعث الثقافي والفني،  وعامًا لاقتران نشاط المرأة بالفنون الجميلة، من خلال تنظيم المعارض الفنية ورعايتها، فبين عامي 1919 و 1921 نظمت الجمعية المصرية للفنون الجميلة مجموعة من معارض الفن التشكيلي، وكانت الجمعية تضم بين رعاتها الرئيسيين مجموعة من سيدات المجتمع اللاتي اقتحمن العمل العام، وكان لبعضهن نشاطًا في الجمعيات الخيرية منذ سنوات ما قبل الحرب، لكنهن أضفن الاهتمام بالفنون الجميلة ورعايتها إلى هذا النشاط، وكان في مقدمة تلك المجموعة من السيدات، الأميرة سميحة حسين والسيدة هدى شعراوي والسيدة شريفة رياض وحرم ويصا واصف وحرم حسين سري.
 وفي عام 1921 نظمت الجمعية المصرية للفنون الجميلة صالون الربيع للفنون، وشاركت في هذا الصالون لأول مرة مجموعة من الفنانات المصريات، فتحولت مشاركة المرأة في الحركة الفنية من الرعاية إلى الممارسة، وكان في مقدمة المشاركات بالمعرض الأميرة سميحة حسين، والتي كانت تمارس فن النحت، ومن المشاركات في المعرض كذلك أمينة وإقبال شفيق ونجية محمد مصطفى وكانت أول مدرسة للرسم في أول مدرسة لرياض الأطفال، ونفيسة أحمد عابدين وحرم محمود بك سري، وقد شاركن في المعرض إلى جانب جيل رواد الفن التشكيلي في مصر: مختار وراغب عياد ومحمود سعيد ويوسف كامل ومحمد حسن وناجي وعثمان مرتضى الدسوقي وبعض الفنانين الهواة من المصريين والأجانب المتمصرين، "وهذا قدر للمرأة المصرية أن تقتحم مجال الفن التشكيلي بقوة مع البوادر الأولى لحلقة جديدة من حلقات النهضة المصرية، تلك الحلقة التي واكبت الثورة المصرية الكبرى ثورة 1919 وتولدت عنها، ومثلما كان للمرأة دور مهم في الثورة المصرية فقد جنت بعضا من ثمارها في مجال الفنون والثقافة، مثلما كانت الأمة كلها تعبر عن ذاتها كان الفن مجالًا للتعبير والانطلاق شاركت فيه المرأة إلى جانب الرجل".
وإذا كانت فنانات هذا الجيل من رائدات الفن التشكيلي في مصر قد انسحبن سريعًا من الحركة الفنية التشكيلية فإنهن فتحن المجال أمام أجيال متعاقبة من الفنانات التشكيليات اللاتي درسن الفن في المعاهد والكليات الأكاديمية أو اللاتي دخلن إلى المجال كهاويات ثم تحولن إلى فنانات محترفات لمعت أسمائهن في سماء الحركة الفنية المصرية، كما التحقت المرأة المصرية كذلك بالكليات الفنية مُدرسة وأستاذة للفن.


 ففي النصف الثاني من العشرينيات من القرن العشرين، وفي العقود التالية لذلك العقد، برزت أسماء عشرات المبدعات في مختلف مجالات الفنون التشكيلية وفي صالون القاهرة الذي ظلت جمعية محبي الفنون الجميلة تنظمه سنويًا منذ عام 1924 حتى ثمانينيات القرن الماضي، وفي مسابقات جائزة مختار التي امتدت من فن النحت إلى غيره من الفنون الجميلة. وكان لإنشاء المعاهد الفنية وامتداد إشراف وزارة المعارف عليها أثرًا واضحًا في تقبل الأسرة المصرية لإلحاق بناتها بتلك المعاهد، كما كان لاقتران الفن التشكيلي بالثورة الوطنية من خلال تمثال نهضة مصر وحركة الاكتتاب الشعبي من أجل إقامته أثرًا أيضا في تغير نظرة المجتمع للفن.
 لقد ظهرت في الثلاثينيات والأربعينيات ومطلع الخمسينيات من القرن الماضي أسماء جديدة في الفن التشكيلي، أسماء لفنانات تشكيليات في مختلف المجالات: من نحت وتصوير وحفر ورسم، ومن هذه الأسماء: مارجريت نخلة وزينب عبده وكوكب يوسف.

من أعمال مارجريت نخلة
 وتعد مارجريت نخلة علامة على هذا الجيل بلغتها الفنية المميزة وبدايتها المبكرة المتألقة، التي دشنتها بحصولها على الميدالية الفضية للمعرض الصناعي بالقاهرة عام 1931 والميدالية الذهبية لمعرض الإسكندرية 1932، فكانت من أوليات التشكيليات المصريات اللائي حصلن على جوائز في المعارض الفنية.

من أعمال عفت ناجي
 ثم تأتي عفت ناجي التي تأثرت بأخيها الفنان الرائد محمد ناجي وقد درست الفن في البداية تحت إشرافه، ثم كونت شخصيتها الفنية الخاصة وشاركت في العديد من المعارض الجماعية لسنوات إلى أن أقامت أول معارضها الفردية عام 1950.
 وشهدت الأربعينيات ظهور جيل جديد من الفنانات التشكيليات المصريات، في مقدمتهن: إنجي أفلاطون وتحية حليم وجاذبية سري ومنحة حلمي وعايدة عبد الكريم وزينب عبد الحميد ومريم عبد العليم وزينب السجيني وإحسان خليل وشريفة فتحي وثريا عبد الرسول وليلى سليمان وليلى عزت وغيرهن كثيرات.
 كما عرفت المعارض الفنية طوال تلك الحقبة (1919 - 1952) أسماء فنانات تشكيليات أجنبيات متمصرات، عشن في مصر واندمجن في مجتمعها، وتلك ظاهرة عرفتها مختلف جوانب الحياة المصرية في تلك الحقبة، لقد كانت مصر مجتمعًا منفتحًا على العناصر الأجنبية التي تعيش بين جنباته، لم تعرف مصر تمييزًا بين مصري وأجنبي خاصة في مجال الثقافة والفنون، وكانت معظم التجمعات الثقافية والأدبية والفنية تضم المصريين والأجانب جنبًا إلى جنب، ومن تلك الأسماء إميليا كاسوناتو ولوسي كارولين رينر ومارجو فيون وإيمي نمر ومدام بحري وإيما كيالي عياد وفيسيلا فريد وغيرهن.
 لقد كان تطور إسهام المرأة في الفن التشكيلي سريعًا ولافتًا، ومما يدل على ذلك أنه في عام 1940 عندما نظمت جمعية محبي الفنون الجميلة التي كان يرأسها حينذاك محمد محمود خليل بك عرضًا متحفيًا للفن المصري الحديث إلى جانب بعض المقتنيات من الفنون الأوروبية، كان من بين المعروضات إلى جانب أعمال الرواد الأوائل: مختار ومحمود سعيد وراغب عياد وأحمد صبري ومحمد حسن وتلاميذهم من الأجيال التالية أعمالا لمجموعة من هاتيك الفنانات المصريات والمتمصرات منهن: مولي رايس وإيمي نمر ومارسيل دمبواز وإيما كالي عياد وبن بهمان وفتحية ذهني وروزين حزيون وكونتين بحري.
 وإذا كان ظهور الفنانات التشكيليات الرائدات ومساهمة المرأة في الحركة الفنية قد ارتبط بثورة 1919 فإن فنانات جيل الأربعينيات من التشكيليات المصريات قد انخرطن في النضال السياسي وكن فاعلات فيه، في مرحلة تطور فيها النضال الوطني الديمقراطي واقتران بالنضال الاجتماعي، ومن أبرز النماذج الفنانة التشكيلية المناضلة إنـﭽـي أفلاطون.

إنجي أفلاطون
 وقد كانت إنـﭽـي أفلاطون (1924 ـ 1986) شخصية متعددة الأنشطة فهي فنانة تشكيلية مبدعة بدأت مشوارها الفني منذ عام 1942 واستمرت فيه حتى وفاتها، وارتبطت في مرحلة مبكرة بجماعة الفن والحرية وشاركت في معارضها، كما كانت في نفس الوقت ناشطة سياسية شيوعية، وكان فنها تعبيرًا عن موقفها السياسي المنحاز إلى الطبقات الشعبية والمعادي للاستعمار وللحكم الاستبدادي، كما كانت من المدافعات عن قضايا المرأة المصرية وحقوقها.
 وقد صدر لها في هذه المرحلة ثلاثة كتب: الأول صدر سنة 1948 "80 مليون امرأة معنا" وقدم له طه حسين، وقدمت فيه تقريرًا عن مشاركتها في المؤتمر التأسيسي للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في باريس سنة 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية ورصدت فيه تطور الحركة النسائية العالمية في علاقتها بتطور حركة التحرر الوطني خلال ثلاث سنوات، والثاني صدر سنة 1949 بعنوان "نحن النساء المصريات" وقدم له عبد الرحمن الرافعي، وفيه رصدت واقع المرأة المصرية وأهم المشكلات التي تواجهها، أما الكتاب الثالث "السلام... الجلاء" فقد صدر سنة 1950، وقد حاولت فيه أن تكشف عن عدم وجود تعارض بين الدعوة إلى السلم العالمي والدعوة إلى الكفاح ضد المستعمر بكل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح.


 وهنا لابد من التوقف عند مجايلتي إنـﭽـي أفلاطون تحية حليم وجاذبية سري، اللتان جاء تعبيرهما عن القضايا الوطنية والاجتماعية من خلال فنهما بالدرجة الأولى مع اختلاف الأسلوب الفني لكل واحدة منهن، ولدت تحية حليم في السودان عام 1919 وتعلمت الفن في مرسم الطرابلسي على يد الفنان حامد عبدالله في مطلع الأربعينيات ثم التحقت بأكاديمية جوليان في الفترة من 1949 إلى 1951، ويعود معرضها الأول إلى عام 1943، وقد اختطت طريقًا جديدًا في فن التصوير المصري وفقًا لكثير من النقاد، أما جاذبية سري فقد ولدت بالقاهرة عام 1925، وتخرجت من معهد البنات للفنون الذي أصبح فيما بعد جزءًا من كلية التربية الفنية عام 1948، ولفتت الانتباه بأعمالها منذ مشاركاتها المبكرة في المعارض الجماعية، وتحررت من الصياغات التشكيلية الأوروبية التقليدية، وسعت إلى تجديد الرؤية للتراث الفني القديم، وعبرت عن القضايا الوطنية بأسلوب فني مميز وغير مباشر.


من أعمال تحية حليم

من أعمال جاذبية سري
 ولم تقتصر مشاركة المرأة على الرعاية والإبداع بل ساهمت كذلك في تأسيس الجمعيات والجماعات الفنية، فبعد المساهمة المبكرة والمؤثرة للمرأة في جمعيتي "المصرية للفنون الجميلة" و"محبي الفنون الجميلة"، نكاد نرى أثرًا للمرأة في معظم الجماعات الفنية التي تأسست فيما بين العشرينيات والخمسينيات.
 فقد أسس مختار سنة 1928 جماعة الخيال، وإلى جانبها تكونت لجنة أصدقاء جماعة الخيال وكان من بين أعضائها مي زيادة وهدى شعراوي، وعقب وفاة مختار سنة 1934 أسست هدى شعراوي جمعية لإصدقائه لعبت دورًا مهمًا في الحياة الفنية في مصر حتى مطلع الخمسينيات.
 وفي سنة 1938 أسس حبيب ﭽورﭽـي جماعة الفن الشعبي الفطري، وكون من خلالها مدرسة الفن الشعبي، وجمع فيها مجموعة من الأطفال الريف والأحياء الشعبية كان من بينهم فتيات منهن سيدة مساك وسميرة حسني وبدور جرجس، وقد أكمل رمسيس ويصا واصف مسيرة حبيب ﭽورﭽـي في عام 1946 عندما أسس مدرسة الحرانية التي ما زالت قائمة إلى يومنا هذا، وتشرف عليها أرملته صوفي حبيب، وخرجت عشرات من الفتيات المبدعات إبداعًا فطريًا.

سجاد الحرانية
 وفي ديسمبر من نفس العام (عام 1938) أطلق الشاعر ﭽورﭺ حنين البيان الذي وحمل عنوان "يحيا الفن المنحط"، وكان بمثابة البيان التأسيسي لجماعة الفن والحرية التي تأسست فعليًا في يناير 1939، وقد شارك في معرضها الأول سنة 1940 الفنانات ماريا هاسيا وإيمي نمر وعايدة شحاتة.

 وضمت جماعة الفن والحياة التي أسسها الفنان والمفكر حامد سعيد سنة 1946 فنانات منهن صوفي حبيب وآنا سعيد، أما جماعة الفن الحديث التي أسسها يوسف العفيفي في نفس السنة فقد التحقت بها عضوات منهن جاذبية سري وزينب عبد الحميد.

الأربعاء، 8 مارس 2017

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(1)
عماد أبو غازي

 8 مارس يوم المرأة العالمي و9 مارس ذكرى انطلاق الثورة المصرية، ثورة 1919، و16 مارس يوم المرأة المصرية، دي سلسلة مقالات عن المرأة والفنون بين 1919 و1952، كانت أصلا فصل في كتاب عن تاريخ المرأة المصرية صدر سنة 2009.



مدخل:
 شهدت السنوات ما بين سنتي 1919 و1952 تطورًا فارقًا في علاقة المرأة المصرية بالفنون، وفي مشاركتها الإيجابية في الحركة الفنية في مصر راعية وممارسة، سواء في مجال الفنون الجميلة أو المسرح أو السينما، فضلًا عن فنون الموسيقى والغناء التي كان للنساء دورًا بارزًا فيها عبر التاريخ، لكن هذا الدور تطور شكلًا ومضمونًا في تلك الحقبة المهمة من تاريخ مصر الحديث.
 لقد شهدت تلك السنوات التي تعرف بالحقبة الليبرالية في التاريخ المصري تحولات سياسية واجتماعية وثقافية انعكست على وضع المرأة المصرية بشكل عام، كما كانت المرأة فاعلًا أساسيًا في صياغة أحداث مصر في تلك المرحلة جنبًا إلى جانب الرجل، وكانت علاقة المرأة بالفنون علامة من علامات تلك الحقبة وملمحًا من ملامحها، لقد شكلت ثورة 1919 انطلاقة جديدة للمرأة المصرية كما كانت نقطة ارتكاز لتطور الفنون في مصر، لكن التحولات التي أتت بها ثورة 1919 وتلك التي صاحبتها لم تكن وليدة اللحظة بل استمدت أسسها ومقوماتها من المرحلة السابقة على الثورة.
 فقد شهدت مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر محاولة جديدة للنهضة بعد محاولة محمد علي التي انتهت بالفشل، وبدأت هذه المحاولة في عصر الخديوي إسماعيل، وامتدت إلى مجالات مختلفة في الثقافة وفي السياسة وفي مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وأحدثت تحولات مهمة في الحياة المصرية، لقد شهدت تلك السنوات تغير وجه الحياة المصرية، كانت المدينة المصرية تتغير وكذلك كانت القرية تتغير، كانت مصر تشهد حركة تحول من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث، تنشأ وتظهر فيه أشكال فنية جديدة لتحل محل الأشكال التقليدية، وفي هذه الفترة أُنشئت دار الأوبرا المصرية، وقدمت عليها عروض فن الأوبرا لأول مرة، وبدأت فرق مسرحية من الشام تأتي لتعمل على المسارح المصرية، سرعان ما شارك فيها المصريون، وبدأت فنون الموسيقى والغناء تتطور نحو اتجاهات جديدة اكتملت وتبلورت بعد ذلك في القرن العشرين، وبدأت فنون النحت والتصوير الأوروبية تنتشر في المجتمع المصري حيث كان يقوم بمباشرتها فنانون أوروبيون أزاحوا تدريجيًا الأشكال الفنية التقليدية التي كانت موجودة في هذه الفترة، وبدأ الناس في المدن الكبرى يعتادون مرة أخرى على رؤية التمثال يحتل حيزًا من الفراغ العام، من خلال تماثيل الميادين التي أقيمت في القاهرة والإسكندرية.
لقد انتهت تجربة التحديث في عصر إسماعيل مثل تجربة محمد علي إلى الفشل بعد هزيمة الثورة العرابية والاحتلال البريطاني لمصر، انتهت بكبوة ثانية، وعاشت مصر في فترة ظلام مرة أخرى تحطمت فيها مشروعات النخبة المصرية لتحقيق الديمقراطية ولبناء مجتمع مستقل ودولة حديثة، لكن بذور النهضة السياسية والنهضة الفنية أثمرتا.
 وفي تسعينيات القرن التاسع عشر بُعثت الحركة الوطنية من جديد، وكانت النهضة الفنية صنوا لها، كما كان تغير الأفكار ملمحًا من ملامحها، خاصة ما يتعلق بالمرأة وبالموقف من الفن، فبدأت القاهرة تعرف صالونات الفنون الجميلة منذ عام 1891، ونال الصالون رعاية الخديوي في عام 1892، كما عرفت الإسكندرية عروض السينماتوجراف بعد شهور قليلة من اختراع السينما في الغرب، أما المسرح فقد عاد تدريجيًا إلى تألقه الذي بدأ في عصر إسماعيل، واقتحم مع السنوات الأولى للقرن الجديد مجال النقد السياسي بقوة، الأمر الذي دفع السلطة إلى ملاحقة المسارح بقوانين رقابية متشددة.
 لقد كانت السنوات الأولى من القرن العشرين فترة محورية من تاريخ مصر، فشهد المجتمع المصري حركة عامة تواكب فيها نمو الحركة الوطنية وصعودها التدريجي مع بناء المؤسسات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة وشيوع الأفكار الجديدة بين الناس، فقد شهدت تلك السنوات تأسيس الأحزاب السياسية التي تعبر عن التيارات الأساسية في المجتمع ويسعى كل حزب منها بطريقته لتحقيق أهداف النضال الوطني في الدستور والجلاء، وكان أبرزها حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الموالي للخديوي عباس حلمي، وقد أسسه الشيخ علي يوسف ولسان حاله جريدة المؤيد، وحزب الأمة باتجاهه الليبرالي وأبرز رموزه أحمد لطفي السيد، وكانت جريدة "الجريدة" لسان حاله، ثم الحزب الوطني باتجاهاته الجذرية في العداء للاستعمار البريطاني، وقد أسسه مصطفى كامل سنة 1907، وكان الحزب يشكل تيارًا متصاعدًا في الحياة السياسية المصرية منذ صدرت جريدة "اللواء" سنة 1900.
 كما شهدت تلك السنوات أيضًا تأسيس نادي المدارس العليا كناد سياسي اجتماعي ثقافي نقابي يجمع طلاب المدارس العليا وخريجيها في تنظيم واحد يدافع عن مصالحهم وينمي الروح الوطنية بينهم، وشهدت تأسيس النادي الأهلي كأول نادي رياضي اجتماعي وطني، نفس الفترة عرفت الدعوة لإنشاء الجامعة الأهلية وافتتاح الدراسة بها بالفعل في ديسمبر من عام 1908، لتكون نواة للجامعات المصرية الحديثة فيما بعد، وليتخرج منها مجموعة من رواد حركة التحديث التي انتعشت موجه جديدة من موجاتها في أعقاب الثورة المصرية، ثورة 1919، وعام 1908 نفس العام الذي شهد افتتاح مدرسة الفنون الجميلة استنادًا إلى رأي مستنير للإمام محمد عبده في الفنون بأنواعها، وقد أسسها الأمير يوسف كمال أحد رعاة النهضة الثقافية في مصر وجعل مقرها قصر من قصوره بحي درب الجماميز بالقاهرة، وهي المدرسة التي كان من بين طلاب دفعتها الأولى رواد الفن الحديث في مصر، مختار وراغب عياد ويوسف كامل ومحمد حسن، وتأسست في 1909 "نقابة عمال الصنائع اليدوية" بدعم من الزعيم محمد فريد الرئيس الثاني للحزب الوطني لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الحركة العمالية المصرية، وفي نفس الحقبة تأسست مجموعة من الجمعيات الأهلية كان من أبرزها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء، إنه المشروع الوطني الكبير الذي مهد الأرض للصحوة الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وبلغت ذروتها بقيام ثورة 1919.
 لقد كانت الثورة الشعبية الوطنية الديموقراطية التي قام بها الشعب المصري سنة 1919 تتويجًا لنضال طويل امتد لأكثر من قرن وربع من الزمان، وقد انعكس نجاح الثورة في تحقيق بعض أهدافها على الحياة المصرية كلها، وأرست الثورة مجموعة من المبادئ المهمة، أولها أن الأمة هي مصدر السلطات وهي التي تفوض قادتها في تمثيلها وتحاسبهم على ما يفعلون، وثانيها أن مصر كيان مستقل قائم بذاته فلا هي مستعمرة بريطانية ولا هي ولاية عثمانية، وثالثها أن المصريون أمة واحدة لا فرق بينهم على أساس دين أو عقيدة أو جنس تربط بينهم الرابطة الوطنية قبل الرابطة الدينية، ورابعها أن استقلال مصر السياسي لا يتحقق بمعزل عن حرية المواطنين واحترام حقوقهم.
 وفي 16 مارس سنة 1919 خرجت المرأة المصرية لتشارك في الثورة وتحفر لنفسها صفحة في كتاب الوطن، وبعدها بأربعة أعوام، في 16 مارس 1923 تأسس الاتحاد النسائي المصري في ذكرى أول مظاهرة نسائية في ثورة 1919، وقد ارتبط هذا الحدث المهم في تاريخ الحركة النسائية المصرية بدعوة نساء مصر للمشاركة في المؤتمر النسائي الدولي في روما، وبالفعل نجحت المرأة المصرية في الوصول إلى المؤتمر والمشاركة فيه، فقد سافر إلى المؤتمر وفد من الاتحاد النسائي المصري الوليد، ضم هدى شعراوي وسيزا نبراوي وريجينا خياط وإستر ويصا واصف.
 وكالعادة أثار سفر الوفد النسائي حفيظة المتشددين وبعض المعارضين لفكرة طرح قضايا المرآة في الخارج، إلا أن الوفد النسائي سافر إلى روما رغم أنف المعترضين تعبيرًا عن اقتناع عدد كبير من الرائدات بضرورة مشاركة المرأة المصرية في المحافل الدولية لطرح قضايا المرأة وقضايا الوطن في تلك المحافل، ومن الجدير بالذكر أن ثقافة الوفد المشارك ومستوى علم عضواته حظي باحترام المشاركين والمشاركات في هذا المؤتمر، وشجع الجهات الدولية على التعامل بجدية مع قضايا المرأة المصرية، كما كان بداية لمواقف المساندة التي تبنتها الحركة النسائية العالمية لقضايانا العربية.

 وطوال الحقبة الليبرالية شاركت النساء المصريات من خلال لجنة سيدات الوفد والاتحاد النسائي المصري في التصدي للانقلابات الدستورية التي قادتها السرايا الملكية ضد إرادة الأمة، كما شاركن في النضال الوطني من أجل جلاء القوات البريطانية وتحقيق الاستقلال الكامل غير المنقوص لمصر، وتحققت للمرأة كثير من الانتصارات فاحتلت مكانتها في التعليم الجامعي وفي سوق العمل وفي النشاط النقابي وفي الحياة الثقافية والفنية.

الثلاثاء، 7 مارس 2017

محمد حاكم أيامه وأيام محمد علي



دي مقدمتي للطبعة التانية من كتاب أيام محمد علي للصديق محمد حاكم
النهارده أول ندوة لأطلاق الطبعة في مكتبة القاهرة الكبرى الساعة 7م
                                           
 
غلاف الطبعة التانية من تصميم
الفنانة هبة حلمي
                                                   
                                                                                             
  أذكر تمامًا اللقاء الأول بيننا، محمد حاكم وأنا، كان ذلك في يوم 21 فبراير 1981، في مدرج 78 بكلية الآداب جامعة القاهرة، في ندوة نظمتها أسرة من الأسر الطلابية بالكلية، كانت المناسبة الاحتفال باليوم العالمي لنضال الطلاب ضد الاستعمار، الذكرى الخامسة والثلاثين ليوم 21 فبراير 1946، كان المتحدث في الندوة المؤرخ الكبير الدكتور رءوف عباس حامد، كانت مشاركة مؤرخ وأستاذ جامعي في قيمته وقامته في نشاط طلابي سياسي الطابع حدثًا مهمًا وشجاعة فائقة في ذلك الوقت؛ فالجامعة وقتها تعيش في ظل حصار بوليسي، والنشاط الطلابي شبه محظور، بعد أن ألقى الدكتور رءوف عباس محاضرته، قام شاب صغير قدم نفسه باعتباره طالبًا في السنة الأولى بقسم الاجتماع مناقشًا للمحاضر محاولًا ربط الماضي الذي نحتفل به بحاضرنا وقتها، لفت الشاب انتباهي بمداخلته شديدة الذكاء وشجاعته، رغم ما ظهر عليه من ارتباك من يتحدث للمرة الأولى أمام حشد من مئات الطلاب والأساتذة، ويناقش أستاذًا كبيرًا مرموقًا مثل رءوف عباس، عقب الندوة توجهت إليه، وقدمت له نفسي، وكنت وقتها طالبًا بالدراسات العليا بقسم الوثائق، وتعرفت عليه توطدت العلاقة بيننا بسرعة، تحول من زميل دراسة يجمع بيننا قدر مشترك من الأفكار السياسية وبراح نتقبل فيه ما نختلف حوله، إلى صديق قريب إلى النفس والروح، جمعت بيننا مع مرور السنين آراء متقاربة في الحياة وفي السياسة، واهتمامات بحثية مشتركة، فقد جمعتنا دراسة التاريخ والولع بالوثائق، وفي إطار ولعنا المشترك أرشدني إلى واحدة من المجموعات المهمة بدار الوثائق القومية، غيرت نتائج رسالتي للدكتوراه وغيرت الكثير من المفاهيم حول تاريخ الحيازة الزراعية في مصر، كان حاكم بالنسبة لي المرجعية العلمية التي استند إليها، إذا كتبت بحثًا أو مقالًا جديًدا لا أطمئن حتى يقرأه حاكم ويبدي رأيه فيه، كان المعيار بالنسبة لي، في كل أموري العامة والخاصة كان رأيه بمثابة الضمير لي، وكان مما تلاقينا حوله الاهتمام بمحمد علي وعصره، وهذا الكتاب يمثل رؤية مهمة جديدة لعصر محمد علي.
 تصدر اليوم الطبعة الثانية لكتاب "أيام محمد علي ـ التمايز الاجتماعي وتوزيع فرص الحياة"، الكتاب الوحيد للباحث الراحل محمد حاكم، تصدر مع اقتراب الذكرى الخامسة والخمسين لميلاد محمد حاكم، والذكرى العاشرة لرحيله، وكانت الطبعة الأولى قد صدرت عن المجلس الأعلى للثقافة، قبل رحيل حاكم بأيام قليلة، في يوليو 2007، لتقر به عيني محمد حاكم في أخر أيام وعيه بالدنيا، ونفدت نسخها في أسابيع قليلة.

 الكتاب كان في الأصل البحث الذي حصل به محمد حاكم على درجة الماجستير، من كلية الآداب بجامعة القاهرة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تحت إشراف أستاذه الدكتور محمود فهمي الكردي، في هذا البحث جمع محمد حاكم المتخصص في علم الاجتماع، بين دراسة الاجتماع والتاريخ والوثائق في براعة فائقة، وقدم إضافة علمية مهمة في كل من المجالات الثلاثة، إنه إنجازه الأهم بين أبحاثه وقد شكل نقلة في الدراسات الاجتماعية والتاريخية المعتمدة على الوثائق حول عصر محمد علي.
 عندما قرر محمد حاكم أن يكون البحث العلمي طريقه في الحياة، اتجه الشاب القادم إلى القاهرة من مناطق التخوم بين القرية والمدينة في ريف الدلتا، والحالم بتغيير العالم، إلى دراسة علم الاجتماع الريفي، واعتبر أن دراسة القرية المصرية وأوضاعها المدخل السليم لتغيير الواقع، لكنه اكتشف أن دراسة القرية بمعزل عن دراسة المدينة أمرًا مستحيلًا، كما أن عاشق القرية والفلاح كان أيضًا عاشقًا للتاريخ، وقد اكتشف أن إرادة تغيير الحاضر وصنع المستقبل رهينة بفهم الماضي ودراسته، فاتجه إلى التاريخ.


 اختار محمد حاكم التحرر من الأطر التقليدية لعلم الاجتماع، عندما اختار لدراسته موضوع الصراع على فرص الحياة بين الريف والمدينة، وقضية استحواذ المدينة على فائض ما ينتجه الريف، عندما رفض الالتزام بالتقسيمات التقليدية في علم الاجتماع بين الاجتماع الريفي والاجتماع الحضري (دراسة المدينة)، وعندما اختار مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أي عصر محمد علي، زمنًا تاريخيًا للدراسة، وعندما لجأ إلى الوثائق والدفاتر والسجلات المتناثرة بين الأرشيفات المصرية المختلفة، ليستمع إلى أصوات المقهورين عبر الزمن، ويسمعنا إياه.
 انطلق حاكم في دراسته للعلاقة بين الريف والمدينة في عصر محمد علي من حقيقة أن العلاقة بين القرية والمدينة تأخذ شكل التناقض والصراع الاجتماعي بينهما، الصراع على فرص الحياة؛ فالمدينة مركز القوة والسلطة تسعى للاستحواذ على وسائل الإنتاج من خلال السيطرة على الأرض الزراعية، الأرض الزراعية التي تقع المساحة الأكبر منها في حيازة الدولة/السلطة الحاكمة وقتها وسكان المدن، وتسعى المدينة أيضًا إلى الاستحواذ على الناتج الفائض للريفيين المتمثل فيما يزرعونه من خلال الاستيلاء على قسم كبير من المحصول ومن خلال الضرائب المتنوعة، هذا الاستحواذ رأى فيه محمد حاكم البؤرة في علاقات الاقتصاد والسلطة.
 وتوقف حاكم عند النصف الأول من القرن التاسع عشر باعتباره نقطة محورية في التاريخ المصري، عصر شهد تحولات مهمة استمرت تأثيراتها في التكوين المصري الحديث إلى يومنا هذا، إنه بمعنى ما زمن إعادة التكوين.
 لقد شدت شخصية محمد علي وما قام به من تغيير لوجه المجتمع المصري محمد حاكم فغرق في ذلك العصر، لكنه لم يقع فيما يقع فيه كثير من الباحثين من ولع بالعصر الذي يدرسونه، لقد عاد محمد حاكم إلى القرون السابقة على عصر محمد علي كي يفهم ذلك العصر، كما وضع في اعتباره ما تلاه من عصور حتى يتتبع تأثيراته، أذكر جيدًا كيف أمضى محمد حاكم سنوات من دراسته في قراءة مجلدات من مصادر العصر العثماني مدققًا فيها كلمة كلمة، وباحثًا وراء ما لم تبح به تلك المصادر، ثم جاءت علاقته بالوثائق التي فعلت معه فعل "النداهة"، فغاص في بحورها دون أن يغرق فيها، واستفاد منها دون أن يقع في فخ التسليم بصحة كل ما تحويه، فقد تعامل معها تعاملًا نقديًا واعيًا، قضى سنوات في البحث في دفاتر الإدارة المالية في العصر العثماني وزمن الحملة الفرنسية وعصر محمد علي، تلك الدفاتر الموزعة بين دار الوثائق القومية ودار المحفوظات العمومية، حتى أصبح خبيرًا في خطوطها الصعبة عالمًا بمصطلحاتها الدقيقة، وهنا أتذكر تلك الشهور الطويلة التي بلغت تسعة أشهر، والتي أمضاها محمد حاكم في تدقيق الأرقام في تلك الدفاتر ليستخلص منها جدولًا شغل صفحة واحدة في رسالته، لكنه كان ثورة في المعرفة العلمية عن ذلك العصر.
 وينقسم كتاب "أيام محمد علي" إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، في المقدمة استعرض محمد حاكم أسئلته التي سعى للإجابة عليها، ومنهجه، ومصادره، وفي الفصل الأول درس نمط التحضر في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وركز في الفصل الثاني على دراسة التمايز الاجتماعي داخل القرية المصرية، وقد ناقش في هذا الفصل الخطاب العلمي والاستشراقي والحكومي الذي ظل يتعامل مع القرية المصرية باعتبارها وحدة متجانسة، أما الفصل الثالث فقد اهتم بدراسة الاستحواذ المديني على القرية من خلال استحواذها على وسائل الإنتاج الريفية وعلى فائض الإنتاج، وفي الفصل الرابع يناقش جانب آخر من جوانب الاستحواذ من خلال تحليل علاقات السلطة والمقاومة.
 لقد تأخر صدور هذه الدراسة لما يقارب السنوات العشر، لكنها صدرت في طبعتها الأولى بإلحاح متواصل من أصدقاء حاكم، وربما إحساسه بقرب النهاية في مرضه الأخير كان دافعًا له للإسراع بمراجعة نص الرسالة وإعداده للنشر.
 صدرت هذه الدراسة لتحتل مكانها إلى جانب دراسة خالد فهمي، زميل محمد حاكم ومجايله، عن الجيش في عصر محمد علي، والتي صدرت بعنوان: "كل رجال الباشا" عن دار الشروق منذ عدة سنوات، والدراستان معًا تشكلان رؤية لعصر محمد علي من وجهة نظر جديدة تبناها جيل جديد من الباحثين، حملت لأول مرة أصوات المقهورين.
 هذا عن أيام محمد علي؛ فماذا عن أيام محمد حاكم: ولد محمد حاكم في الرابع من يناير عام 1962، ورحل جسده عنا بعد رحلة مع المرض كانت نهايتها سريعة، عصر يوم  21 يوليو 2007، أسرع مما توقعنا جميعًا، فبين اكتشاف خطورة حالته الصحية ورحيله سبعة أسابيع، كان فيها قويًا متماسكًا هادئًا كعادته دائمًا، متقبلًا الأمر برضى، كان فقط مشفقًا على أهله ومحبيه، لقد كان محمد حاكم ممن يحملون هم الآخرين أكثر مما يحمل همه الشخصي، كان ما يشغله وهو يعرف أن النهاية باتت قريبة أن يعرف من طبيبه ما تبقى له بالتقريب حتى يرتب أمور الأعمال التي التزم بها، وحتى يرتب أوراقه البحثية المتناثرة التي لم تكتمل بعد، هذا هو محمد حاكم كما عرفته.
 وهذا هو محمد حاكم الذي ذكرني بكلمات عالم المصريات جيمس هنري بريستد مؤلف كتاب فجر الضمير "إن إبداع المصري القديم لمتون الأهرام يشكل احتجاجًا حماسيًا ضد الموت وثورة ضد الظلمة والسكون العظيمين"، فالمصري يبدع ويعمل للحياة في مواجهة الموت.


  كان محمد حاكم أحد قادة الحركة الطلابية سنة 1984 المنتمين إلى اليسار التروتسكي، كما كان أحد أبرز الباحثين في جيله في مجال الدراسات الاجتماعية والتاريخ، استخدم المادية التاريخية منهجًا دون أن يتجمد عنده مثل كثير من الماركسيين، فقد امتلك إلى جانب هذا معرفة عميقة بالمناهج الجديدة في العلم الاجتماعي، استوعبها وأجاد استخدام أدواتها، الأمر الذي يظهر جليًا في هذا العمل الذي بين أيديكم.
 اهتم محمد حاكم في السنوات الأخيرة من حياته بثلاث قضايا محورية في حياتنا العلمية والسياسية، خلال إشرافه على البرنامج البحثي للمركز الفرنسي للدراسات القانونية والاقتصادية: مناهج البحث، وجماعات الإسلام السياسي، والإصلاح الدستوري؛ وأظن أننا اليوم ندرك جيدًا أهمية هذه المجالات الثلاثة في حياتنا.
                                                                                                              عماد أبو غازي


  


أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...