الاثنين، 30 مارس 2015


30 مارس يوم الأرض
 
 يوم الأرض الفلسطينية، ده مقال كتبته في نوفمبر 1980، ونشرته في العدد الأول من مجلة موقف اللي صدر في يناير 1981 بعيد نشره النهارده زي ما كتبته من 35 سنة، بدون تعديل وبدون تعليق... دي كانت طريقة تفكير جزء من جيلنا وموقفنا وقتها، ودي كانت أحلامنا وأمانينا...

 

الانتماء الوطني للفلسطينين في الأرض المحتلة منذ سنة 1948

خواطر حول مؤتمر فلسطينيي الأرض المحتلة منذ 1948

                                                     
عماد بدر الدين أبو غازي
بعد فترة من الإعداد استمرت عدة شهور تقرر عقد "المؤتمر التحضيري للجماهير العربية في فلسطين المحتلة منذ 1948" في شهر نوفمبر الجاري بمدينة الناصرة بالجليل" وخلال الشهور القليلة الماضية عقدت سلسلة من الاجتماعات واللقاءات بين القيادات العربية في الجليل والمثلث حيث التركيز الفلسطيني في الأرض المحتلة منذ 48 للتمهيد لهذا المؤتمر كان أهمها اجتماع شفا عمرو في أوائل سبتمبر الماضي وصدرت عن هذه اللقاءات والإجتماعات وثائق وتصريحات يمكن من خلالها أن نستشف الإتجاهات الأساسية للمؤتمر المقبل كان أبرزها الوثيقة القومية التي صدرت في حيفا في يونيو 1980 ومسودة الميثاق الوطني التي صدرت عن لقاء شفا عمرو.
 وتدل المؤشرات الأولية على أن مؤتمر شفا عمرو سيكون حدثًا من أهم الأحداث في حركة النضال الوطني للشعب الفلسطيني داخل الأرض المغتصبة عام 1948 منذ انتفاضة يوم الأرض (30 مارس 1976) التي جسدت بشكل واضح وحدة نضال الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة وخارجها. فالتطورات التي شهدتها الحركة الوطنية لفلسطيني أرض 48 منذ انتفاضة 30 مارس وأحداث الشهور القليلة الماضية كلها تؤكد على حقيقة نمو الشعور الوطني لدى الفلسطينين في الأرض المحتلة في 48، وتشير إلى أهمية مؤتمر الناصرة كخطوة جديدة تخطوها الحركة الوطنية الفلسطينية إلى الأمام في اتجاه تلاحم قطاعات الشعب الفلسطيني وفى اتجاه تصعيد المقاومة للاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
 هذا وقد اهتمت الصحافة والمؤسسات الصهيونية بمتابعة هذه التطورات ومحاولة حصارها لما تشكله من خطورة مستقبلية على الكيان الصهيوني ووجوده، ولما يمكن أن يلعبه الفلسطينيون في الأراضي المحتلة منذ 48 من دور مهم في الحركة الوطنية الفلسطينية.
 والفلسطينيون في هذه المناطق يشكلون ذلك الجزء من الشعب الفلسطيني الذي نجح في الصمود في أرضه وبقى يعيش تحت وطأة الاحتلال الصهيوني منذ إعلان دولة إسرائيل؛ فعندما قامت منظمات المستعمرين الصهاينة وعصاباتهم الإرهابية المسلحة في فلسطين بإعلان دولة إسرائيل على جزء من التراب الوطني الفلسطيني كان مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني قد أرغموا على مغادرة ديارهم تحت وطأة الإرهاب العنصري الذي مارسته المنظمات الصهيونية ضدهم تحت حماية بريطانيا –دولة الانتداب على فلسطين.
 وكانت السنوات القليلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية قد شهدت تصعيدًا واضحًا في العمل الإرهابي الصهيوني الموجه ضد أصحاب الأرض الأصليين من الفلسطينين بهدف إجبارهم على النزوح عن وطنهم كخطوة ضرورية لإقامة الكيان الصهيوني الذي لم يكن مقدرًا له أن يقم إلا اغتصابًا لأرض شعب فلسطين وعلى حساب مصلحته الوطنية، في أبشع عملية استعمارية عرفها العصر الحديث تم خلالها قتل وتشريد مئات الآلاف من أبناء شعب فلسطين من أجل أن يقيم المستعمرون الصهاينة دولتهم في أرض فلسطين تنفيذًا لمخطط القوى الاستعمارية الكبرى التي تسعى للسيطرة على المنطقة العربية (بريطانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة) والأمثلة على العمليات الإرهابية التي مارستها العصابات الصهيونية بهدف إرهاب الفلسطينين وتخويفهم وإرغامهم على الرحيل عن وطنهم عديدة لعل أشهرها مذبحة دير ياسين التي قامت فيها عصابات الأرجون وشترن في 9 أبريل 48 بإزالة قرية دير ياسين إحدى قرى القدس (700نسمة) من الوجود بهدف إلقاء الرعب في قلوب العرب، وأستخدم الإرهابيون الصهاينة في المذبحة طائرة و100 دبابة ضد سكان القرية الذين لم يكونوا يملكون سوى 600 بندقية و4 رشاشات، وتم في هذه المذبحة إبادة كل من بقى بالقرية بما فيهم النساء والشيوخ والأطفال وتهديم كل منازلهم. وبلغ عدد القتلى الفلسطينين خلال شهر واحد فقط هو إبريل سنة 1948 ما يزيد على 1500 فلسطيني[i] ويقول المؤرخ الصهيوني إريه بتسمانى عن هذه المذابح: "أنه في بلد واحدة قتل ستون من الأعداء (يقصد الفلسطينين) في منازلهم من غير المقاتلين، وقد كان من المستحيل تفادى ضرب النساء والأطفال وفى بلدة أخرى تم تفجير 20 منزلًا بسكانه،م وقتل حوالي 60 من العرب معظمهم من النساء والأطفال"، وبينما يقول الإرهابي مناحم بيجين ورئيس وزراء العدو وزعيم عصابة الأرجون التي نفذت مذبحة دير ياسين مفاخرًا: "إنه استولى على العرب في جميع أنحاء فلسطين بعد مذبحة دير ياسين رعب لا حد له وأخذوا يهربون للنجاة بأرواحهم"[ii].
 وقد تحولت العمليات الصهيونية خلال الأسابيع القليلة التي سبقت 15 مايو سنة 1948 إلى عمليات حربية واسعة النطاق تدعمها مباشرة أو غير مباشرة قوات الاحتلال البريطاني وعرف التحرك العسكري الصهيوني بخطة داليت وهى خطة هجومية للاستيلاء على الأراضي العربية مع الانسحاب البريطاني منها، استهدفت السيطرة على المناطق المخصصة لليهود وفقا لقرار 29 نوفمبر 42 بتقسيم فلسطين وسلب جزء منها وتسليمه للحركة الصهيونية، ثم التوسع خارج الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة للدولة اليهودية؛ فخلال فترة وجيزة تم احتلال أجزاء واسعة من فلسطين وطرد أهلها منها وتدمير القرى العربية بأكملها[iii].
 إن هذه الحملة الإرهابية الواسعة التي مورست خلالها أبشع أشكال الإرهاب التي عرفها التاريخ الحديث قد نجحت في إرغام عشرات الآلاف من الفلسطينين على ترك أراضيهم وعندما هزمت جيوش الدول العربية في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى سنة 1948 وتمكنت الدولة الصهيونية من الاستيلاء على مزيد من الأرض أرغمت آلاف جديدة من الفلسطينين على الهجرة بعيدًا عن وطنهم.
 وإذا كان الآلاف من الفلسطينين قد نزحوا عن أراضيهم وصاروا لاجئين تحت وطأة العنف والإرهاب الصهيوني الذي ضاعف من أثره غياب حركة مقاومة فلسطينية قوية وقادرة على التصدي للإرهاب وغياب قيادة وطنية واعية ومتماسكة ملتحمة بجماهيرها خاصة بعد أن أهدرت الثورة الفلسطينية الكبرى 36 – 39؛ فإن هناك الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني قد صمدوا في الأرض المحتلة وتمسكوا بالبقاء في وطنهم. وقد شكل هؤلاء الصامدون الذين كان عددهم عام 48 حوالي 156،000 نسمة تقريبًا بلغوا الآن أكثر من نصف مليون نسمة (حوالي 600,000 نسمة)[iv] ما يسمى "بعرب إسرائيل" ويتركز معظم هؤلاء الفلسطينين في منطقتي الجليل والمثلث وهي مناطق التجمع الأساسية للفلسطينين بالإضافة إلى صحراء النقب التي يعيش فيها ما يقرب من 42 ألف من البدو الفلسطينين[v]، ونظرة سريعة إلى توزيع الشعب الفلسطيني في مناطق تجمعه الأساسية داخل فلسطين وخارجها توضح لنا أهمية هذا التجمع الفلسطيني الضخم

توزيع الشعب الفلسطيني عام 75 (الأعداد بالآلاف)[vi]

 

أولًا: داخل فلسطين

1- الضفة الغربية                                    791,2

2- قطاع غزة                                         423،3

3- أرض 48                                           435،0

المجموع                                              1،649،5

 

ثانيًا: خارج فلسطين

1- الأردن                                              1،060،3

2- لبنان                                               300.0

3- سوريا                                              183،4

4- الكويت                                             204،2

5- بقية الدول العربية                               102،8

6- الدول الأجنبية                                   380،0

المجموع                                              1،888،7

المجموع الكلى                                         3،538،2

 فهذا القطاع الكبير من الشعب الفلسطيني الذي يعتبر الثالث من حيث الضخامة لا يكتسب أهميته فقط من ضخامة حجمه ولكن أيضًا من تواجده في قلب الكيان الصهيوني وتماسكه فوق أرضه.
 ويعيش 57% من هؤلاء العرب في مناطق ريفية عربية و16% منهم في مستوطنات حضرية والبقية موزعة على الصحراء والمدن[vii].
 وقد أصبح هؤلاء العرب الفلسطينيون الذين بقوا في الوطن المحتل بعد 48 مواطنين من الدرجة الثالثة داخل الكيان الصهيوني، يعانون من الاضطهاد العنصري والديني ومن الاستغلال الطبقي من قبل مؤسسات الكيان الصهيوني، وخلال سنوات الاحتلال الطويلة التي تجاوزت الثلاثين عامًا تعرضوا ومازالوا يتعرضون لمختلف صنوف الاضطهاد والتفرقة والتمييز العنصري في محاولة مستمرة لاستئصالهم أو لاستئصال انتمائهم الوطني؛ فقد تم وضع فلسطيني داخل إسرائيل تحت نظام الحكم العسكري الذي يقوم على 170 قانونًا أساسيًا، وبناء على هذه القوانين أعلنت المناطق العربية مناطق مغلقة تقيد حرية الدخول والخروج إليها ومنها، كما تُمكن هذه القوانين الشرطة الإسرائيلية من وضع الفلسطيني تحت المراقبة، وتخول الحاكم العسكري طرد أي شخص خارج البلاد ومنعه من العودة إليها إن كان في الخارج، كما تمنحه حق الانتقال الإداري ومصادرة وهدم الأملاك ومنع التجول. كما يعانى الفلسطنيون من أوضاع ثقافية وتعليمية متدنية؛ ففي مقابل 14 ألف طالب يهودي في الجامعات لا يوجد سوى 200 طالب فلسطيني فقط، كما تخضع مواد التدريس للرقابة الإسرائيلية[viii].
ويعامل الفلسطينيون معاملة أدنى في مجالات العمل والخدمات، ويتركز معظمهم في أعمال الزراعة والأعمال اليدوية:

29% في مهن زراعية

43% في مهن يدوية

21% في مهن البناء

7% توزع على باقي المهن[ix]

 واستمرت عمليات مصادرة الأراضي والطرد؛ حيث أزيلت من الوجود 390 قرية عربية منذ 1948[x]، كما تجددت المذابح الجماعية (مذبحة كفر قاسم) 28 أكتوبر 1956، بالإضافة إلى مختلف أشكال الاضطهاد والتفرقة؛ ورغم ذلك استمرت مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده فوق أرضه واستمر نضاله ومقاومته للاستعمار الصهيوني تتراوح وتتأرجح بين المقاومة السلبية، وبين الأشكال الجينية للمقاومة الإيجابية، والتي كانت في معظمها تتمحور حول قضية الأرض والمحافظة عليها والتمسك بها في مواجهة عمليات المصادرة المستمرة، هذا التمسك بالأرض الذي يتجاوز التمسك بها كوسيلة لاكتساب الرزق ليتحول إلى تمسك بما فيها من معاني الوطن الفلسطيني.
 وفلسطينيو الأرض المحتلة منذ 48 يشكلون جزءًا مهمًا من الشعب الفلسطيني، ونضالهم جزء لا يتجزء من النضال الوطني للشعب الفلسطيني، كما أن وضعهم يؤهلهم إلى أن يلعبوا دورًا مهمًا في تحقيق الهدف الإستراتيجي للثورة الفلسطينية: تدمير دولة إسرائيل وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الوطني الفلسطيني.
 وقد شهدت السنوات الأخيرة مؤشرات هامة فيما يتعلق بانخراط الفلسطينين في أراضي 48 في مجمل النضال الثوري للشعب الفلسطيني وفي قلب الحركة الوطنية الفلسطينية بصورة متزايدة.
 وكان يوم الأرض 30 مارس 1976 نقطة بارزة في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية على طريق الاندماج بين مختلف أقسام الشعب الفلسطيني الذي يعيش في وضع الشتات الفريد مقسمًا بين فلسطين المحتلة في 48 وفلسطين المحتلة في 67 والأردن ولبنان وباقي الدول العربية.
 هذا اليوم الذي لخصته كلمات "اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي العربية في إسرائيل" المنظمة لإضراب 30 مارس 76 بأنه "يوم قاس طويل من تاريخ قاس طويل...هو يوم من تسعة وعشرين عامًا خاضت خلالها الجماهير العربية في بلادنا معارك شرسة وتعرضت لاعتداءات دامية وقدمت تضحيات غالية من أجل مجرد البقاء الكريم على أرض الآباء والأجداد"[xi].
 وقد كان المفجر المباشر لانتفاضة يوم الأرض هو عزم مؤسسات الاستيطان الصهيوني على مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي التي بقيت بحوزة الفلسطينين في الجليل ضمن عملية تهويد الجليل، إلا أن عوامل الانفجار كانت عديدة فقد ازداد ارتباط فلسطيني الجليل ببقية الشعب الفلسطيني في فلسطين بعد حرب يونيو 67، وفى نفس الوقت تصاعد القمع والإرهاب الصهيوني الموجه ضد فلسطيني الجليل بشكل خاص، خاصة منذ أواخر عام 73، وزادت مصادرات أراضيهم، وغصت السجون الإسرائيلية بالمعتقلين العرب.
 وقد بدأت الأحداث التي انتهت بانتفاضة 30 مارس 76 في يونيو 1975 باجتماع عقد في حيفا ضم عددًا من رؤساء المجالس المحلية والمحامين والأطباء والمثقفين وأصحاب الأراضي والصحفيين الفلسطينين، وقد تقرر في هذا الاجتماع الإعلان عن تأليف لجنة للدفاع عن الأراضي العربية، وتلى ذلك عقد مؤتمر شعبي في الناصرة، هدد هذا المؤتمر بإعلان الإضراب العام والتظاهر أمام الكنيست ما لم تتراجع السلطات الإسرائيلية عن مخططات المصادرة وتهويد الأرض. وإزاء استمرار السلطات في مخططها عقد في مدينة الناصرة مؤتمرًا دعي لحضوره أكثر من 20 رئيسًا للمجالس المحلية العربية تقرر فيه أن يكون يوم 30 مارس 76 يومًا للأرض.
 وقد واجهت السلطات الصهيونية المظاهرات بالرصاص والعنف الأمر الذي أدى إلى تصاعد حركة الرفض وانتشارها لتشمل كل الشعب الفلسطيني، وأصبح يوم 30 مارس رمزًا للاحتجاج العربي ولوحدة نضال الشعب الفلسطيني، وقد بلغ عنف الانتفاضة وحدتها في مواجهة السلطات الصهيونية حدًا لم يفاجئ هذه السلطات وحدها بل فاجأ أيضًا القيادات الفلسطينية المنتمية إلى حزب ركاح، ورغم هذه الانتفاضة العارمة فقد استمرت السلطات الصهيونية في تنفيذ مشروعها لتهويد الجليل وفقًا للمخطط الذي يسعى إلى مواجهة النمو السكاني للفلسطينين، الذين أصبحوا يشكلون 48% من سكان اللواء الشمالي، خاصة بعد أن تطور إحساس الفلسطينين بهويتهم حتى أضحت الأقلية الراديكالية بينهم تتحدث عن الحاجة إلى تحرير الجليل العربي من الإسرائيلين وضمه إلى فلسطين تحت راية منظمة التحرير، "الأمر الذي يمكن  أن يكون المرحلة الأولى للانتصار المقبل على إسرائيل"، حسب ما جاء في تقرير كينغ متصرف اللواء الشمالي الذي نشر في صيف 76 في جريدة "عل هشمار" الصهيونية.[xii]
 ورغم محدودية أهداف أحزاب يوم الأرض التي انحسرت في مقاومة مشروع مصادرة الأراضي، إلا أن هذا اليوم كانت له دلالاته المهمة في تطور النضال الوطني للفلسطينين في أرض 48، سواء من حيث أسلوب المواجهة الحادة العنيفة للسلطات الصهيونية، أو من حيث ما شهده هذا اليوم من اندماج لحركة الشعب الفلسطيني في كل أرض فلسطين وفى خارجها في تيار واحد، أو من حيث ما أعقبه من تزايد الارتباط من فلسطيني أرض 48 مع باقي الشعب الفلسطيني وتزايد الانتماء الوطني لديهم.
 ومنذ يوم الأرض بدأت السلطات الصهيونية والأحزاب والصحافة والمؤسسات في إسرائيل تهتم بمتابعة أوضاع الفلسطينين والعمل على مواجهة ظاهرة تزايد الانتماء الوطني والإحساس بالهوية القومية لديهم، والعمل على محاصرة حركتهم وإجهاضها، وبدأت مختلف القوى الصهيونية تقدم حلولها وتصوراتها المختلفة لحل المشكلة وتعكس هذه الحلول التي تتراوح بين الإبادة والتدجين حقيقة واضحة؛ وهي الاهتمام الإسرائيلي المتزايد بمشكلة الفلسطينين في إسرائيل الذين أصبحوا يشكلون قنبلة موقوتة تهدد الكيان الصهيوني.
 إن المشكلة من وجهة النظر الإسرائيلية كما يلخصها موشيه شارون مستشار الشؤون العربية السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي تكمن في: "إن المواطنين العرب لا يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي برغبتهم أو إرادتهم بل إنهم وجدوا أنفسهم نتيجة الحروب التي شهدتها المنطقة تحت حكم الدولة الصهيونية وإن انتماء هؤلاء لهذه الدولة لا يعنى الاعتراف بمبادئها وقيمها الصهيونية وثقافتها اليهودية وأهدافها السياسية واعتبار هذه الأمور جزءًا منهم... ولا يمكن لعربي واحد يعيش في إسرائيل أن يغفل هذا الشئ ولا يمكن لعربي واحد أن يقف وينشد مخلصًا النشيد الوطني الإسرائيلي كما أنه لا يمكن لأحد من هؤلاء الانتماء إلى العلم الإسرائيلي، وإن الحقيقة الخالصة التي يمكن استخلاصها بعد ثلاثين عامًا من قيام الدولة الصهيونية في فلسطين، أنه لا توجد هوية واحدة مشتركة لجميع الإسرائيلين اليهود والعرب"، كما يقول: "إن المشكلة هي أنه خلال 30 سنة وهى فترة كافية لم نستطع خلق أرضية مشتركة. أرضية إسرائيلية لليهود والعرب في إسرائيل مع التأكد على حقوق المواطن وواجباته مسبقا"[xiii].
 ويرى شارون أن علاج المشكلة لا يمكن أن يكون بالاندماج الكامل بين العرب واليهود ولكنه يؤكد على ضرورة الاعتناء بالمشكلة وحلها بشكل تمحى فيه العداوة والظلم، بشكل لا يكون فيه العرب في إسرائيل منطلقًا لتفسيرات الفلسطينين المتطرفين، وبالتفصيل يجب الاعتناء بالمشكلة بشكل جدي متواصل وعميق؛ ففي المجال التربوي يجب تعريف الأهداف وإصلاح برامج التعليم وإعطاء كافة المتطلبات الحيوية، والهدف يجب ألا يكون إغراق العرب في إسرائيل، وفي الحياة الجماهيرية اليهودية، الهدف هو إيجاد جيل مخلص من المواطنين العرب المخلصين للقانون؛ ومعنى هذا تغيير كافة البرامج التعليمية، والمثقفون العرب يخرجون إلى الشارع ولا تستطيع تدبير أمرهم إنهم محبطون إنهم مادة خام للمنظمات المعادية، ويجب تغيير طرق التعليم في المدرسة الابتدائية والثانوية في الوسط العربي. أن التربية قديمة أن الشاب العربي الذي يصل إلى الجامعات في إسرائيل مسكين فهو يفتقد الأدوات للتدبر بتعليمه يجب تشجيع التربية المهنية في الوسط العربي." [xiv]
 ويرتكز مشروع موشيه شارون ـ الذي كان رفض تنفيذه أحد الأسباب استقالته من منصبه ـ على محاولة احتواء حركة الفلسطينين وتقديم المسكنات التي تخفف من حدة سخطهم على الاحتلال الصهيوني.
 وقد قدمت حركة شنوى (حركة التغيير) برنامج مشابه في مرتكزاته الأساسية لعلاج المشكلة، ويقترح هذا البرنامج تشجيع إقامة أبنية خاصة للعرب بالقرب من المدن الإسرائيلية وداخلها وذلك لتمكين الشباب العرب من السكن في المدينة، كما يقترح البرنامج خلق قيادة عربية من جيل المخضرمين والشباب المثقف، وأن تقوم الأحزاب الصهيونية بإشراك العرب في إسرائيل في أطرها السياسية على المستويات المختلفة، ويرى برنامج الحركة ضرورة تشجيع أطر مشتركة لنشاطات اجتماعية وثقافية. وقد أدرك برنامج شنوى أن قضية الأرض هي أحد مراكز الثورة الخطيرة جدًا داخل العرب في إسرائيل ويقترح البرنامج نظرًا لأهمية هذا الموضوع أن تؤخذنا القرارات على مستوى الحكومة أو على مستوى لجنة وزارية على الأقل، ولكن البرنامج يؤكد على ضرورة استمرار سياسة تركيز الأراضي بواسطة شرائها أو تبديلها، وذلك من أجل إقامة العديد من المستوطنات اليهودية في الجليل، لكن يجب الامتناع قدر الإمكان عن مصادرة أراضى إضافية.
 وفى سياق هذه المشاريع عرض ديفيد كريفين أحد محرري الجيروزاليم بوست الإسرائيلية اقتراحًا بإن يخدم العرب في الأعمال الملحقة بالجيش الإسرائيلي ويرفع عنهم حظر الالتحاق بالخدمة العسكرية، حتى يحصلوا على نفس المخصصات التي يحصل عليها اليهود من إعانات الدولة تحسينًا لمستواهم المعيشي. والهدف الحقيقي من هذا المشروع هو إحكام الرقابة على الشباب الفلسطيني.
 وفى مقابل هذه المشروعات التي تسعى إلى احتواء الحركة الوطنية الفلسطينينة وتفريغ السخط الفلسطيني على سلطات الاحتلال، دعا الحاخام مئير كاهانا زعيم حركة (كاخ) السلطات الإسرائيلية إلى طرد العرب من فلسطين المحتلة، وقال في رسالة نشرتها صحيفة جيروزاليم بوست: "أريد طرد العرب لأننى لا أريد أن أقتلهم كل أسبوع، أو يتكاثرون ويقومون بأعمال الشغب"، ودعا كاهانا إلى سن قانون خاص بطرد العرب من فلسطين المحتلة منذ 48، وقال: "إن خطوة من هذا النوع ضرورية لأن نسبة الولادة المرتفعة بينهم تهدد إسرائيل".[xv]
 وخلال السنوات الماضية التي أعقبت يوم الأرض كان الموقف الإسرائيلي تجاه الفلسطينين هو مزيد من القمع والإرهاب للشعب الفلسطيني، ومزيد من القوانين التي تقيد من حريتهم، ومزيد من المصادرة لأراضيهم سواء في الجليل أو في النقب. خاصة وأن إسرائيل تستشعر خطورة النمو المتزايد لمشاعر الانتماء الوطني للفلسطينين في منطقة الجليل المتاخمة لجنوب لبنان أحد البؤر الأساسية للثورة الفلسطينية المسلحة؛ فصدرت في السنوات الأخيرة قوانين تحظر تأييد منظمة التحرير الفلسطينية، كما صدر قانون البدو لتقنين مصادرة أراضيهم، واتخذت قرارات عديدة بفرض الإقامة الجبرية في القرى على الزعماء الفلسطينين خاصة من القيادات الطلابية، وفرض الحظر على الاتصال بين فلسطيني الجليل وفلسطيني الضفة الغربية في فترات معينة من السنة.
ورغم كل هذه الإجراءات فإن السلطات الصهيونية لم تنجح في وقف المد الوطني في صفوف الشعب الفلسطيني، واستمر تنامي شعور الانتماء لدى الفلسطينين في الأرض المحتلة منذ 1948.
وهناك علامتان بارزتان توضحان مدى تنامي المشاعر الوطنية لدى فلسطيني 1948:
 الأولى، ظهور الحركات الوطنية الراديكالية التي بدأت تكتسب أرضًا على حساب راكاح صاحب النفوذ التقليدى في وسط الجماهير الفلسطينية في الجليل لسنوات طويلة.
 والثانية، تطورات الشهور الأخيرة التي تسير في اتجاه عقد المؤتمر العربي في نوفمبر الجاري تمهيدًا لتشكيل مجمع فلسطيني في الأرض المحتلة.
 وقد شهدت السنوات القليلة الماضية بروز حركتين وطنيتين في صفوف الفلسطينين في أرض 1948، تتميز مواقعها بأنها أكثر جذرية ووضوحًا في رفضهما للدولة الصهيونية من راكاح، حركة ابن البلد، والحركة الوطنية التقدمية.
 وقد تأسست حركة ابن البلد عام 1976، وهى تترعرع بصورة رئيسية على ردود الفعل الحادة في الوسط الفلسطيني تجاه إجراءات وقرارات السلطات الإسرائيلية. وقد أخذت ردود الفعل تلك ترتفع بشكل واضح بعد يوم الأرض في مارس 1976، وعناصر حركة ابن البلد لا يترددون ولا يجدون أدنى حرج في ربط هويتهم بمنظمة التحرير الفلسطينية رغم القوانين الإسرائيلية التي تحظر ذلك، ومعظم العناصر التي تنتمي إلى حركة ابن البلد عناصر شابة من الطلاب إلى جانب مجموعة من المحامين والمدرسين، والاتهام الأساسي الذي توجهه حركة ابن البلد إلى راكاح هو أنه باع نفسه للصهيونية.
 وتعتبر حركة ابن البلد صورة جديدة من حركة الأرض التي كانت معروفة في أواخر الخمسينات وأواسط الستينات، والتي اعتبرت في ذلك الوقت غير شرعية من قبل وزير الداخلية ومن قبل الحاكم الصهيوني نظرًا لطبيعتها المناهضة للاحتلال. وتطرح حركة ابن البلد موقفًا واضحًا من إسرائيل فتؤكد أن إسرائيل ليست دولتنا، وتعكس هذا الموقف بشكل عملي في دعوة إلى مقاطعة انتخابات الكنيست. وقد تمكنت الحركة من تحقيق نجاح ملحوظ في بعض المواقع في انتخابات المجالس المحلية في السنوات الأخيرة.
 أما الحركة الوطنية التقدمية فيعتبرها الصهاينة الذراع المتطرف للمثقفين الفلسطينين في إسرائيل، وتقوم السلطات الصهيونية بفرض الإقامة الجبرية في الريف على عديد من قيادات الحركة الوطنية التقدمية وعناصرها، خاصة في فترات الانتخابات الطلابية، حيث يتزايد نفوذ الحركة في صفوف الطلبة الفلسطينين وتحظى الحركة بتأييد غالبية الطلبة القدامى.
 وتصور الحركة لحل النزاع العربي الإسرائيلي يبدو متشددًا وأقل قابلية للحل الوسط بالمقارنة مع تصور بعض المثقفين في الضفة الغربية؛ حيث يمكن أن يعتقد سكان الضفة الغربية بفكرة أن الضفة سيتم الجلاء عنها من قبل إسرائيل في نهاية الأمر مهما كان هذا التصور وهميًا ما لم يستند إلى المقاومة المسلحة، ولكن فلسطيني الأرض المحتلة في 1948 لا يمكنهم أن يعتقدوا أن إسرائيل ستتخلى عن الجليل والمثلث. وتتبنى الحركة الوطنية التقدمية شعار دولة ديمقراطية علمانية في كل فلسطين، وإن كان قادة الحركة يقولون بأن تحقيق هذا الشعار سيحتاج إلى أجيال لتحقيقه.
 وتعتقد السلطات الصهيونية بوجود اتصالات قوية بين الحركة الوطنية التقدمية والفلسطينين في الأراضي المحتلة بعد 1967، وقد اتخذت السلطة العسكرية الصهيونية قرارًا بإبعاد طالب قيادي في جامعة بيرزيت بالضفة بتهمة التشجيع على إصدار إعلان الحركة. والحركة تؤيد منظمة التحرير الفلسطينية صراحة وتعلن عن هذا التأييد دون موارية. وتعتبر الحركة الوطنية التقدمية التي أنشأها الطلاب العرب الفلسطينيون في الجامعات الإسرائيلية بديل راديكالى لراكاح. ويعلن قادة الحركة معارضتهم للصهيونية، وعدم اعترافهم بالحكم الصهيوني، وإن غايتهم هي تحقيق دولة ديمقراطية في كل أنحاء فلسطين. وإن هذه الغاية هي غاية أساسية من غايات منظمة التحرير الفلسطينية. ويرى قادة الحركة الوطنية أنه من الضروري أن يستغلوا كل الأوضاع المتاحة في إسرائيل لنشر أفكارهم في صفوف الفلسطينين داخل إسرائيل.[xvi]
 وقد أدى هذا المد الوطني المتزايد إلى تراجع العناصر الفلسطينية المتعاملة مع الأحزاب الصهيونية والمؤبدة لها وانكماشهم، وبلغ الأمر ببعض مؤيدي المعراخ إلى حد تنصلهم من هذا التأييد المشين من خلال إعلانات نشروها في الصحف الإسرائيلية.
 وهناك مجموعة من الأحداث والتغيرات الصغيرة التي تشكل في مجملها دلالة أخرى على تنامي الشعور الوطني لدى الفلسطينين في الأرض المحتلة؛ فقد تزايدت أشكال الاحتجاج على السلطات الإسرائيلية وفى نفس الوقت أصبح إظهار التأييد لمنظمة التحرير علنا أمرًا معتادًا سواء في صفوف الشباب في الجامعات أو حتى بين رؤساء المجالس المحلية العربية، كما بدأت موجات السخط والاحتجاج تسرى في صفوف بدو النقب، خاصة بعد صدور قانون البدو، وازدياد عمليات مصادرة الأرض وطرد أصحابها منها. وتشكلت بين بدو النقب تجمعات للدفاع عن حقوقهم في الاحتفاظ بأراضيهم كجمعية حقوق البدو ومجموعة النقب لحقوق المواطن.
 بل وحتى الدورز الذين ظلوا طوال السنوات الثلاثين الماضية يعاملون من قبل سلطات الاحتلال معاملة مختلفة عن غيرهم من الفلسطينين قد بدؤا يشعرون بالضيق من أوضاعهم المتدنية والمتدهورة باستمرار.
 إن السنوات الأخيرة تشهد تباعدًا واضحًا بين المجموعات الفلسطينية التي كانت تعتبر متعاونة مع سلطات الاحتلال وبين هذه السلطات، ومثالى بدو النقب والدروز يكشفان عن ذلك الوضع الجديد، أن العامين الأخيرين قد شهدا ما سميه الإسرائيلين "بفلسطين جميع عرب إسرائيل"، وأصبح كل مواطن عربي يعتبر نفسه جزءًا من الشعب الفلسطيني، وتزايد الالتحام ما بين فلسطيني الجليل وفلسطيني الضفة وغزة، وقد أسفر التلاحم بينهم عن صدور إعلان رؤساء المجلس تأييدهم لمنظمة التحرير الفلسطينية.
 وخلال الأشهر القليلة الماضية جرت سلسة من الأحداث في اتجاه الإعداد لمؤتمر الناصرة الذي يعقد في نوفمبر الجاري. كانت هذه الأحداث مؤشرًا جديدًا على تطور الحركة الوطنية الفلسطينية في الأرض المحتلة في 1948، وقد كان المحرك الأول لهذه الأحداث ذلك الهجوم البربري الذي قامت به المنظمات الصهيونية الإرهابية تحت رعاية وحماية الدولة الإسرائيلية وقصدت به اغتيال ثلاثة من رؤساء بلديات الضفة الغربية.
 ففي أعقاب الهجوم بدأت حملة لجمع التوقيعات على وثيقة قومية لعرب فلسطين المحتلة عام 1948، وأعلنت هذه الوثيقة في حيفا في 6 يونيو 1980، وأعلن فيها 1800 من الفلسطينين عن اتجاههم إلى عقد مؤتمر تحضيري لتنظيم إقامة مجمع فلسطيني قومي يتولى تحديد أهداف ومطالب الفلسطينين في أراضي 48. كما دعت الوثيقة إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة. وأكدت الوثيقة على: "إننا لم ننكر ولن ننكر في يوم من الأيام ، حتى في مواجهة الموت، أصلنا. أننا جزء واع ونشط من الشعب العربي الفلسطيني ولن نتخلى أبدًا عن حق الشعب في تقرير مصيره وعن حريته واستقلاله فوق ترابه".[xvii]
 وقد صدرت هذه الوثيقة رغم سياسة القبضة الحديدية التي تستخدمها السلطات الإسرائيلية والتي امتدت من الضفة وغزة إلى الجليل، ورغم تصاعد الإرهاب الصهيوني ضد العرب، بل وحتى ضد العناصر الإسرائيلية المعتدلة، ورغم التهديدات المتتالية بالاغتيال التي يتعرض لها زعماء الفلسطينين في الجليل، ورغم هجمات الصحف والمسئولين الصهاينة على هؤلاء الزعماء وفى مقدمتهم عمدة الناصرة توفيق زياد، بل إن الوثيقة صدرت في مواجهة ذلك كله.
 وقد أثارت هذه الوثيقة مخاوف السلطات الصهيونية، خاصة ما جاء فيها من تأييد واضح وصريح لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن تأكيد على الهوية الوطنية للفلسطينين في داخل إسرائيل باعتبارهم جزءًا لا يتجزء من الشعب الفلسطيني ترتبط أهدافهم بأهدافه.
 ورغم التهديدات الإسرائيلية فقد استمر التحضير للمؤتمر العربي، وعقد في مدينة شفا عمرو اجتماع حضره 200 من القيادات الفلسطينية، فى6 سبتمبر الماضي صدرت عنه وثيقة جديدة هي بمثابة مسودة الميثاق الوطني الفلسطيني الأرض المحتلة عام 1948، وسوف تعرض المسودة على مؤتمر نوفمبر.
وقد أكد هذا الميثاق الوطني مرة أخرى على انتماء عرب فلسطين المحتلة 1948 إلى الشعب الفلسطيني، وعلى أن مصيرهم يرتبط بمصيره ويقول الميثاق بوضوح: "إن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني الذي يطالب بحق تقرير المصير ويرفض فكرة الحكم الذاتي."
 كما تضمن هذا الميثاق أيضًا النص على ضرورة قيام دولته الفلسطينية المستقلة، وشجب الميثاق سياسة الاستيطان الإسرائيلي واستنكرها بشدة.
 وهذا الموقف يعتبر موقفًا جديدًا ومتجاوزًا لكل المواقف السابقة ليس فقط من حيث محتوى الموقف ولكن أيضًا من حيث اتساع قاعدة من يتبنونه.
 وقد دعت الصحف الإسرائيلية إلى فرض العقوبات على من حضروا لقاء شفا عمرو باعتبارهم يشجعون على الإرهاب والعنف، واعتبرت ما صدر عنهم أمر غير مقبول على الإطلاق، كما طالب الكثيرون برفع الحصانة البرلمانية عن النائب توفيق زياد ومحاكمته بتهمة تأييد منظمة التحرير الفلسطينية.
 وقد انتخب المؤتمر لجنة تحضيرية من 29 شخصًا للإعداد لمؤتمر نوفمبر الذي أعلن الزعماء الفلسطينيون عن إصرارهم على عقده رغم كل الصعوبات والعقبات ورغم التهديد الصهيوني المستمر.
 إن المؤتمر الذي سيعقد في نوفمبر الجاري مهما كانت النتائج التي سيخرج بها المجتمعون فيه إلا أنه يشكل خطوة مهمة تخطوها الحركة الوطنية الفلسطينية ويعطى مجموعة من المؤشرات الإيجابية:-
أولًا: هذا المؤتمر تعبير جديد راقي عن الاندماج بين قطاعات الشعب الفلسطيني المختلفة وعن التلاحم بين هذه القطاعات والتناسق بين حركتها في مواجهة الاستعمار الصهيوني كما يتضح من الوثائق التحضيرية للمؤتمر.
وهذه الوثائق حينما تؤكد بوضوح على هوية فلسطيني الجليل وانتمائهم الوطني، تدفع هذا القطاع الصامد من الشعب الفلسطيني الذي عانى من وطأة الاحتلال لأكثر من ثلاثين عامًا تعرض خلالها لأبشع محاولات الاستئصال وتغييب الوعي الوطني، دفعة جديدة إلى الأمام، وتربطه بنضالات الشعب الفلسطيني في كل مكان، وتدعم انتمائه الوطني، وحسه بهذا الانتماء وإدراكه لأهميته.
ثانيًا: إن تأييد منظمة التحرير الفلسطينية بهذا الوضوح وهذه الصراحة واعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني الذي يعتبر فلسطينيو الجليل أنفسهم جزء لا يتجزء منه، يعنى ضمنا تأييدهم لكل أهداف المنظمة وفى مقدمتها الهدف الإستراتيجي، هدف الحركة الوطنية الفلسطينية، إسقاط دولة إسرائيل وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية على كامل التراب الوطني الفلسطيني من النهر إلى البحر. وهو تأييد لا يمكن التصريح به علنًا في إسرائيل، وتبنى هذا الموقف يعتبر تطورًا مهمًا في النضال الوطني للشعب الفلسطيني في أراضي 48 وتطور حيوي لمستقبل الثورة الفلسطينية.
ثالثًا: إن نفوذ راكاح يتضاءل بصورة مطردة في صفوف الفلسطينين في الأرض المحتلة في 1948 لصالح الحركات الوطنية الفلسطينية الجذرية التي أصبحت ترى في راكاح حزبًا متوطئًا مع الصهيونية. وإن كان هذا لا ينفي وجود عدد من القيادات العربية داخل راكاح على رأس العناصر التي تعد للمؤتمر.
رابعًا: إن المؤتمر يعكس صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي. ورفضه للخنوع أمام الإجراءات الهمجية المتعسفة التي يواجه بها. وعقد هذا المؤتمر رغم كل المحاذير التي تضعها إسرائيل يعكس أيضًا تطورًا في أسلوب الفلسطينين في الأرض المحتلة سنة 1948 في المواجهة والصدام مع السلطة الإسرائيلية.
وفى النهاية فإن هذا المؤتمر هو صفحة مشرقة جديدة تضاف إلى صفحات مشرقة كثيرة في النضال الوطني للشعب الفلسطيني على طريق التحرير الكامل لوطنه.
* لا يمـكن التـحرر من نظـام قمعي من دون عقـلية منـاضـلة.

[i] المصدر: خيرية قاسمية، الصراع العربي الإسرائيلي في خرائط، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1979 ص79
[ii] الاستشهادات منقولة عن كتاب: على الدين هلال، السيد ياسين الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة جـ1، ص364و ص473.
[iii] حول تفاصيل الخطة انظر: خيرية قاسمية، المرجع السابق ص82،ص83.
[iv] المرجع السابق، ص101،ص196؛ وجريدة الأخبار القاهرية، 21/10/1980
[v] الرقم نقلا عن الكريستيان سانيس مونيتور 23/ 4/ 1979.
[vi] خيرية قاسمية، المرجع السابق ص196
[vii] على الدين هلال...، المرجع السابق ص172 جـ2 الأرقام تعدد أواخر الستينات.
[viii] مصدر الأرقام:خيرية قاسمية، المرجع السابق ص100
[ix] المصدر: على الدين هلال...المرجع السابق ص180 جـ2.
[x] الدستور الأردنية 18/2/ 1979 ص7
 [xi] الكتاب الأسود عن يوم الأرض ص10، نقلا عن شئون فلسطين إبريل 1977 ص56
[xii] يوسف جبرئيل، الجيروسالم بوست، نقلا عن الدستور الأردنية 11/ 7/1979 ص8
[xiii] الدستور الأردنية 15/2/1979 ص7و13/7/1979 ص4
[xiv] المصدران السابقان
[xv] الدستور الأردنية 4/8/1980 ص1.
[xvi] تعتمد المعلومات الواردة في هذا المقال عن حركة ابن البلد والحركة الوطنية التقدمية على سلسلة من التحقيقات، نشرت في الدستور الأردنية في عام 1979 وعلى بعض الأخبار المتفرقة في الدستور الأردنية والقبس الكويتية والأهرام والأخبار القاهريتين نشرت خلال عامي 79و 80 ومعظم هذه التحقيقات والأخبار عن الصحافة الصهيونية
[xvii] الدستور الأردنية 28/7/1980 ص14.
 

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . مقال رائع وممتاز يا أستاذي كعهدك دائماً ربنا يكرمك كما تهدى الناس بعلمك وثقافتك وكل سنة وحضرتك طيب وبخير

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...