الخميس، 29 أكتوبر 2015


مريم وأنا

 النهارده مريم بنتي بتكمل 25 سنة اتولدت يوم 29 أكتوبر 1990 الساعة 3 ونص العصر، دي مقالة كتبتها في الدستور من 8 سنين بانشرها هنا النهارده.

 كل سنة وأنتي طيبة يا مريم...

عماد أبو غازي

 


 "مريم بنتي عمرها النهاردة سبعتاشر سنة ونص، البنت كبرت، على وش دخول الجامعة، ما شعرتش بمفاجأة إطلاقًا بدخولها لمرحلة جديدة من عمرها، اللي بنسميهما المراهقة، يمكن لأنه بالنسبة لي شايفها بتكبر قصادي يوم بيوم وساعة بساعة، ويمكن لأني دايمًا حاسس إنها ناضجة من صغرها.
 الحاجة اللي خلتني أشعر إنها كبرت فعلًا، استقلالها عني، وقدرتها على إنها تنام بالليل من غيري، اتفطمت مني فطام نفسي بعد فطامها الطبيعي من أمها وهي عندها تلاتاشر شهر.
 حكاية فطام مريم النفسي مني أصلها من عمر مريم، من ساعة مريم ما اتولدت كان فيه علاقة خاصة بيني وبينها، ويمكن من قبل ما تتولد، الحقيقة أنا وأمها كنا عاوزين بنت، لدرجة إننا اشترينا لها فستان بناتي قبل ما نعرف إنها بنت، وبعدها كنا مستعجلين على السونار اللي يحدد لنا نوعها علشان نطمن، وبالفعل اطمنا لأول مرة في الشهر السادس، من لحظة الميلاد الساعة تلاتة ونص عصر يوم 29 أكتوبر 1990 وأنا متعلق بمريم، في الأسابيع الأولى كنت باحسد أمها إنها بترضع مريم وبتديلها اللي ما قدرش أنا أو أي أب يديه، مش كفاية إنها شايلاها تسع شهور، لأ دي كمان حتستفرد برضاعتها سنة كمان، أي حاجة ممكن أعملها لمريم كنت باعملها، وأول ما بدأنا نقلل رضعات مريم لغينا رضعة النوم علشان نسهل فطامها، فكنت أنا بنيمها بالليل من وهي عندها 6 شهور، وكنت علشان أنيمها أقرا لها شعر، ساعات شوقي وساعات صلاح جاهين وساعات أمل دنقل وساعات صلاح عبد الصبور وساعات محمد سيف وساعات زين العابدين فؤاد، وكتير نجم، وأحيانا كنت أقولها هتافات الطلبة في مظاهرات 72 و73، أو تكبيرات صلاة العيد، المهم كلام فيه وزن فيه إيقاع، طبعًا ما كنتش فاهمة حاجة، لكن ده اتسبب في حاجتين، أول حاجة حبها للشعر اللي مستمر معها لغاية دلوقتي، الحاجة التانية إنها لغاية سنتين فاتت ما كنتش تقدر تنام غير لو قريت لها شعر، حتى لو مسافر كنت أكلمها بالليل في التليفون أقرا لها شعر، يعني نجحنا في فطامها من الرضاعة الطبيعية بسهولة، لكن أصبحت محتاجة تتفطم مني!
 من سنتين بدأت مريم تنام لوحدها من غير ما أقرا لها شعر، بقت هي تقرا بنفسها أو تشغل موسيقى أو أغاني أو شعر من اللي مخزناه على الكومبيوتر بتاعها. ساعتها بس حسيت إنها كبرت، وحسيت مرة تانية إنها نضجت لما قالت لنا إنها بتحب، لما كانت طفلة كنت متصور إني هأغير عليها لما تحب أو تيجي تتجوز، لكن دلوقتي تأكدت إني أنا كمان نضجت، وإني مش بغير عليها، كمان أنا مطمئن عليها، وواثق فيها، متأكد من حسن تقديرها ورجاحة تفكيرها، علشان كده مش حاسس بأي مشكلة في "مراهقة" مريم."
 ده اللي كتبته من تمن سنين، كانت مريم قربت تدخل الجامعة، دلوقتي مريم اتخرجت، وخلصت الماجستير بتاعها من إنجلترا واتخصصت في الأنثربولوجي، وابتدت تدرس حقوق في جامعة القاهرة... دلوقتي مريم بتشتغل، من صباحة ربنا لأخر الليل في شغلها، دلوقتي أنا باتعلم من مريم وباستفيد من رسالتها وأبحاثها اللي بتعملها في الشغل، بتفتح قدامي أفاق أوسع في أبحاثي وبتديني أفكار ماكنتش شايفها، وباتأكد كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله إنه آن الآوان إن جيلي لازم يتعلم من جيلها...
 كل سنة وإنتي طيبة يا مريم...

الجمعة، 23 أكتوبر 2015


حصار سيدنا الحسين في مقامه

 اتخذت وزارة الأوقاف قرارًا بإغلاق ضريح سيدنا الحسين لمدة ثلاثة أيام بمناسبة حلول عاشورا، التي توافق ذكرى استشهاد سيدنا الحسين، وجاء القرار بدعوى منع الشيعة من دخول الضريح وممارسة الطفوس الاحتفالية التي يمارسونها في هذه الذكرى.
 وفي نفس السياق أعلنت الوزارة تكليف عدد من العاملين فيها بمراقبة المكان لمنع أي ممارسات شيعية في هذه الذكرى، ومن جانبها أعلن السلفيون أنهم سيقومون هم أيضًا بالتواجد بالمكان لمنع الشيعة من الاحتفال بهذه المناسبة.
 ما يحدث تعدي على حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية التي يكفلها الدستور، لكن خرق الدستور ومخالفة مواده لم يعد بغريب ولا جديد، لكن ما يحدث كذلك إعلان عن تبني مؤسسات الدولة مفاهيم السلفية ومحاربتها لكل المفاهيم المختلفة معها، وأظن أن هذا أيضًا ليس بجديد، فمنذ سنوات ومؤسسات الدولة تحارب الاحتفالات الشعبية والموالد لحساب السلفية التي غزت عقل الدولة المصرية، فخلال السنوات الماضية تكررت ظاهرة الاحتفال بالموالد من قبل وزارة الأوقاف والمحليات، خاصة مولد سيدنا الحسين بدعاوى مختلفة، كما تغاضت الدولة عن عديد من جرائم السلفيين التي ارتكبوها ضد أضرحة الأولياء في عدد من محافظات مصر.
 بحثت في أوراقي القديمة فعثرت على هذا المقال الذي نشرته قبل ست سنوات في جريدة الدستور القاهرية، وأعيد نشره اليوم بمناسبة قرار وزارة الأوقاف بإغلاق ضريح سيدنا الحسين.

*****

مخربشات
دفاعًا عن موالدنا
عماد أبو غازي
  في هوجة المواجهة الحكومية لأنفلونزا إن إتش وان اتخذت الحكومة قرارًا بإلغاء الاحتفالات بالموالد هذا العام، وقد أثار القرار انتقادات واسعة بين أتباع الطرق الصوفية ومرتادي الموالد، كما أثار أسئلة منطقية عديدة، مثل: لماذا تلغى الموالد ولا تلغى عمرة رمضان تمامًا رغم أن السعودية المصدر الأول لأنفلونزا إن إتش وان إلى مصر؟ ولماذا ألغيت الموالد بينما لم تلغ تجمعات جماهيرية أخرى مثل العروض السينمائية والمباريات الرياضية رغم أن الأخيرة كانت سببًا في أكبر حالة عدوى جماعية ظهرت في مصر إلى الآن؟ ولماذا لا تؤجل الدراسة في المدارس والجامعات؟ وبالمقابل يتسأل المتسائلون لماذا لم تتوقف الأنشطة الاجتماعية والفنية والرياضية في مختلف دول العالم ومنها دول فاقت عدد الإصابات فيها مصر بكثير؟
 وهل كانت هناك بالفعل ضرورة لاتخاذ مثل هذا القرار؟
 بغض النظر عن مدى صحة القرار من عدمه، أو عن جدواه ومنطقيته، فإن الحكومة لم تنجح في تطبيق القرار تطبيقًا كاملًا، ففي ميت دمسيس أقيم مولد ماري جرجس كما هي العادة، وفي محافظة كفر الشيخ أعلن المحافظ ـ ومعه الحق فيما أعلنه ـ أن مولد سيدي إبراهيم الدسوقي سيقام في دسوق في موعده لأنه مناسبة اقتصادية اجتماعية مهمة.
 لقد اُتخذ القرار، ومُنع الناس من فرحتهم بمولد السيدة زينب، لكن اللافت للنظر والخطير في الأمر تصريح نُسب للدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف قال فيه: إن أنفلونزا الخنازير كانت مناسبة لإلغاء الموالد هذا العام تمهيدًا لمنعها نهائيًا، إذن أعلنت وزارة الأوقاف رسميًا وعلى لسان وزيرها الحرب على الموالد، والأنفلونزا مجرد حجة، مثلما حدث مع الخنازير عند بداية ظهور الوباء، حيث أعلن مسؤل رسمي أن الأنفلونزا كانت فرصة لتنفيذ قرار مبيت لدى الحكومة بالتخلص من الخنازير في بر مصر. وإذا كانت مذبحة الخنازير قد مرت فلا ينبغي أن تمر تصريحات وزير الأوقاف دون مراجعة، خاصة أن السنوات الماضية شهدت أكثر من مرة ممارسات متعددة للتضييق على المحتفلين بالموالد الأمر الذي ينبأ بنية مبيته للقضاء على طقس من الطقوس الاحتفالية الشعبية في مصر، ويكشف عن اختراق وهابي إخواني للحكومة المصرية، والغريب أن يصل الاختراق إلى وزارة الأوقاف التي يتولاها عالم وأكاديمي يرى فيه الناس نموذجًا لمفكر مستنير، وإذا كانت الحكومة تسعى بجدية لمحاربة التطرف الديني والإرهاب باسم الدين فلتدعم الطرق الصوفية أو على الأقل لتتركها في حالها تنمو بفكرها المتسامح وطقوسها المحببة لقلوب الناس.
 إن الموالد تحارب دائمًا من اتجاهين رغم أنهما يقفان غالبًا على طرفي نقيض إلا أنهما يجتمعان على العداء لهذا الطقس الاحتفالي الشعبي الجميل، الاتجاه السلفي بتنويعاته الذي يرى في الموالد بدعة ينبغي أن تحارب، وقطاعات من المثقفين الذين يتعالون على هذه الاحتفالات ويصفونها بالتخلف لأنهم منعزلون عن روح الشعب وثقافته الحقيقية.
 والموالد من أهم الاحتفالات الشعبية ذات الطابع الديني في مصر، فهي تراث مصري أصيل، ومكون مهم من مكونات ثقافتنا الشعبية المصرية، ولا تخص الموالد أتباع دين من الأديان وحده، بل نحتفل بها جميعًا، مسيحيون ومسلمون، فالمسيحيون المصريون يحتفلون بمولد السيدة العذراء ومولد ماري جرجس وموالد قديسين عديدين بنفس الطقوس التي تصاحب احتفالات المسلمين المصريين بموالد آل البيت وفي مقدمتها احتفالهم بمولد السيدة زينب وسيدنا الحسين، واحتفالهم بموالد أولياء الله الصالحين بطول البلاد وعرضها، هذا بالطبع بالإضافة إلى الاحتفالين الكبيرين بالمولد النبوي الشريف وعيد الميلاد المجيد. ولا يقتصر الأمر على التشابه في مظاهر الاحتفال بل نجد أن المصريين يتشاركون في احتفالاتهم بالموالد مع اختلاف أديانهم.
 ولا تكاد تخلو قرية أو مدينة مصرية من مقام أو ضريح أو مزار لولي مسلم أو لقديس مسيحي، بل إننا نجد في بعض المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية مقاما لولي من الأولياء في كل حي من الأحياء القديمة بالمدينة.
 وتختلف أهمية الموالد في مصر وتتفاوت في حجم المترددين عليها تفاوتا كبيرا، فهناك ما يمكن أن نسميه موالد "قومية" يفد إليها الناس من كل صوب من مصر، مثل موالد سيدنا الحسين والسيدة زينب بالقاهرة والسيد البدوي بطنطا والسيدة العذراء بدرنكة بأسيوط وماري جرجس بميت دمسيس، وهناك موالد أصغر يفد إليها أهالي المحافظة أساسًا وربما بعض الوافدين من خارجها، وهناك موالد صغيرة قاصرة على حي من الأحياء أو قرية من القرى، مثل مولد السيدة عائشة في حي الخليفة بالقاهرة، وهذا المولد من الموالد المتميزة، له سمات خاصة فالاحتفال الأساسي الذي يقع يبدأ عصر يوم 15 شعبان من كل عام يبدأ في شكل كرنفال فني يسير من ميدان القلعة إلى ميدان السيدة عائشة، وأتذكر كذلك من أيام طفولتي مولد سيدي الأبريقي بحي منيل الروضة الذي كان يقتصر على سكان الحي، وكانت الاستعدادات تبدأ لتنظيمه قبل موعده بأيام حيث يطوف المنظمون على أهالي منيل الروضة في بيوتهم لجمع تبرعات هي ملاليم أو قروش قليلة للمساهمة في الصرف على موكب الاحتفال بالليلة الكبيرة للمولد والتي كانت تسمى البندير.
  إن الحفاظ على الموالد جزء من الحفاظ على الهوية الثقافية للمصريين، ومن يحاربها يرتكب جريمة تدمير جزء من التراث الإنساني.

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...