الجمعة، 20 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور

خاتمة

الدستور الذي نريده... الدستور الذي نستحقه...

عماد أبو غازي
 أذكر أنه في سبتمبر 2013 طلبت جريدة الأخبار مني أن أكتب فقرة عن رؤيتي للدستور الذي نريده، فكانت هذه الكلمات:
 "ماذا نريد من الدستور الجديد ؟
 رغم أن أول دستور مصري صدر في عهد الخديوي إسماعيل في سبعينيات القرن التاسع عشر إلا أن النضال الدستوري في مصر أقدم من ذلك بكثير، ففي عام 1795 ثار المصريون من أجل تقييد سلطات مراد بك وإبراهيم بك كبيرا المماليك في ذلك الوقت، ونجحوا في إرغامهما على التوقيع على حجة شرعية تحد من قراراتهما بفرض الضرائب ومصادرة الحقوق دون الرجوع الى ممثلي الشعب، وعندما ثار المصريون مرة أخرى بعدها بعشر سنوات وفرضوا على السلطان العثماني تعيين محمد علي باشا حاكمًا على ولاية مصر وضعوا شروطًا ألزموا بها محمد علي في إدارته للبلاد، ورغم خرق محمد علي لتلك الشروط، إلا أن هذه كانت البداية الأولى للنضال الدستوري في مصر.
 وطوال أكثر من قرنين من الزمان تواصل نضال الشعب المصري من أجل دستور يصون الحريات ويضمن حق نواب الشعب في مراقبة الحكومة.
 ما الذي نريده في دستورها الجديد؟
 نريد دستورًا يضمن احترام حقوق المواطنة لكل المصريين، نريد دستورًا يصون الحريات السياسية والشخصية ويحمي حريات الفكر والاعتقاد والتعبير، وحرية الإبداع والبحث العلمي والحريات الأكاديمية، ويحترم حقوق الإنسان وفقًا لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي شاركت مصر في صياغته قبل أكثر من ستين عامًا، نريد دستورًا يقوم على الفصل بين السلطات ويضمن استقلال حقيقي للقضاء، نريد دستورًا أساسه المساواة التامة بين جميع المواطنين، نريد دستورًا يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ويحمي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين، نريد دستورًا لا يسمح للسلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية بسلب الحقوق الدستورية بتعليقها على تشريع قانوني.
ضمان الحريات شرط أساسي لتطور هذا المجتمع وليس رفاهية للنخبة، والدستور ينبغي أن يعبر عن توافق مجتمعي وليس عن رؤية الأغلبية البرلمانية ورأيها."
 كان الرئيس عدلي منصور قد أصدر قرارًا بتشكيل لجنة الخبراء لدراسة تعديل دستور 2012 المعطل في 20 يوليو 2013، وبدأت اللجنة عملها فورًا، وانتهت منه بعد قرابة شهر، وفي الأول من سبتمبر صدر قرار جمهوري بتشكيل لجنة الخمسين المكلفة بصياغة تعديلات الدستور، وضمت اللجنة ممثلين للأحزاب والقوى السياسية والنقابات والاتحادات والمؤسسات الدينية والقوات المسلحة والشرطة، ومختلف فئات المجتمع، وشارك فيها من تيارات الإسلام السياسي ممثل لحزب النور وعضو سابق بجماعة الإخوان المسلمين، ولم يشارك فيها بالطبع أي ممثلين لجماعة الإخوان وحزبها والأحزاب المتحالفة معها، وترأس أعمال اللجنة السيد عمرو موسى.


 وبدأ عمل لجنة الخمسين لتعديل الدستور بعد أسبوع من تشكيلها، ونظمت جلسات استماع لمختلف فئات المجتمع، وفي الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر نظمت جريدة التحرير ندوة بمركز إعداد القادة لمناقشة مسودة الدستور، وقد شاركت في أعمال الندوة بإدارة الجلسة المخصصة لمناقشة باب الحقوق والحريات.


 وهذه بعض مقطتفات من التقرير الذي قدمته عن أعمال الجلسة التي أدرتها في الندوة، وتم إرساله مع باقي أعمال الندوة إلى لجنة الخمسين:
"تقرير عن أعمال ورشة باب الحقوق والحريات"
  "شارك في الجلسة قرابة ثلاثين يمثلون فئات مختلفة من المجتمع ما بين أكاديميين، ومبدعين، وإعلاميين، وممثلين لمنظمات مجتمع مدني مختلفة معنية بحقوق الأقليات وحقوق المعاقين، وسياسيين، نساء ورجال، كما شارك في أعمال الورشة اثنان من أعضاء لجنة الخمسين.
 قدم كل من الدكتور حنا جريس والدكتور وحيد عبد المجيد ورقة بحثية تشتبك مع باب الحقوق والحريات في المسودة المقدمة من لجنة العشرة، ودارات مناقشة موسعة استمرت قرابة ثلاث ساعات، شارك فيها أكثر من عشرين من الحاضرين، وفيما يلي الورقة المقترحة وهي مزج بين الورقتين المقدمتين في الورشة وحصيلة النقاش.
.........
الحقوق والحريات في التعديل الدستوري 2013
 الهدف الأصيل للدستور هو التعبير الواضح عن العقد الاجتماعي بين أطياف الشعب وبعضها البعض، هذا العقد الذي يحدد بوضوح حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم الشخصية والسياسية والاجتماعية، ويحدد من ناحية أخرى طبيعة الدولة التي يرتضيها الشعب، كما يحدد السلطات الممنوحة لهذه الدولة لتحقيق أهداف العقد الاجتماعي، ويضع الحدود علىها  حتى لا تتغول بالسلطة الممنوحة لها على حريات الأفراد والجماعات، ومن ثم فالدستور يسجل ما اتفق عليه الشعب من إطار مرجعي للعلاقات القانونية بين أفراده، والعلاقة بينهم والدولة؛ من يحكم وكيف يحكم.
.........
 فإن أردنا تلخيصًا لمسار الحركة الدستورية في مصر سنكتشف الحضور الطاغي للحكم والدولة في عملية إنتاج الدستور وكتابته، فمنذ العام 1866 نلحظ أن هذه الطريقة الثابتة في انتاج الدستور، وتتلخص في أن تتختار الدولة الطبقة الاجتماعية التي تستند عليها ثم تشكل بها ورموزها الكيان الرسمي لإنتاج الدستور، هكذا تم اختيار لجنة الثلاثين لوضع دستور 1923، وهكذا قدمت الدولة دستور 1930، وهكذا تم تقديم دساتير 1956،  1964، 1971.
 وفي كل هذه الدساتير  سجل المشرع الدستوري العديد من المواد التي تتعلق بالحقوق والحريات، لكنه أضاف في الوقت نفسه ما يجعل من الدولة الوصي المسيطر على الإطار الحاكم لها، ومن ثم تضخمت التعريفات الخاصة بالمجتمع وطبيعته الثقافية والأخلاقية في الباب الأول للدستور، ومن ثم شكل هذا الباب "المقومات الأساسية للدولة والمجتمع" المدخل الأساسي للدولة وللقوى المحافظة الدينية في المجتمع للعصف بالكثير من الحقوق مثل: حق التظاهر، والاضراب عن العمل، وممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، وغيرها، وأيضا العصف بالكثير من الحريات مثل حرية الإبداع والتعبير والنشر وغيرها، رغم إقرارها بشكل واضح لا لبس فيه في كافة الدساتير .
 وقد أدرك التيار اليميني الديني المحافظ هذه الحقيقة فعمل على الاستفادة منها  في تأسيس تصورهم عن الدولة في دستور 2012 المعطل، فقد أضافوا  فقرة أخيرة للمادة 81 وهي الأخيرة في باب الحقوق والحريات جا نصها كالتالي:
"تمارس هذه الحقوق والحريات بما لا يتعارض مع المبادئ الواردة في باب المجتمع والدولة بهذا الدستور"
مسودة الدستور الحالية
واضح مما عرضناه سابقًا أن بنية الدستور وفلسفته لم تتغير منذ دستور 1956، وإنه يجعل من الدولة/السلطة المحدد الأساسي لهوية المجتمع وبنيته الأخلاقية، ويحدد أيضًا دور الدولة في الرعاية الاجتماعية للمواطنين والتي يصاحبها الوصاية الأخلاقية عليهم.
 وعندما سنحت الفرصة للتيار الإسلامي لكتابة دستورًا جديدًا (دستور 2012)، لم يغيروا شيئًا في فلسفة أخر طبعات دساتير يوليو، دستور 1971، فهذه الفلسفة في الحقيقة تناسب العقلية المحافظة الدينية ومن ثم لم يغيروا شيئًا في بنية الدستور فيما يتعلق بالحقوق والحريات، وإنما أضافوا إليه ما يعزز الوصاية الأخلاقية والدينية على المجتمع.
 ومسودة لجنة الخبراء التي يناقشها الآن أعضاء لجنة الخمسين تشير إلى أن اللجنة قد أزالت كل أضافة التيار الإسلامي من فقرات ومواد تحاصر الحقوق والحريات بأكثر مما هي عليه في الدساتير السابقة.
 واللجنة بهذه التعديلات قد أعادت الدستور لوضع كبير الشبه بدستور 1971، فقد أبقت على باب مقومات الدولة والمجتمع، وإن قسمته إلى بابين هما باب الدولة، وباب مقومات الأساسية للمجتمع؛ وفي هذا الباب ابقت في فصله الأول على عنوان استحدثه دستور 2012  (المقومات الاجتماعية والأخلاقية)، وأخيرًا فإن المسودة تضع في ديباجة الدستور الاحتفاء بحقوق المواطنين وحرياتهم في مكانة متقدمة.
غير أن المسودة الحالية تعاني من عدة مشاكل فيما يتعلق بحماية الحقوق والحريات نسردها على النحو التالي:
أولًا: الاستمرار في وضع الحقوق والحريات رهينة لما يقرره المشرع الدستوري لماهية المجتمع وأخلاقه وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على حقوق الناس وحرياتهم.
 فعلى سبيل المثال فإن حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية طبقًا للمادة 47 تطرح سؤالين عن تحديد حرية الممارسة بـ"الأديان السماوية" وعن طبيعة القانون الذي سينظم أو يحجب هذا الحق في ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة في ظل المواد 2،4،219 إذا تم إقراراها.
ثانيًا: أن الكثير من الحقوق والحريات الواردة في الدستور يحال تنظيمًا إلى القانون، وليس هناك ما يحصن هذه الحقوق والحريات من الانتقاص منها في القانون أو في الممارسة العملية كما أن المادة 68 التي تنص على أن:-
"الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا ولا يجوز لأي قانون ينظم الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها."
 لا تحدد ما هي الحقوق والحريات "اللصيقة" بشخص المواطن، ربما علينا أن نعيد صياغتها لتكون أكثر تحديدًا على النحو التالي:-
"الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور لصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا ولا يجوز لأي قانون ينظم الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها."
ثالثًا: لم يشر المشرع الدستوري إلى المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي وقعت عليها مصر وصادقت على العديد منها باعتبارها ملزمة للمشرع المصري حال إصداره القوانين التي تنظم هذه الحقوق أو تتقاطع معها، خاصة تلك المتعلقة بحقوق النساء والأطفال والأقليات، وحقوق التظاهر والإضراب، وأيضًا ما يتعلق بمناهضة التمييز والتعذيب، وهي قضايا كنا ولا زلنا نعاني منها في ظل دساتير لا تختلف عن مسودة الدستور التي بين أيدينا.
 أخيرًا فإن حماية الحقوق والحريات لن تتم في نصوص دستورية أو قانونية طالما نفتقد الإرادة المجتمعية في الدفاع عنها، وهو ما بدأ ينتشر في طبقات المجتمع كافة على مدى السنوات السابقة لكنه لم يصل إلى المدى الذي يمكنه من فرض فلسفة جديدة للدستور تقوم بالأساس على الحقوق والحريات وعلى أن الدولة في خدمة الشعب، وأنها ليست وصي عليه أو على أخلاقه.
تصور لتعديل الباب الثالث: الحقوق والحريات والواجبات العامة
 يتضمن الباب الثالث وفقا للتعديلات التي أجرتها لجنة الخبراء 32 مادة (من المادة 37 إلى المادة 68) بعد أن قامت اللجنة بنقل بعض المواد التي كانت موجودة فيه إلى الباب الثاني، خاصة فصله الأول المتعلق بالمقومات الاجتماعية والأخلاقية.
 ومن بين هذه المواد عشر لا تحتاج إلى تعديل (المواد 38 و41 و42 و43 و و57 و58 و59 و61 و63 و66) ومنها ست مواد تحتاج إلى تعديلات طفيفة (المواد 37 و39 و40 و44 و46 و49). أما باقى المواد فهى تحتاج إلى تعديلات أساسية.
..........
  كما ينقص هذا الباب 4 مواد بالغة الأهمية تتعلق اثنان منها بحرية الصحافة والإعلام، وتختص الأخريان بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
كذلك أوصت الورشة بمراجعة المواد الواردة في الأبواب الأخرى والتي تتعارض مع مواد باب الحقوق والحريات أو تلك التي تضع قيدًا عليها يفرغها من محتواها، كذلك ضرورة النص في الدستور على التزام مصر بالمواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية الموقعة عليها واعتبارها جزءًا من التشريع المصري."
 في النهاية أخذت لجنة الخمسين ببعض هذه المقترحات ولم تأخذ ببعضها الآخر، وأنهت اللجنة عملها قرب نهاية ديسمبر 2013، لتتم دعوة الناخبين لإبداء رأيهم في الدستور الجديد يومي 14 و15 يناير  2014، وشارك في الاستفتاء أكثر من 20 مليون ناخب، بلغ عدد الموافقين منهم على مشروع الدستور 19 مليوناً و985 ألفاً و389 صوتاً، بنسبة فاقت 98%، فيما رفضه 381 ألفاً و341 ناخباً بنسبة 1.9%، أما عدد الأصوات الباطلة فبلغ 246 ألفاً و947 صوتاً.


 جاء الدستور الذي أصدره الرئيس عدلي منصور في 18 يناير 2014 في 249 مادة، واعتبر قرار الإصدار أن الدستور تعديلًا لدستور 2012 وليس دستورًا جديدًا، رغم أن ديباجة الدستور التي تم النص على أنها جزء من الدستور، ونصت على أن هذا دستور الثورة، كما جاءت مختلفة تمامًا عن ديباجة دستور 2012، فضلًا عن أن هناك تعديلات جوهرية في النص الجديد.
 وأدخلت لجنة الخمسين تعديلًا على خارطة الطريق التي حددها إعلان يوليو 2013 الدستوري؛ والتي نصت على انتخاب البرلمان أولًا ثم انتخاب رئيس الجمهورية، حيث تركت المادة 230 من الدستور والتي أتت ضمن الأحكام الانتقالية للرئيس المؤقت تحديد البدء بانتخابات الرئاسة أو انتخابات مجلس النواب وفقًا لما يقدره.
 وضع الدستور شكلًا لنظام الحكم يجمع بين خصائص النظام الرئاسي والنظام البرلماني، ووضع نصوص عديدة لحماية الحقوق والحريات، لكنه أيضًا تضمن بعض النصوص التي أثارت انتقادات عديدة، أبرزها المادة التي سمحت بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، والتي دفعت بعض النشطاء لتنظيم وقفة احتجاجية ضد هذه المادة أمام مقر لجنة الشورى التي كانت تنعقد فيها جلسات لجنة الخمسين، وما زال بعضهم يقضي عقوبة السجن إلى الآن، وأصبحت هذه المادة قائمة في الدستور، وتعد تراجعًا عما كان عليه الحال في دستور 71 الذي نص على محاكمة المواطن أمام قاضية الطبيعي.


 كذلك تضمن الدستور وضعًا دستوريًا خاصًا للأزهر نصت عليه المادة السابعة، أول مواد فصل المقومات الاجتماعية، كان هذا الوضع قد بدأ مع دستور 2012 الإخواني، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ مدنية الدولة.
 وقد أولى دستور ٢٠١٤ اهتمامًا غير مسبوق في الدساتير المصرية بقضايا الثقافة حيث تضمن الباب الثاني الذي يحمل عنوان "المقومات الاساسية للمجتمع" فصلًا عن المقومات الثقافية يتكون من أربع مواد إلى جانب عدة مواد في باب الحقوق والحريات والواجبات العامة.
 وتركز المواد ذات الصلة بالثقافة في الدستور على التزام الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية، وأكد النص على تنوع الروافد الحضارية للهوية المصرية، الأمر الذي أشارت له مواضع أخرى في الدستور رسخت مبدأ الاعتراف بالتنوع الثقافي في المجتمع المصري، كما أكد على التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها كذلك حماية الرصيد الثقافي المعاصر بتنوعاته المختلفة، ويعد هذا تطورًا مهمًا ولافتًا في صياغة الدساتير المصرية منذ الخمسينيات.
 كما ألزم الدستور الدولة بدعم الثقافة، حيث نصت المادة ٤٨ من الدستور على أن "الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي أو غير ذلك، وتولي اهتمامًا خاصًا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجًا."
 وفي باب الحريات أكدت مواد الدستور على أن حرية الاعتقاد مطلقة، وعلى كفالة حرية الفكر والرأي والتعبير وحرية البحث العلمي، وإذا كان الدستور نص في مادته السابعة والستين على أن حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب وبرعاية المبدعين وحماية إبداعهم، وتوفير وسائل التشجيع لهم، إلا أن نفس المادة فتحت بابًا خطيرًا لمصادرة الإبداع، حيث نصت المادة في وسطها على أنه "لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة"، ورغم أن الدافع وراء هذه الصياغة إغلاق الباب أمام دعاوى الحسبة، إلا أن واقع الحال أنها أقرت مصادرة الأعمال الإبداعية ودسترت هذه المصادرة وهذا تراجع خطير في مجال حرية الإبداع. 
ومن النصوص الإيجابية في الدستور فيما يتعلق بالمجال الثقافي والمعرفي المادة ٦٨ المتعلقة بحق الشعب في الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والتي أكدت على دور دار الوثائق القومية في حفظ وثائق الدولة وإتاحتها، كما نصت المادة ٦٩ على إلتزام الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية بشتى أنواعها. 
 إن مواد الدستور المتعلقة بالثقافة في مجملها تلزم الدولة بسياسة ثقافية تسهم في تحقيق ديمقراطية الثقافة باستثناء الجزء المعيب من المادة ٦٧، وبمعنى ما تعد هذه المواد أساسًا من أسس السياسة الثقافية للدولة في المرحلة القادمة.
 في النهاية أتى الدستور ليعكس التوازن السياسي القائم، وليعبر عن حدود قدرة القوى الديمقراطية في المجتمع على الحصول على ما ناضل من أجله المصريون لسنوات طويلة.


***
 الآن أصبح لدينا دستورًا به كثير من الإيجابيات وقليل من السلبيات، لكن ما يمكن أن نتعلمه من خبرة أكثر من قرنين من سعي أهل مصر نحو الحصول على دستور، أن النصوص وحدها لا تكفي لتحقيق الآمال، فكم من نصوص الدساتير الرائعة أهدرها الحكام واخترقوها، وعي الشعب وحده قادرًا على صيانة احترام نصوص الدستور والالتزام بها.

*****
***

*

الخميس، 19 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور (30)

الطريق إلى اسقاط دستور الإخوان

عماد أبو غازي


 أصبح الدستور الجديد ساريًا اعتبارًا من يوم 25 ديسمبر 2012، وبدى للرئيس أنه وجماعته قد نجحوا في الوصول إلى مبتغاهم، وبعد أيام قليلة من إقرار الدستور قرر الرئيس إعفاء وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، حيث رأت الرئاسة أنه لم يكن متعاونًا بالقدر الكافي في أثناء إعتصام الاتحادية، فبعد أحداث ذكرى محمد محمود في نوفمبر 2012 لم تتدخل قوات الأمن تقريبًا في مواجهة الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات، وكان تدخل بعض القوات في أحداث الاتحادية يوم 5 ديسمبر محدودًا للغاية، ومن تم التعامل مع وزير الداخلية باعتباره "متواطأ" مع جبهة الإنقاذ وقوى المعارضة، وبمجرد أن حل اللواء محمد إبراهيم وزيرًا للداخلية عادت قوات الأمن للتدخل في مواجهة الاحتجاجات.


 وفي الوقت الذي استمرت فيه جبهة الإنقاذ في ممارسة نشاطها وفي التنسيق بين أطرافها في المواقف السياسية من النظام، استمرت الاحتجاجات في الشارع حتى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، حيث شهد ذلك اليوم مظاهرات ضخمة، واشتباكات بين المتظاهرين وأنصار جماعة الإخوان في أكثر من موقع.





 لكن التظاهرات الكبرى بدأت في الهدوء قليلًا اعتبارًا من فبراير 2013، لتعود مرة أخرى للتصاعد في الأحداث الدامية بمحيط مكتب الإرشاد بالمقطم في جمعة رد الكرامة يوم 22 مارس 2013، ولتأخذ الأحداث اتجاهًا يغلب عليه العنف.



 وفي بداية مايو 2013 ظهرت حركة تمرد بدعوتها لحملة جمع توقيعات واسعة من أجل انتخابات رئاسية مبكرة، وحددت يوم 30 يونيو 2013 يومًا للتظاهر من أجل إنهاء حكم الإخوان، وفي نفس الوقت أجرى الرئيس محمد مرسي تعديلًا على حكومة الدكتور هشام قنديل رفع فيه نسبة تمثيل الوزراء المنتمين إلى الإخوان المسلمين فيما بدى أنه أتجاه واضح للسيطرة على مفاصل الدولة، في وقت كان من الواضح للمتابع أن مرحلة ما بعد إقرار الدستور قد شهدت تعميق الانقسام داخل المجتمع المصري وداخل مؤسسات الدولة ذاتها، فلم تعد المعارضة قاصرة على أحزاب جبهة الإنقاذ والحركات الثورية، بل أصبحت هناك حالة من العداء بين الرئاسة ومن ورائها جماعة الإخوان وحلفائها من ناحية، ومؤسسات القضاء والإعلام والثقافة، كما أن قوى النظام القديم دخلت إلى المواجهة بقوة، كذلك لم يعد ما يعرف بحزب "الكنبة" حزبًا للكنبة فقد دفعت تصرفات الرئاسة منذ إعلان نوفمبر الدستوري بعشرات الآلاف ممن لم يشاركوا من قبل في التظاهر إلى النزول إلى الشوارع.


 كانت أزمة الدستور المفجر الأساسي للمشكلة، أزمة الدستور التي أصبحت لدى طرفي الصراع أزمة هوية، فتيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان تعتبر أن الدستور لابد أن يعبر عن الهوية الدينية للدولة، وفي المقابل يرى معارضوهم أن دستور الإخوان وممارستهم تهدد الهوية الوطنية للدولة.
كان السؤال الرئيسي بعد عام من حكم محمد مرسى وجماعته كما طُرح عليّ في حوار صحفي يوم 23 يونيو 2013 مع خمسة أسئلة أخرى.
 هل اقتربنا من تحقيق شعارات ثورة 25 يناير2011 (عيش ـ حرية ـ عدالةاجتماعية ـ كرامة انسانية)، أم بعدنا عنها؟
 وكانت الإجابات:
 "اعتقد أننا ابتعدنا عنها كثيرًا، نحن نسير في اتجاه نظام قمعي ينتهك الحريات وحقوق الإنسان ويخرق القانون ويسعي بقوة من خلال مجلس الشوري الذي لم يشارك في انتخابه سوي ٧٪ من الناخبين، ولم يكن مخولا بالتشريع إلى التعجيل بإصدار قوانين مقيدة للحريات، قوانين تمكن للنظام من السيطرة علي سلطات الدولة، أما الكرامة الإنسانية فتنتهك كل يوم علي أيدي أجهزة الدولة القمعية ومليشيات الإخوان، ولم نتقدم خطوة واحدة في اتجاه العدالة الاجتماعية بل تراجعنا خطوات."
 أما باقي الأسئلة الخمسة، فكانت:
 "السؤال الأول: هل صحيح أن السياسات الاقنصادية المتبعة هي نفس سياسات الحزب الوطني السابق ولكن بغطاء ديني وهو ما كشفت عنه الموازنة والانحياز الاجتماعي وقانون الضرائب والصكوك أم أن  هناك تغير في هذه السياسات يؤدي إلى التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية؟
 الإجابة: التغير للأسوأ فنجن أمام نظام رأسمالي مستغل غير كفء.
السؤال الثاني: الممارسات السياسية  والدستورية والقانونية التي أقدم عليها الدكتور مرسي؛ كإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، والجمعية التأسيسية، والصدام مع السلطة القضائية، هل يقربنا من الديمقراطية وضمان الحريات العامة والخاصة ومبادئ حقوق الإنسان، أم العكس هو الصحيح؟
الإجابة: المسار السياسي للنظام طوال عام كامل ضد الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والفصل ما بين السلطات، مع ملاحظة أن موضوع الإعلان المكمل يختلف في بعض جوانبه عن باقي الإجراءات فالإعلان المكمل نفسه معيب، حاول به المجلس الأعلى تصحيح الأخطاء التي بدأت باستفتاء مارس 2011، لكنه تصحيح جاء متأخرًا وبأسلوب غير مناسب.
السؤال الرابع: ما هى مسئولية الرئيس مرسى وجماعته فى تقسيم المجتمع المصرى، أم أن هذا الانقسام طبيعي في ظل المرحلة الانتقالية عقب الثورات؟
 الإجابة: ما يحدث انقسام لا علاقة له بطبيعة مرحلة إنتقالية، إنه شق لوحدة المجتمع تمارسه الجماعة منذ تأسيسها.
السؤال الخامس: ما مسئولية الدكتور مرسي وجماعة الإخوان في أزمة مياة النيل وبناء سد النهضة الإثيوبي؟
 الإجابة: المسئولية تقع بشكل أساسي علي النظام السابق، لكن النظام الحالي لم يستفد من جهود وفد الدبلوماسية الشعبية الذي زار إثيوبيا ودول المنابع عقب الثورة، ولا بجهود حكومة عصام شرف، فقد تم وقتها الاتفاق على وقف المشروع لمدة عامين لحين استقرار الوضع في البلاد، ولم يهتم النظام الجديد بالسعي لحل الأزمة طوال العام الماضي."


 كان هذا الطريق إلى 30 يونيو 2013، ويبدو أن الرئيس وجماعته لم يقدروا حجم الرفض المتزايد لهم ولسياساتهم، وظنوا أنهم باستباق يوم 30 يونيو باحتلال ميدان النهضة ومنطقة رابعة منذ يوم الجمعة 28 يونيو سوف يتمكنوا من وقف مسيرة الأحداث، كما لم يقدروا حجم ما حدث في 30 يونيو، فألقى مرسي خطاب الشرعية الشهير مساء 2 يوليو 2013.

 وفي اليوم التالي جاء إعلان 3 يوليو الذي أعلنه الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع في حضور القادة الدينيين ورئيس المحكمة الدستورية العليا وقادة جبهة الإنقاذ وممثل حزب النور وبعض الشخصيات العامة، ونصه:
 "بسم الله الرحمن الرحيم ... شعب مصر العظيم"، إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التى استدعت دورها الوطنى، وليس دورها السياسي على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي. ولقد استشعرت القوات المسلحة - انطلاقًا من رؤيتها الثاقبة - أن الشعب الذى يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته.. وتلك هى الرسالة التى تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسى آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسؤولية والأمانة. لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودا مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلى وإجراء مصالحة وطنية بين كل القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ شهر نوفمبر (تشرين الثانى) 2012.. بدأت بالدعوة لحوار وطنى استجابت له كل القوى السياسية الوطنية وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة فى اللحظات الأخيرة.. ثم تتابعت وتوالت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت وحتى تاريخه. كما تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجى على المستوى الداخلى والخارجى تضمن أهم التحديات والمخاطر التى تواجه الوطن على المستوى الأمنى والاقتصادى والسياسى والاجتماعى، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة. فى إطار متابعة الأزمة الحالية اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة رئيس الجمهورية فى قصر القبة يوم 22 / 6 / 2013 حيث عرضت رأى القيادة العامة ورفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، كما أكدت رفضها لترويع وتهديد جموع الشعب المصرى. ولقد كان الأمل معقودا على وفاق وطنى يضع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه، إلا أن خطاب السيد الرئيس ليلة أمس وقبل انتهاء مهلة الـ48 ساعة جاء بما لا يلبى ويتوافق مع مطالب جموع الشعب.. الأمر الذى استوجب من القوات المسلحة استنادا على مسؤوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يقصى أحدا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام وتشتمل هذه الخارطة على الآتى: - تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت. - يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة. - إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد. - لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية. - تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية. - تشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتا. - مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية. - وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن. - اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكا فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة. - تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات. تهيب القوات المسلحة بالشعب المصرى العظيم بكل أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمى وتجنب العنف الذى يؤدى إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء.. وتحذر من أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم ضد أى خروج عن السلمية طبقا للقانون وذلك من منطلق مسؤوليتها الوطنية والتاريخية. كما توجه القوات المسلحة التحية والتقدير لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة والقضاء الشرفاء المخلصين على دورهم الوطنى العظيم وتضحياتهم المستمرة للحفاظ على سلامة وأمن مصر وشعبها العظيم. حفظ الله مصر وشعبها الأبى العظيم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".


 أعقب ذلك صدور إعلان دستوري من الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، في 5 يوليو بحل مجلس الشورى، ثم إعلان دستوري آخر في 9 يوليو 2013 في 33 مادة حدد فيه مسار المرحلة الانتقالية، وقد نصت المادة 28 على أن "تشكل بقرار من رئيس الجمهورية خلال مدة لا تجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ صدور هذا الإعلان لجنة خبراء تضم اثنين من أعضاء المحكمة أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، واثنين من قضاة القضاء العادى، واثنين من قضاة مجلس الدولة، وأربعة من أساتذة القانون الدستورى بالجامعات المصرية، وتختار المجالس العليا للهيئات والجهات القضائية ممثليها، ويختار المجلس الأعلى للجامعات أساتذة القانون الدستورى. وتختص اللجنة باقتراح التعديلات على دستور 2012 المعطل، على أن تنتهى من عملها خلال ثلاثين يوما من تاريخ تشكيلها. ويحدد القرار الصادر بتشكيل اللجنة مكان انعقادها وقواعد تنظيم العمل بها."
 ونصت المادة 29 على أن "تعرض اللجنة المنصوص عليها في المادة السابقة مقترح التعديلات الدستورية على لجنة تضم خمسين عضوا، يمثلون كافة فئات المجتمع وطوائفه وتنوعاته السكانية، وعلى الأخص الأحزاب والمثقفين والعمال والفلاحين وأعضاء النقابات المهنية والاتحادات النوعية والمجالس القومية والأزهر والكنائس المصرية والقوات المسلحة والشرطة والشخصيات العامة، على أن يكون من بينهم عشرة من الشباب والنساء على الأقل، وترشح كل جهة ممثليها، ويرشح مجلس الوزراء الشخصيات العامة. ويتعين أن تنتهى اللجنة من إعداد المشروع النهائى للتعديلات الدستورية خلال ستين يومًا على الأكثر من ورود المقترح إليها، تلتزم خلالها بطرحه على الحوار المجتمعى. ويصدر رئيس الجمهورى القرارات اللازمة لتشكيل اللجنة وتحديد مكان انعقادها، وتحدد اللجنة القواعد المنظمة لعملها والإجراءات الكفيلة بضمان الحوار المجتمعى حول التعديلات."
  ونصت المادة 30 على أن "يعرض رئيس الجمهورية مشروع التعديلات الدستورية على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ وروده إليه، ويعمل بالتعديلات من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليها في الاستفتاء، ويقوم رئيس الجمهورية بالدعوة لانتخاب مجلس النواب خلال خمسة عشر يوما من هذا التاريخ لإجراء الانتخابات خلال مدة لا تقل عن شهر ولا تجاوز شهرين، وخلال أسبوع على الأكثر من أول انعقاد لمجلس النواب تتم الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية. وتتولى اللجنة العليا للانتخابات القائمة في تاريخ بهذا الإعلان الإشراف الكامل على الاستفتاء."
 وقد قرر الإعلان الدستوري مسارًا محددًا؛ يبدأ بصيغة الدستور ةاستفتاء الشعب عليه، ثم إجراء الانتخابات البرلمانية وتعقبها الانتخابات الرئاسية، وبالفعل تشكلت لجنة الخبراء والجمعية التأسيسية، وتمت صياغة الدستور والاستفتاء عليه في يناير 2014.

 فهل حصلنا على الدستور الذي نريده، والذي نستحقه؟

الأربعاء، 18 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور ( 29 )

لماذا رفضنا دستور ديسمبر 2012؟

عماد أبو غازي

 أنهت الجمعية التأسيسية كتابة الدستور في 30 نوفمبر 2012، بعد اجتماع مارثوني استمر لمدة 19 ساعة بدء في 29 نوفمبر، وانتهى في اليوم التالى، أخرجت اللجنة مسودة دستور مكون من 236 مادة، وتم إقرار كل مادة على حدة خلال الاجتماع، وسلم رئيس الجمعية النسخة النهائية لرئيس الجمهورية، وكانت الأشهر الأخيرة في عمل الجمعية التأسيسية قد شهدت إطلاق عدد كبير من المسودات، حتى اختلط الأمر على المتابعين في دوامة النصوص المتعددة المتشابهة.


ودعى رئيس الجمهورية الناخبين إلى التصويت على الدستور في نصف المحافظات يوم 15 ديسمبر وفي نصفها الثاني يوم 22 ديسمبر 2012.


 كما أصدر إعلانًا دستوريًا جديدًا فى 8 ديسمبر بعد أن أطئن إلى إنتهاء الجمعية التأسيسية من عملها، حاول أن يمتص به بعض الغضب الذي تسبب فيه إعلانه السابق، فألغى بهذا الإعلان الدستورى الجديد الإعلان الصادر في نوفمبر 2012 مع الإبقاء على ما ترتب عليه من آثار، وتراجع في الإعلان الجديد عن إعادة التحقيق في جرائم قتل المتظاهرين، وعلقها على ظهور دلائل أو قرائن جديدة، كما حدد فيه الإجراءات التي ستتبع فى حالة عدم موافقة الناخبين على مشروع الدستور، فنص على أن يدعو رئيس الجمهورية، في هذه الحالة، خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة، مكونة من مائة عضو، انتخابًا حرًا مباشرًا، على أن تنجز هذه الجمعية أعمالها خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ انتخابها، وأكد مرة أخرى في إعلان 8 ديسمبر على حصانة الإعلانات الدستورية التي يصدرها من الطعن عليها أمام أية جهة قضائية؛ وعلى أن تنقضى الدعاوى المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم.
 لم يؤد هذا الإعلان الجديد الذي أصدرة الدكتور محمد مرسي إلى تخفيف حدة الاحتقان السياسي، خاصة بعد أن خرج عقب أحداث 5 ديسمبر الدامية أمام قصر الاتحادية متحدثًا باعتباره ممثلًا للجماعة وليس رئيسًا للجمهورية، هذا الحديث الذي دفع أحد أعضاء الهيئة الاستشارية وهو الدكتور سيف عبد الفتاح إلى الانضمام لقائمة المستقيلين احتجاجًا على سياسات الرئيس، وأذكر يومها أننا كنا في مناظرة على الهواء باستوديهات قناة العربية بالقاهرة، وبكى الدكتور سيف على الهواء تأثرًا.


 في تلك الأيام تصاعدت دعاية جبهة الإنقاذ ضد مشروع الدستور، وكان شعار الحملة "لا للدستور"، وقد أصدرت جبهة الإنقاذ والمجموعات القانونية المساندة لها والقوى السياسية المعارضة للدستور، عدة وثائق انتقدت فيها المسودات المتتابعة للدستور، منها الوثيقة، التي حملت عنوان: "قنابل موقوتة فى دستور الإخوان"، وجاء فيها:
 "إن الخلاف مع حكومة الإخوان والرئيس هو خلاف سياسي وليس خلاف ديني.
أولًا  : تحفظاتنا على الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور: 
1- تشكلت الجمعية التأسيسية على قانون مطعون فى دستوريته، وهو القانون الذي أصدره مجلس الشعب المنحل.. والذي وضع معايير غير موضوعية في اختيار أعضاء التأسيسية أدت إلى جمعية أغلب أعضاءها من تيار سياسي واحد.. وهو ما يتعارض مع أن التأسيسية يجب أن تتشكل من كل أطياف المجتمع.
2-انسحاب كل ممثلى القوى السياسية والمثقفين والكنيسة والصحفيين من الجمعية التأسيسية، والذين يصل عددهم 40% من أعضاء الجمعية ولم يبق إلا فصيل الإسلام السياسي.. وبالتالي الجمعية لن تضع دستورًا يعبر عن كل طوائف المجتمع.
3-أعضاء اللجنة المتبقين ليست لديهم القدرة علي كتابة وثيقة دستورية وغلب عليهم طابع وفلسفة الإقصاء وغاب عنهم الكفاءة والتخصص وغلبت عليهم اتجاهاتهم الشخصية والسياسية."

 ثم واصلت الوثيقة انتقاداتها للدستور، فيما يتعلق بسلطات الرئيس، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الاجتماعية، والانحياز ضد المرأة والطفولة، والتعدي على استقلال المحكمة الدستورية العليا، والعوار في مواد الحقوق والحريات، وغياب أي نص يشير إلى مدنية الدولة.
 ومن هذه الوثائق ورقة بعنوان "س وج حول مشروع الدستور الجديد"، تلخص الاعتراضات على مشروع الدستور في ستة عشر سؤالًا وجوابًا، أوردها هنا كاملة لأهميتها:
"س1​ لماذا ترفض مشروع الدستور الجديد؟
 ج​ لأنه دستور إنتقامي يقسم المصريين ويكرس بذور الفرقة والفتنة والصراع بينهم.
 س2​ وكيف يكرس الفرقة والصراع بين المصريين؟ 
 ج لأنه دستور مغالبة لا توافق، صدر من جمعية تأسيسية باطلة تمثل فصيلًا واحدًا يحاول فرض رؤية وثقافة وأسلوب حياة معين على كل المصريين، دستور يهدم دولة القانون ويؤسس لدولة ولاية الفقيه، على نسق النموذج الإيراني، بالإضافة لمخاطر هائلة على حقوق وحريات المصريين، كما أنه يؤسس لحكم استبدادي غير ديمقراطي.
 س 3​ ماذا تعني بهدم دولة القانون والتأسيس لدولة ولاية الفقيه؟
 ج لأن مشروع الدستور، بالمخالفة لإجماع المصريين، عدل المادة (2) بطريقة ملتوية فأضاف تفسيرًا لمبادئ الشريعة فى المادة (219)، ليغيرها إلى أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والمذاهب والمتغيرة بحسب الظروف والزمان والمكان، والتي تشمل أراء فقهية راقية ومتسامحة وأراء فقهية بالغة التعصب ولا تناسب متطلبات العصر؛ ولذلك فإن تعديل المادة (2) لتكون أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والقابلة للتأويل والتبديل هي المصدر الرئيسي للتشريع، في إطار وجوب أخذ رأي الأزهر فيما يتعلق بالشريعة الاسلامية (المادة 4)، يضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه ويهدد الاستقرار القانوني والاجتماعي، وهو ما يتعارض مع مقتضيات دولة الديمقراطية والقانون.
 س 4​ ولماذا نرفض ولاية الفقيه؟
 ج ​لأن النظام السياسي الذي يضع رأي الفقيه فوق الدستور وفوق القانون يهدم مرجعية الدستور والقانون، ويسمح باستغلال السلطة لبعض الفقهاء، كل بحسب رأيه وحسب رغبة السلطان في تبرير أي قرار، ومثل هذا النظام غير ديمقراطي بطبيعته لأن مقتضاه أولًا عدم الاستقرار القانوني والدستوري، لاختلاف أراء الفقهاء والصراع بينهم، وثانيًا وأد المعارضة لأن من يخالف رأي الفقيه سيتهم بالكفر والإلحاد أو على الأقل الخيانة، فكيف يكون مثل هذا النظام ديمقراطي؟
 س 5​ ولكن الفقيه هنا هو هيئة كبار علماء الأزهر وهم محل ثقة واحترام من جميع المصريين.
 ج أكيد؛ ولكن من يضمن استمرارهم، فبمجرد إقرار الدستور، تصبح هذه الهيئة مركز قوة تسعى الأحزاب والسلطان للسيطرة عليها، وخسارة كبيرة أن يفقد الأزهر مكانته ودوره الفريد كجامعة ومنارة للمعارف والعلوم والحضارة الإسلامية منذ أكثر من ألف عام، ويصبح فى قلب حلبة الصراع السياسي.
وتذكر أن الفقه الإسلامي يتضمن أراء بالغة التشدد والتعصب، كما يتضمن أراء بالغة الرقي والتسامح، ولا يوجد أي ضمان للاستقرار الاجتماعي والقانوني إلا بسيادة القانون على الجميع واستقلال القضاء، والاكتفاء بمبادئ الشريعة باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع والذي طبقته المحكمة الدستورية العليا مما يقرب من أربعين عامًا فحافظت على تطبيق الشريعة من خلال اجتهاد أولي الأمر، ووضعت سياجًا أمام أي مخالفة لقواعدها الآمرة.
 س 6​ وما هي المخاطر على حقوق وحريات المواطن؟
 ج هناك نوعًا من المخاطر مصدرها نصوص بعض المواد التي تغيرت أثناء التصويت بالرغم من ثباتها في كافة المسودات، وأولها على سبيل المثال المادة (33) في شأن مبدأ المساواة أمام القانون وعدم التمييز بين المواطنين، فقد تم حذف النص على "عدم التمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"، بالمخالفة للنص المستقر منذ دستور 1923 والمنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ساهمت مصر في صياغته في عام 1948؛  وهذا يفتح أبواب الجحيم لأنه يسمح بإصدار تشريعات تفرق بين المواطنين بدعوى اختلاف المراكز القانونية، استنادًا لأراء فقهية متشددة وخاطئة؛ على سبيل المثال لتقييد الحقوق أو لمنع بعض الوظائف أو المزايا بالنسبة للمرأة أو المواطنين المسيحيين أو النوبيين أو غيرهم.
 والثانية المادة (76) والتي سمحت، بالمخالفة لكافة دساتير العالم، بأن تكون هناك جريمة وعقوبة بنص دستوري؛ والأصل أن تكون الجريمة والعقوبة بنص في قانون العقوبات الذي يصدره البرلمان دون مخالفة الدستور،  وهذا النص الغريب فخ ولغم لا يمكن تفسيره إلا أنه يسعى لتمكين القاضي من الحكم بوقوع جريمة والعقاب عليها بموجب النص في الدستور على أحكام الشريعة دون الحاجة للنص عليها في قانون العقوبات، مثل الحكم بالجلد أو الرجم دون نص في القانون، ودون ضمان استيفاء شروط تطبيق الحدود،  وهذا خطر داهم على المواطن المصرى واستقراره وأمانه، خاصة أن النص في قانون العقوبات الذي يطبقه القاضي خاضع لرقابة القضاء الدستوري، أما نص المادة (76) من الدستور فلا يخضع عادة للرقابة القضائية، ويزداد الخطر بسبب العصف باستقلال المحكمة الدستورية العليا في الدستور والتي تقوم بحماية المواطن في مثل هذه الحالات.
 ومثال ثالث هو المادة (51) التي حذفوا منها النص على حظر إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني أو جغرافي، وحظر إنشاء أحزاب أو جمعيات يكون نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكري أو ـ كما طالب المجتمع المدني ـ استنادًا لأي مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الواردة في الدستور، وأيضا المادة (52) التى سمحت بحل النقابات والتعاونيات بحكم قضائي.
 س 7​ وما النوع الثاني من المخاطر؟
 ج النوع الثاني مصدره نص المادة (81) الذي يشترط لممارسة الحقوق والحريات الواردة في الدستور عدم مخالفتها لمقومات الدولة والمجتمع الواردة في الباب الأول منه؛ ومقتضى ذلك فتح الباب لتقييد حق المواطن وحريته، خاصة حرية الإبداع وحرية التعبير وحرية العقيدة والحرية الشخصية وحقوق المرأة وحرية التظاهر السلمي، استنادًا لأراء فقهية متشددة،  ونص المادة (81) ينسف مرجعية الدستور الذي يهدف أساسًا لحماية الحقوق والحريات للمواطن من تعسف السلطة الحاكمة، ويأتى بمرجعية أعلى منه وهي رأي الفقيه المتغير والمتبدل والذي يمكن استغلاله من الحاكم لتحقيق مصالحه حسب ما يعلمنا التاريخ.
 س 8 ​ولماذا تقول أن مشروع الدستور إنتقامي؟
 ج ​لإنه تضمن نصوصًا استثنائية تعصف بالمحكمة الدستورية العليا، انتقامًا من قيامها بأداء رسالتها بالحكم بعدم دستورية قانون الانتخابات لمخالفته مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، متصورين أن ذلك تدخلًا سياسيًا، في حين أن المحكمة أصدرت نفس الحكم مرتين ضد الرئيس السابق، ولم يتهمها أحد بذلك،  وقد تضمنت المادة (176) تحديد عدد قضاتها برئيس وعشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية وفقًا للقانون دون النص على اشتراط موافقة الجمعية العمومية للمحكمة، مما يهدر استقلال المحكمة، كما نصت المادة (233) على استمرار رئيسها وأقدم عشرة أعضاء وعزل الباقين (8 أعضاء) وعودتهم لوظائفهم، وهو اعتداء على حصانة القضاه ومذبحة تهدر مبادئ الشرعية وتعصف باستقلال القضاء وبالدستور الذي أقسم رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان على احترامه.
بالإضافة لذلك، فقد رفضت الجمعية التأسيسية كل اقتراحات نقابة الصحفيين تقريبًا مثل حظر الحبس في جرائم الرأي، والاكتفاء بالعقوبات المدنية، وحظر المصادرة أو الايقاف أو التعطيل حتى بحكم قضائي، وكذلك النص على استقلال الصحف ووسائل الاعلام المملوكة للشعب عن السلطة التنفيذية والحزب الحاكم،  كما أوردت في مشروع الدستور نصوصًا مطاطة تسمح بتقييد حرية الصحافة والاعلام وذلك انتقامًا من الإعلام لدوره في كشف الأخطاء وفضح الأكاذيب.
 س 9​ ولماذا تقول أن مشروع الدستور يؤسس لحكم استبدادي؟
 ج ​لأن رئيس الجمهورية احتفظ بكل سلطات الرئيس السابق في دستور 1971 وزاد عليهم سلطة تعيين رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، التي تراقب عليه،  ولا يرد على ذلك أن مشروع الدستور اشترط موافقة مجلس الشورى على ذلك التعيين، أولًا لأن مجلس الشورى فى العادة يسيطر عليه حزب الأغلبية، وثانيًا لأن مشروع الدستور لم يشترط أغلبية خاصة للموافقة على المعينين، والأغلبية العادية هى أغلبية الحاضرين، وحدها الأدنى أغلبية 26% من الأعضاء فى حالة حضور 51% والأقصى  51% فى حالة حضور 100% من الأعضاء وهو ما يسمح لحزب الأغلبية بالسيطرة على تعيين رؤساء الهيئات والأجهزة المستقلة، وكان الواجب اشتراط أغلبية ثلثي الأعضاء لضمان استقلالها.
كما أن رئيس الجمهورية يعين رئيس الوزراء الذي يعمل تحت اشرافه في وضع السياسات العامة للدولة وتنفيذها، مما يثبت أن نظام الحكم في مشروع الدستور رئاسي مؤكد، وليس مختلطًا كما يزعمون، ومع ذلك فإن رئيس الجمهورية غير مسئول سياسيًا، فبينما يمتلك رئيس الجمهورية كل السلطات، يسحب البرلمان الثقة من رئيس الوزراء أو الوزراء.
وبالرغم من ذلك فان مشروع الدستور حذف النص على تعيين نائب للرئيس وهو مطلب شعبى منذ 30 عامًا رفضه مبارك حتى لا يكون له بديلًا محتملًا، وجاء مشروع الدستور ليلغي النص حتى لا يمكن أن يكون له بديلًا ابدًا.
أضف لذلك أن أغلب قرارات مجلس النواب مثل الموافقة على القوانين والموافقة على موازنة الدولة أو تعديلها أو الحساب الختامي أو على الاقتراض أو تحميل خزانة الدولة بأي التزام تصدر بالأغلبية العادية أي أغلبية الحاضرين، وحدها الأدنى أغلبية 26% من الأعضاء فى حالة حضور 51% وحدها الأقصى  51 % فى حالة حضور 100% من الأعضاء،  وهذا يخل بدور مجلس النواب الرقابي ويسمح للسلطة التنفيذية وحزب الأغلبية بالانفراد بالقرار دون رقابة تمامًا مثل الوضع أثناء حكم النظام السابق الذي قامت الثورة للتخلص من استبداده وفساده، وكان الواجب اشتراط أغلبية الأعضاء وثلثي الأعضاء في حالة الاقتراض لضمان التوازن بين السلطات. 
وأخيرا فإن العصف بالقضاء ممثلًا فى المحكمة الدستورية العليا والنائب العام، مهما كان الرأي في أدائه لمهامه، وتحصين مجلس النواب القادم ضد الحل، واستباق حكم الدستورية العليا بتحصين مجلس الشورى من الحل في الدستور وقبلهم تحصين التأسيسية من الرقابة القضائية بموجب إعلان الاستبداد الدستوري، كل ذلك لا يعنى إلا شيئًا واحدًا وهو أن هذا الدستور يؤسس لحكم استبدادي.
 أضف الى ذلك ما ناقشناه في شأن ولاية الفقيه وإهدار سيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق والحريات، خاصة حرية الصحافة والأعلام ، لتصل إلى ذات النتيجة أن مشروع الدستور يؤسس لحكم غير ديمقراطي.
 س 10 هل صحيح أن مشروع الدستور متناقض مع نفسه كما يقولون؟
 ج ​أكيد فهو يعطينا كمواطنين الحقوق والحريات ويضمن لنا عدم إمكان تعطيلها أو انتقاصها، ثم يقيد ممارسة هذه الحقوق والحريات بعدم مخالفة مقومات الدولة والمجتمع أي أراء الفقهاء في الشريعة الاسلامية، فيأخذ باليمين ما أعطاه لنا باليسار، والكارثة أنه لا توجد أراء فقهية متفق عليها مما يسمح بالتعسف والطغيان عن طريق استغلال الحاكم لبعض الفقهاء لتبرير أي قرار أو قانون حسب المصلحة السياسية للحزب الحاكم.
ومثال آخر أن مشروع الدستور ينص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وإن استقلال القضاء وحصانة القضاه ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات المادة (74) ويأتي في نفس الوقت ليعصف باستقلال القضاء ويضع نصوصًا لعزل النائب العام وثمانية قضاه من الدستورية العليا، ويحصن مجلس النواب ومجلس الشورى والقرارات المترتبة على إعلان الاستبداد الدستوري من رقابة القضاء.
 س 11 وهل هناك عيوب أخرى في مشروع الدستور؟
 ج هناك الكثير من العيوب من أهمها مثلًا عدم الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال النص على التأمين الاجتماعي قاصر لا يكفل مختلف أنواع التأمينات، كما لا يضمن أن يكون المعاش مساويًا على الأقل للحد الأدنى للأجور، أما إلتزام الدوله بالنسبة لحق السكن فقد رفضوا النص على التزامها بتوفير المرافق الأساسية كالنور والمياه والصرف الصحي للسكن، وغير ذلك الكثير من المسالب
 س 12 وماذا عن حق الطفل والضجة التي ثارت حول عمل الأطفال؟ 
ج نص المادة (70) لم يقدم الحماية الكافية لحقوق الطفل فسمح للطفل بالعمل قبل سن الانتهاء من التعليم الإلزامي بشرط ألا يكون ذلك في أعمال خطرة أو تمنعه من التعليم، بينما النص في القانون الحالي هو حظر عمالة الأطفال حتى الانتهاء من سن التعليم الإلزامي، مع السماح لهم بالعمل في الإجازة الصيفية بعد سن الثالثة عشر، وحظر عملهم في الأعمال الخطرة في جميع الأحوال، وهو ما يتفق مع مصلحة أطفالنا وأيضًا مع التزاماتنا الدولية وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل التي تمثل إجماعًا عالميًا. بالإضافة لذلك لم تنص المادة (70)  على رعاية المصلحة الفضلى للطفل وعدم التمييز وعدم المساءلة جنائيًا إلا في الحدود وللمدد التي نص عليها القانون كما لم تنص على حظر زواج الاطفال، وارتبطت قضية حظر زواج الأطفال بالمادة (73) التي رفضوا النص فيها على حظر الاتجار بالبشر وهي جريمة نص عليها القانون المصرى 64 لسنة 2010، بهدف منع التعامل بأي صورة على أي شخص، رجلًا أو إمرأة أو طفلًا، أو استغلاله بما في ذلك الاستغلال الجنسي أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة أو التسول  أو استئصال أعضاء بشرية أو أنسجة أو جزء منها لغرض الاتجار، وسبب رفض الجمعية التأسيسية حظر هذه الجريمة في الدستور هو عدم وضع قيود على زواج القاصرات حيث جرى العرف في بعض الأحيان على قيام بعض الأباء بتزويج بناتهم القاصرات لشيوخ مقابل مبالغ مالية مجزية تدفع كمهر، وينص القانون المصرى على أن الحد الأدنى لسن الزواج هو 18 سنه للرجل والمرأة وذلك حتى يتيح لهما فرصًا عادلة للحصول على التعليم والرعاية والنضوج العقلي والنفسي والصحي لتحمل مسئولية الزواج وإقامة أسرة، وحماية حقوق اطفالنا واجب لأن هذا حقهم كما أنهم مستقبل مصر وأملها في النهضة والتقدم.
 س 13 وماذا عن حرية العقيدة؟
 ج ​هذه مشكلة كبيرة فدستور 1923 ينص على أن حرية العقيدة مطلقة، ونص دستور 1971 على أن تكفل الدولة حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، إلا أننا تراجعنا في مشروع الدستور الجديد فنصت المادة (43) على أن حرية العقيدة مصونة، وأن إلتزام الدولة بكفالة حرية ممارسة الشعائر وبناء دور العبادة للديانات السماوية سيكون على النحو الذي ينظمه القانون، والمقلق في هذا الشأن هو التراجع في التزام الدولة بكفالة حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، خاصة في إطار المناخ الحالي الذي تزداد فيه درجة التعصب الديني وتشتعل فيه الحرائق لأسباب تتعلق ببناء الكنائس أو ترميمها، وكنا نتوقع أن يأتى الدستور بعد ثورة 25 يناير قويًا في تعزيز هذه الحقوق والحريات الأساسية ومطمئنًا للمواطنين المسيحيين ولغيرهم من أصحاب الديانات والعقائد الأخرى، خاصة وأن عدد المسلمين في البلاد الأخرى كبير جدًا، ومن المهم أن نراعى أن أي قيود نضعها على ممارسة غير المسلمين من الديانات السماوية أو غيرها  للشعائر الدينية ستنعكس فى قيود مماثلة على حرية المسلمين في البلاد الأخرى وفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل. 
 س14 وكيف يمكن لتيار سياسي معين أن يفرض رؤية أو أسلوب حياة معينة على باقى المصريين؟
 ج تلخصت خطة تيار الإسلام السياسي في السيطرة على الجمعية التأسيسية والأغلبية اللازمة للتصويت على المواد فيها، وذلك لوضع نصوص في الدستور تفرض رؤيتهم الخاصة ـ فعلى سبيل المثال نصت المادة (10) على أن المجتمع يحرص على تماسك الأسرة "وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها وفقًا للقانون" وهو ما يسمح بإصدار قانون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغرض فرض وحماية قواعد أخلاقية معينة، أما المادة (12) فتلزم الدولة بالعمل على تعريب التعليم والعلوم وهو ما يمكن أن يؤدى للعزلة وعدم اللحاق بالتقدم العلمي الذي يتطور بسرعة مذهلة في العالم المتقدم، ومع الإقرار بالأهمية القصوى للاهتمام باللغة العربية، إلا أن مثل هذا النص قد يفسر على أنه معاد لتعليم اللغة الأجنبية، علمًا أن لغة العلم والاقتصاد العالمية هي الانجليزية كما هو معلوم، وهذا التوجه ضار لمصر ويقلص فرص العمل لأبنائنا.
 س 15 وهل نص مشروع الدستور على محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وماذا عن ميزانية القوات المسلحة؟
ج تنص المادة (198) من مشروع الدستور على اختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين في الجرائم التي تضر القوات المسلحة والتي سيحددها القانون، والمطلوب حظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهو الوضع في المسودات السابقة، وتم التراجع عنه في ليلة التصويت.
 أما موازنة القوات المسلحة فقد نصت المادة (197) على أن مجلس الدفاع الوطني يختص بمناقشتها لا الموافقة عليها، وهذه النقطة تحصيل حاصل لأن تشكيل مجلس الدفاع الوطنى أغلبيته من القوات المسلحة، أما اعتماد تلك الموازنة فتظل لمجلس النواب بعد مراجعة اللجنة المختصة وبالأغلبية العادية للحاضرين، أي بموافقة حزب الأكثرية أو الأغلبية الحاكم. 
 س 16 بأي أغلبية يتم إقرار الدستور الذي يحكم حياتنا وحياة أولادنا والموافقة على استكمال الرئيس لمدته؟ 
ج بالأغلبية العادية للأصوات الصحيحة، مما يعنى أنه لايوجد حدًا أدنى للحضور ولا أغلبية خاصة للموافقة على هذة الوثيقة الخطيرة أو على استمرار الرئيس لنهاية مدته، وهو ما يلزم التصويت عليه لأن اختصاصات الرئيس تغيرت تمامًا في مشروع الدستور، فإذا ذهب مليون مواطن ووافق 501 ألف عليه، يتم إقراره ويصبح دستور مصر ويستمر الرئيس، وكان الواجب النص على ضرورة موافقة ثلثي الأصوات الصحيحة على الأقل."


 بدأت جبهة الإنقاذ تنظيم حملة غعلامية واسعة في الصحف وقنوات التلفزيون الخاصة لرفض الدستور، وتواصلت التظاهرات في الشوارع والميادين، واستمر الاعتصام ضد دستور الإخوان في ميدان التحرير وحول قصر الاتحادية الذي عاد المتظاهرون إليه بعد يومين من هجوم 5 ديسمبر، وكان آخرها مسيرة سار فيها عشرات الآلاف إلى قصر الاتحادية مساء الثلاثاء 11 ديسمبر 2012، وفي هذه الليلة أعلنت قيادة القوات المسلحة مبادرتها للم الشمل والتوصل إلى تسوية للخروج من الأزمة السياسية، ورفضت الرئاسة المبادرة، فتحولت إلى دعوة لحفل شاي عصر الأربعاء 12 ديسمبر 2012، لكن ما لم يعلن أن لقاءً ثلاثي كان من المفترض أن يسبق حفل الشاي ينتهي إلى حضور الرئيس لحفل الشاي ليعلن وقف إجراءات الاستفتاء، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجري انتخابات برلمانية على أساس دستور 71 المعدل، ويرجأ موضوع صياغة الدستور الجديد، إلى نهاية فترة البرلمان المنتخب، لكن إعلان جبهة الإنقاذ ظهر هذا اليوم لدعوتها للناخبين للتوجه لصناديق الاستفتاء والتصويت بلا دفعت الرئيس إلى التراجع عن موافقته على هذا المقترح، ما دامت جبهة الإنقاذ قد وافقت على الاحتكام للصناديق.

 انتهت الجولة الأولى من التصويت التي جرت يوم 15 ديسمبر 2012 بموافقة أغلبية بسيطة من الناخبين على الدستور، واستمرت حملات جبهة الانقاذ مع لبتشكيك في دقة النتائج المعلنة، وقبل الجولة الثانية التي كان مقرر لها يوم 22 ديسمبر وجه الدكتور عمرو دراج أمين عام الجمعية التأسيسية الدعوة لقادة جبهة الإنقاذ لمناظرة علنية ليلة الاستفتاء، وقد أرسلت ردًا على هذه الدعوة، هذا نصه:
"القاهرة، في ٢١ديسمبر ٢٠١٢
 السيد الدكتور/ عمرو دراج
الأمين العام للجمعية التأسيسية للدستور المصرى 
تحية التقدير والاحترام 
 فقد تلقى حزب الدستور الدعوة الموجهة منكم باسم الجمعية التأسيسية للدكتور محمد البرادعي رئيس الحزب إلى "مناظرة" يشترك فبها "قادة العمل الوطنى الذين لديهم إعتراضات على مشروع الدستور لعرض إعتراضاتهم...  فى حوار علني مع رموز الجمعية التأسيسية يوم الجمعة 21 ديسمبر وذلك حتى يستطيع المواطن إتخاذ قراره بنفسه".
و إذ أبلغكم اعتذار الدكتور محمد البرادعي عن حضور هذا اللقاء، أود أن أوضح ما يلى:
أولًا: إن موقفنا من الجمعية التأسيسية منذ البداية واضح؛ حيث نرى أنها جمعية مطعون في شرعيتها، وإنها لا تعبر عن توافق وطني، ومن ثم أتى المنتج الذي انتهت إليه غير معبر عن توافق الشعب المصري ولا طموحاته في تحقيق أهداف ثورته في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ومن هذا المنطلق كان اعتراضنا على عمل هذه الجمعية ورفضنا للمشاركة في أي من أنشطتها.
ثانيًا: مع ذلك حرصنا في حزب الدستور وفي جبهة الانقاذ الوطني على تقديم ملاحظاتنا واعتراضاتنا على المسودات المتوالية التي أطلقتها الجمعية التأسيسية تباعًا، كما قدمنا ملاحظاتنا الكاملة على مشروع الدستور في صورته الأخيرة، وشارك عدد من ممثلي جبهة الإنقاذ في مناظرات وحوارات تتعلق بمشروع الدستور والإعتراضات على مواده وعلى توجهه العام، وذلك في حضور ومواجهة من يؤيدون المشروع.
ثالثًا: أعتقد أن الدعوة لمثل هذه المناظرة في الساعات الأخيرة قبل المرحلة الثانية من التصويت لن تقدم جديدًا، ولو كانت هناك نية جادة للوصول إلى توافق وطني لتم إرجاء الاستفتاء على الدستور والبدء في حوار جاد للوصول إلى التوافق الوطني على مسار الخروج من المرحلة الانتقالية.
                                مع خالص التقدير،
           
                                                                أمين عام حزب الدستور
                                                                       عماد أبو غازي"


 تمت الجولة الثانية في موعدها يوم 22 ديسمبر، وأعلنت اللجنة العليا المشرفة على الاستفتاء النتيجة، وكانت الموافقة على الدستور بأغلبية قاربت الثلثين؛ حيث وافق على الدستور 63.8% بينما رفض الدستور 36.2%  ، في استفتاء شارك فيه 17,058,317 ناخبًا من أصل 51,919,067 ممن لهم حق التصويت، لتكون نسبة المشاركة 32.9% ونسبة الامتناع عن المشاركة 67.1%، واعتمد الدستور رسميًا كدستور للبلاد في 25 ديسمبر 2012.

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...