الاثنين، 27 يونيو 2016

في ذكرى رؤوف عباس

 أمس كانت الذكرى الثامنة لأستاذنا الدكتور رؤوف عباس، أعيد نشر ما كتبته عنه يوم رحيله سنة 2008 في مقالي الأسبوعي بجريدة الدستور...



مخربشات
رؤوف عباس ... المؤسس
عماد أبو غازي

 توقفت كثيرًا عند اختيار الزاوية التي أتناول منها رؤوف عباس في هذا المقال، فكرت في البداية أن يكون مدخلي للحديث عن مؤرخنا الراحل الكبير رؤوف عباس تأسيسه لمدرسة جديدة في الدراسات العثمانية، لكني تدراكت؛ فدوره الرائد في مجال دراسات تاريخ مصر الاجتماعي أقدم بكثير من اهتمامه بالتاريخ العثماني، وانتبهت كذلك إلى أن إسهام رؤوف عباس يتجاوز بكثير دوره الأكاديمي ليمتد إلى العمل العام في الدفاع عن استقلال الجامعة من خلال عضويته في حركة 9 مارس، كما يمتد لمؤسسات عدة خارج الجامعة، ما بين الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ودار الوثائق القومية وغيرها من المؤسسات.


 عرفت رؤوف عباس حامد للمرة الأولى كما عرفه الكثيرين من أبناء جيلي، من خلال كتابه المهم عن الحركة العمالية في مصر، الذي صدر سنة 1968، وقد تعرفت على الكتاب بعد صدوره بعدة سنوات عندما التحقت بكلية الآداب سنة 1972، وكان وقتها دراسة أكاديمية رائدة تفتح مجالًا جديدًا في دراسات التاريخ الاجتماعي، وتؤسس لمدرسة مصرية لدراسة تاريخ الطبقات الاجتماعية والتجليات السياسية لنشاط تلك الطبقات وحركتها في المجتمع، من خلال دراسة تاريخ الطبقة العاملة المصرية.
 ثم أتبع كتابه الأول بكتاب ثان عن النظام الاجتماعي في مصر في ظل الملكيات الكبيرة، صدر سنة 1973، فجمع بذلك بين دراسة قمة المجتمع المصري وقاعة في مرحلة ما قبل انقلاب يوليو 1952، ودشنه كتابه الثاني رائدًا لمدرسة التاريخ الاجتماعي لمصر في العصر الحديث بلا منازع.
 كان الكتابان في الأصل رسالتي الماجستير والدكتوراه، وقد حصل على الرسالتين من جامعة عين شمس تحت إشراف أستاذه الدكتور أحمد عزت عبد الكريم، الذي جعل من شعبة التاريخ الحديث في جامعة عين شمس مدرسة متميزة في الجامعات المصرية كلها، وكان رؤوف عباس نتاجًا لهذه المدرسة.
 وقبل أن ينتهي عقد السبعينيات من القرن الماضي كان رؤوف عباس قد أضاف كتابين جديدين إلى المكتبة التاريخية المصرية، مذكرات محمد فريد الذي صدر عام 1975، والحركة العمالية المصرية في ضوء الوثائق البريطانية 1924 ـ 1937، ليطرق من جديد في كتابه الأخير هذا موضوعه الذي ظهر به على ساحة الكتابة التاريخية، موضوع تاريخ الحركة العمالية في مصر، ثم أضاف إليها عملًا مترجما تأسيسيا في مجال دراسات التاريخ الاقتصادي الاجتماعي عندما ترجم كتاب موريس دوﭖ "دراسات في تطور الرأسمالية" إلى اللغة العربية سنة 1978.
 وخلال عقد السبعينيات أيضا بدء رؤوف عباس في نشر عدد من الدراسات المهمة في الدوريات العلمية المتخصصة، واستمرت دراساته وأبحاثه تنشر في الدوريات المصرية والعربية والأجنبية يفتح في كل منها مجالًا جديدًا، وكان من المجالات المهمة التي تطرق إليها في دراساته تجربة النهضة اليابانية، والتي بدأ الاهتمام بدراستها بعد رحلته لليابان التي قام خلالها بالتدريس في الجامعات اليابانية، وكانت دراساته حول التجربة اليابانية موضوعًا من موضوعات دراسة التاريخ المقارن التي انشغل بها رؤوف عباس، واستمرت علاقته بتاريخ اليابان من خلال عدد من الدراسات والترجمات، كما تواصل اهتمامه بالتاريخ المقارن ونظم بالتعاون مع صديقه المؤرخ الأمريكي بيتر جران حلقة بحثية لشباب الباحثين في التاريخ حول التاريخ المقارن لمصر والشرق الأوسط، كانت مجالًا مفتوحًا لتبادل الخبرة والرؤى بين عدد من الباحثين المهتمين بدراسة التاريخ المقارن.
 ورغم أن رؤوف عباس حصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس إلا أنه انتقل للعمل في جامعة القاهرة فنقل إليها تقاليد جديدة وأسس فيها مدرسة تاريخية تنتمي إليه بحق؛ وأهم ملامح تلك المدرسة اهتمامها بدراسة تاريخ مصر في العصر العثماني في ضوء المصادر الجديدة التي أصبحت متاحة للباحثين، وفي هذا الصدد يصف رؤوف عباس في مقدمته للترجمة العربية لكتاب نللي حنا "ثقافة الطبقة الوسطى في مصر العثمانية" موقف جيله من المؤرخين تجاه العصر العثماني بقوله: "ضيعنا ثلاثة قرون كاملة من تاريخنا، جريًا وراء أفكار نظرية صدرها لنا من وصفوا تلك القرون بأنها عصر جمود وركود وتخلف، وكنا ـ في الستينات والسبعينات ـ نطبق تلك النظريات على تاريخنا، أو ـ بعبارة أدق ـ نصب تاريخنا في قوالبها صبًا ما دمنا قد سلمنا بما غلب على تلك القرون الثلاثة من جمود وركود وتخلف ثقافي"، ويعود فيفسر انتشار هذه الأفكار بسرعة وسهولة بالدور المهم لمصر في عصر المماليك السابق على العصر العثماني، وفي العصر اللاحق عليه، أي عصر محمد علي، فيقول: "هذا الوضع السياسي المتواضع، قياسًا بالعصرين السابق واللاحق ـ من حيث الدور الإقليمي ـ حَوَّل العصر العثماني إلي مجرد "جملة اعتراضية" في تاريخ مصر العريق، وركزت الدراسات الأكاديمية اهتمامها على ما سبقه ولحق به، ولم يحظ إلا باهتمام محدود"، وبغض النظر عن تلك القضية الشائكة فإن رؤوف عباس نجح في توجيه عدد من طلابه إلى هذا الحقل كان أولهم وأبرزهم محمد عفيفي الذي أنجز دراساتين من أهم الدراسات حول تاريخ مصر العثمانية تحت إشراف رؤوف عباس، الأولى عن الأوقاف والثانية عن الأقباط في مصر العثمانية، وكان أحدث هؤلاء التلاميذ وأقربهم إلى أستاذه، ناصر إبراهيم الذي درس تحت إشراف رؤوف عباس "المجاعات والأوبئة في مصر العثمانية" كما درس "الإدارة في زمن الحملة الفرنسية"، وقد حول رؤوف عباس المدرسة إلى مؤسسة من خلال إشرافه على سمينار التاريخ العثماني الذي بدأ في قسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة ثم انتقل إلى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وأصبح اليوم مؤسسة راسخة يسعى الباحثون إلى إثبات ميلادهم في حقل الدراسات العثمانية من خلالها.

في ندوة مصر العثمانية ـ المجلس الأعلى للثقافة ـ خريف 2007 مع د.خالد أرن وفرحان صالح 
 وما دام الحديث قد قادنا إلى الجمعية المصرية للدراسات التاريخية فلاشك أن أي دارس لتاريخ المؤسسات العلمية والثقافية في مصر سوف يتوقف طويلًا عند دور رؤوف عباس في إحياء هذه المؤسسة والانطلاق بها إلى وضع جديد يليق بتاريخها الطويل منذ تولى رئاستها في عام 1999.

 لقد كان رؤوف عباس حامد الذي ولد في بورسعيد في 24 أغسطس سنة 1939 ورحل من القاهرة في 26 يونيو سنة 2008 رجلًا حرفته البناء والتشييد، بناء البشر وتشييد المؤسسات.

الاثنين، 13 يونيو 2016

دنشواي 2
 وده مقال قديم تاني كنت نشرته في جرنال الدستور في يوليو 2007 افتكرته بمناسبة الكتابة عن دنشواي، فألت أنشره تاني للذكرى...

مخربشات
هلوسة صيفية ... على هامش دنشواي اتنين!

عماد أبو غازي

 "لا مراء في أن حادثة دنشواي هي من حوادث مصر التاريخية التي لا تُنسى على مر السنين".
 تذكرت تلك العبارة للمؤرخ عبد الرحمن الرافعي وأنا أتابع ما تنشره الصحف عن حادثة دنشواي الثانية، التي وقعت في القرية منذ أيام قليلة. عندما أطلق أحد أثرياء القرية ـ كما تصفه الصحف ـ النار على الأهالي المتجمهرين يحاولون منعه من تركيب محطة تقوية لإحدى شركات المحمول فوق منزله، أسفر إطلاق النار عن مصرع شاب في السادسة عشرة من عمره، وإصابة عدد من أبناء القرية، وتدخل الأمن ليوقف الاشتباكات ويقبض على الثري المتهم بالقتل، وتتحفظ النيابة العامة على المصابين في المستشفيات بتهمة التجمهر وإتلاف الممتلكات الخاصة والتعدي والضرب.
 وبالطبع فإن للواقعة روايات متعددة، فبعض الصحف تتحدث عن تجمهر الأهالي لمنع صاحب المنزل من إقامة محطة المحمول فوق منزله، رغم تحذيرهم المتكرر له خوفا من الأضرار الصحية لمحطات المحمول، وقيام صاحب المنزل بالاستعانة برجاله وأتباعه بإطلاق الأسلحة النارية عليهم لإرهابهم، فكان هو المعتدي وفقا لهذه الرواية، بينما تذكر صحف أخرى أن آلاف من أبناء القرية هاجموا منزل الرجل بالفؤس والحجارة والعصي وتعدوا عليه وعلى أهل بيته، فأطلق النار عليهم، فهو هنا يدافع عن نفسه.
 وقد تكررت أحداث مماثلة في عدد من قرى مصر ومدنها الصغيرة في السنوات الماضية، لكن لأن القرية التي وقعت فيها الأحداث "قرية دنشواي"، فقد تصدر الحادث العناوين الرئيسية لعدد من الصحف، وحظي بتغطية إعلامية كبيرة، كان الربط فيها بين حادثة دنشواي القديمة وحادثة دنشواي الثانية قاسما مشتركا. وكأن هذه القرية الصغيرة من قرى محافظة المنوفية مكتوب عليها أن تعيد مأساتها مرة أخرى، بعد مئة عام وعام وشهر، ففي العام الماضي احتفلنا بمؤية حادثة دنشواي، وها نحن أمام دنشواي جديدة.
 لكن هل حقا يمكن أن نعتبر أن ما حدث في الأسبوع الماضي يماثل ما حدث منذ مئة عام وعام ؟
 للتذكرة، تبدأ حادثة دنشواي 1906 عندما غادرت كتيبة من الجيش البريطاني القاهرة متوجهة إلى الإسكندرية، وتوقفت بمنوف للراحة، فأبلغ خمسة من ضباط الكتيبة مأمور المركز رغبتهم في الصيد بقرية دنشواي القريبة، والمشهورة بتربية الحمام، فطلب المأمور من أحد أعيان بلدة الواط أن يعد لهم راكيب تتولى نقلهم لبلدة دنشواي، وذهب الضباط بصحبة أومباشي من نقطة الشهداء وترجمان مصري، وتوجه الأومباشي إلى العمدة ليبلغه ليتخذ الاحتياطات اللازمة، لكن العمدة كان غائبا، ولم ينتظر الضباط عودته، فانقسموا فريقين فريق وقف على السكة الزراعية لصيد الحمام من على الأشجار، والفريق الآخر دخل إلى القرية وتوغل في وسط أجران القمح، ومن هنا بدأت رحلة الصيد العادية التي تكررت مئات المرات من قبل تتحول إلى حادثة هزت مصر وامتدت آثارها إلى العالم، عندما صوب أحد الضباط بندقيته نحو حمامتين واقفتين على جرن قمح فتسببت رصاصة طائشة في إشعال النار في الجرن، وأصابت رصاصة أخرى زوجة صاحب الجرن بجراح وتصور الناس أنها ماتت، وتصاعدت الأحداث عندما مات ضابط إنجليزي بضربة الشمس،  ونعرف جميعا ما حدث بعد ذلك من محاكمات انتهت بإعدام وسجن وجلد عدد من أهالي القرية المنكوبة.
 فهل يمكن أن نقارن ما حدث يومها بما حدث بالأمس القريب ؟
 من اللافت للنظر في دنشواي الجديدة عدة أمور، أولها: الدور الذي أصبح المسجد يلعبه في التحريض وفي تحريك الناس في الشارع، هذا الدور الذي تعاظم مع غياب الأحزاب السياسية عن الساحة، فكثيرا ما نسمع في السنوات الماضية عن جرائم التحريض من فوق منابر المساجد ضد حق المواطنين المسيحيين في بناء الكنائس، وفي الأسبوع الماضي نشرت جريدة البديل عن واقعة تحريض جديدة في أطسا بالفيوم، "بطلها" إمام مسجد، لكنها هذه المرة ضد مواطن مسلم رفض أن يضم حديقة منزله إلى المسجد المجاور، فحرض إمام المسجد المصلين ليقتحموا المنزل ويعتدوا على صاحبه وأسرته ويضم الحديقة بالقوة للمسجد! وفي واقعة دنشواي اتنين أيضا لعب أئمة المساجد دورا في التحريض على منع إقامة محطة تقوية المحمول بالقوة، إننا أمام ظاهرة أصبح فيها أئمة المساجد يلعبون دورا خطيرا في المجتمع، يبدأ من التحريض على البلطجة باسم الدين ضد الكنائس وضد أملاك الغير إلى التدخل بالفتوى في كل أمر معلوم لشيخ الجامع أو غير معلوم، وهذا أمر خطير.
 ثانيها: اتجاه الناس إلى منطق قانون الغابة، كلٍ يفعل ما يريد، كل واحد يسعى إلى تطبيق قانونه بالقوة، وأخذ ما يتصوره حق له بأيديه، بدلا من اللجوء إلى القضاء والاحتكام للقانون، فالناس ترى أن القانون العام لا يطبق على الجميع، فمادام ذلك كذلك، فاللي إيده تطول حاجه ياخدها، وهذا خطر ثاني.

 الأمر الثالث: التناقض الذي أصبحنا نعيش فيه، في سلوكنا وتفكيرنا، فكلنا نستعمل المحمول ونبالغ في استخدامه، ومن المؤكد أن هناك آلاف من أجهزة المحمول في قرية دنشواي، فترى كيف تعمل هذه الأجهزة دون محطات إرسال ومحطات تقوية، كلنا نريد أن نقتني المحمول ونستخدمه، لكننا نرفض مستلزماته ومتطلباته وبنيته الأساسية، ونقاتل من أجل منع إقامتها!!!

دنشواي في عصر محمد علي

 ده مقال قصير نشرته في جريدة الشروق من يجي تسع سنين افتكرته بمناسبة الكتابة عن دنشواي الأصلية، وزي ما هتلحظوا فيها جزء من المقالات الأصلية اللي كنت كتبتها في الذكرى المئوية لحادثة دنشواي، ورجعت جمعتها في مقال واحد وصيغتها من تاني ونشرتها من يومين.

عماد أبو غازي


 نعرف جميعًا قصة حادثة دنشواي التي تعد من أشهر حوادث التاريخ المصري الحديث وأكثرها تأثيرًا في وجدان المصريين، فبسبب قيام الجنود الإنجليز بصيد الحمام في قرية دنشواي بالمنوفية اشتعلت النيران في جرن بالقرية وأصيبت فلاحة وأصيب شيخ الغفر الذي حاول أن يحمي الإنجليز من غضب الأهالي، فثار الأهالي وفر الإنجليز ومات واحدًا منهم بضربة شمس، يومها عقد الإنجليز محكمة مخصوصة قضت بإعدام أربعة من أهالي القرية شنقًا، وبالأشغال الشاقة على تسعة وبالحبس مع الشغل على أربعة آخرين، وحكمت بجلد تسعة، على أن تنفذ عقوبات الإعدام والجلد بالقرية.
 إنها الحادثة التي قال عنها المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية": "لا مراء في أن حادثة دنشواي هي من حوادث مصر التاريخية التي لا تُنسى على مر السنين، لما كان لها من الأثر البليغ في تطور الحركة الوطنية، وفي مركز الاحتلال الإنجليزي، فهي نهاية عهد كان الاحتلال يتمتع فيه بالاستقرار والطمـأنينة، وبداية مرحلة جديدة من مراحل الجهاد القومي عم فيها الشعور الوطني بعد أن كان الظن أن سواد الأمة راض عن الاحتلال".
 وقد كان الرافعي مؤرخ الحركة الوطنية محقًا فيما قال، فالحادث بالفعل من الأيام التي لا تُنسى في تاريخنا، لقد حولت رعونة سلطات الاحتلال البريطاني وجبروتها ومبالغتها في استخدام القوة الغاشمة، وخنوع ذيولها من المصريين، حادث بسيط مرتبط بصيد الحمام في الريف إلى قضية كبرى فجرت طاقات الحركة الوطنية المصرية وأطلقت الغضب الشعبي في مصر، وهزت الرأي العام العالمي، وأعادت القضية المصرية بقوة إلى الساحة الدولية بعد أن انزوت بالوفاق الودي بين بريطانيا وفرنسا سنة 1904، وبلغت أهمية الحادثة درجة دفعت محافظة المنوفية إلى اتخاذ ذكراها عيدًا قوميًا وبرج الحمام شعارًا لها.
 لكن ما حدث في دنشواي لم يكن الحادث الأول من نوعه، أقصد هنا بما حدث المشاكل التي تترتب على صيد الأجانب للطيور في الريف المصري، فالريف كان يغري الأوروبيين من هواة الصيد بصيد الطيور التي تعيش فيه، وبسبب غياب اللغة المشتركة بين الأوروبيين والمصريين كانت المشاكل تقع دائما، منها ما يرويه المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" في حوادث شهر ربيع الثاني سنة 1235 هـ، الموافقة لسنة 1820 م، أي في عصر محمد علي باشا، يقول الجبرتي تحت عنوان ذكر حادثة:

 "واتفق وقوع حادثة في هذا الشهر وهو أن شخصا من الإفرنج الإنجليز ورد من الإسكندرية وطلع إلى بلدة تسمى كفر حشاد، فمشى بالغيط ليصطاد الطير، فضرب طيرا ببندقيته، فأصابت بعض الفلاحين في رجله، وصادف هناك شخصا من الأرنؤد بيده هراوة أو مسوقة، فجاء إلى ذلك الأفرنجي وقال له: أما تخشى أن يأتي إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا، وأشار بما في يده على رأس الأفرنجي لكونه لا يفهم لغته، فاغتاظ من ذلك الإفرنجي وضربه ببندقيته فسقط ميتا، فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الأفرنجي ورفعوا الأرنؤدي المقتول وحضروا إلى مصر، وطلعوا بمجلس كتخدا بيك (وكيل الباشا) واجتمع الكثير من الأرنؤد وقالوا لابد من الأفرنجي، فاستعظم الكتخدا ذلك لأنهم يراعون جانب الأفرنج إلى الغاية؛ فقال: حتى نرسل إلى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم في ذلك، وأرسل بإحضارهم، وقد تكاثر الأر نؤد وأخذتهم الحمية، وقالوا: لأي شيئ نؤخر قتله إلى مشورة القناصل؟ وإن لم يقتل في هذا الوقت نزلنا إلى حارة الأفرنج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الإفرنج، فلم يسع الكتخدا إلا الأمر بقتله، فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه، وطلع أيضًا القناصل في كبكبتهم وقد نفذ الأمر، وكان ذلك في غيبة الباشا".

السبت، 11 يونيو 2016

"الخواجة أتل المره..."
عماد أبو غازي

 تحتفل مصر بذكرى مرور مئة وعشرة سنوات على حادثة دنشواي، ففي شهر يونيو من عام 1906 وقعت حادثة دنشواي التي قال عنها المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية":
 "لا مراء في أن حادثة دنشواي هي من حوادث مصر التاريخية التي لا تُنسى على مر السنين، لما كان لها من الأثر البليغ في تطور الحركة الوطنية، وفي مركز الاحتلال الإنجليزي، فهي نهاية عهد كان الاحتلال يتمتع فيه بالاستقرار والطمـأنينة، وبداية مرحلة جديدة من مراحل الجهاد القومي عم فيها الشعور الوطني بعد أن كان الظن أن سواد الأمة راض عن الاحتلال".


 لقد كان الرافعي مؤرخ الحركة الوطنية محقًا فيما قال؛ فالحادث بالفعل من الأيام التي لا تُنسى في تاريخنا، لقد تسببت رعونة سلطات الاحتلال البريطاني وجبروتها ومبالغتها في استخدام القوة الغاشمة، وخنوع ذيولها من المصريين، في تحويل حادث صيد حمام بسيط إلى قضية كبرى فجرت طاقات الحركة الوطنية المصرية وأطلقت الغضب الشعبي في مصر من عقاله وأيقظته من ثباته، وهزت الرأي العام العالمي وأعادت القضية المصرية بقوة إلى الساحة الدولية بعد أن انزوت بالوفاق الودي بين بريطانيا وفرنسا سنة 1904، وبلغت أهمية الحادثة درجة دفعت محافظة المنوفية إلى اتخاذ ذكراها عيدًا قوميًا وبرج الحمام شعارًا لها.


 وتبدأ الحادثة كما يرويها عبد الرحمن الرافعي ـ الذي كان وقتها شابًا يدرس في السنة الثانية بمدرسة الحقوق ـ عندما غادرت كتيبة من جيش الاحتلال البريطاني القاهرة يوم 11 يونيو 1906 متوجهة إلى الإسكندرية، وتوقفت بمنوف يوم 13 يونيو للراحة، فأبلغ خمسة من ضباط الكتيبة مأمور المركز رغبتهم في الصيد بقرية دنشواي القريبة، والمشهورة بتربية الحمام، ويذكر مؤرخنا عبد الرحمن الرافعي كعادته التفاصيل الصغيرة للحادث، فيحدد لنا أسماء الضباط الإنجليز الخمسة وهم الميجور بين كوفن قومندان الكتيبة، والكابتن بول، والملازمان بورتر وسميث ويك، والطبيب البيطري بوستك، ويقول الرافعي أن المأمور طلب من عبد المجيد بك سلطان أحد أعيان بلدة الواط أن يعد لهم راكيب تتولى نقلهم لبلدة دنشواي، ففعل، وذهب الضباط الخمسة بصحبة أومباشي من بوليس نقطة الشهداء وترجمان مصري، وتوجه الأومباشي إلى العمدة ليبلغه خبر قدوم الضباط ليتخذ الاحتياطات اللازمة التي تضمن عدم احتكاكهم بالأهالي، لكن العمدة كان غائبًا، ولم ينتظر الضباط عودته، فهم يتصورون أن البلد بلدهم يفعلون فيها ما يشاءوا، فانقسموا فريقين فريق وقف على السكة الزراعية لصيد الحمام من على الأشجار وهؤلاء لم يصبهم أحد بشيء، والفريق الآخر دخل إلى القرية وتوغل في وسط أجران القمح، ومن هنا بدأت رحلة الصيد العادية التي تكررت مئات المرات من قبل تتحول إلى حادثة هزت مصر وامتدت آثارها إلى العالم.
 كيف حدث ذلك ؟
 صوب أحد الضباط بندقيته نحو حمامتين واقفتين على جرن قمح يملكه محمد عبد النبي مؤذن القرية، فصاح به شحاته عبد النبي أخو صاحب الجرن هو وشيخ يبلغ من العمر 75 سنة اسمه حسن علي محفوظ (كان أول من نفذ فيه حكم الإعدام بعد المحاكمة) أن يتوقف عن إطلاق النار حتى لا يشتعل الجرن، طبعًا الخواجة لم يفهم كلامهما، واستمر في إطلاق النار، فتسببت رصاصة طائشة في إشعال النار في الجرن، وأصابت رصاصة أخرى الست أم محمد زوجة صاحب الجرن بجراح وتصور الناس أنها ماتت، فهجم شحاته على الضابط محاولًا انتزاع بندقيته، وخرج أهالي القرية يصيحون "الخواجة أتل المره وحرق الجرن"، وأحاطوا بالضابط، وفي نفس الوقت جاء بقية الضباط الإنجليز في محاولة لتخليص زميلهم، ووصل شيخ الغفر مع الغفرا لتفريق الجمع، فتصور الضباط الإنجليز إنه قادم لضربهم فأطلقوا عليه الرصاص فسقط جريحا بإصابة في فخده، فجرى العيال في القرية يصيحون: "شيخ الغفر اتقتل"، وأخذ الأهالي يقذفون الضباط بالطوب، فهرب الإنجليز بعد أن أصيب قومندان الكتيبة بكسر في ذراعه وجرح الملازمان سميث ويك وبورتر ووقعوا في أسر الغفر، وتم تسليمهم لوحدتهم.
 أما الكابتن بول الذي أصيب في رأسه وزميله الطبيب البيطري فقد أطلقا ساقيهما للريح خوفًا من غضب الأهالي، وجريا 8 كيلو في عز حر بؤنة، فسقط الأول من الإعياء عند مدخل قرية سْرسنا، وتركه الطبيب الندل واستمر في الجري حتى وصل للمعسكر، فلاح مصري اسمه سيد أحمد سعيد شاهد الكابتن على الأرض فطسان من الحر، فتقدم يسقيه الماء، في الوقت الذي وصلت فيه قوة من الكتيبة الإنجليزية، فطعنوا سيد أحمد بسناكي البنادق وانهالوا على رأسه ضربًا بكعوبها فسقط قتيلًا وسماه الناس شهيد سْرسنا، ومات الكابتن بول بضربة الشمس، كما أكد ذلك تقرير الطبيب الشرعي البريطاني.


 عندما وصل الخبر إلى القاهرة ثارت ثائرة اللورد كرومر، وبعد أسبوع واحد من الحادثة أصدر بطرس باشا غالي وزير الحقانية قرارًا بتشكيل محكمة مخصوصة استنادًا إلى أمر عالي كان قد صدر سنة 1895، بتشكيل محاكم مخصوصة لمحاكمة المصريين الذين يتهمون بالتعدي على ضباط وجنود جيش الاحتلال.
 تشكلت محكمة مخصوصة برئاسة بطرس باشا غالي ناظر الحقانية (وزير العدل) وعضوية مستر هيتر نائب المستشار القضائي الإنجليزي في مصر ومستر بوند وكيل محكمة الاستئناف الأهلية والقائم مقام لادلو القائم بأعمال المحاماة والقضاء بجيش الاحتلال، وأحمد فتحي زغلول بك رئيس محكمة مصر الابتدائية، وتولى السكرتارية عثمان بك مرتضى رئيس أقلام الحقانية.

بطرس باشا غالي
 وقد تولى مسئولية الادعاء العام إبراهيم الهلباوي وكان واحدًا من أكبر المحامين وأشهرهم، ووفقا لجريدة "المنبر": "عرضت وظيفة المدعي العمومي في قضية دنشواي على الأستاذ أحمد عبد اللطيف المحامي قبل أن تعرض على الهلباوي فقبلها، ولكن على شريطة أن يكون حرا في المرافعة، فيطلب من العقاب ما يراه موافقًا للجرم، فقيل له سننقدك مائتين ذهبا ويجب أن تقول ما نريد أن يقال فأبى. أما الهلباوي فقبلها كما طلبوا وأعطى خمسمائة من الجنيهات بواقع مائة عن كل ضابط من الخمسة الإنجليز الذين قام مطالبًا بعقاب من اعتدى عليهم".

إبراهيم الهلباوي
 طلب الهلباوي الإعدام لسبعة من الأهالي وبأشد عقوبة بعد الإعدام لباقي المتهمين، مستندًا إلى أن مثل هذه التهم يعاقب عليها بالقتل في القوانين الإنجليزية والفرنسية وفي الشريعة الإسلامية.
 أما فريق الدفاع عن المتهمين فتكون من أحمد لطفي السيد بك ومحمد بك يوسف وإسماعيل بك عاصم، وقد ركز أحمد لطفي السيد في دفاعه على هدم الأسس القانونية لمرافعة الادعاء ونفي تهمة سبق الإصرار عن المتهمين، لكن القضية لم تكن قانونية، بل كان الأمر قرارًا سياسيًا بتوقيع عقوبات قاسية لإرهاب المصريين وإشعارهم بسطوة الوجود البريطاني.
 وبعد ثلاثة أيام من المحاكمات صدرت الأحكام يوم 27 يونيو بإعدام أربعة من أهالي القرية شنقا، وبالأشغال الشاقة على تسعة وبالحبس مع الشغل على أربعة آخرين، وحكمت بجلد تسعة، على أن تنفذ عقوبات الإعدام والجلد بالقرية، وكلفت المحكمة مدير المنوفية (يعنى المحافظ) بتنفيذ الأحكام فورًا، وتم تنفيذ الأحكام يوم 28 يونيو 1906، واستغرق التنفيذ ساعة ونصف، حيث أُعدم أول الشهداء في الثانية ظهرًا، وبقى معلقًا في حبل المشنقة إلى أن نفذ حكم الجلد في اثنين من الأهالي، ثم شنق الثاني واستمر تنفيذ العقوبات بنفس الأسلوب إلى الساعة الثالثة والنصف.


 وقد وصف قاسم أمين في كلمات معبرة شعور الناس يوم تنفيذ الحكم، فقال: "رأيت عند كل شخص تقابلت معه قلبًا مجروحًا وزورًا مخنوقًا، ودهشة عصبية بادية في الأيدي وفي الأصوات، كان الحزن على جميع الوجوه، حزن ساكن مستسلم للقوة، مختلط بشيء من الدهشة والذهول، ترى الناس يتكلمون بصوت خافت، وعبارات متقطعة، وهيئة بائسة، منظرهم يشبه منظر قوم مجتمعين في دار ميت، كأنما كانت أرواح المشنوقين تطوف في كل مكان من المدينة، ولكن هذا الاتحاد في الشعور بقى مكتومًا في النفوس لم يجد سبيلًا يخرج منه فلم يبرز بروزًا واضحًا حتى يراه كل إنسان".

قاسم أمين
 أما جريدة مصطفى كامل "اللواء" فقد وصف مراسلها الصحفي الشاب أحمد حلمي المشهد قائلًا: "كاد دمي يجمد في عروقي بعد تلك المناظر الفظيعة، فلم استطع الوقوف بعد الذي شاهدته، فقفلت راجعًا وركبت عربتي، وبينما كان السائق يلهب خيولها بسوطه كنت أسمع صياح ذلك الرجل يلهب الجلاد جسمه بسوطه، هذا ورجائي من القراء أن يقبلوا معذرتي في عدم وصف ما في البلدة من مآتم عامة، وكآبة مادة رواقها على كل بيت، وحزن باسط ذراعيه حول الأهالي، حتى أن أجران غلالهم كان يدوسها الذين حضروا لمشاهدة هذه المجزرة البشرية، وتأكل فيها الأنعام والدواب بلا معارض ولا ممانع، كأن لا أصحاب لها، ومعذرتي واضحة، لأني لم أتمالك نفسي وشعوري أمام البلاء الواقع الذي ليس له من دافع إلا بهذا المقدار من الوصف والإيضاح".

أحمد حلمي
وبالمناسبة أحمد حلمي هو جد المبدع المصري العظيم صلاح ﭽاهين وهو من سمي على اسمه شارع أحمد حلمي بحي شبرا.
 لقد ظن الاحتلال وأعوانه في مصر أن ما فعلوه في دنشواي سيرهب المصريين ويخمد الروح الوطنية الوليدة، لكن ما حدث كان خلاف ذلك، فانقلب السحر على الساحر كما يقولون، وكان الفضل للدور الذي قام به الزعيم مصطفى كامل، كان الرجل في أوروبا للاستشفاء عندما صدر الحكم، فترك سريره وانطلق ليسمع العالم صوت مصر وليفضح جرائم الاحتلال البريطاني وأعوانه، فكتب في جريدة الفيجارو الفرنسية مقاله الشهير "إلى الأمة الإنجليزية والعالم المتمدن"، متوجهًا إلى الرأي العام العالمي وإلى ضمائر الأحرار، مستنهضًا التضامن الدولي مع القضية المصرية، وأعقب المقال بزيارة إلى لندن ألقى فيها الخطب ونشر المقالات، وأثمرت حملة مصطفى كامل، ففضحت ادعاءات الاحتلال بأنه المدافع عن الفلاح المصري، ونجحت في دفع الاحتلال إلى تغيير سياسته في مصر، وفي تعيين أول وزير فلاح هو سعد زغلول، وفي الإطاحة باللورد كرومر وإرغامه على الاستقالة بعد أقل من عام، وكانت الحادثة كذلك دافعًا إلى تحويل حركة مصطفى كامل إلى حزب منظم "الحزب الوطني" أواخر عام 1907، وإلى تحريك الدعوة الساكنة لتأسيس الجامعة المصرية التي ظهرت للوجود في ديسمبر 1908.

مصطفى كامل
مصر بعد دنشواي غير مصر قبلها، فقد عرف قادة الحركة الوطنية المصرية كيف يحولون المأساة إلى نقطة انطلاق.
دنشواي في ضمير المصريين
 من طاهر حقي في روايته عذراء دنشواي إلى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وصلاح عبد الصبور وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي في قصائدهم المتعددة عن الحادثة إلى عبد الهادي الوشاحي في تمثاله للفلاح الشهيد، ظلت دنشواي حاضرة في وجدان مبدعي مصر وفنانيها، شعرًا ونثرًا، نحتًا وتصويرًا.

شهيد دنشواي للنحات عبد الهادي الوشاحي
 جاءت البادرة الأولى للتعبير عن المأساة بعد أيام قليلة من تنفيذ الحكم في فلاحي دنشواي عندما بدأ طاهر حقي في نشر رواية "عذراء دنشواي"، والتي تعد أول تجلي أدبي للحادثة، وقد نشرها مسلسلة في جريدة "المنبر" لصاحبها أحمد حافظ عوض، ويذكر المؤرخ الكبير محمد صبري السوربوني في كتابه "الشوقيات المجهولة" أن طاهر حقي أخبره أن منسفيلد حكمدار العاصمة الإنجليزي قد استدعاه أكثر من مرة أثناء نشر الرواية مطالبًا إياه بتخفيف حدة كتابته، مهددًا إياه بسوء العواقب.
 وقد أهدى حقي الرواية إلى شوقي، لكنه رفض قبول "الهدية"، وأرسل إلى طاهر حقي وأحمد حافظ عوض قائلا:
"صديقي العزيزين
 اطلعت في المنبر المتصل إن شاء الله تعالى بالجوزاء على فاتحة رواية باسم (عذراء دنشواي) رأى حضرة واضعها الفاضل تلطفًا منه وإحسانًا أن يهديها إلى. ورأيت أن أعتذر على أعواد المنبر من قبول الهدية وأن انفض يدي من عذراء نشأت بين حَمام كم جلب حِمام، وبين أجران كم جرت أحزان. ولو سألني حضرة المؤلف رأيي قبل أن ينشر ما نشر، كما هو مألوف في مثل هذا المقام، لدللته على من هو أحق مني بحسن ظنه كعشماوي، أو نابغة المحامين الهلباوي، أو غيرهما من جنود الحادثة وشهود الكارثة والسلام.
المخلص شوقي"

  والسخرية الممزوجة بالسخط على الجلادين واضحة في كلمات شوقي كما في قصائده، فقد كتب شوقي في الذكرى الأولى لدنشواي قصيدة قال فيها:
يا دنشواي على رباك سلام           ذهبت بأنس ربوعك الأيام
شهداء حكمك في البلاد تفرقوا       هيهات للشمل الشتيت نظام
مرت عليهم في اللحود أهلة          ومضى عليهم في القيود العام
كيف الأرامل فيك بعد رجالها           وبأي حال أصبح الأيتام
عشرون بيتا أقفرت وانتابها            بعد البشاشة وحشة وظلام
يا ليت شعري في البروج حمائم     أم في البروج منية وحِمام
نيرون لو أدركت عهد كرومر            لعرفت كيف تنفذ الأحكام
 نوحي حمائم دنشواي وروعي      شعبًا بوادي النيل ليس ينام
إن نامت الأحياء حالت بينه            سحرًا وبين فراشه الأحلام
متوجع يتمثل اليوم الذي               ضجت لشدة هوله الأقدام
 وفي 31 يناير 1908 نشرت الجريدة الأسبوعية:
"أرسل إلينا وطني حزين سكن أوروبا دور غناء وكتابًا يقول فيه: لنجعل شعارنا المشنقة، ولنقدس المشنقة فهي سبب حياة أمة. أرسلت إليك هذا الدور وأرجو أن يرغم المغني في الأفراح على أن يفتتح الغناء بهذا الدور..."، أما الدور فيقول:
يا حمامة دنشواي
نوحي للسير جراي
تحت الظلام كي لا ينام
***
الشنق حامي
والضرب داير
فين المحامي
ما فيش كلام
 ويرى السوربوني أن هذا الدور كتبه شوقي ويذكر أن هذا الدور كان يغنى في السهرات الخاصة، ومن المطربين الذين غنوه عبد الحي حلمي ومحمد سليمان.
 ومما كتبه شوقي عن دنشواي أيضًا، قصيدته الموجهة إلى الاحتفال الذي نظمه أصدقاء أحمد فتحي زغلول عندما تمت مكافأته على تعاونه مع الاحتلال بالباشوية وبتعينه وكيلًا للحقانية بمرتب 125 جنيهًا شهريًا، وقال فيها:
إذا مـا جمعـتم أمـركـم وهممتمـو      بـتقـديـم شـيء للـوكيل ثمـين
خذوا حـبل مشنوق بغير جريرة         وسروال مجلود وقيد سجين
ولا تعرضوا شعري عليه فحسبه        مـن الشعـر حـكم خطه بيمين
ولا تقرأوه في شبرد بل اقرأوا           على ملأ من دنشواي حزين
 ورغم الجهود الفكرية لفتحي زغلول فقد ظل منبوذًا من المصريين وقد أعاد محمد السيد عيد إلى الأذهان صورته السلبية في مسلسل قاسم أمين.
 وفي وداع اللورد كرومر عند رحيله كتب شوقي:
دنشواي إلى جنابه الرحيم
يا لورد إن تك آثار مخلدة         فأنني أثر للعدل ملحوظ
لنشكرنك ما دام الخراب بنا     والصنع عند كرام الناس محفوظ
وكتب:
وداع الشبيبة المصرية للورد كرومر
يا راحلًا عنا وذكرك خالد       أبدا ليحيي بيننا الآلاما
سر بالسلامة حاملا زفرتنا    واذكر مقامك بيننا الأعوام
واذكر حكاية دنشواي فإنها   كم خلفت بين الربوع يتامى

كرومر
 ولم تلاحق الذكرى فتحي زغلول وكرومر فقط، بل ظلت جريمة الهلباوي تلاحقه فقد قاطعه الناس وتعاملوا معه باعتباره مجرم شنق أهالي دنشواي بلسانه، ورغم محاولاته لغسيل تاريخه الأسود إلا أنه فشل في ذلك، وبعد ثورة 19 وفي أول انتخابات برلمانية أجريت على أساس دستور 23، والتي خاضها الهلباوي، نشرت جريدة السياسة في ديسمبر 1923 خطبة الهلباوي الانتخابية لعضوية مجلس النواب والتي جاء فيها: "يعيدون مرافعتي ولا يذكرون أن المرحوم فتحي باشا زغلول شقيق سعد باشا هو الذي قبلت ذمته أن يحكم مع الآخرين بتلك العقوبات لأن الحكم كان بالإجماع، وقبل قلمه أن يسطر تلك الحيثيات لأنه هو وحده الذي سطر حيثيات الحكم التي تنفث لهبًا ونارًا"
 لقد أصبح الهلباوي رغم كل محاولاته للتكفير عن جريمته ـ كما قال صلاح عيسى ـ مجرد محطة أتوبيس في شارع المنيل حيث كان يسكن وحتى المحطة ألغيت الآن.
 أما بطرس باشا غالي فكان أحد الأسباب التي ذكرها إبراهيم الورداني لارتكابه جريمة الاغتيال رئاسته لمحكمة دنشواي.

 إذا كنا نسينا الإنجليز فإن المصريون الذين باعوا أهلهم لم ولن ينسى جريمتهم أحد، إن الدرس الذي ينبغي أن يتعلمه الطغاة أن الشعوب لا تغفر أبدا لمن أهانوها أو خانوها.

الأحد، 5 يونيو 2016

مخربشات
جريمة "تحبيذ" الوطنية !!!
(مقال نشرته في يوليو 2006 في الدستور القاهرية)
عماد أبو غازي

 بين عامي 1908 و1910 أصدرت حكومة بطرس باشا غالي ومن بعدها حكومة محمد باشا سعيد مجموعة من التشريعات المقيدة للحريات العامة، وقد وجهت تلك التشريعات ضربات قاسية للحريات في مجالات الصحافة والمسرح والشعر، وكانت ضرباتها تلك تهدف إلى محاصرة الحركة الوطنية المتصاعدة بعد حادثة دنشواي، فقد كان دور الصحافة واضحًا لكل ذي عينين في فضح ما جرى في تلك الحادثة، وفي حشد الناس خلف قيادات الحركة الوطنية المطالِبة بالاستقلال والدستور، وأدركت سلطات الاحتلال والخديوي والحكومة مدى تأثير الصحافة في التحريض السياسي ضد الاحتلال وسياسته وضد الحكومة المنفذة لتعليماته وضد المواقف الجديدة للخديوي عباس حلمي الثاني الذي تحول من مصادمة الاحتلال إلى التحالف معه، كما لمس الجميع دور الفن والأدب في شحن الوجدان الوطني، ومن هنا كان إصدار الحكومة لتشريعات رقابية تقييد حرية الإبداع، وإحياء قوانين مهجورة للمطبوعات تسمح للحكومة بحبس الصحفيين، وتعديل مواد في قانون العقوبات تحاسب الناس على نواياهم.
 وكان كُتاب الحزب الوطني وساسته وصحفيوه هم المستهدفون أساسًا، ذلك لأنه منذ أسس مصطفى كامل الحزب في أواخر 1907 أصبح رأس الحربة للحركة الوطنية المصرية، وأضحت صحافته صوتًا لكل الوطنيين الداعين للاستقلال، الذين يربطون بوضوح بين استقلال الوطن والدستور الذي يحقق رقابة الأمة من خلال ممثليها المنتخبين على ما تقوم به الحكومة، ومثلما شهدت مواقف عباس حلمي الذي بدأ حكمه وطنيًا معاديًا للاحتلال تحولًا واضحًا في تلك السنوات، شهدت الحركة الوطنية هي الأخرى تحولات في مواقفها، خاصة في ظل زعامة محمد فريد لها بعد وفاة مصطفى كامل، فقد أصبحت الرؤية أكثر وضوحًا وتحديدًا، زالت الأوهام حول مساندة الدولة العلية (تركيا) لمصر في مسعاها نحو الاستقلال، كما اتجهت الحركة الوطنية إلى الشعوب الأوروبية والأحزاب العمالية والاشتراكية وحركة السلام العالمي لمساندتها في مطالبها بدلًا من الاتجاه لحكومات الدول الأوروبية التي كانت لا تختلف في توجهات الاستعمارية بل تختلف في صراعها حول المستعمرات، وكان التوجه الثالث للحزب الوطني والذي شكل الخطر الحقيقي على الوجود الاستعماري في مصر وعلى السلطة الاستبدادية للخديوي يتمثل في الإيمان بأن التغيير لن يأتي إلا من خلال حركة شعبية واسعة، ومن هنا اتجه الحزب إلى دعم إنشاء تنظيمات طلابية وعمالية ونقابية دفعًا لحركة الناس إلى الأمام، لذلك أصبح ضرب الحزب الوطني هدفًا أساسيًا للحكومة والاحتلال والخديوي.

محمد فريد وابنته
 توالت القضايا ضد صحف الحزب الوطني وتعرضت للإنذار وللإغلاق الإداري أكثر من مرة، كما سجن أكثر من كاتب وصحفي من كتابها، لكن الحزب استمر والحركة الوطنية تصاعدت، فبدأ التخطيط لتوجيه ضربة مباشرة لرئيس الحزب محمد فريد، وجاءت الفرصة مع صدور ديوان وطنيتي للشاعر علي الغاياتي، وكان الديوان قد صدر بمقدمتين واحدة للشيخ عبد العزيز جاويش والثانية لمحمد فريد حملت عنوان: "تأثير الشعر في تربية الأمم"، تحدث فيها عن أهمية الشعر في حفز الروح الوطنية لدى الشعوب، وأشار إلى الأثر السلبي لاستبداد حكومة الفرد ـ سواء في الغرب أو في الشرق ـ على الشعر، وكيف أدت إلى "ظهور قصائد المدح البارد والإطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء"، وفي نفس الوقت أشاد بشعراء الأرياف الذين "وضعوا عدة أناشيد وأغان في مسألة دنشواي وما نشأ عنها، وفي المرحوم مصطفى كامل باشا ومجهوداته الوطنية، وفي موضوع قناة السويس، ورفض الجمعية العمومية لمشروع مد امتيازها، وأخذوا ينشدونها في سمرهم وأفراحهم على آلاتهم الموسيقية البسيطة"، واعتبر أن هذه الظاهرة "تبشر بقرب زمن الخلاص من الاحتلال ومن سلطة الفرد"، فكانت تلك المقدمة سببًا في محاكمة فريد بتهمة أنه "يحبّذ" و"يحسّن" و"يمتدح" ديوانًا يدعو إلى حب الوطن.

 علي الغاياتي
 وتمت محاكمة الشاعر علي الغاياتي والشيخ جاويش في أغسطس 1910 وصدر الحكم غيابيًا بحبس الغاياتي سنة مع الشغل، وحضوريًا بحبس الشيخ جاويش ثلاثة أشهر.

عبد العزيز جاويش
 أما محمد فريد فكان في أوروبا، وأمامه فرصة كاملة للبقاء هناك هربًا من المحاكمة، لكنه قرر العودة ومواجهة الموقف، ويذكر المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي أن ابنة فريد أرسلت له خطابًا تدعوه إلى العودة لمواجهة المحاكمة قالت فيه:
 "ولنفرض أنهم يحكمون عليك بمثل ما حكم به على الشيخ عبد العزيز جاويش، فذلك أشرف من أن يقال بأنكم هربتم، وما تحملتم الهوان في سبيل وطنكم ... وأختم جوابي بالتوسل إليكم باسم الوطنية والحرية، التي تضحون بكل عزيز في سبيل نصرتها أن تعودوا وتتحملوا آلام السجن"
  في يناير 1911 تمت محاكمة فريد وحكم عليه بستة أشهر أمضاها كاملة في سجن الاستئناف بباب الخلق من 23 يناير إلى 17 يوليو لأنه حبذ الوطنية!


 وعندما خرج محمد فريد من السجن فجر يوم 18 يوليو كتب يوم خروجه مقالًا بعنوان "من سجن إلى سجن".
فريد في محبسه

 واقتبس منه:

 "مضى عليّ ستة أشهر في غيابات السجن، ولم أشعر أبدًا بالضيق إلا عند اقتراب أجل خروجي، لعلمي أني خارج إلى سجن آخر، هو سجن الأمة المصرية، الذي تحده سلطة الفرد ويحرسه الاحتلال... حقيقة لم أشعر بأي انشراح عند حلول أجل مفارقتي لهذه الغرفة الضيقة التي قضيت بها ستة أشهر قمرية ... لعلمي أني خارج إلى سجن أضيق، ومعاملة أشد، إذ أصبح مهددا قانون المطبوعات، ومحكمة الجنايات، محروما من الضمانات التي منحها القانون العام للقتلة وقطاع الطريق، فلا أثق أني أعود لعائلتي إن صدر مني ما يؤلم الحكومة من الانتقاد، بل ربما أوخذ من محل عملي إلى النيابة، فالسجن الاحتياطي، فمحكمة الجنايات فالسجن النهائي، وستبقى حالتنا كذلك حتى نسترد الدستور."    

السبت، 4 يونيو 2016

مخربشات
الاتفاق الجنائي على حب الوطن!!
(مقال نشرته من عشر سنوات في جريدة الدستور القاهرية)
عماد أبو غازي
 في شهر يوليو عام 1910 صدر ديوان وطنيتي للشيخ علي الغاياتي المحرر بجريدة اللواء، ذلك الديوان الذي يعد علامة في تاريخ الشعر المصري الحديث، ليس لقيمة ما ورد فيه من قصائد من الناحية الفنية، بل لما ترتب عليه من آثار سياسية وقانونية، فقد كان أول ديوان شعر يتسبب في صدور أحكام بحبس ثلاثة من ساسة مصر وصحفيها، الشيخ على الغاياتي نفسه، والشيخ عبد العزيز جاويش رئيس تحرير جريدة اللواء والزعيم محمد فريد رئيس الحزب الوطني، والذي صدر الحكم ضده بالحبس ستة أشهر بتهمة أنه "حسّن كتاب وطنيتي وامتدحه"، بسبب تقديمه للديوان.

محمد فريد

 والغريب في الأمر أن قصائد الديوان لم تكن جديدة بل إنها جميعا سبق أن نشرت على مدار عامين في الصحف، ولم يحاسب أحد الشيخ الغاياتي ولا أي من رؤساء تحرير الصحف التي نشرت قصائده، فما الذي جد بين عامي 1908 و1910؟
 كانت مصر في السنوات التالية لحادثة دنشواي تعيش في ظل أجواء عدوان ثلاثي غاشم ضد الحريات العامة، وفي مقدمتها حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، وكانت جبهة العدوان تتكون من الخديوي والحكومة وسلطات الاحتلال، وقد بدأت الحملة في ظل وزارة بطرس باشا غالي التي تشكلت في نوفمبر 1908، وذلك عندما أصدر مجلس الوزراء قرارًا في 25 مارس بإعادة العمل بقانون المطبوعات الصادر في 26 نوفمبر سنة 1881، أثناء المواجهة بين الخديوي توفيق والثورة العرابية، ذلك القانون الذي كان يمنح وزارة الداخلية سلطات واسعة في إنذار الصحف وتعطيلها ووقفها تمامًا دون إجراءات قضائية، وكانت حجة الحكومة في عودة العمل بهذا القانون بعد توقف دام قرابة 14 عاما، رغبة أبدتها الجمعية العمومية سنة 1902! وأخرى أبدها مجلس شورى القوانين سنة 1904! بوضع حد للقدح في الأعراض الذي ينشر في بعض الصحف!
 ولم تمض أسابيع قليلة على إعادة قانون المطبوعات إلى الحياة إلا وكانت الحكومة قد بدأت في ملاحقة الصحف والصحفيين بالمحاكمة والحبس والتعطيل والإغلاق، وكان النصيب الأكبر بالطبع لصحف الحزب الوطني.
 وفي يوليو من نفس العام صدر قانون النفي الإداري الذي كان يجعل من حق السلطة الإدارية نفي من تره خطرًا على الأمن العام إلى جهات نائية بالقطر المصري.
 وعندما تشكلت وزارة محمد باشا سعيد في فبراير 1910 عقب جريمة اغتيال بطرس باشا غالي، واصلت إصدار التشريعات المعادية للحريات، فأصدرت في يوم  16 يونيو من نفس العام قانونًا يقضي بإحالة قضايا الصحافة إلى محاكم الجنايات بعد أن كانت من اختصاص محاكم الجنح، لأن الحكومة رأت أن محاكم الجنح تتهاون مع الصحفيين في أحكامها، كما أن التعديل كان يسلب الصحفي حقه في درجة من درجات التقاضي، مما يسهل مهمة الحكومة في ملاحقة الصحافة الوطنية.

محمد باشا سعيد
 كما أصدرت في نفس اليوم قانونًا آخر بتعديل قانون العقوبات يقضي بمعاقبة المتهمين بالاتفاق الجنائي حتى ولو لم يتوافر فيه ركن الاشتراك في ارتكاب الجريمة، أي أنها شرعت محاكمة الناس على نواياهم وضمائرهم، الأمر الذي وصفه عبد الخالق باشا ثروت في إحدى مرافعاته قائلًا: "كان شديدًا علينا يوم أن جر على البلاد ما فعله السفهاء من ضرورة سن قانون الاتفاقات الجنائية، ذلك القانون الاستثنائي الذي في وجوده سبة على أمن الديار، وحجة دائمة على أننا دائمًا تحت خطر الاضطراب والهياج".

عبد الخالق ثروت
 كما فرضت التعديلات قيودًا على حرية الصحف في نشر المرافعات في القضايا الجنائية، وأقرت للمرة الأولى المسئولية الجنائية على مديري الصحف بالنسبة لما ينشر فيها، حتى لو لم تتوافر أركان الاتفاق الجنائي في وقائع النشر، وأضاف التعديل عقوبة جديدة لجريمة من أغرب الجرائم أسماها التهديد بالكتابة أو بالقول ولو لم يكن مقرونًا بطلب !! ويرى المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي أن الغرض الحقيقي من وراء هذا التعديل الأخير كان معاقبة الشبان الوطنيين الذين كانوا يطوفون على أعضاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، لدعوتهم لمناصرة الأمة في مطالبها.
 وأحكمت الحكومة الخناق على الحريات بإصدار لائحة المسارح التي منعت بمقتضاها تمثيل الروايات التي ورد فيها لفظ الحرية والاستقلال، كما منعت إخراج بعض الروايات التمثيلية.
 وبلغ الأمر مداه في القضية التي عرفت بقضية طنطا في نوفمبر 1910 عندما قبض على مجموعة من طلبة المدارس الثانوية بالمدينة بتهمة تكوين جمعية سرية مناهضة للنظام، ولما فشلت النيابة في إثبات التهمة عليهم عدلتها إلى إهانة مدير الغربية، والمدير هو المحافظ بلغة اليوم، وكل جريمة هؤلاء الصبية أنهم حشدوا حشدًا بمعرفة المدير في محطة السكة الحديد بطنطا لاستقبال "جناب" الخديوي عند "تشريفه" للمدينة، فهتفوا ليحي الخديوي، ليحي الدستور، لتحي مصر.
 في هذه الأجواء التي أسست للاستبداد السياسي وشرعت له قانونيًا جاءت قضية ديوان وطنيتي، وكان حبس الزعيم محمد فريد، ولتفاصيل القضية وتداعياتها حديث آخر.


أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...