الاثنين، 16 مارس 2015


صفحات من نضال المرأة المصرية
 
 

 مصر بتحتفل في يوم 16 مارس كل سنة بيوم المرأة المصرية، اليوم ده ذكرى أول مظاهرة نسائية في ثورة 19 وذكرى تأسيس الاتحاد النسائي المصري سنة 1923، الحدثين وراهم سيدة مصرية لعبت دور مهم في تاريخ نضال المرأة المصرية...


 
هدى هانم ...

عماد أبو غازي

 هدى محمد سلطان، بنت محافظة المنيا، التي ولدت في عام  1879، في وقت كانت مصر تعيش في ظل صعود لحركة سياسة تطالب بالإصلاح السياسي والدستوري، بحق المشاركة في الحكم، وتتصدى في الوقت ذاته لتغول النفوذ الأجنبي في البلاد، نشأت في بيت منشغل بالسياسة، فقد كان أبوها واحدًا من قادة الحركة الوطنية الصاعدة، فهي ابنة محمد باشا سلطان، الذي صاحب الثورة العربية منذ بدايتها، حتى أصبح من أبرز القادة المدنيين للثورة، وانتُخب رئيسًا لبرلمان الثورة، لكنه اختلف مع العرابيين وأنقلب عليهم وانحاز إلى جانب الخديوي توفيق، عُرفت هدى محمد سلطان باسم هدى شعراوي نسبة إلى زوجها علي باشا شعراوي ثالث الثلاثة الذين توجهوا إلى دار المعتمد البريطاني يوم 13 نوفمبر سنة 1918 للمطالبة بإنهاء الأحكام العرفية والسماح لوفد مصري بالسفر إلى مؤتمر الصلح في باريس عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكانت حركة هؤلاء الثلاثة: سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي، الشرارة التي فجرت الأحداث التي انتهت بالثورة المصرية العظيمة، ثورة 1919.

 كانت هدى شعراوي واحدة من بناة نهضة مصر الحديثة، كما كانت حياتها نموذجًا آخر من نماذج التمرد في تاريخنا المصري، كانت مشاركتها في العمل العام وفي الحياة المصرية حافلة بالموافق التي تحدت فيها التقاليد البالية في مجتمعنا، وأسهمت في التأسيس لقيم جديدة بديلة.
 كانت البداية الأولى لمشاركة هدى شعراوي في العمل العام وهي في العشرين من عمرها، عندما أسهمت في الجهود الأهلية لمقاومة الوباء الأصفر الذي اجتاح البلاد أواخر القرن التاسع عشر. بينما كان ظهورها البارز في مواجهة قيم التخلف والجمود في مجتمعنا وهي في الثلاثين وعلى وجه التحديد في عام 1909، بعد افتتاح الجامعة الأهلية المصرية بشهور قليلة، عندما قادت الحملة من أجل قسم نسائي في الجامعة، وقد تحركت في دعوتها تلك من خلال الجمعية الأدبية التي رأستها، وكللت حملتها بالنجاح، فقد نجحت في تنظيم  محاضرات نسائية عامة في الجامعة المصرية ورئاستها، وكانت موجهة للمرأة المصرية والعربية ودارت حول قضية الحجاب، وبذلك فتحت أمام المرأة المصرية باب حضور الاجتماعات العامة مع الرجال، وانتزعت الاعتراف بإمكانية رئاسة المرأة المصرية لندوة عامة، ورغم أن نجاح هدى شعراوي كان نجاحًا مؤقتًا، لأن القسم النسائي في الجامعة توقف بعد فترة، إلا أنها سجلت ريادة في تحدي قيم فاسدة في المجتمع تحجب المرأة عن المشاركة في مختلف مجالات الحياة المصرية، كما أن محاولاتها تلك وجدت صداها بعد سنوات عندما تغيرت الظروف وفتحت الجامعة المصرية أبوابها أمام الفتيات المصريات ليلتحقن بكليات الجامعة المختلفة ويتخرجن عالمات وناقدات وطبيبات ومحاميات، وكل هذا بفضل تمرد هدى شعراوي ورائدات أخريات على واقع متخلف.

 لكن الدور الأكبر لهدى شعراوي بدأ مع ثورة 1919، فعندما اشتعلت الثورة كان لها دور القيادة السياسية في مشاركة المرأة في الثورة، وإذا كانت السيدة صفية زغلول (أم المصريين) قد تولت القيادة الروحية للحركة بحكم أنها زوجة زعيم الثورة، فإن القيادة الفعلية للحركة انعقدت منذ اليوم الأول لهدى شعراوي.
 
 لقد أعادت هدى شعراوي بقيادتها للمظاهرة النسائية الأولى في ثورة 1919 والتي خرجت يوم الأحد 16 مارس تقاليد المرأة المصرية في مشاركة الرجل في النضال ضد المستعمر كتفا بكتف، وقد ردت مشاركة المرأة المصرية في الثورة للمصريات حقوقهن التي ضاعت، فعادت إلى الشارع كاشفة وجهها فاتحة صدرها للرصاص منهية إلى حين عصور الجمود والتخلف، وقد أدت المشاركة الإيجابية الفعالة للمرأة المصرية في الثورة إلى تغير جوهري في نظرة المجتمع إليها كما حققت هذه المشاركة مكاسب عديدة للمرأة في مصر، وأخرست كثيرا من الأصوات التقليدية المعادية للمرأة وحقوقها، وقد استقبل شاعر النيل حافظ إبراهيم المظاهرة النسائية بقصيدة جاء في مطلعها:

خرج الغواني يحتججن

                   ورحت أرقب جمعهن

فإذا بهن تخذن من

                  سود الثياب شعارهن

فطلعن مثل كواكب

                 يسطعن في وسط الدجنة

وأخذن يجتزن الطريق

                 ودار سعد قصدهن

يمشين في كنف الوقار

                 وقد أبن شعورهن

 وكانت مظاهرة 16 مارس نقطة انطلاق لحركة نسائية وطنية، وانبثق عنها تأسيس لجنة سيدات الوفد كأول تنظيم سياسي نسائي في مصر الحديثة، وقد شاركت هدى شعراوي في تأسيسها ولعبت دورًا بارزًا في قيادتها.
 وفي عام 1920 وجهت الدعوة لهدى شعراوي للمشاركة في المؤتمر النسائي الدولي كممثلة لمصر، فشكلت وفدا من لجنة سيدات الوفد تحت رئاستها للسفر إلى المؤتمر، لكن أزواج عضوات الوفد منعوهن من السفر!
 وتروي هدى شعراوي الواقعة قائلة: "رأيت وجوب تلبية الدعوة خدمة للمرأة المصرية، فأقنعت بعض الصديقات بالسفر إلى المؤتمر وأبرقت إلى أوروبا بذلك، ولكن الأزواج خذلونا في اللحظة الأخيرة ورفضوا بعد قبول، أن يسمحوا لزوجاتهم بالسفر، فتحطم أملي، واضطررت إلى إرسال برقية أعتذر فيها بمرض المندوبات بالحمى الإسبانيولية التي كانت منتشرة إذ ذاك، ولعلي أشكر للحمى وجودها الذي مكنني من تقديم عذر مقبول".
 لم تكن تلك نهاية القصة، فبعد ثلاث سنوات تمكنت هدى شعراوي وزميلاتها من السفر لكن بعد أن أسسن الاتحاد النسائي المصري، وتلك قصة أخرى.

هدى شعراوي ... والاتحاد النسائي المصري..

 في 16 مارس 1923 تأسس الاتحاد النسائي المصري في ذكرى أول مظاهرة نسائية في ثورة 1919، اليوم الذي اتخذنا منه يوما للمرأة المصرية نحتفل به كل عام، وقد ارتبط هذا الحدث المهم في تاريخ الحركة النسائية المصرية بدعوة نساء مصر، مرة أخرى، للمشاركة في المؤتمر النسائي الدولي في روما، وبالفعل نجحت المرأة المصرية في الوصول إلى المؤتمر والمشاركة فيه تلك المرة، فقد سافر وفد الاتحاد النسائي المصري الذي ضم هدى شعراوي وسيزا نبراوي وريجينا خياط وإستر ويصا واصف.

 وكالعادة أثار سفر الوفد النسائي حفيظة المتشددين وبعض المعارضين لفكرة طرح قضايا المرآة في الخارج، إلا أن الوفد النسائي سافر إلى روما رغم أنف المعترضين تعبيرًا عن اقتناع عدد كبير من الرائدات بضرورة مشاركة المرأة المصرية في المحافل الدولية لطرح قضايا المرأة وقضايا الوطن في تلك المحافل، ومن الجدير بالذكر أن ثقافة الوفد المشارك ومستوى علم عضواته حظي باحترام المشاركين والمشاركات في هذا المؤتمر، وشجع الجهات الدولية على التعامل بجدية مع قضايا المرأة المصرية، كما كان بداية لمواقف المساندة التي تبنتها الحركة النسائية العالمية لقضايانا العربية.

 وقد سجلت عودة الوفد النسائي المصري من روما حدثًا تاريخيًا مهما في حياة المرأة المصرية، فقد خلعت هدى شعراوي حجابها لأول مرة أمام الجموع المحتشدة لاستقبال الوفد في الميناء، وظهرت سافرة الوجه محدثة بذلك خطوة مهمة في تحرر المرأة من قيود التخلف، وقد حذت عضوات الوفد الأخريات والنساء المجتمعات في الميناء حذو هدى شعراوي.
 وبالمناسبة فإن المرأة المصرية لم تكن محجبة ولا محتجبة على الإطلاق عكس ما يردده البعض عن جهل بحقائق التاريخ أو تجاهل لها لغرض في نفوسهم، فالحجاب كان منتشرًا فقط في أوساط الطبقات العليا بينما غالبية نساء مصر من بنات الريف كن سافرت يخرجن إلى العمل إلى جانب أزواجهن كتفًا بكتف، والجلباب والطرحة الفلاحي لا علاقة لها إطلاقًا بالحجاب الوهابي الوافد علينا مع غزو ثقافة الصحراء والبترودولار في السنوات الأخيرة.

 نعود مرة أخرى إلى الاتحاد النسائي الذي نجح عقب تأسيسه في تحقيق خطوات مهمة وإنجازات حضارية لصالح المرأة المصرية، كما نجح في تنظيم جهود الحركة النسائية من أجل إصلاح أوضاع المرأة، ومن أهم القضايا التي تصدى لها الاتحاد النسائي المصري، قضية تحديد سن الزواج، وقد نجح الاتحاد في إقناع الحكومة المصرية بإصدار تشريع بهذا الشأن، وتبنى الاتحاد أسلوب جمع التوقيعات على العرائض لتحقيق الأهداف التي ناضلت من أجلها المرأة المصرية، ذلك الأسلوب الذي كان قد صار أسلوبًا أساسيًا في العمل السياسي في مصر منذ حملة التوكيلات للوفد المصري، ومن القضايا التي تبناها الاتحاد: الحد من تعدد الزوجات، والحد من الطلاق دون مبرر، وحماية الزوجات من بيت الطاعة، وإطالة فترة حضانة الأم لأطفالها، وإذا كان الاتحاد لم ينجح في تحقيق كل هذه المطالب، إلا أنه نجح في تكوين رأي عام تبنى هذه القضايا، وتم إنجاز الكثير منها في النصف الثاني من القرن العشرين.

 هذا فضلًا عن تبني الاتحاد المطالبة بالحقوق السياسية الكاملة للمرأة وفي مقدمتها حقوق الانتخاب والترشيح في المجالس النيابية، وقد بدأ هذا النشاط بعد عام واحد من تأسيس الاتحاد عندما صدر بيان مشترك بين اللجنة التحضيرية للسيدات الوفديات والاتحاد النسائي المصري تضمن المطالبة بمساواة الرجال والنساء في الحقوق السياسية.

 وعلى الصعيد السياسي أيضا تبنى الاتحاد النسائي المصري بقيادة هدى شعراوي مواقف جذرية في قضايا الاستقلال الوطني والديمقراطية، وقد كانت مواقفة تلك من أسباب الخلاف بين الاتحاد النسائي المصري وحزب الوفد، فقد وقف الاتحاد ضد معاهدة 1936 التي وقعتها حكومة مصر برئاسة النحاس باشا رئيس الوفد المصري، لأن الاتحاد رأى فيها استقلالًا منقوصًا للبلاد.

 وعربيًا تبنت هدى شعراوي من خلال الاتحاد الدعوة لأول مؤتمر نسائي عربي عقد في القاهرة خريف سنة 1938 لمناصرة الثورة الشعبية في فلسطين، وسمي المؤتمر مؤتمر نساء الشرق، وفي عام 1944 دعا الاتحاد النسائي المصري إلى اجتماع آخر في القاهرة أسفر عن تأسيس الاتحاد النسائي العربي بحضور ممثلات لست دول عربية: مصر والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن. وقد تولت هدى شعراوي رئاسة الاتحاد المصري والاتحاد العربي حتى وفاتها في 12 ديسمبر 1947. وقد استمر الاتحاد في نشاطه بعد وفاة هدى شعراوي إلى ما بعد انقلاب يوليو 52 حيث تم تعقيم الاتحاد مثل غيره من منظمات المجتمع المدني و"تأميم" نشاطها، إذا كانت المرأة المصرية قد حصلت بالفعل على حقوق كثيرة في ظل نظام يوليو في مقدمتها حق الترشيح والانتخاب وتولي الوزارة فقد فقدت استقلالها التنظيمي، وهذه قصة أخرى.

 رحم الله هدى شعراوي ورحم أيامها التي نتحسر عليها اليوم، إن ما قامت به هدى شعراوي كان امتدادًا لقيم ومبادئ كانت راسخة في المجتمع المصري وحجبتها قرون الحكم الأجنبي، وتاريخ هدى شعراوي مجرد بضع صفحات من تاريخ المرآة المصرية الحديث الذي تحاول قوى التخلف التي تحمل رياح الوهابية الجهولة حجبها وتحجيبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...