7 أبريل
عماد أبو غازي
صباح السابع من
أبريل سنة 1919 صحت مصر على خبر الإفراج عن سعد ورفاقه، وإلغاء القيود على سفر
المصريين، فبعد أقل من شهر على نفي سعد يوم 8 مارس واشتعال الثورة يوم 9 مارس رضخت
سلطات الاحتلال لمطالب المصريين، تلك المطالب التي انفجرت ثورة مارس من أجلها:
عودة الزعماء المنفيين، السماح لهم بالمشاركة في مؤتمر الصلح في باريس وتمثيل
الأمة المصرية فيه، لقد أدركت بريطانيا العظمى بعد شهر من القمع الوحشي للثورة
أنها عاجزة عن إخمادها، وفي نفس الوقت كانت بريطانيا قد ضمنت أن مؤتمر الصلح لن
يأخذ قرارًا باستقلال مصر، فقررت أن تهادن المصريين وتتراجع خطوتين إلى الوراء، عل
الملاينة تنجح فيما فشلت فيه سياسة البطش والقوة.
مساء 6 أبريل
أصدر السلطان فؤاد منشورًا إلى الأمة يدعوها فيه للراحة والسكون وإلى انصراف كل
إلى عمله، لكن المنشور حمل في طياته لهجة جديدة على فؤاد السلطان الذي نصبه
الإنجليز على العرش، فقد تحدث لأول مرة عن تضامنه مع الشعور الوطني للشعب، وعن حبه
للوطن واهتمامه بتحقيق سعادة البلاد وخيرها.
كان منشور فؤاد
تمهيدًا لما أعلنه الجنرال أللنبي صبيحة اليوم التالي، يوم 7 أبريل سنة 1919، ففي
ذلك اليوم أصدر النائب الخاص لجلالة ملك بريطانيا في مصر، الجنرال أللنبي منشورا
جاء فيه:
الجنرال أللنبي
"الآن وقد
عاد النظام بنجاح عظيم، فبالاتفاق مع حضرة صاحب العظمة السلطان أعلن أنه لم يبق
حجر على السفر، وإن جميع المصريين الذين يريدون مبارحة البلاد تكون لهم هذه الحرية،
وقد قررت علاوة على ذلك أن كلا من: سعد زغلول باشا وإسماعيل صدقي باشا ومحمد محمود
باشا وحمد الباسل باشا يطلقون من الاعتقال ويكون لهم حق السفر."
مثلما سرى خبر
القبض على سعد وزملائه بسرعة بين الناس فقامت الثورة قبل أن تنقضي أربع وعشرون
ساعة على نفيهم إلى مالطة، شاعت فحوى منشور أللنبي في صفوف الشعب، وأدرك المصريون
أن تضحياتهم لم تذهب هباء، وإن دماء الشهداء لم تضع هدرًا، وإن صمودهم ورفضهم كل
محاولات إثنائهم عن مواصلة الثورة جاءت بنتيجة.
لكن هل كان هذا
يعني توقف المظاهرات وأعمال الثورة؟
الإجابة جاءت
بالنفي.
لقد استمرت
المظاهرات وزاد عدد المشاركين فيها، لكنها تحولت من مظاهرات للغضب والاحتجاج
والمطالبة بالإفراج عن الزعماء المنفيين وإنهاء الحماية البريطانية، إلى مظاهرات
للفرح والابتهاج بتحقيق أول خطوة على طريق النصر، ولإعلان مواصلة الكفاح حتى تحقيق
الاستقلال التام.
تحولت المظاهرات
الغاضبة يوم 7 أبريل إلى مواكب شعبية ترفع الأعلام والزهور وأغصان الأشجار، امتلأت
شوارع القاهرة بالمتظاهرين، وفي الأيام التالية امتدت المظاهرات إلى عواصم
المحافظات والمدن الكبرى في الدلتا والصعيد. ورغم أن مظاهرات 7أبريل كانت سلمية
وكانت احتفالية فقد سقط فيها شهيدان برصاص قوات الاحتلال البريطاني.
قرر القاهريون
تنظيم مسيرة ضخمة يوم 8 أبريل شارك فيه مئات الآلاف طبقا لتقديرات عبد الرحمن
الرافعي، وربما كان هذا أكبر عدد من المتظاهرين في مسيرة واحدة منذ بدأ الثورة،
انطلقت المسيرة في الثالثة عصرًا من ميدان باب الحديد في اتجاه ميدان عابدين،
واستقبلهم عند السراي سعيد باشا ذو الفقار كبير الأمناء بالقصر وأبلغهم تحية
السلطان فؤاد لهم، ثم اتجهت المسيرة إلى بيت الأمة، وخرج إلى الشوارع آلاف آخرين
لمشاهدة موكب مسيرة الابتهاج، وقد تقدم المسيرة المشايخ والقسس والقضاة والمحامين،
وسار فيها ممثلين للمهنيين والموظفين والطلبة والعمال وطوائف الحرفيين، وكانت كل
مجموعة تحمل رايات وأعلام خاصة بهم، وسارت خلف المسيرة عربات تحمل مجموعة من
السيدات والبنات، وتعرضت المسيرة لإطلاق النار من جانب الجنود البريطانيين عند
منطقة الأزبكية، فسقط عدد من الشهداء بينهم فتى عمره 12 سنة من باب الشعرية، ولم
يرد المصريون في هذا اليوم على اعتداءات القوات البريطانية، ولتهدئة الخواطر فقد
أصدرت القيادة البريطانية بيانين يومي 8 و9 أبريل تأسف فيهما لحادث إطلاق النار
وسقوط الضحايا، وتبرره بأنه سوء فهم، وتعد بالتحقيق ومعاقبة المخطئين.
الأمر الذي لم
يحدث بالطبع.
وفي يوم 9 أبريل
استمرت المظاهرات وتكرر إطلاق النار من جانب القوات البريطانية لكن المصريين ردوا
الاعتداء في هذه المرة وسقط قتلى من الجانبين، وفي نفس اليوم أعاد السلطان فؤاد تكليف
رشدي باشا بتشكيل الحكومة مرة أخرى بعد أن ظلت البلاد بلا حكومة منذ استقالة حسين
رشدي في أول مارس، وقد قبل رشدي باشا تأليف الوزارة مرة أخرى على أساس أن إنجلترا
رضخت وقبلت مطالب المصريين بإلغاء القيود على السفر عامة والسماح بسفر الوفد
المصري الذي سافر إلى باريس يوم 11 أبريل، واستبعد رشدي من وزارته الجديدة الوزراء
الثلاثة الذين لم يتضمنوا مع موقفه المساند لمطالب الأمة وهم: إسماعيل سري باشا
وأحمد حلمي باشا وأحمد زيور باشا الذي شكل فيما بعد أول حكومة انقلاب دستوري بعد
صدور دستور 1923.
استمرت الثورة
بعد ذلك أيامًا وشهورًا خاصة بعد أن تبين للمصريين أن مؤتمر الصلح كان قد أنهى
أعماله وأقر سيطرة بريطانيا على مصر، واستقال رشدي باشا بعد أسبوعين عندما عجز عن
تنفيذ ما تعهد به عند تشكيل الحكومة من الوصول إلى "حل يرضي الأمة"،
وعادت البلاد بلا حكومة يديرها وكلاء الوزارات بناء على مرسوم من الجنرال أللنبي
حتى 20 مايو 1919 عندما شكل محمد سعيد باشا وزارته الثانية التي استمرت في الحكم
لمدة ستة أشهر تواصلت خلالها أعمال الثورة.
وعلى مدى أكثر
من عامين استمرت الثورة، اختلفت الأساليب واقتصر الأمر على المظاهرات والإضرابات،
واتسعت أشكال الاحتجاج السلمي الأخرى من إصدار البيانات واتباع أسلوب المقاطعة،
وتراجعت تدريجيًا أعمال الثورة المسلحة.
لكن هل نجحت
ثورة 1919 في تحقيق أهدافها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق