الخميس، 28 أكتوبر 2021

قاسم عبده قاسم... مسيرة حياة

 

قاسم عبده قاسم... مسيرة حياة

 عماد أبو غازي

  يتوالى رحيل الأحبة، بغياب قاسم عبده قاسم فقدت صديقًا آخر من أصدقاء العمر، صديق وأستاذ، عرفته قبل حوالي خمسين عامًا، واستمرت العلاقة إلى أسابيع قليلة مضت قبل رحيله.


  امتدت رحلة حياته ما بين السادس والعشرين من مايو عام 1942 والسادس والعشرين من سبتمبر الماضي؛ رحلة حافلة بالعطاء المتنوع والمتعدد في مجالاته، منذ ستينيات القرن الماضي حتى غيابه عنا؛ فبين العمل الأكاديمي، بحثًا وتدريسًا وتأسيسًا، والعمل العام في المجالين السياسي والثقافي، كانت مسيرة قاسم عبده قاسم التي ترك فيها بصمات واضحة وعلامات مؤثرة.

 التحق قاسم الشاب بكلية الآداب بجامعة القاهرة في العام الدراسي 1963/1964، واختار دراسة التاريخ، وشارك في الأنشطة الاجتماعية والترفيهية للطلاب، واكتسب شعبية واسعة بين زملائه ومحبة من أساتذته، فوفق شهادة المهندس أشرف عاشور ابن أستاذه، الذي شارك في معسكر طلابي بالإسكندرية كان والده مشرفًا عليه وكان قاسم بين الطلاب المشاركين فيه، يصفه بأنه "كان ينفرد بشخصية تلفت الانتباه، كان محبوبًا من زملائه ويقودهم في كثير من الأنشطة، وبدا عليه الذكاء وروح المبادرة وحاسة المرح وخفة الظل، كان من الواضح أنه يتمتع بالقدرة على اكتساب حب واحترام كل من كانوا حوله من طلبة ومشرفين وإداريين من الجنسين".

 لقد تخرج قاسم عبده قاسم في عام 1967، وعمل بمطار القاهرة، وفي نفس الوقت واصل دراسته العليا بقسم التاريخ في شعبة تاريخ العصور الوسطى، تحت إشراف أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة القاهرة الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، وأثناء دراسته العليا تفجرت الحركة الطلابية في فبراير 1968، وبدأت مشاركته في النشاط السياسي بشكل واضح منذ ذلك الحين، ففي ذلك الوقت كان طلاب الدراسات العليا يشاركون في الأنشطة الطلابية، وكان لهم ممثليهم في الاتحادات الطلابية، واستمر حضور قاسم عبده قاسم طالب الدراسات العليا بكلية الآداب ومشاركته في النقاشات والأنشطة الطلابية طوال سنوات صعود الحركة الطلابية في النصف الأول من السبعينيات.

  في هذا السياق تعرفت على قاسم لأول مرة، كنت قد التحقت بكلية الآداب في العام الدراسي 1972/1973، أتذكر أننا التقينا للمرة الأولى في مكتب الدكتور محمد أنيس رئيس قسم التاريخ، في اجتماعات الجمعية التاريخية لطلاب القسم، كنت طالبًا في قسم التاريخ، وكان هو يعد رسالته للدكتوراه، ومن يومها لم تنقطع الصلة، جمعتنا نشاطات عامة في العمل السياسي، وأنشطة في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وتعلمت من كتبه ودراساته المتميزة في تاريخ المماليك، ومن كتاباته في مجال التراث الشعبي، وأعماله المهمة في الربط بين التاريخ والأدب والفلكلور، ومن ترجماته المتعددة، وفي سنة 1995 كان واحد من أعضاء لجنة مناقشتي في رسالتي للدكتوراه.



 يعد قاسم عبده قاسم أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة الزقازيق أحد أبرز أعلام المدرسة التاريخية المصرية المعاصرة؛ ففي تخصص تاريخ العصور الوسطى عامة، والدراسات المملوكية ودراسات تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى خاصة، نستطيع أن نرصد ثلاثة أجيال من الأكاديميين الذين أسهموا إسهامًا بارزًا في هذا الحقل؛ يفصل بين كل جيل منهم والجيل الذي يليه عقدان، وفي كل جيل كان هناك رائد ترك بصمته في التخصص، وكان قاسم عبده قاسم الرائد في الجيل الثالث، جيل السبعينيات.

 يعتبر محمد مصطفى زيادة الرائد الأول للدراسات المملوكية ومؤسس مدرستها في الجامعات المصرية وفي بعض الجامعات العربية، في مطلع الثلاثينيات، فقد عُين بعد عودته من البعثة مدرسًا لتاريخ العصور الوسطى في الجامعة المصرية، فأسس بذلك تخصصًا جديدًا في الجامعات المصرية والعربية، يجمع بين دراسة تاريخ الشرق والغرب في تلك المرحلة، كان موضوع رسالته "العلاقات الخارجية لمصر في القرن الخامس عشر الميلادي" ومن هنا جاء اهتمامه بالدراسات المملوكية.

 وقد أكمل تلميذه سعيد عبد الفتاح عاشور المسيرة في الدراسات المملوكية، وأصبح من أبرز المتخصصين المصريين والعرب في تاريخ المماليك منذ الخمسينيات من القرن الماضي حتى وفاته عام 2009، ويعد المؤسس الثاني لمدرسة تاريخ العصور الوسطى عامة ومدرسة الدراسات المملوكية خاصة، وقد حصل على درجة الدكتوراه عام 1955 في موضوع: "الحياة الاجتماعية في مصر في عصر سلاطين المماليك" وكانت رسالته تأسيسًا لاتجاه جديد في الدراسات المملوكية، يهتم بدراسة التاريخ الاجتماعي، وقد وجه سعيد عاشور فيما بعد عددًا من تلاميذه للدراسة في هذا الاتجاه، وكان قاسم أبرزهم.

 ويعد قاسم عبده قاسم الرائد الثالث في مجال الدراسات المملوكية، والأبرز بين المتخصصين في جيله، ومؤسس مدرسة أكاديمية جديدة في جامعة الزقازيق منذ سبعينيات القرن الماضي، أصبحت خلال سنوات قليلة المدرسة الأهم في الدراسات المملوكية في مصر، وقد اتجه إلى مواصلة الدراسة في التاريخ الاجتماعي لعصر المماليك مثل أستاذه، ونشر قاسم عبده قاسم أكثر من ثمانين بحثًا وخمسة وعشرين كتابًا مؤلفًا منذ عام 1976، بالإضافة إلى ما قام به من ترجمات للدراسات الغربية الحديثة.

 لقد بدأ قاسم عبده قاسم دراسته في فترة برز فيها الاهتمام بدراسة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي، فاتجه في رسالته للماجستير إلى دراسة النيل في عصر المماليك، وتأثيراته الاجتماعية والاقتصادية في حياة المصريين وانعكاساتها السياسية، وقد صدرت هذه الدراسة في سنة 1978 في كتاب بعنوان: "النيل والمجتمع في عصر سلاطين المماليك"، ثم تواكبت دراسته للدكتوراه مع الاتجاه نحو الدراسات التي تركز على طبقة أو طائفة أو فئة اجتماعية في مصر في العصور الوسطى، فاختار موضوعًا للدكتوراه عن أهل الذمة في مصر العصور الوسطى، وقد صدرت عام 1977 في كتاب بنفس العنوان بعد عامين من حصوله على درجة الدكتوراه، وقد أعيد طبع الكتابين أكثر من مرة، كما أصدر فيما بعد في عام 1987 دراسة مستقلة عن اليهود في مصر منذ الفتح العربي حتى الغزو العثماني، وقدم بحثًا مستقلًا عن أوضاع المسيحين في مصر في عصر سلاطين المماليك، أضاف فيهما لما قدمه في رسالته للدكتوراه.

 وقد اتخذت دراسات قاسم عدة اتجاهات؛ أولها دراسات التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لعصر المماليك، وقدم فيها بالإضافة للدراسات السابقة، كتابه دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي – عصر سلاطين المماليك الذي صدرت طبعته الأولى عام 1979، وأبحاثه عن أسواق القاهرة في عصر سلاطين المماليك (1976)، والمجاعات والأوبئة في مصر زمن سلاطين المماليك (1983)، والحرف والصناعات المرتبطة بالحياة اليومية في مصر – عصر سلاطين المماليك (1988)، وبعض ملامح الحياة الاجتماعية في الشام في عصر الحروب الصليبية (1994).

 أما الاتجاه الثاني في دراسته والذي يعد رائدًا فيه في مجال دراسات تاريخ المماليك، فكان دراسة التراث الشعبي كمدخل لدراسة التاريخ؛ ويشكل هذا الاتجاه في أعمال قاسم عبده قاسم إضافة جديدة في حقل الدراسات التاريخية عن عصر المماليك من خلال ربطه بين التاريخ والتراث الشعبي واعتماده مصدرًا للدراسات التاريخية، ومن أهم دراسته في هذا المجال: كتابه وبين التاريخ والفلكلور 1993، وأبحاثه المتعددة وأهمها: السيرة الشعبية مصدرًا لدراسة التاريخ الاجتماعي، والحروب الصليبية في ألف ليلة وليلة، والشخصيات التاريخية في سيرة الظاهر بيبرس، والأعمال الثلاثة صدرت في عام 1986، ثم دراسته عن النيل في الأساطير العربية (1987) والأدب الشعبي وسيلة لدراسة التاريخ الثقافي (1988)، والموروث الشعبي والدراسات التاريخية – خطط المقريزي دراسة تطبيقية (1994)، والرؤية الشعبية للأحداث التاريخية (1996)، وشجر الدر بين السيرة الشعبية والتاريخ (1999).

 كذلك أحيا اتجاه ربط دراسة التاريخ بدراسة الأدب والشعر، ذلك الاتجاه الذي بدأه المؤرخ الرائد محمد صبري السوربوني في العشرينيات من القرن الماضي، وانزوا عند الباحثين من الأجيال التالية؛ ومن أهم ما قدمه في هذا المجال: كتابه بين الأدب والتاريخ الصادر في عام 1986، وأبحاثه: الشعر والتاريخ – قراءة في شعر حافظ وشوقي في مجلة فصول (1982)، وفي نفس السياق قدم قراءة في شعر الحركة الصليبية في المجلة التاريخية المصرية (1984)، والرواية التاريخية عند محمد فريد أبو حديد قراءة في رواية ابنة المملوك (1997)، والرواية والتاريخ تفاضل أم تكامل؟ (2005)، والرواية والتاريخ – زمن الازدهار (2009)؛ وقد انعكس اهتمام قاسم عبده قاسم بالأدب على أسلوبه في الكتابة فابتعد عن الجفاف الأكاديمي واللغة التقريرية، وتميزت كتاباته بأسلوبها الشيق الجذاب.

 وفي سياق اهتمامه بالعلاقة بين الآداب والفنون المختلفة ودراسة التاريخ قدم بحثًا في ندوة السينما والتاريخ التي نظمتها لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة سنة 2009 بعنوان: هل هناك أفلام تاريخية عربية؟

 وقد فتح قاسم عبده قاسم بهذه الدراسات المجال أمام الباحثين في حقل دراسات تاريخ مصر في العصور الوسطى لاستخدام الأعمال الأدبية ونصوص التراث الشعبي والأعمال الفنية كمصادر للدراسة التاريخية، بعد أن كان هذا الاتجاه غير مرحب به في أقسام التاريخ إلا فيما ندر، وكان الباحث الذي يرغب في نهج هذا الاتجاه يقابل باستهجان من الأساتذة التقليدين المسيطرين على أقسام التاريخ لسنوات، وقد سار بعض من أبرز طلابه على هذا النهج، وفي مقدمتهم عمرو عبد العزيز منير الذي وجه جزء من جهوده البحثية لدراسات المورثات الشعبية واستخدامها مصدرًا للدراسة التاريخية.

  أما الاتجاه الثالث فدراساته حول التاريخ السياسي لعصر المماليك، وأهمها كتبه المرجعية: الأيوبيون المماليك بالاشتراك مع علي السيد، وعصر سلاطين المماليك – التاريخ السياسي والاجتماعي 1998، في تاريخ الأيوبيين والمماليك 2001، كذلك دراسته عن الملك المظفر سيف الدين قطز، وأبحاثه عن القدس في عصر سلاطين المماليك (1990)، ومفهوم السلطة في عصر سلاطين المماليك (2002)، كما اهتم بدراسة علاقات مصر المملوكية بالعالم في بحثين؛ الأول عن مصر وعالم البحر الأحمر في عصر الجراكسة (1978)، والثاني حول علاقات مصر والحبشة في عصر سلاطين المماليك (1987).

  كذلك كانت الحروب الصليبية من الموضوعات التي اهتم بها قاسم عبده قاسم تأليفًا وبحثًا وترجمة، وقدم فيها رؤية جديدة، وتشكل دراسته حولها اتجاهًا رابعًا في أعماله، وكان أول أبحاثه في هذا المجال دراسته عن صورة المقاتل الصليبي في المصادر التاريخية العربية الذي نشره في المجلة التاريخية المصرية عام 1978، ثم درس الاضطهادات الصليبية ليهود أوروبا (1981)، وفي عام 1987 نشر دراسة مهمة في مجلة المستقبل حول الحروب الصليبية في الأدبيات العربية واللاتينية واليهودية، وفي نفس العام قدم  دراسته عن التجربة الصليبية من المنظور المعاصر للصراع العربي الإسرائيلي، وقد نشرها في الكويت، وفي عام 1989 كتب عن الأصول التوراتية للحركة الصليبية والحركة الصهيونية، وفي العام التالي قدم بحثًا في مؤتمر العلاقات العربية الإسبانية بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد طه حسين بعنوان: "مؤرخو الحروب الصليبية بداية الاستشراق"، وقدم في سنة 1994 دراسة عن مشكلة المصطلح في تاريخ الحروب الصليبية، وفي عام 2001 قدم بحثًا الصراع حول مصر في أثناء الحروب الصليبية في ندوة بالمجلس الأعلى للثقافة، لكن تبقى دراساته الأهم في هذا المجال هي كتابيه الخلفية الأيديولوجية للحروب الصليبية (1983) وماهية الحروب الصليبية، الذي صدر في سلسلة عالم المعرفة في الكويت عام 1990، وكما ذكر الدكتور سليمان العسكري الأمين العام السابق للمجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت، فإن هذا الكتاب الأخير يقدم رؤية جديدة في المدرسة التاريخية العربية المعاصرة للحروب الصليبية.

 ومن المجالات التي اهتم بها قاسم عبده قاسم كذلك دراسات التاريخ الفكري والثقافي فكتب عن فكرة التاريخ عند شمس الدين السخاوي (1980)، وعن الثقافة والعلوم في عصر سلاطين المماليك (1996)، كما قدم قاسم عبده قاسم دراستين عن ابن خلدون في إطار الاحتفالية المشتركة بين المجلس الأعلى للثقافة المصري ومكتبة الإسكندرية، الأولى في القاهرة بعنوان: "ابن خلدون وكيف قرأه المؤرخون العرب، والثانية بعنوان: أزمة المفكر في ظل نظام استبدادي: ابن خلدون نموذجًا.

  وتميزت دراساته بالاعتماد على الوثائق كمصدر مهم للتأريخ؛ ففي رسالته عن أهل الذمة في مصر في العصور الوسطى، درس أوضاع أهل الذمة في مصر في العصور الوسطى مستعينا بالوثائق الأرشيفية، كما قام بنشر وثيقة من وثائق دير سانت كاترين ودراستها 1977، وقدم بحثًا حول وثائق مكتبة دير سانت كاترين كمصدر للتاريخ الاجتماعي في مجلة الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف نشرت سنة 1999.

 ولقاسم عدد من الدراسات حول قضايا المنهج في الكتابة التاريخية، منها: إعادة قراءة التاريخ لا كتابته، هل يمكن تزوير التاريخ، الرؤية الح ضارية للتاريخ، تطور منهج البحث في الدراسات التاريخية، فكرة التاريخ عند المسلمين، قراءة التاريخ.

 ولم ينحصر اهتمام قاسم عبده قاسم في مجال تخصصه الدقيق في تاريخ العصور الوسطى، فلم يكن الرجل مثل غيره من الأكاديميين التقليديين في مجال الدراسات التاريخية الذين لا يتعدون في دراساتهم وأبحاثهم حدود التخصص الدقيق، لقد تعامل مع دراسة التاريخ باعتبارها منهجًا قابل للتطبيق على العصور التاريخية المختلفة، فقدم عدة دراسات أخرى في موضوعات بعيدة عن تاريخ العصور الوسطى، تخصصه الدقيق، منها على سبيل المثال: تطور الفكر السكاني عند العرب، يهود مصر في التاريخ الحديث، رمضان في كتابات المؤرخين المصريين، القاهرة وتطورها التاريخي، هجرة اليهود من المغرب إلى مصر، الحج من الهند إلى الأراضي المقدسة، الذهب والعاصفة رحلة إلياس الموصلي إلى أمريكا، العلاقة بين المشرق والمغرب في ضوء القراءة الشعبية لتاريخ – الدولة الفاطمية نموذجًا، العرب وأوروبا التطور التاريخي لصورة الآخر، اليهود في الحضارة العربية الإسلامية.

 كما كتب في عدد من القضايا التي تتجاوز حدود الدراسات التاريخية بحكم اهتماماته الثقافية والسياسية المتعددة، ومن هذه الكتابات: البعد الثقافي في الصراع العربي الإسرائيلي، والمشروع الثقافي العربي هل هو حلم قابل للتحقيق، وأزمة الإنسان والكتاب في الوطن العربي، ومشكلات الترجمة في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية، وجمهورية الخوف صورة للعراق تحت حكم صدام من الداخل، كما كانت له مشاركات في ندوات عدة تناول فيها قضايا فكرية وسياسية عامة، منها ندوات: رؤية قومية للتاريخ العربي، الدين والمجتمع العربي، المفهوم السياسي للدولة، حول أزمة الخليج واحتلال العراق للكويت.

وقد قدم قاسم عبده قاسم طوال هذه السنوات عدد من الترجمات المهمة لدراسات غربية من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية عن الحروب الصليبية وتاريخ العصور الوسطى ومناهج البحث في التاريخ، ليسهم في تطوير قدرات الباحثين واطلاعهم على كل جديد، وليثري المكتبة العربية بهذه الترجمات.

  منذ قرابة ربع قرن كان قاسم عبده قاسم يتحدث في ندوة في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، وكان يقول إننا لا نملك مدارس تاريخية في مصر، ربما نملك زهور متفتحة ومتفرقة هنا وهناك لكن جامعاتنا لم تنجح في تأسيس مدارس للدراسات التاريخية، إلا أن المفارقة هنا أن الرجل عند رحيله كان قد نجح بالفعل في تأسيس مدرسة تاريخية لدراسة تاريخ العصور الوسطى تلتف حوله وتتكون بشكل أساسي من تلاميذه ومن المتأثرين بإسهامه العلمي، ولم تقف هذه المدرسة عند حدود كلية الآداب بجامعة الزقازيق التي التحق بها قاسم عبده قاسم منذ حصوله على الدكتوراه في عام 1975، بل امتدت إلى مختلف الجامعات المصرية وإلى بعض الجامعات العربية خاصة جامعة الكويت التي أسهم خلال عمله بها لعدة سنوات في تطوير دراسة تاريخ العصور الوسطى بقسم التاريخ بها.

  إلى جانب تأسيس المدرسة البحثية في دراسات تاريخ العصور الوسطى، كان قاسم يمتلك حلمًا راوده منذ بدايات مشواره، حلم تأسيس مركز للدراسات والبحوث التاريخية والاجتماعية، يحقق من خلاله طموحه وطموح الزملاء والتلاميذ الذي لا تتسع أسوار جامعاتنا بأزماتها ومعوقاتها لتحقيقه، وكانت الخطوة الأولى التي تحققت بالفعل تأسيس دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، وقد أصدرت الدار خلال ما يزيد على ربع قرن مئات من الدراسات والترجمات المتخصصة في التاريخ والأدب والاجتماع والفلكلور، فأثرت المكتبة العربية بما قدمته، وكانت الخطوة التالية التي حلم بها قاسم، أن تصدر الدار مجلة محكمة متخصصة في الدراسات الاجتماعية والإنسانية، ثم اكتمال الحلم بتحول الدار إلى مركز للبحوث والدراسات، لكن ليس كل ما نحلم به نتمكن من تحقيقه، لقد أنجز الرجل الخطوة الأولى نحو تحقيق الهدف، وربما على تلاميذه ومحبيه استكمال الطري لتتحول دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية إلى مركز قاسم عبده قاسم للبحوث والدراسات.

 ورغم كثافة انتاجه العلمي لم يبتعد قاسم عبده قاسم عن العمل العام أبدًا، فقد شارك أنشطة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية منذ السبعينيات، ثم في عضوية مجلس إدارتها بين عامي 1981 و1987 ثم بين عامي 1994 و2001، وأسهم بقوة في إدارتها وتطويرها، وبحكم اهتماماته المتنوعة انضم لعضوية جمعية التراث الشعبي بمصر، والمجلس القومي للثقافة العربية بالمغرب، واللجنة العربية لعلم الاجتماع بتونس.

كذلك كانت له مساهماته المتعددة في أنشطة المجلس الأعلى للثقافة، من خلال عضويته في لجنة التاريخ بالمجلس لدورات متتالية، كما انضم لعضوية اللجان الاستشارية لمكتبة الإسكندرية منذ افتتاحها في عام 2002؛ وفي المؤسستين أسهم في ندواتهما ومؤتمراتهما، وفي أعمال الترجمة التي اضلعت بها المؤسستان.

 أما مساهماته في العمل السياسي بعد مرحلة الحركة الطلابية فقد بدأت عندما أسس المهندس إبراهيم شكري حزب العمل الاشتراكي في أواخر السبعينيات، حيث انضم قاسم إلى عضوية الحزب، وتولى مناصب قياديه فيه وأصبح عضوًا في هيئته العليا، وشارك بقوة في أنشطته لقرابة عشر سنوات، وذلك قبل أن يسيطر على الحزب التيار الإسلامي، وعندها ترك الحزب، وإن لم يترك المشاركة في العمل العام.

 كذلك عندما تأسست لجنة الدفاع عن الثقافة القومية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام، وحملت على كاهلها عبء مقاومة التطبيع الثقافي مع إسرائيل، وكانت اللجنة تعمل إطار حزب التجمع الوطني التقدمي والوحدوي وتضم أعضاء من أحزاب وتوجهات سياسية مختلفة، شارك قاسم عبده قاسم في أنشطة اللجنة، ومن ضمن مساهمته بحث نشر في العدد السابع من كتاب المواجهة الذي كان يصدر عن اللجنة، وكان عنوانه "حطين الذكرى الثمانمائة والزمن الرديء".

  لم يكن قاسم عبده قاسم أكاديميًا تقليديًا مجتهدًا، لم يكن باحثًا نمطيًا في مجال الدراسات التاريخية، بل كان مثقفًا صاحب مشروع فكري يتصدى لمشكلات الوطن في لحظة الأزمة التاريخية، وكانت أبحاثه ودراساته تشكل جزءًا من هذا المشروع؛ ولعل كلمات تلميذه المقرب إلى قلبه الدكتور عمرو عبد العزيز منير في تقديمه للكتاب الذي صدر احتفاءً بسبعينية قاسم عبده قاسم ترسم في كلمات قليلة صورة الرجل وتلخص مشروعه؛ قال عمرو في وصف أستاذه: "وبدا شيخنا الدكتور قاسم طوال رحلته العلمية المشرقة عالمًا يبحث عن جوهر وظيفة المؤرخ في أمته، يتحيز لها وينحاز لقضاياها، ويعلن عن انتمائه إلى هذه الأمة مفتخرًا بذلك، ولكن ليس هذا النوع من الفخر الذي يقعده متغنيًا بمجدها الغابر، أو بماضيها الذهبي، أو البكاء على أطلالها، وإنما بالبحث عن الحي في الأمة في عالم أفكارها وحياتها وفاعليتها، البحث عن ضرورات الأحياء ومسارته فيها، ملتزمًا بأصول ذاكراتها الحضارية الحافزة الدافعة الرافعة، رغبة منه لإحياء كل ما يعينها على البقاء والحياة والشهود."

 لقد غاب قاسم عبده قاسم حقًا، لكنه ترك لنا ميراثًا علميًا وإنسانيًا يبقيه حيًا، وترك مدرسة من تلاميذه عليها مسئولية مواصلة طريقه، وترك نموذجًا ملهمًا للأكاديمي وللمثقف المتفاعل مع قضايا الوطن، وترك مشروعات تنادينا لاستكمالها.

مقالي المنشور في أخبار الأدب عدد 15 أكتوبر 2021

الخميس، 5 أغسطس 2021

1919 - حكايات الثورة والثوار

 

1919 - حكايات الثورة والثوار

عماد أبو غازي

 صدر عن دار الشروق في الأيام الأخيرة من معرض القاهرة للكتاب كتابي الجديد "1919 – حكايات الثورة والثوار"، وأصبح متاحًا هذا الأسبوع في مكتبات الشروق، وكنت قد انتهيت من كتابته في أخر أيام سنة 2019، واخترت لتصديره فقرة مما كتبه المؤرخ المصري الرائد محمد صبري الشهير بالسوربوني في كتابه عن ثورة 1919 الذي أصدره بالفرنسية في جزئين أثناء سنوات الثورة، يقول السوربوني عن الثورة:

 "بالتأكيد إن هذه الثورة واحدة من أجمل الثورات في التاريخ؛ لقد كانت عفوية سببتها سياسة الخنق المنظَّم ضد شعب من أربعة عشر مليون نسمة، مجمع كله على حقه في الاستقلال والحرية؛ هذه الكلمات القليلة "سياسة الخنق المنظَّم" تلخِّص وحدها كلَّ الأسباب البعيدة والقريبة للثورة. وإذا كان من الضروري أن نضع خطًّا فاصلًا بين الأسباب البعيدة والقريبة فإن سنة 1914 هي هذا الخطّ الفاصل؛ ذلك أنها السنة التي أعلنت فيها - بشكل غير شرعي – الحماية البريطانية".



  الكتاب يضم مجموعة من المقالات الصغيرة التي أعدت صياغتها لتصدر مجمعة تحت عنوان حكايات الثورة والثوار، وقد كتبتها ونشرتها متفرقة على مدي 15 سنة.

يبدأ الكتاب بمشهد افتتاحي بعنوان "قبل الثورة"؛ يليه أربعة فصول، ثم مشهد ختامي بعنوان "ميلاد مصر جديدة".

 الفصل الأول بعنوان الثورة أيام وحكايات توقفت فيه عند تسعة أيام وحكايات؛ اليوم الأول: "13 نوفمبر... يوم تغير فيه التاريخ"، اليوم الثاني: 23 نوفمبر وميلاد الوفد المصري، ثم "نوفمبر وديسمبر 1918... مصر تتحرك"، رابع الأيام: "يوم 13 يناير 1919... خطاب سعد الأول"، اليوم الخامس: "يوم 6 فبراير... ووقف أحد السامعين"، ثم: "يوم 9 مارس والأيام التالية"، اليوم السابع: "7 أبريل... انتصار الإرادة"، فوقفه في "أبريل 1921... موجة جديدة من الثورة"، وأخيرًا: "22 ديسمبر 1921... النفي الثاني".

 الفصل الثاني بعنوان "شعب وقائد" وفيه ست حكايات؛ الحكاية الأولى: "حكاية بيت الأمة"، والثانية بعنوان: "إثبات الموقف" وتتناول جزء من قصة التوكيلات، ثم حكاية "سعد في المنفى"، وحكاية "حوار مع سعد زغلول في لندن"، والحكاية الخامسة عن "سنوات الشدة والإرهاب"، وفي ختام هذا الفصل حكاية "وزارة سعد الأولى والأخيرة".

 ويستعرض الفصل الثالث مجموعة من وجوه الثورة وحكاية كل واحدة وواحد منهم؛ عبد الرحمن فهمي الرجل الذي قاد سعد الثورة من خلاله، وهدى شعراوي... إيزيس القرن العشرين، وفخري عبد النور الوطني الغيور كما أسماه سعد، وحكاية محمد صبري السوربوني وتوثيق الثورة، وحسين رشدي باشا رئيس الحكومة الذي ساند الثورة، ثم حكاية ابن القباقيبي... حكاية طفل ساند الثورة، وأخيرًا حكاية نقلتها عن فتحي رضوان عن أخته التي شاركت في الثورة وهي تلميذة في المرحلة الثانوية.

 أما الفصل الرابع والأخير فيتناول "ثورة 1919 والإبداع" من خلال أعمال سيد درويش ومختار وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ.

 وهذا تقديم الكتاب:

"في 2019 مرَّت الذكرى المئوية الأولى للثورة المصرية الكبرى؛ ثورة 1919؛ الثورة التي بدأت مقدمتها الفعلية يوم 13 نوفمبر 1918، وجاءت النهاية مع نهاية عام 1923 بإجراء الانتخابات العامة وفقًا لدستور 1923، واكتملت فصولها في 28 يناير سنة 1924 مع تشكيل حكومة الشعب؛ حكومة سعد زغلول الأولى والأخيرة؛ لتبدأ بعدها مرحلة جديدة في تاريخ مصر مستندة إلى المنجز الذي حققته الثورة، لكنها في الوقت ذاته قائمة على توازن القوى بين طرفي الصراع على الساحة المصرية؛ تيار الثورة يقوده الوفد المصري من ناحية وسلطات الاحتلال البريطاني والملك ومعهما أحزاب وساسة موالون للملك والاحتلال من ناحية أخرى، وبينهما أحزاب الأقلية التي تتأرجح مواقفها في الصراع بين القطبيْن الرئيسيْن. لقد انتهت هذه الحقبة بنجاح حركة الضباط الأحرار فجر يوم 23 يولية 1952؛ وإن كانت لهذا اليوم أيام تسبقه وأيام تليه أنهت مرحلة ثورة 1919 شبه الليبرالية؛ فيوم 26 يناير 1952، يوم احترق قلب القاهرة، دُقَّ المسمار الأول في نعش تلك المرحلة؛ ويوم 29 مارس 1954 كانت الهزيمة الكاملة لتجربة الديمقراطية المنقوصة في مصر.

    وحكاية ثورة 1919 هي صفحة من كتاب الوطن؛ صفحة مضيئة من تاريخ مصر، قدَّم فيها المصريون آلاف الشهداء والجرحى خلال شهر واحد؛ وقدموا نماذج ملهمة للعمل الثوري على مدى خمس سنوات هي عمر الثورة بجميع مراحلها.

لقد كانت ثورة 1919 تتويجًا لنضال طويل متواصل للمصريين أخذت أهدافه تتبلور تدريجيًّا منذ ثورة المصريين في يولية سنة 1795 ضد طغيان أمراء المماليك. لقد سارت تلك الأهداف في اتجاه أساسي: انتزاع حق المصريين في إدارة أمور بلادهم بأنفسهم، أو ما عبرت عنه الحركة الوطنية المصرية منذ سبعينيات القرن التاسع عشر وصاغته في شعار "مصر للمصريين"؛ ذلك الشعار الذي تحوَّل منذ مطلع القرن العشرين إلى مطلبيْن محدديْن: الاستقلال والدستور، وكان المطلبان هدفيْن كبيريْن لثورة 1919.

 في هذا الكتاب أقدِّم بعضًا من حكايات الثورة والثوار، إنه ليس تأريخًا للثورة لكنه سردٌ لبعض الحكايات المرتبطة بالثورة التي غيَّرت وجه مصر إلى حين؛ الثورة التي أرست فكرة القومية المصرية بشكل مكتمل للمرة الأولى؛ حكايات نشرت بعضها متفرقًا من قبل، وجمعت بعضها الآخر في "حكاية ثورة 1919" منذ عشر سنوات مضت، وأضفت إليها حكايات جديدة، فما زال هناك جديدٌ في حكايات الثورة المصرية."

السبت، 10 أبريل 2021

الدكتورة ضياء أبو غازي

 

الدكتورة ضياء أبو غازي

 (24 يناير 1924 – 10 أبريل 2001)

 اليوم تمر الذكرى العشرين لرحيل عمتي الدكتورة ضياء أبو غازي، كان لها فضل كبير على تكويني واتجاهي لدراسة التاريخ وللبحث العلمي، عرفت من خلالها المتحف المصري الذي كانت تعمل به وحكاية كل قطعة من قطعة الرئيسية قبل أن ألتحق بالمدرسة، عشقت التاريخ والآثار بفضلها،  كانت تصحبني طفلًا إلى دار الكتب في باب الخلق لأعتاد التعامل مع المكتبات العامة، علمتني كيف أكتب بحثًا وأنا تلميذ في الصف الأول بالمرحلة الثانوية عندما كان مدرس التاريخ يشجعنا على كتابة الأبحاث كنشاط إضافي، أشركتني معها وأنا طالب في الجامعة في إعداد دراسة بيوجرافية ببليوجرافية عن عالم الآثار الإسلامية علي بهجت، ووضعت اسمي إلى جانبها على البحث، وساعدتني على نشر أول بحث منفرد لي في مجلة علمية محكمة عقب تخرجي مباشرة، وقبل أن أسجل للماجستير أو أعين بالجامعة، وهذه سيرة مختصرة لها، أتمنى أن أتمكن في يوم ما من جمع أعمالها وإعداد ببليوجرافيا لها مع سيرة مفصلة، مثلما فعلت للكثيرين.



 ولدت ضياء أبو غازي في القاهرة في 24 يناير 1924، كان والدها محمود أبو غازي مدرسًا للتاريخ، وتوفي وهي في الثانية من عمرها، وربتها والدتها وخالها المثال محمود مختار، وهي الرابعة في الترتيب بين أخوتها الخمسة، التحقت بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول بعد أن انهت دراستها الثانوية بالمدرسة السنية للبنات.




 





وتخرجت في قسم التاريخ في الكلية عام 1946، والتحقت بعد ذلك بمعهد الآثار التابع لكلية الآداب حيث حصلت على دبلوم الآثار المصرية القديمة الذي كان يؤهل الحاصلين عليه للتسجيل لدرجة الدكتوراه؛ وقد حصلت بالفعل على درجة الدكتوراه في عام 1966 عن رسالة عن عبادة رع في الدولة القديمة، بإشراف الدكتور عبد الحميد زايد.







 التحقت بالعمل بمصلحة الآثار في عام 1950، وبدأت عملها أمينة مساعدة لمكتبة المتحف المصري التي كان يتولى أمانتها الدكتور عبد المحسن الخشاب المتخصص في المسكوكات اليونانية القديمة، ثم أصبحت أمينة للمكتبة، وقد بدأت في عام 1958 مع الدكتور عبد المحسن الخشاب في إعداد كتالوج لمكتبة المتحف المصري، وواصلت العمل فيه منفردة بعد وفاة الدكتور الخشاب، واكتمل العمل بملاحقه قبيل وفاتها.



 وفي منتصف الستينات أصبحت أمينة بالمتحف إلى جانب عملها بالمكتبة، وتولت أمانة قسم الدولة القديمة بالمتحف، وتدرجت في الوظائف بالمتحف إلى أن أصبحت أول امرأة تتولى منصب مديرة عام المتحف المصري عام 1978، وتدرجت بعد ذلك في المناصب العليا بالهيئة المصرية للآثار فأصبحت مديرة للمتاحف، ثم نائبة لرئيس الهيئة قبل إحالتها للمعاش في يناير 1984، وخلال سنوات عملها الأخيرة اهتمت بإنشاء المتاحف الإقليمية في مختلف المدن المصرية، كما أسست متحف المركبات الملكية ببولاق في نسخته الأولى، هذا إلى جانب اهتمامها الأساسي طوال رحلتها في العمل الوظيفي بتزويد مكتبة المتحف المصري بأحداث الإصدارات بمختلف اللغات، فتضاعف رصيد المكتبة عدة مرات، كما تواصل اهتمامها بالنشر العلمي في المتحف المصري والذي كان جزءًا من نشاط المكتبة، ثم في تشجيع النشر العلمي في باقي متاحف الهيئة ودعمه بعد توليها رئاسة قطاع المتاحف، كذلك أولت اهتمامًا كبيرًا بإحياء ذكرى الراحلين من علماء المصريات بوجه خاص وعلماء الآثار بوجه عام في محاولة منها لإبراز الإسهام المصري في هذا المجال، فتوالى إصدار الكتب التذكارية العلمية عن أحمد كمال وسليم حسن وسامي جبره وزكي إسكندر وغيرهم، كما قامت بإعداد دراسة ببليوجرافية عن عالم الآثار الإسلامية علي بهجت في الذكرى الخمسين لرحيله، كذلك اهتمت بالاحتفاء بإسهامات علماء المصريات الذين قدموا خدمات جليلة للعلم وفي مقدمتهم مسيو لوير.

وخلال مسيرتها العلمية نشرات عشرات الأبحاث والدراسات في مصر والخارج في الدوريات العلمية المتخصصة، وبالإضافة لذلك أسهمت ببحث عن الآثار والمتاحف في مصر في مشروع المسح الاجتماعي الذي صدر عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عام 1984.

شاركت في نشاط عدد من الجمعيات العلمية والثقافية، وكانت عضوة لمجلس الإدارة في الجمعية المصرية للدراسات التاريخية وفي جمعية أصدقاء متحف مختار.



وفي الثمانينيات والتسعينيات عينت أستاذة غير متفرغة بجامعة الزقازيق، وشاركت في الإشراف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه.

 ورحلت عن عالمنا في 10 أبريل سنة 2001...

الأحد، 28 مارس 2021

مصر وإيطاليا جذور ضاربة في أعماق التاريخ

 

مصر وإيطاليا

بين 16 و20 أكتوبر 2011 نظمت السفارة الإيطالية في القاهرة بالتعاون مع القنصلية الإيطالية في إسكندرية والمعهد الثقافي الإيطالي في القاهرة احتفالية ثقافية بمناسبة مرور 150 سنة على الوحدة الإيطالية وتأسيس إيطاليا الحديثة، الاحتفالية كانت بعنوان "عيد ميلاد سعيد يا إيطاليا، وضمن الاحتفالية كان فيه ندوة حول تأثير النهضة الإيطالية على نشأة الوعي القومي في مصر، شارك فيها مجموعة من المداخلات ل 11 من الإيطاليين والمصريين، دي كانت كلمتي في الندوة:

 



مصر وإيطاليا جذور ضاربة في أعماق التاريخ

عماد أبو غازي

 

 مصر وإيطاليا علاقة تمتد لأكثر من ألفي عام... علاقة من التفاعل بين ثقافتين وحضارتين وشعبين... تأثيرًا وتأثرًا، وككل علاقة طويلة ممتدة بهذا العمق في التاريخ فإن هناك لحظات إيجابية وأخرى سلبية في هذه العلاقة...

 وربما كانت القرون الستة الأخيرة هي الأكثر إيجابية في تلك الرحلة التاريخية الطويلة الممتدة... وأتوقف في هذه القرون الستة عند نقاط بارزة في العلاقات بين مصر وإيطاليا.

 النقطة الأولى: ففي القرن الخامس عشر الميلادي وفي لحظة محورية من لحظات التاريخ الإنساني التي شهدت تحولات جوهرية في مسيرة الإنسانية، لحظة فارقة في تاريخ العالم كله، وصلت العلاقات بين مصر والمدن الإيطالية وفي مقدمتها البندقية وجنوه إلى أوجها، في وقت كانت النهضة الإيطالية تؤتي ثمارها وتفتح الباب أمام تحولات هيكلية في المجتمعات الأوروبية، وكانت علاقة سلطنة المماليك في مصر والشام بمدن إيطاليا النهضة تزداد عمقًا، وتستند إلى المصالح المشتركة؛ فمصر التي تتحكم في جزء من طرق تجارة الشرق هدد وجودها المستقل الدولة العثمانية الناشئة الصاعدة... مصر المملوكية تمد يدها إلى البندقية لتدخل معها في علاقة تحالف تجاري وسياسي قوي... وتأتي من البندقية مشروعات حفر قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط تجدد مشروعًا مصريًا ضاربًا في أعماق التاريخ، وتضع الخطوط الأولى لإنجاز هذا المشروع في تاريخنا الحديث.


المحطة الثانية: عصر محمد علي باشا مؤسس الدولة الحديثة، والذي اعتمد في جزء مهم من مشروعه على الخبرات الإيطالية، كما وجه بعثته الأولى إلى إيطاليا، وقد سار على نهجه حفيده إسماعيل باشا ومن بعده ابنه فؤاد، ورغم أن معظم البعثات قد توجهت إلى فرنسا بعد البعثة الأولى فقد ظل التأثير الإيطالي باديًا في الثقافة المصرية؛ فجاءت في هذا العصر التأثيرات الإيطالية في الفنون المختلفة... الموسيقى والمسرح والأوبرا والفنون الجميلة، بالإضافة إلى التأثيرات في مجال الإدارة الحكومية، وزاد من المؤثرات الإيطالية في الثقافة المصرية الجاليات الإيطالية الكبيرة التي عاشت في مصر وتفاعلت مع أهلها.

 وفي القرنين التاسع عشر والعشرين ظهرت النهضة الإيطالية في كتابات المؤرخين والمفكرين المصريين.

 المحطة الثالثة... عندما قامت الثورة العرابية وبدأت المؤامرات الأوروبية ضدها، تلك المؤامرات التي انتهت بالاحتلال البريطاني لمصر في سبتمبر 1882، ساند أحرار إيطاليا وثوارها – إيطاليا الجديدة الموحدة – ساندوا الثورة المصرية وتضامنوا معها.



 ولم تكن مصر هي البلد الوحيد في الشرق الذي تأثر بإيطاليا في مشروعه النهضوي، فقد استندت تجربة النهضة الأولى في لبنان والتي قام بها الأمير فخر الدين المعني الثاني، على دعم إيطاليا وتجربتها النهضوية.

الجمعة، 12 فبراير 2021

متحف مختار

 

متحف مختار

عماد أبو غازي

 في الطرف الغربي من حديقة الحرية بالجزيرة يقع مبنى متحف مختار الذي افتتحه وزير البحث العلمي صلاح هدايت نيابة عن الرئيس جمال عبد الناصر ومعه الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة والإرشاد القومي، في صباح يوم 24 يوليو 1962، ويعتبر متحف مختار أول متحف تقيمه الدولة في مصر مخصص لأعمال فنان مصري واحد، كما يعد رابع المتاحف الفنية في مصر، فقد سبقه متحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحف الشمع بحلوان ومتحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، وقد افتتح معه أيضًا في الأسبوع نفسه متحف محمد محمود خليل بالجيزة.

 ويضم متحف مختار معظم أعمال نحات مصر الأول محمود مختار (10 مايو 1891 - 27 مارس 1934)، بالإضافة إلى بعض أوراقه وصوره ومتعلقاته الشخصية، ويضم المتحف كذلك مقبرة مختار، وقد نقلت إليها رفاته من مقابر أسرته قبيل افتتاح المتحف بأيام.




وقد ولد مختار في 10 مايو 1891 بقرية طنبارة من قرى محافظة الغربية، وهي قرية صغيرة قريبة من مدينة المحلة الكبرى، كان أبوه الشيخ إبراهيم العيسوي عمدة للقرية، أما أمه نبوية البدراوي فكانت ابنه للبدراوي أحمد عمدة قرية نشا السابق الذي نفاه الخديوي إسماعيل إلى السودان وصادر أملاكه بسبب مواقفه المعارضة لسياسته، وتتبع قرية نشا الآن محافظة الدقهلية.

 كانت نبوية البدراوي الزوجة الثانية للشيخ إبراهيم العيسوي، تزوجها بعد وفاة زوجته الأولى، وكانت في سن أبنائه من تلك الزوجة المتوفاة، وقد أنجبت له مختارًا وبنتين تصغرانه سنا، لكن نبوية البدراوي لم تستمر كثيرًا مع زوجها الشيخ الكبير، وانفصلت عنه عندما أحست بأنه يميز أبناءه من زوجته الأولى عن أبنائه منها، وعادت أم مختار إلى قريتها نشا، وهناك نشأ مختار، وأمضى طفولته، وصنع تماثيله الأولى من الطين على ضفاف الترعة.

والدة مختار نبوية البدراوي

 ومع مطلع القرن العشرين انتقلت السيدة نبوية البدراوي إلى القاهرة لتعيش فيها بعد عودتها من رحلة للحج، وسرعان ما لحق بها ابنها مختار، عندما رآه الشيخ محمد أبو غازي أحد رجال قريته نشا يبكي على الطريق مفتقدًا أمه وشقيقتاه، فقرر أن يصحبه معه إلى القاهرة غير مبال بغضب أخواله، فتغير مصير مختار وهو في الحادية عشرة من عمره، ليصبح بعد سنوات قليلة نحات مصر الأول في عصره وليترك لنا في حياته الفنية القصيرة التي أمضاها بين القاهرة وباريس قرابة مئة عمل معظمها بمتحفه بحديقة الحرية بالجزيرة، بالإضافة إلى التماثيل الميدانية الثلاثة؛ نهضة مصر وتمثالا سعد زغلول بالقاهرة والإسكندرية.

 في القاهرة شق مختار طريقًا جديدًا لحياته عندما افتتح الأمير يوسف كمال مدرسة الفنون الجميلة بقصره بدرب الجماميز، وعين فيها عددًا من الأساتذة الأوروبيين، وكان مختار أول طالب يلتحق بالمدرسة الجديدة يوم افتتاحها في 12مايو 1908، بعد يومين من إكماله عامه السابع عشر.

مختار في مدرسة الفنون الجميلة

 في سنوات الدراسة تبين أساتذته نبوغه وتميزه في فن النحت، فخصصوا له مشغلًا منفردًا بالكلية، ونحت مختار مجموعة من الأعمال خلال سنوات دراسته بمدرسة الفنون بالقاهرة مستلهمًا أغلبها من التراث العربي أو من البيئة المحيطة به، لكن لم يتبق منها إلا القليل، وقد شارك مختار ببعضها في أول معرض لطلبة مدرسة الفنون الجميلة.

 وعندما تخرج مختار من المدرسة في سنة 1911 أرسله الأمير إلى مدرسة الفنون الجميلة بباريس في بعثة لاستكمال دراسته لفن النحت بناء على توصية أساتذته، وهناك أعاد اكتشاف هويته المصرية، وقد أمضى مختار سنوات الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) في باريس في ظروف قاسية، لكنه تمكن قرب نهاية الحرب من الالتحاق بمتحف جريفان للتماثيل الشمعية بباريس، وهناك نحت مجموعة من الأعمال فقدت جميعها للأسف ووصلتنا صور فوتوغرافية للقليل منها، مثل تمثاله لأم كلثوم وتمثال راقصة البالية آنا بافلوفا.

مختار في باريس



متحف جريفان للتماثيل الشمعية بباريس

 وتعتبر ثورة 1919 الميلاد الجديد لمختار، فعندما قامت الثورة قرر أن يخلدها بتمثال يعبر عن الصحوة المصرية، فجاء تمثال نهضة مصر الذي عرض نموذجه المصغر بصالون باريس للفنون ونال عنه شهادة تقدير، والتف المصريون حول فكرة التمثال واكتتبوا من أجل إقامته، وأصبح التمثال رمزًا لمصر الناهضة، صنع به مختار لنفسه مكانة في وجدان المصريين.

 وتوفي مختار في 27 مارس 1934 قبل أن يكمل عامه الثالث والأربعين، وهنا تبدأ حكاية متحف مختار التي تمتد من يوم وفات مختار حتى افتتاح المتحف في احتفالات مرور عشر سنوات على 23 يوليو 1952.

 فما هي هذه الحكاية؟

 عندما رحل مختار كان لرحيله وقع صادم على أصدقائه ومحبيه، وقد سارعت السيدة هدى شعراوي إلى الدعوة لتأسيس جمعية لأصدقاء مختار تعمل على إحياء ذكراه، انضم لها عدد من أصدقائه، ووضعت الجمعية هدفًا من بين أهدافها جمع أعمال مختار في متحف أسوة بما كان يجرى مع كبار الفنانين الأوروبيين، وبادرت أسرة مختار بإهداء ما لديها من أعماله للدولة مقابل إقامة متحف ومقبرة لمختار، على أن تتولى جمعية أصدقاء مختار مهمة التنسيق مع الدولة، وبدأت الجمعية التي ترأستها السيدة هدى شعراوي في العمل على جلب أعمال مختار الموجودة في فرنسا، وصب نسخ من بعض الأعمال الموجودة في حوزة الأفراد ضمن مجموعاتهم الخاصة.


 وقد أدى قيام الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) إلى تعثر جهود استعادة أعمال مختار من الخارج؛ لكن ما أن انتهت الحرب حتى استأنفت الجمعية جهودها في جمع تراث مختار، وفي السعي لدى وزارة المعارف العمومية للوفاء بوعدها بإقامة المتحف، إلا أن وفاة هدى شعراوي في 12 ديسمبر 1947 أدت إلى تعثر الجهود وتوقف عمل جمعية أصدقاء مختار.

 وفي عام 1951 تجددت الجهود من أجل إقامة المتحف، عندما أعاد محمد بك شعراوي ابن هدى شعراوي إحياء جمعية أصدقاء مختار، وتواكب هذا مع تولي الدكتور طه حسين صديق مختار وعضو الجمعية وزارة المعارف العمومية في حكومة الوفد الأخيرة وتولي الفنان الرائد راغب عياد زميل دراسة مختار وصديقه إدارة متحف الفن الحديث، فتقرر حينئذ إقامة متحف مؤقت لأعمال مختار ملحقًا بمتحف الفن الحديث، وتحدد لافتتاحه يوم 27 مارس 1952 الذي يوافق الذكرى الثامنة عشر لرحيل مختار، لكن القدر لم يمهل طه حسين لافتتاح المتحف الذي وقف وراءه بقوة، فقد أقال الملك فاروق وزارة الوفد في أعقاب حريق القاهرة، وافتتح المتحف وزير المعارف وقتها محمد باشا رفعت، وبدى أن الأمر توقف عند هذا الحد.


المتحف القديم


  إلا أن الأمل في تحقيق حلم إقامة متحف خاص ومقبرة لمختار تجدد مرة أخرى عندما تولى الدكتور ثروت عكاشة وزارة الثقافة والإرشاد القومي في أكتوبر 1958.


ثروت عكاشة

 وحمل الشعلة من أجل تنفيذ المشروع الذي تحمس له الدكتور ثروت عكاشة ثلاثة رجال، هم الناقد بدر الدين أبو غازي ابن شقيقة مختار الذي قدم الفنان للجمهور من خلال كتابه "مختار حياته وفنه" ومقالاته المتعددة عنه، ومعه اثنان من تلاميذ مختار هما الفنان علي كامل الديب والفنان عبد القادر رزق، وانضم لهم المعماري رمسيس ويصا واصف الذي حول الفكرة الحلم إلى واقع على الأرض، عندما وضع تصميم المتحف وأشرف على تنفيذه، ويعد المعماري رمسيس ويصا واصف أحد أهم المعماريين المصريين في القرن العشرين وصاحب تجربة مميزة في مجال العمارة المستلهمة من البيئة والمرتبطة بها.


بدر الدين أبو غازي


علي كامل الديب


عبد القادر رزق


رمسيس ويصا واصف

 نجحت وزارة الثقافة والإرشاد القومي في إقناع محافظة القاهرة بتخصيص مساحة من الركن الغربي لحديقة الحرية لإقامة المتحف، في موضع منخفض عن مستوى الطريق، وجاء المبنى يحمل طرازًا معماريًا حديثًا لكنه مستلهم من عمارة المعابد المصرية القديمة، وعلى وجه التحديد واجهته التي تستدعي إلى الذهن واجهة معبد الدير البحري بالبر الغربي للأقصر، ويرتبط المبنى بالطريق من خلال جسر مقنطر.

 وقد أعيد تنظيم المتحف وتغيير مسار العرض فيه أكثر من مرة طوال السنوات الثمانية والخمسين منذ افتتاحه، ويتكون المتحف من دورين، الدور الأول وله شرفة كبيرة تسمح بعرض بعض الأعمال، وبها الآن تمثال كاتمة الأسرار ورأس تمثال سعد زغلول، ومدخل المتحف من هذا الدور حيث يلتقي الزائر بالنسخة الكبيرة من تمثال على شاطئ النيل؛ واحدة من مجموعة الفلاحات حاملات الجرار، وهي المجموعة المميزة لمختار والتي جسد فيها العلاقة بين الفلاحة والماء، ثم تواجه الزائر واحدة من أعمال مختار التي استلهم فيها الموروث التراثي المصري القديم، تمثال إيزيس الذي نحته مختار في الرخام الأبيض الناصع، وتضم القاعة مجموعة من أعمال مختار المنحوتة في الرخام.

 ويمزج الترتيب الحالي للعرض المتحفي بين أساسين: الخامة والموضوع، ويتكون المتحف من سبع قاعات للعرض بالإضافة إلى المقبرة وقاعة التذكارات، تشغل الأعمال البرونزية إحدى القاعات، بينما تشغل الأعمال الحجرية قاعة أخرى، ومشروع تمثالي سعد زغلول في القاهرة والإسكندرية قاعة ثالثة، والبورتريهات الشخصية قاعة رابعة، ومن بينها تماثيله لعدلي يكن والدكتور علي إبراهيم ومحمود خيرت، ومجموعة الفلاحات قاعة خامسة.




 أما عمل مختار الفريد رياح الخماسين فقد احتل مركز قاعة صغيرة تحيط به بعض الأعمال الصغيرة، وإلى جانب إبراز العرض لتماثيل كاتمة الأسرار ورأس سعد وإيزيس ورياح الخماسين، يبرز العرض كذلك تمثال عروس النيل الذي نحته مختار في الحجر والتمثال البرونزي لقية في وادي الملوك الذي نحته مختار بمناسبة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون.





 ويضم المتحف أربعة من أقدم أعمال مختار التي نحتها في فترة دراستها بمدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز بين عامي 1908 و1911، تماثيل التسول وابن البلد ورأس مارسيلة والتمثال النصفي لزميله الفنان محمد حسن، وهي كل ما تبقى من أعمال تلك المرحلة المبكرة.






 كما يحوي المتحف بعض الأعمال غير المكتملة مثل: مشروع تمثال الاستقلال وتمثال فارس وحصان ورجل يسير.



 أما قاعة التذكارات فتضم مجموعة من أوراق مختار الشخصية وصوره الفتوغرافية والأدوات التي كان يستخدمها في عمله، وبعض ملابسه، وقطعة من أثاث منزله، ونماذج لرسومه الكاريكاتيرية في جريدتي السياسة الأسبوعية والكشكول، واثنان من التماثيل الساخرة التي نحتها، ومن أهم ما تضمه قاعة التذكارات شهادة التقدير التي حصل عليها مختار من صالون باريس سنة 1920 للنموذج الأول من تمثال نهضة مصر، وصورة زنكوغرافية لخطاب متحف جريفان للتماثيل الشمعية بباريس إلى مؤتمر الصلح بفرساي الذي عقد بعد نهاية الحرب العالمية الأولى للسماح لمختار بحضور جلسات المؤتمر لعمل تماثيل لقادة الدول الحاضرين في المؤتمر.

 كذلك تحوي القاعة طوابع البريد والعملات التذكارية التي صدرت في مناسبات مختلفة تخليدًا لذكرى مختار أو التي تحمل أعماله، ونسخة من الجبس لوجه مختار ويده اليمنى قام بصبهما زميله النحات أنطون حجار لحظة وفاته.







 أما المقبرة فبها تمثال نصفي لمختار نحته أيضًا أنطون حجار، ونحت بارز لوجه مختار من أعمال الفنان عبد القادر رزق، كما أهدى زميل دراسة مختار وصديقه الفنان الرائد يوسف كامل لوحة زيتية لمجموعة من الزهور إلى المتحف لتوضع في المقبرة، فقد جرت العادة في كل عام أن يحيي المتحف ذكرى ميلاد مختار وذكرى رحيله بحضور أفراد من أسرته وبعض أصدقائه وتلاميذه، ويضع الجميع بقات الزهور على المقبرة، وفي مرة من المرات قرر الفنان يوسف كامل أن يحمل معه لوحة الزهور بدلًا من الباقة، لتظل هذه اللوحة خالدة على جدار المقبرة.

مقالي المنشور بمجلة الثقافة الجديدة.

 

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...