الأربعاء، 23 ديسمبر 2015






المولد النبوي في مصر من عصر لعصر

عماد أبو غازي

 الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من الاحتفالات التي ظهرت في مصر، ويجمع المؤرخون على أن بداية الاحتفال به كانت في العصر الفاطمي، وعلى وجه التحديد عقب انتقال الخلافة الفاطمية إلى مصر، فقد التقط الفاطميون روح الشعب المصري المحبة للفرح والبهجة؛ فأرسوا قواعد كثير من الاحتفالات بمناسبات دينية ودنيوية، كما حولوا بعض احتفالات المصريين الشعبية إلى احتفالات رسمية للدولة، ولم تفلح محاولات الأيوبيين في القضاء على هذه الأعياد والمناسبات في سياق جهودهم لطمس معالم الدولة الفاطمية في مصر.

 وعبر أكثر من ألف عام تطور احتفال المولد النبوي الشريف في مصر وتغيرت أشكال الاحتفاء بهذه المناسبة؛ لقد أصبح الاحتفال الرسمي قاصرًا على تلاوة القرآن الكريم وإلقاء بعض الخطب والمواعظ، وأحيانًا توزيع الجوائز على الفائزين في المسابقات الدينية، أو المكرمين من جانب الدولة من بين الدعاة ورجال الدين، ودائمًا تقديم بعض الوجوه الدينية المكررة، على قنوات التلفزيون المختلفة، وربما فيلم "فجر الإسلام" أو "الشيماء" أو غيرهما من الأفلام الدينية القديمة.

 لكن الناس احتفظوا ببعض مظاهر الاحتفال الشعبي، وحافظوا عليها، فظلت حلوى المولد وعرائسه أبرز مظاهر المولد إلى اليوم، كما استمر الريف المصري في بعض مناطقه يقيم مهرجانات المولد مثلما كان يفعل الأجداد.

 وأقدم اليوم لقطات متفرقة من الاحتفال بالمولد عبر عصور تاريخنا الممتدة:
 المشهد الأول: من العصر الفاطمي، حيث يصف المقريزي احتفالات الفاطميين بالموالد وفي مقدمتها المولد النبوي الشريف، وذلك نقلًا عن مؤرخي العصر الفاطمي، فيقول: "فإذا كان اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، تقدم الخليفة بأن يعمل في دار الفطرة عشرون قنطارًا من السكر اليابس، حلواء يابسة، وتعبأ في ثلاثمائة صينية من النحاس" ـ ودار الفطرة هي دار كانت تقع خارج قصر الخليفة، بناها العزيز بالله ثاني الخلفاء الفاطميين بمصر لتعد فيها الولائم وتوزع الهدايا والهبات في الأعياد ـ  وكانت تلك الصواني تفرق على الأمراء ورجال الدولة والقضاة والدعاة، ويستمر توزيع صواني الحلوى من أول النهار إلى الظهر، وبعدها يتوجه القضاة والدعاة وقراء القرآن وخطباء جوامع القاهرة والقائمون على مشاهد آل البيت بها إلى الجامع الأزهر ليختموا القرآن الكريم هناك، ثم يتوجهوا إلى قصر الخليفة ويقفوا تحت المنظرة ـ وهي الشرفة التي يجلس فيها الخليفة ـ في انتظار ظهوره من طاقة صغيرة ليؤدوا له التحية ويردها، ثم يبدأ الجزء الأخير من الاحتفال بتلاوة القرآن الكريم، ثم يتناوب خطباء المساجد الرئيسية بالقاهرة ليلقي كل منهم خطبته بحضرة الخليفة، ثم ينصرفون جميعًا، وفي ذلك اليوم تكنس شوارع القاهرة وترش بالماء.
المشهد الثاني: من عصر المماليك الجراكسة الذي يبدأ بتولي السلطان الظاهر برقوق لعرش مصر، وقد حرص برقوق على إحياء الاحتفالات الشعبية التي كان كثير منها قد اندثر، ومن الاحتفالات التي اهتم بها برقوق احتفال المولد النبوي، وتروي المصادر التاريخية وقائع الاحتفال بالمولد في سنة 785هـ الموافقة لسنة 1383م، يقول أحد المعاصرين: "لقد حضرت ليلة مولد سنة 785 عند الظاهر برقوق بقلعة الجبل، فرأيت ما هالني، فكان ما أنفق في تلك الليلة على القراء الحاضرين وغيرهم نحو عشرة آلاف مثقال من الذهب العين ما بين  خلع ومطعوم ومشروب ومسموع وغير ذلك بحيث لم ينزل واحد منهم إلا بنحو عشرين خلعة من السلطان والأمراء.

 وفي عصر قايتباي أعظم سلاطين المماليك الجراكسة، أمر السلطان بصناعة سرادق عظيم ينصب في الاحتفالات الرسمية، وأهمها احتفال المولد النبوي الشريف، وقام لصناعة هذا السرادق أمهر صناع الخيام في مصر، وصنعوه من القطن المزين بشرائح الأطلس الملون بالألوان الزاهية، والمحلى بالرسوم البديعة، وقد ظل هذا السرادق مستخدمًا حتى عصر السلطان الأشرف قانصوه الغوري، وعندما احتل العثمانيون مصر سنة 923هـ / 1517م باع سليم السرادق للتجار المغاربة، فقطعوه قطعًا وباعوها للناس ستائر ومفارش، وكان الاحتفال بالمولد سنة 923هـ من أسوأ الاحتفالات في تاريخ مصر، حيث يقول ابن إياس المصري مؤرخ ذلك الزمن: "فلم يشعر به أحد من الناس، وبطل ما كان يعمل في ليلة المولد من اجتماع العلماء والقضاة الأربعة والأمراء بالحوش السلطاني، كما بطلت الأسمطة التي كانت تمر في ذلك اليوم وألغي ما كان يعطى للقراء والوعاظ والفقراء من الخلع وأنواع الإنعام في تلك الليلة".
 المشهد الثالث: احتفال المولد في زمن الحملة الفرنسية، عقب نجاح جيوش بونابرت في احتلال مصر كان الناس في حالة من الغم والضيق فلم يعدوا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف كما هي العادة، ويقول عبد الرحمن الجبرتي مؤرخ ذلك العصر: إن بونابرت سأل عن سبب عدم عمل المولد كالعادة فاعتذر الشيخ البكري بتعطيل الأعمال وتوقف الأحوال، فلم يقبل بونابرت الاعتذار وأصر على عمل المولد، وأعطى الشيخ البكري 300 ريال فرنسي معاونة من قيادة الحملة، وأمر بتعليق الزينات، واجتمعت فرق من الجيش الفرنسي أمام بيت البكري بالأزبكية لضرب الطبول وإطلاق الصواريخ، وفي ذلك اليوم تم تقليد الشيخ البكري نقيبًا للأشراف. وكان غرض بونابرت من ذلك محاولة امتصاص الرفض الشعبي للحملة.

المشهد الرابع: المولد في عصر محمد علي، يروي لنا إدوار وليم لين صاحب كتاب "المصريون المحدثون" مشاهداته في المولد النبوي الشريف سنة 1834م، فيقول: "في أول ربيع الأول يبدأ الاستعداد للاحتفال بمولد النبي، وأكبر ساحات هذا الاحتفال شأنًا الجزء الجنوبي الغربي لذلك الفضاء الواسع المعروف ببركة الأزبكية، وفي هذه الساحة أقيمت صيوانات كثيرة، جلها للدراويش، وفيها يجتمعون كل ليلة للقيام بحلقات الذكر، ما دام الاحتفال بالمولد، وبين هذه الصيونات ينصب صاري يثبت بالحبال، ويعلق فيه من القناديل أثنى عشر أو أكثر وحول هذا الصاري تقوم حلقة الذكر، وهي تتكون عادة من نحو خمسين أو ستين درويشًا، وفي أثناء النهار يتسلى الناس في الساحة الكبرى بالاستماع إلى الشعراء، وهم رواة قصة أبو زيد، وبالتفرج على الحواة والخلابيص وغيرهم، أما الغواني فقد أكرهتهم الحكومة من عهد قريب على التوبة، وترك مهنتهن من رقص ونحوه، فلا أثر لهن في احتفال هذه السنة، وكن في الموالد السابقة من أكثر العاملات في الاحتفال اجتذابًا للمتفرجين، وفي عدة أماكن من الشوارع المجاورة لساحة الاحتفال أقيمت مراجيح قليلة ومنصات لبيع الحلوى، أما في أثناء الليل فتضاء الشوارع المحيطة بساحة المولد بقناديل كثيرة تعلق غالبًا في فوانيس من الخشب، ومن دكاكين المأكولات ونصبات الحلوى ما يبيت مفتوحًا طوال الليل، وكذلك القهاوي التي قد يكون في بعضها وفي غيرها من الأماكن شعراء ومحدثون ينصت إليهم كل من أراد من المارة".

 المشهد الخامس: من أربعينيات القرن العشرين، المشهد يرويه حسن السندوبي مؤلف كتاب "تاريخ الاحتفال بالمولد النبوي من عصر الإسلام الأول إلى عصر فاروق الأول"، حيث يصف ليلة الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1364 هـ / 24 فبراير سنة 1945م، فيقول: "شهدت في ساحة المولد بصحراء قايتباي المعروفة عند العامة بصحراء الخفير معالم الزينة تأخذ بالألباب، ومظاهر الاحتفال التي بدت في شكل فخم ونظام جليل، وهناك في هذا الميدان المترامي الأطراف أقيم السرادق الملكي البديع، وضعت في رحابه الأرائك المحلاة بالذهب، ورفعت على سواريه الأعلام الملكية، وعلقت في مداخله المصابيح الباهرة الأنوار، الجاعلة الليل فيه كوضح النهار، ووفد على هذا السرادق وزراء الدولة وشيخ الأزهر وطوائف العلماء ووكلاء الوزارات ومديرو الإدارات ورؤساء المصالح وكبار الموظفين وقواد الجيوش وصفوف الضباط وكبراء الأمة وأعيان الناس من ذوي المراتب والألقاب، وجميع هؤلاء قد وقفوا في جلال ووقار انتظارًا لتشريف حضرة صاحب الجلالة". وبعد حضور الملك يبدأ الاحتفال بعرض عسكري لفرق تمثل الجيش المصري، ثم يأتي موكب الفرق الصوفية حاملين أعلامهم وبيارقهم، وبعد العرض تقدم صنوف الحلوى وأنواع المرطبات للحاضرين، وإلى جانب السرادق الملكي كانت تقام سرادقات لمختلف الوزارات وهيئات الدولة.

 وبعد فهذه صورة من احتفال المولد النبوي في مصر عبر العصور والذي كان ومازال أحد أهم الاحتفالات الشعبية في مصر رغم الحرب التي يشنها التيار السلفي ضد كل مظاهر البهجة في حياتنا...


الأحد، 29 نوفمبر 2015


ملخص بحثي في مؤتمر "السيرياليون المصريون من منظور عالمي". 

زمن السريالية في مصر

خلفية تاريخية

 عماد ابو غازي

 "يتجلى العدوان على الفن في البلاد الشمولية بأكثر السبل دناءة، ضد فن يصفه بالإنحلال، عسكريون شرسون تبوؤا مراتب السادة مطلقي السلطان، وهم أدعياء علم منحلون."
من اعمال فؤاد كامل في المرحلة السيريالية
من مقتنيات الدكتور محمد أبو الغار


 هذه الكلمات مقتطعة من البيان الذي يعد بمعنى من المعاني مانيفستو للحركة السيريالية المصرية، والذي حمل عنوان:

 "يحيا الفن المنحط".

 ظهرت الحركة السيريالية في مصر في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، ويؤرخ لظهورها بشكل أساسي بتأسيس جماعة الفن والحرية في يناير 1939، والتي كانت لها إرهاصاتها السابقة على تأسيسها.

 وتتمثل هذه الإرهاصات في تمرد عدد من مؤسسيها على التقاليد الفنية والأدبية السائدة آنذاك، وفي صدور بيانات تدعو لتحرير الإبداع منها إعلان الشرقيين الجدد سنة 1937، وفي تأسيس جماعات فنية تحدت تلك التقاليد أبرزها جماعة "الإسيست". وقد وقع الانشقاق في تلك الجماعة بسبب هجوم الشاعر جورج حنين على تواطؤ بعض المبدعين الإيطاليين مع الفاشية.

 وكان ظهور جماعات أدبية فنية يغلب عليها التوجه السريالي كجماعة الفن والحرية تعبيرًا عن احتكاك الحركة الفكرية والفنية في مصر بتيارات الثقافة العالمية، فإذا كان النصف الثاني من القرن التاسع عشر عصر الثورة على الكلاسيكية والرومانتيكية معًا، وإذا كانت التأثيرية بمثابة الطلقة الأولى في معركة الفن الحديث تمثل فيها تحرر  الفنان من قيود الأكاديمية التقليدية، فإن النصف الأول من القرن العشرين شهد موجة ثورية ثانية بدأت مع التكعيبية والمستقبلية والدادية، ووصلت ذروتها مع السيريالية بصدور (المانيفستو السريالي) سنة 1924.

وعندما أسس جورج حنين جماعة الفن والحرية كانت تعبيرًا مصريًا عن الدعوة التي حملها بيان المكسيك عام 1938 "من أجل فن ثوري حر".

 وربما كانت جماعة الفن والحرية أجلى تعبير عن السيريالية في مصر، وقد ضمت إلى جانب جورج حنين عددًا من المبدعين المصريين والأجانب المقيمين في مصر كان من أبرزهم كامل التلمساني ورمسيس يونان وأنور وفؤاد كامل وأنجلو دي ريز.

وقد نشرت جماعة الفن والحرية بيانها الشهير "يحيا الفن المنحط" دفاعًا عن حرية الفنان ضد اتجاهات الدول التسلطية لتوجيه الفن والعدوان عليه، وتقييد حرية المبدعين.

 وكانت معارض الجماعة التي بدأت منذ عام 1940 ثورة في مجال الفنون التشكيلية في مصر، وقد استمرت الجماعة حتى النصف الثاني من الأربعينيات، لتحل محلها لفترة قصيرة "جانح الرمال". ورغم أن الجماعة لم تستمر في الوجود إلا لسنوات قليلة، إلا أن الاتجاه السيريالي في الفن المصري تواصل كتيار من تيارات الحركة الفنية المصرية لسنوات بعدها، رغم تحول بعض رواده الى التجريد.

 حديثي في هذا المؤتمر يأتي من زاوية تخصصي في التاريخ، فلست ناقدا للفن التشكيلي، من هنا فاشتباكي مع موضوع السريالية عرض للخلفية التاريخية التي نشأت فيها الحركة السريالية وتطورت في مصر.

  لقد أعلنت الحركة السريالية المصرية عن نفسها في لحظة تاريخية فارقة ليس فقط في تاريخ مصر، بل في تاريخ العالم كله؛ فقد كانت النظم الشمولية: الستالينية في الاتحاد السوفيتي والنازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا والاستبدادية العسكرية في اليابان تزداد قوة.

 كانت الستالينية تواصل قمعها لشعوب الاتحاد السوفيتي بدعوى بناء الدولة الاشتراكية السوفيتية، في الوقت الذي كانت تشيد فيه حقيقية سلطة دولة بيروقراطية استبدادية.

 وكانت النظم الثلاثة، الأخيرة النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرية اليابانية، تصعد من عدوانيتها ضد شعوبها ومن نزعتها التوسعية في محيطها الإقليمي الذي اعتبرته مجالا حيويا لتوسعها.

 كانت تدفع العالم إلى حافة حرب عالمية جديدة، حرب تصتدم فيها مع معسكر الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى قبلها بعقدين، فرنسا وبريطانيا العظمى، في صراع متجدد بين جناحي المعسكر الرأسمالي من أجل السيطرة على العالم.

 كانت غيوم الحرب تتجمع في الأفق، وكانت الحروب التمهيدية الصغيرة قد بدأت بالفعل في حرب إيطاليا والحبشة، والحرب الأهلية الأسبانية، والتوسع الياباني في الشرق الأقصى، والاعتداءات الألمانية المستمرة على دول الجوار.

 وبالفعل اشتعلت الحرب قبل أن ينتهي العام الذي تأسست فيه جماعة الفن والحرية.

 في نفس الوقت كانت هذه النظم الشمولية تفرض قيودًا متزايدة على حرية الإبداع الفني والأدبي، بدعاوى الالتزام بالقيم والأخلاق، أو دعاوى الالتزام بالتعبير عن "مصالح" الطبقة العاملة ورؤها، وتسعى لفرض أساليب فنية تعبوية على المبدعين.

 كانت حرية الفنان في خطر.

 كان المثقفون والمبدعون والفنانون التقدميون والأحرار حول العالم يتكاتفون معا، يدافعون عن مساحة الخيال الحر، ويقفون ضد العدوانية والعسكرة، وضد النظم الشمولية، وضد الحرب بوجه عام، يقفون مع حرية الإنسان وحرية المبدع.

  وكانت حركة الفن والحرية المصرية ذات التوجه السيريالي جزءا من هذا الحراك للأحرار من مثقفي العالم ومبدعيه.

 هذا عن الوضع الدولي، فماذا عن مصر؟

 في هذا الوقت، النصف الثاني من الثلاثينيات، كانت مصر تبدأ مرحلة جديدة في تاريخها السياسي والاجتماعي والثقافي، جيل جديد من الساسة والمثقفين والمبدعين يدخل بقوة الى الساحة الى جانب الجيل الذي تصدر المشهد عقب ثورة ١٩١٩، وفي مواجهته أحيانا.

 كانت البلاد قد خرجت من الانقلاب الدستوري الأطول في الحقبة الليبرالية والذي استمر من عام 1930 إلى عام 1935، انقلاب فؤاد/صدقي، فقد الشعب دستوره الذي حصل عليه في أعقاب ثورة ١٩١٩، دستور ٢٣، ليحل محله دستور ٣٠، الذي وسع من سلطات الملك على حساب البرلمان، وصدرت في ظله أسوأ القوانين المقيدة للحريات، واصابت نيران هذا الانقلاب الدستوري الثقافة والفن والابداع، فتمت مصادرة الصحف وإغلاقها، وسجن العقاد، وفصل حافظ ابراهيم من عمله في دار الكتب، ونقل طه حسين من الجامعة الى ديوان وزارة المعارف، وأوقفت الحكومة تعاقدها مع المثال مختار لعمل التمثالين الميدانيين للزعيم سعد زغلول في القاهرة والإسكندرية.

 كانت سنوات النصف الاول من الثلاثينيات سنوات من الحكم الاستبدادي صودرت فيها الحريات، لكنها كانت أيضا سنوات شهدت مقاومة مستمرة من القوى الديمقراطية، وحركة جماهيرية متواصلة، لعب فيها جيل جديد من الشباب دورا أساسيا، وظهرت من بين هذا الجيل أسماء تصدرت العمل السياسي والعمل العام او شاركت فيه لسنوات طويلة تالية، ففي هذا الحراك السياسي الثوري ظهرت اسماء جمال عبد الناصر وإبراهيم شكري وحكمت ابو زيد وسهير القلماوي ومحمد حسن الزيات ونور الدين طراف والدمرداش التوني وطلبة صقر، وهي اسماء برزت في مجالات السياسة والثقافة والبحث  والرياضة لسنوات.

 انتهت هذه السنوات بما يعرف تاريخيا بثورة الشباب عام ١٩٣٥، انتهت باستعادة دستور 1923، وعودة الوفد إلى الحكم على رأس حكومة أئتلافية تضم الأحزاب الرئيسية، وقعت هذه الحكومة تحت ضغط اجواء الحرب معاهدة حصلت مصر بمقتضاها على استقلال منقوص في عام 1936، حقا كانت خطوة الى الامام قياسا بتصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ الذي تأسست بمقتضاه المملكة المصرية، لكنها كانت اقل من طموح المصريين، وقد استتبع توقيع المعاهدة طموح لبداية عصر جديد في مصر، خاصة مع اتفاقية مونترو التي تم بمقتضاها إلغاء الامتيازات الأجنبية.

 لقد وصلت النخب السياسية التي قادت الثورة وبرزت في أعقابها الى غاية ما يمكنها الوصول اليه في ذلك الوقت، ولم يعد حلم الاستقلال التام قابلا للتحقيق بيد هذه النخبة، على الأقل لعدة سنوات. 

 وفي هذا السياق جاء صدور كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر"، الذي قدم فيه رؤية للتعليم والثقافة، وبقدر ما كان في هذا الكتاب من تصورات تقدمية متطلعة إلى التغيير، بقدر ما تكشف عن قدر من المحافظة والتردد في رؤى بعض أبناء هذا الجيل الذي تصدر المشهد الثقافي في أعقاب الثورة المصرية، ثورة 1919. الامر الذي نجده واضحا بدرجة أكبر في كتابات مفكر اخر من جيل طه حسين هو عباس محمود العقاد، فبخلاف مواقفه الثورية في مجال السياسية، تميزت مواقفه من الاتجاهات الجديدة في الفن والأدب بالمحافظة والجمود.

 بات واضحا ان الساحة الثقافية والفكرية مثلها مثل الساحة السياسية تحتاج إلى رؤى وأفكار مختلفة. 

 وكانت الجامعة المصرية قد خرجت حيناها أجيالًا جديدة من أبنائها يشاركون في الحياة المصرية، لكنها منذ تأسيسها لم تنجح في تغيير المجتمع المصري تغييرًا جذريًا. كانت تميل الى الحلول الوسط في كل مواقفها، وتتحاشى الصدام مع المجتمع.

لقد كانت اللحظة بحق من اللحظات الفارقة في التاريخ، اذا جاز لنا أن نستخدم هذا التعبير. كانت لحظة محملة بالآمال وإمكانيات التغيير، لكنها كانت كذلك لحظة ضبابية غائمة، فيها من مكبلات النجاح بقدر ما فيها من عوامل الانطلاق.

 فإذا كان النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين كان محملًا بآمال واسعة لانطلاق مرحلة جديدة في بناء الوطن على أسس من الديمقراطية واحترام الدستور، إلا أن هذه الفترة شهدت أيضًا ظهور الأفكار الشمولية وانتشارها بين الشباب، فتأسست جماعة سياسية قومية متطرفة متأثره بالأفكار الفاشية والنازية، هي جماعة مصر الفتاة، التي أسسها سياسي شاب مولع بالنموذج الفاشي في مطلع الثلاثينيات هو احمد حسين، وشكلت الجماعة مليشياتها التي عرفت بالقمصان الخضر، واتخذت لنفسها شعارا "الله. الوطن. الملك.".

 أخذت الأفكار الفاشية تروج بين الشباب، ووصل الأمر بحزب الأغلبية، حزب الوفد، أن يشكل ميلشيات من شبابه ترتدي القمصان الزرق في مواجهة ميلشيات مصر الفتاة، القمصان الخضر. وفي نفس الوقت نمت جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست سنة 1928، بدعم مالي من شركة قناة السويس العالمية، وكانت الجماعة تتبنى منذ لحظة تأسيسها أفكارا مضادة لمبدأ المواطنة المصرية الذي قامت عليه ثورة ١٩١٩، وقد وجدت الجماعة في المناخ السائد فرصة للانتشار بين الشباب، وشكلت الجماعة كتائبها هي الأخرى تحت مسمى الجوالة.

 على المستوى الاجتماعي لم تحقق ثورة 1919 كما لم يحقق انتصار تيار الحفاظ على الدستور تحسن كيفي في أوضاع الطبقات الفقيرة في المجتمع، لم تتحسن كثيرًا أوضاع الفلاحين والعمال الزراعيين الذين كانوا يشكلون غالبية السكان، كما ساءت أحوال الطبقة العاملة الناشئة خاصة مع تأثر مصر بالأزمة الاقتصادية العالمية أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات.

 في هذا المناخ السياسي بدأت الحلقة الثانية من الحركة الشيوعية المصرية، فتشكلت حلقات من الماركسيين باتجاهتهم المختلفة، ضمت مجموعات من الأجانب والمصريين، وكانت هذه الحلقات نواة للتنظيمات الشيوعية التي تشكلت في بداية الأربعينيات وتواصل وجودها كتنظيمات سرية حتى منتصف الستينيات، ولعبت هذه التنظيمات دورا سياسيا مهما في سنوات ما بعد الحرب، وشاركت في قيادة الحراك الجماهيري الواسع الذي بدأ في أواخر عام ١٩٤٥ في الجامعات المصرية ووصل ذروته في عام ١٩٤٦، وتواكب مع ظهور هذه التنظيمات نشأة تيار جديد في الوفد المصري يميل ناحية اليسار ويتبنى قضايا العدالة الاجتماعية والديمقراطية بمفاهيم جديدة، وكان على رأس هذا التيار الناقد والسياسي المجدد الدكتور محمد مندور.

  اذن كانت هذه لحظة الميلاد للسريالية المصرية، ولحظات تألقها، كانت الحركة السريالية المصرية محاولة جريئة لتحدي التقاليد البالية والثورة عليها، محاولة للالتحام بتيار عالمي يواجه الدولة الاستبدادية وتدخلها لتقييد حرية الإبداع وتنميط الفن والآداب، كانت محاولة لتحرير الإنسان بالإبداع الحر، واستمر تيار السيريالية المصرية متواصلًا حتى منتصف الستينيات رغم انتهاء جماعة الفن والحرية قبل أن تنقضي الأربعينيات، لتخبو تدريجيًا في لحظة تاريخية مغايرة، دوليًا ومحليًا.

 السؤال الملح هنا لماذا تراجعت السريالية تدريجيا في الخمسينيات والستينيات؟ لماذا تحول بعض روادها الى التجريد، ولماذا لم تتكرر محاولة انشاء كيان او جماعة جديدة مثل الفن والحريّة او جانح الرمال؟ هل يرجع السبب الى طبيعة النظام الجديد الذي قبض على الحكم بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢؟ 

 رغم أن السيريالية في مصر ظلت محصورة في إطار مجموعة من المبدعين من الأدباء والفنانيين التشكيلين، إلا إنها شكلت بلا شك جزءًا مهمًا من الحركة الفكرية والثقافية في مصر منذ أواخر الثلاثينيات حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي، كما ارتبطت بالحركات السياسية التقدمية في هذه الحقبة، وكانت أحد أشكال التفاعل بين مفكرينا ومبدعينا والتيارات الفكرية في العالم.

الخميس، 29 أكتوبر 2015


مريم وأنا

 النهارده مريم بنتي بتكمل 25 سنة اتولدت يوم 29 أكتوبر 1990 الساعة 3 ونص العصر، دي مقالة كتبتها في الدستور من 8 سنين بانشرها هنا النهارده.

 كل سنة وأنتي طيبة يا مريم...

عماد أبو غازي

 


 "مريم بنتي عمرها النهاردة سبعتاشر سنة ونص، البنت كبرت، على وش دخول الجامعة، ما شعرتش بمفاجأة إطلاقًا بدخولها لمرحلة جديدة من عمرها، اللي بنسميهما المراهقة، يمكن لأنه بالنسبة لي شايفها بتكبر قصادي يوم بيوم وساعة بساعة، ويمكن لأني دايمًا حاسس إنها ناضجة من صغرها.
 الحاجة اللي خلتني أشعر إنها كبرت فعلًا، استقلالها عني، وقدرتها على إنها تنام بالليل من غيري، اتفطمت مني فطام نفسي بعد فطامها الطبيعي من أمها وهي عندها تلاتاشر شهر.
 حكاية فطام مريم النفسي مني أصلها من عمر مريم، من ساعة مريم ما اتولدت كان فيه علاقة خاصة بيني وبينها، ويمكن من قبل ما تتولد، الحقيقة أنا وأمها كنا عاوزين بنت، لدرجة إننا اشترينا لها فستان بناتي قبل ما نعرف إنها بنت، وبعدها كنا مستعجلين على السونار اللي يحدد لنا نوعها علشان نطمن، وبالفعل اطمنا لأول مرة في الشهر السادس، من لحظة الميلاد الساعة تلاتة ونص عصر يوم 29 أكتوبر 1990 وأنا متعلق بمريم، في الأسابيع الأولى كنت باحسد أمها إنها بترضع مريم وبتديلها اللي ما قدرش أنا أو أي أب يديه، مش كفاية إنها شايلاها تسع شهور، لأ دي كمان حتستفرد برضاعتها سنة كمان، أي حاجة ممكن أعملها لمريم كنت باعملها، وأول ما بدأنا نقلل رضعات مريم لغينا رضعة النوم علشان نسهل فطامها، فكنت أنا بنيمها بالليل من وهي عندها 6 شهور، وكنت علشان أنيمها أقرا لها شعر، ساعات شوقي وساعات صلاح جاهين وساعات أمل دنقل وساعات صلاح عبد الصبور وساعات محمد سيف وساعات زين العابدين فؤاد، وكتير نجم، وأحيانا كنت أقولها هتافات الطلبة في مظاهرات 72 و73، أو تكبيرات صلاة العيد، المهم كلام فيه وزن فيه إيقاع، طبعًا ما كنتش فاهمة حاجة، لكن ده اتسبب في حاجتين، أول حاجة حبها للشعر اللي مستمر معها لغاية دلوقتي، الحاجة التانية إنها لغاية سنتين فاتت ما كنتش تقدر تنام غير لو قريت لها شعر، حتى لو مسافر كنت أكلمها بالليل في التليفون أقرا لها شعر، يعني نجحنا في فطامها من الرضاعة الطبيعية بسهولة، لكن أصبحت محتاجة تتفطم مني!
 من سنتين بدأت مريم تنام لوحدها من غير ما أقرا لها شعر، بقت هي تقرا بنفسها أو تشغل موسيقى أو أغاني أو شعر من اللي مخزناه على الكومبيوتر بتاعها. ساعتها بس حسيت إنها كبرت، وحسيت مرة تانية إنها نضجت لما قالت لنا إنها بتحب، لما كانت طفلة كنت متصور إني هأغير عليها لما تحب أو تيجي تتجوز، لكن دلوقتي تأكدت إني أنا كمان نضجت، وإني مش بغير عليها، كمان أنا مطمئن عليها، وواثق فيها، متأكد من حسن تقديرها ورجاحة تفكيرها، علشان كده مش حاسس بأي مشكلة في "مراهقة" مريم."
 ده اللي كتبته من تمن سنين، كانت مريم قربت تدخل الجامعة، دلوقتي مريم اتخرجت، وخلصت الماجستير بتاعها من إنجلترا واتخصصت في الأنثربولوجي، وابتدت تدرس حقوق في جامعة القاهرة... دلوقتي مريم بتشتغل، من صباحة ربنا لأخر الليل في شغلها، دلوقتي أنا باتعلم من مريم وباستفيد من رسالتها وأبحاثها اللي بتعملها في الشغل، بتفتح قدامي أفاق أوسع في أبحاثي وبتديني أفكار ماكنتش شايفها، وباتأكد كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله إنه آن الآوان إن جيلي لازم يتعلم من جيلها...
 كل سنة وإنتي طيبة يا مريم...

الجمعة، 23 أكتوبر 2015


حصار سيدنا الحسين في مقامه

 اتخذت وزارة الأوقاف قرارًا بإغلاق ضريح سيدنا الحسين لمدة ثلاثة أيام بمناسبة حلول عاشورا، التي توافق ذكرى استشهاد سيدنا الحسين، وجاء القرار بدعوى منع الشيعة من دخول الضريح وممارسة الطفوس الاحتفالية التي يمارسونها في هذه الذكرى.
 وفي نفس السياق أعلنت الوزارة تكليف عدد من العاملين فيها بمراقبة المكان لمنع أي ممارسات شيعية في هذه الذكرى، ومن جانبها أعلن السلفيون أنهم سيقومون هم أيضًا بالتواجد بالمكان لمنع الشيعة من الاحتفال بهذه المناسبة.
 ما يحدث تعدي على حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية التي يكفلها الدستور، لكن خرق الدستور ومخالفة مواده لم يعد بغريب ولا جديد، لكن ما يحدث كذلك إعلان عن تبني مؤسسات الدولة مفاهيم السلفية ومحاربتها لكل المفاهيم المختلفة معها، وأظن أن هذا أيضًا ليس بجديد، فمنذ سنوات ومؤسسات الدولة تحارب الاحتفالات الشعبية والموالد لحساب السلفية التي غزت عقل الدولة المصرية، فخلال السنوات الماضية تكررت ظاهرة الاحتفال بالموالد من قبل وزارة الأوقاف والمحليات، خاصة مولد سيدنا الحسين بدعاوى مختلفة، كما تغاضت الدولة عن عديد من جرائم السلفيين التي ارتكبوها ضد أضرحة الأولياء في عدد من محافظات مصر.
 بحثت في أوراقي القديمة فعثرت على هذا المقال الذي نشرته قبل ست سنوات في جريدة الدستور القاهرية، وأعيد نشره اليوم بمناسبة قرار وزارة الأوقاف بإغلاق ضريح سيدنا الحسين.

*****

مخربشات
دفاعًا عن موالدنا
عماد أبو غازي
  في هوجة المواجهة الحكومية لأنفلونزا إن إتش وان اتخذت الحكومة قرارًا بإلغاء الاحتفالات بالموالد هذا العام، وقد أثار القرار انتقادات واسعة بين أتباع الطرق الصوفية ومرتادي الموالد، كما أثار أسئلة منطقية عديدة، مثل: لماذا تلغى الموالد ولا تلغى عمرة رمضان تمامًا رغم أن السعودية المصدر الأول لأنفلونزا إن إتش وان إلى مصر؟ ولماذا ألغيت الموالد بينما لم تلغ تجمعات جماهيرية أخرى مثل العروض السينمائية والمباريات الرياضية رغم أن الأخيرة كانت سببًا في أكبر حالة عدوى جماعية ظهرت في مصر إلى الآن؟ ولماذا لا تؤجل الدراسة في المدارس والجامعات؟ وبالمقابل يتسأل المتسائلون لماذا لم تتوقف الأنشطة الاجتماعية والفنية والرياضية في مختلف دول العالم ومنها دول فاقت عدد الإصابات فيها مصر بكثير؟
 وهل كانت هناك بالفعل ضرورة لاتخاذ مثل هذا القرار؟
 بغض النظر عن مدى صحة القرار من عدمه، أو عن جدواه ومنطقيته، فإن الحكومة لم تنجح في تطبيق القرار تطبيقًا كاملًا، ففي ميت دمسيس أقيم مولد ماري جرجس كما هي العادة، وفي محافظة كفر الشيخ أعلن المحافظ ـ ومعه الحق فيما أعلنه ـ أن مولد سيدي إبراهيم الدسوقي سيقام في دسوق في موعده لأنه مناسبة اقتصادية اجتماعية مهمة.
 لقد اُتخذ القرار، ومُنع الناس من فرحتهم بمولد السيدة زينب، لكن اللافت للنظر والخطير في الأمر تصريح نُسب للدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف قال فيه: إن أنفلونزا الخنازير كانت مناسبة لإلغاء الموالد هذا العام تمهيدًا لمنعها نهائيًا، إذن أعلنت وزارة الأوقاف رسميًا وعلى لسان وزيرها الحرب على الموالد، والأنفلونزا مجرد حجة، مثلما حدث مع الخنازير عند بداية ظهور الوباء، حيث أعلن مسؤل رسمي أن الأنفلونزا كانت فرصة لتنفيذ قرار مبيت لدى الحكومة بالتخلص من الخنازير في بر مصر. وإذا كانت مذبحة الخنازير قد مرت فلا ينبغي أن تمر تصريحات وزير الأوقاف دون مراجعة، خاصة أن السنوات الماضية شهدت أكثر من مرة ممارسات متعددة للتضييق على المحتفلين بالموالد الأمر الذي ينبأ بنية مبيته للقضاء على طقس من الطقوس الاحتفالية الشعبية في مصر، ويكشف عن اختراق وهابي إخواني للحكومة المصرية، والغريب أن يصل الاختراق إلى وزارة الأوقاف التي يتولاها عالم وأكاديمي يرى فيه الناس نموذجًا لمفكر مستنير، وإذا كانت الحكومة تسعى بجدية لمحاربة التطرف الديني والإرهاب باسم الدين فلتدعم الطرق الصوفية أو على الأقل لتتركها في حالها تنمو بفكرها المتسامح وطقوسها المحببة لقلوب الناس.
 إن الموالد تحارب دائمًا من اتجاهين رغم أنهما يقفان غالبًا على طرفي نقيض إلا أنهما يجتمعان على العداء لهذا الطقس الاحتفالي الشعبي الجميل، الاتجاه السلفي بتنويعاته الذي يرى في الموالد بدعة ينبغي أن تحارب، وقطاعات من المثقفين الذين يتعالون على هذه الاحتفالات ويصفونها بالتخلف لأنهم منعزلون عن روح الشعب وثقافته الحقيقية.
 والموالد من أهم الاحتفالات الشعبية ذات الطابع الديني في مصر، فهي تراث مصري أصيل، ومكون مهم من مكونات ثقافتنا الشعبية المصرية، ولا تخص الموالد أتباع دين من الأديان وحده، بل نحتفل بها جميعًا، مسيحيون ومسلمون، فالمسيحيون المصريون يحتفلون بمولد السيدة العذراء ومولد ماري جرجس وموالد قديسين عديدين بنفس الطقوس التي تصاحب احتفالات المسلمين المصريين بموالد آل البيت وفي مقدمتها احتفالهم بمولد السيدة زينب وسيدنا الحسين، واحتفالهم بموالد أولياء الله الصالحين بطول البلاد وعرضها، هذا بالطبع بالإضافة إلى الاحتفالين الكبيرين بالمولد النبوي الشريف وعيد الميلاد المجيد. ولا يقتصر الأمر على التشابه في مظاهر الاحتفال بل نجد أن المصريين يتشاركون في احتفالاتهم بالموالد مع اختلاف أديانهم.
 ولا تكاد تخلو قرية أو مدينة مصرية من مقام أو ضريح أو مزار لولي مسلم أو لقديس مسيحي، بل إننا نجد في بعض المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية مقاما لولي من الأولياء في كل حي من الأحياء القديمة بالمدينة.
 وتختلف أهمية الموالد في مصر وتتفاوت في حجم المترددين عليها تفاوتا كبيرا، فهناك ما يمكن أن نسميه موالد "قومية" يفد إليها الناس من كل صوب من مصر، مثل موالد سيدنا الحسين والسيدة زينب بالقاهرة والسيد البدوي بطنطا والسيدة العذراء بدرنكة بأسيوط وماري جرجس بميت دمسيس، وهناك موالد أصغر يفد إليها أهالي المحافظة أساسًا وربما بعض الوافدين من خارجها، وهناك موالد صغيرة قاصرة على حي من الأحياء أو قرية من القرى، مثل مولد السيدة عائشة في حي الخليفة بالقاهرة، وهذا المولد من الموالد المتميزة، له سمات خاصة فالاحتفال الأساسي الذي يقع يبدأ عصر يوم 15 شعبان من كل عام يبدأ في شكل كرنفال فني يسير من ميدان القلعة إلى ميدان السيدة عائشة، وأتذكر كذلك من أيام طفولتي مولد سيدي الأبريقي بحي منيل الروضة الذي كان يقتصر على سكان الحي، وكانت الاستعدادات تبدأ لتنظيمه قبل موعده بأيام حيث يطوف المنظمون على أهالي منيل الروضة في بيوتهم لجمع تبرعات هي ملاليم أو قروش قليلة للمساهمة في الصرف على موكب الاحتفال بالليلة الكبيرة للمولد والتي كانت تسمى البندير.
  إن الحفاظ على الموالد جزء من الحفاظ على الهوية الثقافية للمصريين، ومن يحاربها يرتكب جريمة تدمير جزء من التراث الإنساني.

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015


 

 الأرشيف والسلطة

إعداد: عماد أبو غازي
 انتهى اليوم ملتقى "التاريخ الشفوي في أوقات التغيير ـ الجندر والتوثيق وصناعة الأرشيف" الذي نظمته مؤسسة المرأة والذاكرة بالتعاون مع  المجلس الأعلى للثقافة على مدى ثلاثة أيام. وقد اختتم اليوم الأول بمائدة مستديرة حول: "الأرشيف والسلطة"، وهذه هي ورقة النقاش الرئيسية للمائدة التي قمت بإعدادها:
*****
 
 "تدور هذه المائدة حول إشكالية علاقة الأرشيف بالسلطة، وتركز على ثلاثة مداخل أساسية للموضوع:
1.     الإنتاج.
2.     الإتاحة.
3.     المصداقية.

 في البداية سأحاول أن أحدد المصطلحات الأساسية التي تتمحور حولها الورقة:

1)    السلطة:

 إن مصطلح سلطة في العربية يقابله مصطلحان في الإنجليزية: Power وAuthority . وهاتان الكلمتان تستخدمان في اللغة الإنجليزية بمعنيين مختلفين للسلطة؛ حيث يستخدم مصطلح Power للدلالة على السلطة في نطاقها العام والشامل؛ إذ يعني أيضًا: القدرة، الاستطاعة، القوة، أي السلطة بمعنى القدرة على تحقيق المرغوب فيه سواء وجدت مقاومة أو لًا. وقد يتم تحصيلها بطرق مختلفة منها: المشاورة، والتفويض، والمشاركة بصورة محدودة، وقد تقوم على القبول أو الموافقة أو على القسر، بينما يقتصر استخدام مصطلح Authority على ما هو تخصيصي، كأن نقول سلطة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية...  في الفترة الحديثة ساد الفكر السياسي الغربي تصوران "للسلطة" برز أحدهما مؤخرًا بصفة خاصة في المناقشات الأكاديمية، ويدور حول فكرة السلطة بوصفها ظاهرة كمية صرفة، وبهذا المعنى، فإن السلطة لا تزيد عن كونها نوعًا من القدرة على الفعل. أما التصور الثاني فهو أكثر تعقيدًا ويفيد أن السلطة لا تنطوي على القدرة على الفعل وحسب، بل أيضًا على الأحقية فيه. ويرى أن كل من القدرة والحق يتوقفان على قبول أولئك الذين تمارس عليهم السلطة. ويعد هذا التصور الثاني تصورًا محوريًا في الفكر السياسي والاجتماعي الغربي. والمقصود بالسلطة في هذه الورقة سلطة الدولة.


 

افتتاح الملتقى

2)    الأرشيف:

 تحمل كلمة أرشيف أكثر من دلالة: فالأرشيف لفظ يشير إلى المكان الذي تحفظ فيه الوثائق التاريخية حفظًا دائمًا، والأرشيف كذلك يطلق على المؤسسة الرسمية التي تحفظ الوثائق، وتسمى هذه المؤسسة عادة ـ منذ أواخر القرن الثامن عشر ـ باسم "الأرشيف القومي"، كذلك تطلق كلمة أرشيف على محتويات أو مقتنيات مؤسسة الأرشيف القومي، أو محتويات أية مؤسسة أرشيفية فرعية أو متخصصة.
 ويتكون الأرشيف من مجموعة من الوثائق أو مجموعات من الوثائق ترتبط ببعضها، هذه الوثائق قد تكون مدونة أو مسجلة على المواد التقليدية بأنواعها المختلفة، القديم منها والحديث، وقد تكون وثائق رقمية ليس لها أصل مادي خارج الأجهزة والشبكات. هذه الوثائق بأنواعها وأشكالها المختلفة تتراكم في مجموعات مترابطة في المؤسسات التي أنتجتها أو استقبلتها، واحتفظت بها حتى انتهاء الحاجة إليها لتسيير مجريات العمل اليومي. عندئذ تنقل الوثائق أو المجموعات ذات القيمة إلى الأرشيف القومي وتصبح جزءًا من مكوناته، وعندما تنقل الوثائق إلى الأرشيف القومي تحفظ فيه حفظًا دائمًا مؤبدًا بهدف إتاحتها للكافة. ويرى علماء الأرشيف التقليديين أن الوثائق التي تحفظ في الأرشيف ينبغي أن تكون ذات صفة رسمية، أي تكون صادرة عن جهة من جهات الدولة، أو تم توثيقها لديها. وقد اتسع مفهوم الأرشيف في النصف الثاني من القرن العشرين ليشمل وثائق ليست لها صفة رسمية حكومية مثل وثائق الأحزاب والهيئات الخاصة، والشركات، والجمعيات الأهلية، وأرشيفات الأسر والعائلات، والأرشيفات الخاصة للزعماء والقادة والمفكرين والأدباء والفنانين.
    3) الوثيقة:
 الوثيقة مكون أساسي في حديثنا عن الأرشيف، الوثيقة هي الأخرى ذات دلالات متعددة، والوثائق إفراز طبيعي ينتج من خلال ممارسة البشر أفرادًا ومؤسسات ومجتمعات لنشاطهم الطبيعي ومن هنا تأتي قوة علاقتها بالسلطة، ويقصد بالوثيقة كل نص مكتوب أو مدوّن، يشمل على تصرف قانوني أو واقعة قانونية تم تدوينه لحفظ حق من الحقوق، أو لإثبات حالة من الحالات، أو ينتج عن النشاط الإداري خلال العمل اليومي لمؤسسات المجتمع، سواء كانت مؤسسات للدولة أو مؤسسات أهلية.

 مداخل وأسئلة:
المدخل الأول: إنتاج الوثيقة/إنتاج السلطة:
 تدوين الوثائق وليد تحولات اجتماعية وسياسية، انتقال المجتمع من البساطة إلى التركيب، الوثيقة/الأرشيف تعبير عن السلطة وتجلي من تجلياتها، وقد ارتبط تدوين الوثائق في الحضارات الإنسانية المختلفة بظهور الكتابة أو الذاكرة الخارجية للإنسان، التي سمحت له بتدوين خبراته وتناقلها عبر المكان والزمان، كما ارتبط بظهور التكوينات الأولى للسلطة، ومع هذه البدايات المبكّرة، عرفت الحضارات الإنسانية الأولى، فكرة تسجيل المعاملات في شكل وثائق؛ ومنذ عرف الإنسان إنتاج الوثائق كانت الوثيقة منتج من منتجات السلطة، بقدر ما كانت تسهم هي ذاتها في إنتاج السلطة، ويمكن تبيان هذا الجانب بالاقتراب من الموضوع من زاويتين، الأولى: أساليب اتخاذ القرار وتسجيله ونشره، أي الأشكال التي تصدر بها القرارات والخطوات التي تمر بها الوثيقة منذ صدورها إلى أن تصل إلى المخاطبين فيها من رجال الدولة أو تعلن على العامة حسب الأحوال. أما المدخل الثاني فهو مظاهر السلطة وتجسيدها من خلال الوثائق الرسمية، ومدى استخدام الوثيقة في خطاب السلطة.
 إذا كان هذا ماضي العلاقة بين الوثيقة والسلطة فماذا عن حاضرنا اليوم ومستقبلنا؟ هل أدى عصر حضارة الموجة الثالثة، عصر ثورة المعلومات والاتصالات، عصر مجتمع المعرفة، إلى فقدان المؤسسات الرسمية احتكارها لإنتاج الوثائق؟
المدخل الثاني: الإتاحة: السلطة تصنع الأرشيف والأرشيف يصنع السلطة:
 البحث في نظم حفظ الوثائق، وفي مصير الأرشيفات، باعتبار أن الأرشيف الرسمي للدولة هو جزء من ذاكرة السلطة، وإن تحديد ما يحفظ وما لا يحفظ من الوثائق هو جزء من إنتاج السلطة لصورتها أمام الخاضعين لها. لقد ارتبط ظهور الأرشيفات القومية في العالم بنشأة الدولة القومية أو اختلاقها، باعتبار الأرشيف القومي مؤسسة من مؤسسات بناء وعي الأمة بذاتها، أو مؤسسة من مؤسسات بناء الأمة أو صناعتها. فمع ظهور الدول القومية الحديثة في الغرب بدأ الاهتمام بإعادة كتابة تاريخ تلك الدول لتأكيد الجذور البعيدة لهده الدول، كما بدأ التاريخ يتحول من سرد للحوادث إلى علم يقوم على التحليل، ويعتمد على المصادر الأصلية من آثار ووثائق ومرويات، ومن هنا ظهر الاهتمام بإنشاء مؤسسات ثقافية قومية تحفظ هذه المصادر، المتاحف لحفظ الآثار والأرشيفات لحفظ الوثائق والمكتبات لحفظ الإنتاج الفكري، ونُعتت كل من هذه المؤسسات الثلاثة بصفة القومية تعبيرا عن دورها في حفظ التراث القومي للأمة، كما أصبحت تلعب دورًا أساسيًا في المساعدة على كتابة التاريخ، والمساهمة في إعادة صيغة وعي الشعوب بذاتها.
إذا كان أحد أهم أهداف السلطة من السيطرة على الأرشيف يتمثل في تقديم سرديتها للأحداث، فهل نجحت السلطة في مصر في ذلك عبر مراحل تاريخ مؤسساتنا الأرشيفية المختلفة؟ وهل نستطيع اليوم أن نقدم سردنا الموازي؟
المدخل الثالث: المصداقية:
"الوثائق أصدق مصدر لدراسة التاريخ"... "الوثائق مصدر محايد لا يعرف الكذب"... عبارات نرددها كثيرًا على مسامع طلابنا، نقولُها نحن المشتغلون بتدريس علوم الوثائق والأرشيف، ومن قبلنا قالها أساتذة التاريخ، جيل وراء جيل، منذ ظهرت المدارس القومية لكتابة التاريخ التي اعتبرت الأرشيف للمؤرخ بمثابة المعمل للفيزيائي أو الكيمائي أو غيرهما من المشتغلين بالعلوم البحتة والتطبيقية.
 فهل ما اعتدنا أن نردده مرارًا وتكرارا لطلابنا حقيقة؟ وهل فعلا الوثائق ـ بين المصادر التاريخية ـ مصدر لا يكذب؟
 ثلاث أوراق مرجعية للنقاش:
http://scholar.cu.edu.eg/?q=eghazi/publications/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9

 

السبت، 12 سبتمبر 2015


المفكرة المصرية

عماد أبو غازي

 كل سنة وأنتم طيبين النهار ده راس السنة المصرية...

 تنقسم السنة المصرية القديمة إلى اثنى عشر شهرًا متساوية يعقبها الشهر الصغير، نسيء، الذي يتكون من خمسة أيام في السنوات البسيطة وستة أيام في السنوات الكبيسة، وتحدد المفكرة الزراعية التي يعتمدها الفلاح المصري ما يزرع وما يجنى في كل يوم من أيام السنة، ولكل شهر من الشهور المصرية القديمة التي ظلت تحكم حياتنا الزراعية عبر آلاف السنين عبارات وأمثال شعبية ترتبط به.
رطب توت
 وشهر توت أول شهور السنة المصرية القديمة، ومن المقولات التي ترتبط به: "رطب توت" ففي هذا الشهر بداية موسم البلح.
 وينسب شهر توت لتحوت أو جحوتي إله السحر والحكمة والعلوم عند قدماء المصريين، الذي تنسب إليه كل الأمور المتعلقة بالثقافة الذهنية، وهو رب القلم ومخترع الكتابة ومقسم الزمن، لذلك أطلق المصريون اسمه على أول شهور سنتهم، وقد خففوا نطقه بعد ذلك إلى توت، وقد رمزوا له بطائر الأيبس، وكذلك بقرد البابون المصري.
 وتوافق بداية شهر توت يوم 11 سبتمبر في التقويم الميلادي الجريجوري في السنوات البسيطة، ويوم 12 سبتمبر في السنوات الكبيسة، والسنة المصرية الكبيسة تسبق السنة الميلادية الكبيسة بسنة، الأمر الذي يجعل اختلاف يوم بداية السنة المصرية لعام واحد كل أربعة أعوام.
بابه خش واقفل الدرابة
 شهر بابه ثاني شهور السنة المصرية، يقابل اليوم الأول منه يوم 11 أكتوبرفي السنوات العادية و12 أكتوبر في السنوات المصرية الكبيسة، وتختلف وجهات النظر في أصل اسم هذا الشهر، فينسب البعض اسمه إلى مدينة آبه، اسم قديم للأقصر، ربما كان اسم الشهر مأخوذا من إله الزرع بي نت رت، أو من الإله بتاح.
 وترتبط بشهر بابه بعض الحكم والأمثال الشعبية المصرية، فيقولون "إن صح زرع بابه غلب القوم النهابة... وإن هاف زرع بابه غلب القوم النهابة"، فشهر بابه يأتي بعد انحسار الفيضان واخضرار الأرض، ومستوى الزرع فيه يحدد مستقبل المحصول في السنة.
 أما المثل الشهير المرتبط بشهر بابه فيقول: "بابه خش واقفل الدرابة" أو البوابة، فهو يوافق بداية الخريف.
هاتور أبو الدهب منتور
 شهر هاتور ثالث شهور السنة المصرية، توافق بدايته يوم 11 نوفمبر في التقويم الميلادي، وينسب شهر هاتور إلى حتحور إلهة الحب والجمال والمرح، يعني اسمها مقر حور أو منزل حور، هي زوجة حور وعين رع التي انتقمت من أعدائه، تصور في شكل إمرأة ترتدي تاجا على شكل قرص الشمس يحيط بها قرنين، كما تصور كذلك على هيئة بقرة تحمل بين قرنيها قرص الشمس.
 أطلق اسمها على الشهر الثالث لأن الأرض تبدو فيه جميلة بجمال الزرع، وفي هذا الشهر يزرع القمح في الوجه البحري ومن هنا جاء المثل الشعبي المرتبط بالشهر والذي يقول: "هاتور أبو الدهب منتور"، كناية على بذر القمح فيه، ومن الأمثال المرتبطة بشهر هاتور كذلك: "إن فاتك زرع هاتور أصبر لما السنة تدور.
كيهك... صباحك مساك
 شهر كيهك رابع شهور السنة المصرية، ويوافق أوله الحادي عشر من شهر ديسمبر، ومعناه عيد اجتماع الأرواح، كاهاكا، وفقا لما ذكره الأثري المصري محرم كمال في كتابه آثار حضارة الفراعنة في حياتنا الحالية.
 ولشهر كيهك أهمية دينية كبيرة لدى الأقباط الأرثوذوكس؛ ففي التاسع والعشرين منه يحتفلون بعيد الميلاد المجيد، ويقابل هذا اليوم السابع من يناير في التقويم الميلادي الجريجوري، والخامس والعشرين من ديسمبر في التقويم اليولياني.
 ومن الأقوال الشائعة عن شهر كيهك قول الناس: "كيهك صباحك مساك، تقوم من فطورك تحضر عشاك" كناية عن قصر النهار في هذا الشهر، ففي منتصف كيهك يقع الانقلاب الشتوي الذي تصل فيه ساعات النهار إلى حدها الأدنى.
طوبة يخلي الصبية كركوبة
شهر طوبة الشهر الخامس من شهور السنة المصرية، وتوافق بدايته اليوم العاشر من شهر يناير من شهور السنة الميلادية، ولأن شهر طوبة يأتي في قلب الشتاء فقد ارتبطت به أمثال شعبية تشير إلى شدة البرد مثل: "طوبة أبو البرد والعنوبة"، و"طوبة تخلي الصبية كركوبة من كترة البرد والرطوبة"، وفي الكنايات يقال: "ماء طوبة"، إشارة إلى أنه شهر الأمطار في مصر، كما أن معنى الكلمة بالقبطية يشير إلى الغسل والتطهير، وفي العاشر منه عيد الغطاس المجيد.
أمشير أبو الزعابير
 أمشير الشهر السادس من شهور السنة القبطية، وفيه يبدأ الصيام الكبير للمسيحيين. وتوافق بدايته الثامن من شهر فبراير، وينسب إلى إله الرياح والعواصف، ففي هذا الشهر تشتد الرياح وفي العشر الأواخر منه تبدأ رياح الخماسين في مصر، والأقوال الشعبية المرتبطة بهذا الشهر تشير عادة إلى الرياح والعواصف، مثل: "أمشير أبو الطبل الكبير" أو "أبو الزعابيب الكتير" أو "أبو الزعابير"، ومنها "أمشير يقول لبرمهات عشرة مني وخد وعشرة منك هات تطير العجوز بين الفكات" إشارة إلى امتداد العواصف الترابية في العشر الأواخر منه والعشر الأوائل من الشهر الذي يليه، شهر برمهات. ولأن الزرع ينمو في أمشير ويقترب من النضج نقول: "أمشير يقول للزرع سير بلا تعسير القصير يحصل الطويل".
برمهات... روح الغيط وهات
 شهر برمهات السابع من شهور السنة المصرية القديمة، ويشير عالم المصريات محرم كمال في كتابه "آثار حضارة الفراعنة في حياتنا اليومية" إلى أن الشهر ينسب إلى أمنحتب.
 وفي شهر برمهات تأتي بداية الاعتدال الربيعي، وتنمو الزروع بسبب اعتدال الحرارة، ومن هنا قال الناس: "برمهات... روح الغيط وهات... أمحات وعدسات وبصلات".
برموده دق بالعموده
 برموده الشهر الثامن من شهور السنة المصرية القديمة وتوافق بدايته التاسع من شهر أبريل، وينسب شهر برموده إلى الإله رنوده إله الحصاد والمحصول عند المصريين القدماء، وفي هذا الشهر كان الحصاد يكتمل، ويقال في الأمثال: "برموده دق بالعموده"، كما يقال ورد برموده ففيه تزهر الزهور وتتفتح.
بشنس يكنس الأرض كنس
 شهر بشنس تاسع شهور السنة المصرية القديمة، وتصادف بدايته التاسع من مايو، وينسب إلى خنسو إله القمر عند المصريين القدماء، وفيه بداية اشتداد الحر، لذلك كان سلاطين المماليك يرتدون فيه الملابس الصيفية، وتحفل المصادر التاريخية التي ترجع إلى ذلك العصر بالإشارات إلى ارتداء السلطان البياض في بشنس، أي خلعه للملابس الشتوية وارتدائه للملابس الصيفية، ويقال في الأمثال: "بشنس يكنس الأرض كنس"، لأن المحاصيل تكون قد جنيت وتصبح الأرض فيه جرداء، كما يقال "نبق بشنس"، لأن ثمار النبق تنضج فيه.
بؤونه تكتر فيه الحرارة الملعونة
 بؤونه الشهر العاشر من شهور السنة المصرية القديمة، وتوافق بدايته الثامن من شهر يونيو بالتقويم الجريجوري، وفي 12 بؤونه يبدأ الفيضان وكان المصريون يحتفلون فيه بعيد نزول النقطة، ومن الأمثال الشعبية المرتبطة بشهر بؤونه: "بؤونه تكتر فيه الحرارة الملعونة، فهو أشد شهور السنة حرارة في مصر.
إن كلت ملوخية في أبيب هات لبطنك طبيب
 شهر أبيب الشهر الحادي عشر من شهور السنة المصرية القديمة، وتوافق بدايته الثامن من يوليو، وأصله وفقا لرواية الأثري المصري محرم كمال أبيبي وينسب للإله أبيبي، الذي يرمز له بالثعبان الكبير الذي أهلكه حور في الأسطورة الأوزيرية، في إشارة إلى الانتصار على التحاريق، ففي أبيب يتبدأ بشائر فيضان النيل.
 ويقال في الأمثال: "أبيب طباخ العنب والزبيب" في إشارة إلى نضج العنب في هذا الشهر، كما يقال كذلك "تين أبيب".
 ويرتبط بهذا الشهر مثل آخر يقول: "إن كلت ملوخية في أبيب هات لبطنك طبيب"، فالخبرة أوصلت المصري أن أكل الملوخية في فترة الحرارة المرتفعة والرطوبة تؤدي إلى إضرابات في الجهاز الهضمي.
مسر ى تجري فيها كل ترعة عسرة
 شهر مسرى أو مس رع، بمعنى ابن رع، الثاني عشر من شهور السنة المصرية القديمة، يبدأ في السابع من شهر أغسطس من شهور السنة الميلادية، وفيه يبلغ فيضان النيل ذروته لذلك ترتبط أمثال هذا الشهر بالفيضان، فيقال: "وإن ما جات مسرى تعجعج بنيلها لا خير في نيل يجيي في توت"، كما يقال: "مسرى تجري فيها كل ترعة عسرة".

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...