الجمعة، 27 يونيو 2014


مصر قصة حضارة

رمضان جانا من زمان

عماد أبو غازي

 لكل شعب طقوسه الاحتفالية وعاداته المرتبطة بالمناسبات والأعياد، وعبر آلاف السنين عرفت مصر احتفالات وأعياد ومناسبات مختلفة لكل منها طقوسها التي ارتبطت بها، لقد اعتدنا عبر عصور تاريخنا الطويل على تحويل كل مناسباتنا إلى طقوس احتفالية، احتفالات للميلاد، واحتفالات للزواج، واحتفالات للنيل وللزراعة وللحصاد، بل وحتى احتفالات للحزن والموت، وتختلف هذه الاحتفالات فيما بينها فبعضها احتفالات بمناسبات دينية والبعض الآخر احتفالات ذات طابع قومي، بعضها احتفالات تخص فئة أو مجموعة من السكان وأخرى يشترك فيها الجميع بغض النظر عن العقيدة الدينية أو الانتماء الاجتماعي، ولكثير من الاحتفالات شكلها الرسمي المقابل للوجه الشعبي للاحتفال، وفي كثير من الأحيان يغيب الأصل فلا نعرف أيهما أسبق الطقوس الشعبية للاحتفال أم شكله الرسمي، فمع تعاقب الحضارات على مصر أضافت كل منها عادات جديدة ومناسبات جديدة، لكن القديم يبقى دائما، ظاهرا في بعض الأحيان ومستترا خلف أثواب جديدة في أحيان أخرى، إنها طبيعة مصر المستمرة في رحلة عمرها من عمر الزمن يبقى القديم دائما ويتراكم فوقه الجديد دون أن يزيله، إنها الصورة الخالدة لمدينة الأقصر حيث معبد أمون وفوق منه كنيسة ثم مسجد أبو الحجاج الأقصرائي.
 وتحتل المناسبات الدينية المرتبة الأولى في الاحتفالات الرسمية والشعبية في مصر، وترتبط بكثير من هذه المناسبات طقوس احتفالية ذات مذاق خاص لها أصولها المترسبة عبر التاريخ، ورمضان في مصر شهر للاحتفالات، تصاحبه قبل مولد هلاله وتستمر حتى نهايته، ففي رمضان يبدأ الاحتفال بالرؤية أو استطلاع الهلال، واحتفالات الرؤية من أقدم الاحتفالات التي ترتبط بشهر رمضان وهى جزء من النسيج الوجداني للناس في مصر، ورغم أن احتفال الرؤية يعد احتفالًا رسميًا فقد كانت تصاحبه في الماضي طقوس شعبية اختفى منها الكثير، فكانت هناك مواكب للرؤية تضم رجال الطرق الصوفية إلى جانب الحرفيين الذين يقدمون مشاهد تمثيلية لما يقومون به من أعمال في ورشهم وتسبقهم جميعا فرق الموسيقى العسكرية، وربما يرجع أصل هذه المواكب إلى العصر العثماني عندما ارتبطت طوائف الحرف بالطرق الصوفية وبأوجاقات الحامية العثمانية في تنظيم اجتماعي اقتصادي متداخل.
 هذا ولم تمنح الظروف الصعبة التي مرت بها مصر في فترات مختلفة من تاريخها المصريين من الاحتفال باستقبال شهر رمضان، فعندما جاء شهر رمضان للمرة الأولى في ظل احتلال حملة بونابرت لمصر أصر المشايخ على الاحتفال بالمناسبة الكريمة بالصورة المعتادة، وقد أدرك بونابرت أهمية هذه الاحتفالات الدينية لدى المصريين فسمح لهم بالاحتفال باستطلاع هلال رمضان، بل دفع بفرق عسكرية فرنسية للمشاركة في هذه المناسبة. وقد أصدر الشيخ عبد الله الشرقاوي رئيس الديوان الخصوصي والشيخ محمد المهدي كاتم سر الديوان بيانًا للناس بهذه المناسبة جاء فيه:
  "من محفل الديوان الخصوصي بمصر المحروسة
نعلمكم أنه لما أقبل شهر رمضان المعظم كتبنا عرضحال لحضرت صارى عسكر أمير الجيوش الفرنساوية نطلب منه فرمان بالأذن في أن مصر تفتح أسواقها في ليالي شهر رمضان حكم عادتها السابقة، فأجابنا بالقبول والموافقة، وأمر بإقامة شعائر الإسلام، في مساجدها العظام، وعمرانها بالأذكار والجموع، والقناديل والشموع، وأمرنا أن لا ننقص شيئا من شعايرها ونظامها، وأن يدور في الليل أمراها وحكامها، ليطمئن بذلك الفقراء والمساكين، وتسر بذلك قلوب أمة سيد المرسلين، وحضر إلى منزله المنيف، وقصره الشريف، أمين الاحتساب، وصحبته ساير مشايخ الحرف وبعض العلماء والنواب، بموكب عظيم لم يسبق مثاله، ولم يتقدم في الزمن السابق نظيره ومنواله، بكماله الطبول والملازمين والعساكر العثمانية، وطقم شجرة الدر صاحبة الهمة العليا، فصعد الحكام اليه وقابلوه في مقامه، وأعطاهم عوايدهم بالتمام، وجبر قلوب الفقراء والمساكين، وألبس أمين الاحتساب كرك سمور فخيم، وأعطا جوربجى الاحتساب ساعة فضة عظيمة غالية الثمن، لما رآه أكبر الحاضرين سنا أخذته الشفقة والرحمة به، وحضروا من ليلتهم راجعين من قصره إلى بيت مولانا الأفندي قاضي الإسلام، ولما ثبت رؤيا الهلال أمر القاضي بالمناداة  الصيام الصيام يا أمة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام..."
 وطوال شهر رمضان يلعب الأطفال كل ليلة بالفوانيس، ويرجع البعض أصل هذه العادة إلى واقعة لا سند لها من التاريخ هي مقدم السيدة زينب رضي الله عنها إلى مصر في شهر رمضان وخروج أهل مصر وعلى رأسهم الوالي الأموي لاستقبالها حاملين الفوانيس، بينما يرجعها أخرون إلى العصر الفاطمي عندما وصل الخليفة المعز لدين الله إلى القاهرة في شهر رمضان ليلًا فخرج الناس لاستقباله بالفوانيس.
 هذا وينسب كثير من المؤرخين أصول معظم الاحتفالات في مصر إلى عصر الدولة الفاطمية، والحقيقة أن الفاطميين بعد أن نقلوا مقر دولتهم إلى مصر وأعادوا البلد بذلك مره أخرى مركزًا لدولة كبرى أدركوا روح الشعب المصري التي تعشق الفرح والبهجة والتقطوا الخيط ليوطدوا به حكمهم، فأصبحت منذ ذلك العصر كثير من المباهج والاحتفالات الشعبية احتفالات رسمية للدولة الفاطمية التي أضافت اليها الكثير، كذلك فإن العصر الفاطمي هو أول عصر لدخول مصر في إطار الحضارة الإسلامية تصلنا منه صورة متكاملة عن شكل الحياة الاجتماعية وعادات الناس وتقاليدهم. هذا بشكل عام أما قصة استقبال المصريين للمعز لدين الله الفاطمي بالفوانيس في رمضان فتحتاج إلى تحقيق وتدقيق.
 

 وفي العصر الفاطمي كان الاحتفال الرسمي بشهر رمضان يبدأ في الأيام الثلاثة الأخيرة من شعبان حيث يقوم القضاة بالتفتيش على المساجد في القاهرة وضواحيها لتقدير احتياجاتها خلال شهر رمضان، ويصف مؤرخنا الكبير تقي الدين المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار تلك الجولة التفتيشية فيقول:

"وكان لهم في شهر رمضان عدة أنواع من البر منها كشف المساجد، فكان القضاة بمصر إذا بقى لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يوما على المشاهد والمساجد بالقاهرة ومصر، فيبدؤون بجامع المقس ثم بجوامع القاهرة ثم بالمشاهد ثم بالقرافة ثم بجامع مصر ثم بمشهد الرأس، لنظر حصر ذلك وقناديله وعمارته وإزالة شعثه، وكان أكثر الناس ممن يلوذ بباب الحكم والشهود والطفيليين يتعينون لذلك اليوم والطواف مع القاضي لحضور السماط...."

 وفي أول أيام شهر رمضان يرسل الخليفة الفاطمي الهدايا إلى رجال دولته وأسرهم احتفاء بالشهر الكريم، ويصف المقريزي ما كان يحدث في ذلك العصر فيقول:

 "وكان في أول يوم من شهر رمضان يرسل لجميع الأمراء وغيرهم من أرباب الرتب والخدم لكل واحد طبق، ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق، منه حلواء وبوسطه صره من ذهب فيعم ذلك سائر أهل الدولة ويقال له غرة رمضان..."

 وتستمر احتفالات رمضان طوال الشهر، فربما كانت هى أطول الاحتفالات في مصر من حيث الزمن الذي تستغرقه.

 وكان الخليفة يأمر بإعداد سماط في كل يوم من أيام شهر رمضان فيما بين الرابع والسادس والعشرين منه في أحد قصوره بالقاهرة، وهذا السماط وليمة يحضرها الأمراء وكبار رجال الدولة والقضاة بالتناوب فيما بينهم، حتى يتمكنوا من الإفطار في بعض أيام رمضان مع ذويهم، وكان مبلغ ما ينفق في شهر رمضان لسماط الخليفة في العصر الفاطمي يزيد على ثلاثة آلاف دينار، وإلى جانب سماط الإفطار كان هناك أيضا سحور الخليفة الذي يصفه المقريزي في خططه نقلًا عن ابن المأمون المعاصر للدولة الفاطمية، فيقول:

 "قال ابن المأمون وقد ذكر أسمطة رمضان وجلوس الخليفة بعد ذلك في الروشن إلى وقت السحور والمقرنون تحته يتلون عشرًا ويطربون بحيث يشاهدهم الخليفة، ثم حضر بعدهم المؤذنون وأخذوا في التكبير وذكر فضائل السحور وختموا بالدعاء، وقدمت المخاد للوعاظ فذكروا فضائل الشهر ومدح الخليفة والصوفيات، وقام كل من الجماعة للرقص ولم يزالوا إلى أن انقضى من الليل أكثر من نصفه، فحضر بين يدي الخليفة أستاذ بما أنعم  به عليهم وعلى الفراشين، وأحضرت جفان القطائف وجرار الجلاب فأكلوا وملئوا  أكمامهم. وفضل عنهم ما تخطفه الفراشون."

 ويستطرد مؤرخنا في وصف أنواع الأطعمة والحلوى التي تقدم على مائدة سحور الخليفة الفاطمي والتي يأكل منها هو وضيوفه، ثم يأخذ كل ضيف معه ما يشاء على سبيل البركة لأولاده ولأهله.

 وفي التاسع والعشرين من شهر رمضان يختم المقرئون والمؤذنون القرآن الكريم، وفي هذه الليلة توضع المأكولات التي ستتناولها سيدات القصر في السحور أمام المقرئين والمؤذنين حتى تنالها بركة ختم القرآن، وبعد أن يختم المقرئون والمؤذنون القرآن تلاوة وتطريبًا يلقى أحد الخطباء خطبة مطوله يعقبها إنشاد ديني، وبعد انتهاء السحور في هذه الليلة ينثر الخليفة الدنانير والدراهم على المقرئين والمؤذنين وتنتهي بذلك احتفالات شهر رمضان ليبدأ الاستعداد لليلة العيد واحتفالاتها.

     
 

الخميس، 26 يونيو 2014

26 يونيو:

 اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ومؤازرة ضحاياه 

"التعذيب مصطلح عام يستعمل لوصف أي عملية تنزل آلامًا جسدية أو نفسية بإنسان ما وبصورة متعمدة ومنظمة، كوسيلة لإستخراج معلومات، أو الحصول على إعتراف، أو لغرض التخويف والترهيب أو كشكل من اشكال العقوبة او وسيلة للسيطرة على مجموعة معينة تشكل خطرًا على السلطة المركزية، ويستعمل التعذيب في بعض الحالات لأغراض فرض مجموعة من القيم و المعتقدات التي تعتبرها الجهة المُعذبة قيمًا أخلاقية.

 يعتبر التعذيب بكافة أنواعه منافيًا للمبادئ العامة لحقوق الإنسان التي تم الإعلان عنها في 10 ديسمبر 1948، وتم التوقيع عليها من قبل العديد من الدول في معاهدة جنيف الثالثة الصادرة في 12 أغسطس 1949 المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، ومعاهدة جنيف الرابعة (1949) المتعلقة بحماية المدنيين أثناء الحرب. في عام 1987 تم تشكيل لجنة مراقبة التعذيب ومنعه التابعة للأمم المتحدة، والتي تضم في عضويتها 141 دولة، وبالرغم من توقيع العديد من الدول على هذه الإتفاقيات إلا أن توقعات منظمة العفو الدولية تشير إلى أن معظم الدول الموقعة لا تلتزم بتطبيق البنود الواردة في المعاهدات المذكورة.

 هناك جدل حول استعمال كلمة "تعذيب" فيتم في بعض الأحيان استعمال تعبير "سوء المعاملة" أو "التعسف" أو "التجاوزات" أو "وسائل قريبة من التعذيب"، خاصة من قبل الجهات التي قامت بعمليات التعذيب، حيث يعتقد البعض أن لكلمة "التعذيب" مدلول محدد يشير إلى شخص يحاول عبر كل الوسائل "انتزاع معلومات". من جهة أخرى فإن تعريف كلمة التعذيب كما ورد في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب: "الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية". 

النهار ده 26 يونيو

اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ومؤازرة ضحاياه

إذا كنا مش قادرين نوقف التعذيب على الأقل نكتب أو ننشر كلمة ضد التعذيب

انا كل يوم أسمع فلان عذبوه
أسرح في بغداد والجزاير واتوه
ما أعجبش م اللي يطيق بجسمه العذاب
واعجب من اللي يطيق يعذب أخوه
عجبي!!!
 

صلاح جاهين

من الرباعيات

 

 

الأحد، 22 يونيو 2014

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...