رحلة مع حكاية المصريين والدستور
خاتمة
الدستور الذي نريده... الدستور الذي نستحقه...
عماد أبو غازي
أذكر أنه في سبتمبر 2013 طلبت جريدة الأخبار مني
أن أكتب فقرة عن رؤيتي للدستور الذي نريده، فكانت هذه الكلمات:
"ماذا نريد من الدستور الجديد ؟
رغم أن أول دستور مصري صدر في عهد الخديوي
إسماعيل في سبعينيات القرن التاسع عشر إلا أن النضال الدستوري في مصر أقدم من ذلك
بكثير، ففي عام 1795 ثار المصريون من أجل تقييد سلطات مراد بك وإبراهيم بك كبيرا
المماليك في ذلك الوقت، ونجحوا في إرغامهما على التوقيع على حجة شرعية تحد من
قراراتهما بفرض الضرائب ومصادرة الحقوق دون الرجوع الى ممثلي الشعب، وعندما ثار
المصريون مرة أخرى بعدها بعشر سنوات وفرضوا على السلطان العثماني تعيين محمد علي
باشا حاكمًا على ولاية مصر وضعوا شروطًا ألزموا بها محمد علي في إدارته للبلاد،
ورغم خرق محمد علي لتلك الشروط، إلا أن هذه كانت البداية الأولى للنضال الدستوري
في مصر.
وطوال أكثر من قرنين من الزمان تواصل نضال الشعب
المصري من أجل دستور يصون الحريات ويضمن حق نواب الشعب في مراقبة الحكومة.
ما الذي نريده في دستورها الجديد؟
نريد دستورًا يضمن احترام حقوق المواطنة لكل
المصريين، نريد دستورًا يصون الحريات السياسية والشخصية ويحمي حريات الفكر
والاعتقاد والتعبير، وحرية الإبداع والبحث العلمي والحريات الأكاديمية، ويحترم
حقوق الإنسان وفقًا لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي شاركت مصر في
صياغته قبل أكثر من ستين عامًا، نريد دستورًا يقوم على الفصل بين السلطات ويضمن
استقلال حقيقي للقضاء، نريد دستورًا أساسه المساواة التامة بين جميع المواطنين،
نريد دستورًا يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية ويحمي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية للمواطنين، نريد دستورًا لا يسمح للسلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية
بسلب الحقوق الدستورية بتعليقها على تشريع قانوني.
ضمان الحريات شرط أساسي
لتطور هذا المجتمع وليس رفاهية للنخبة، والدستور ينبغي أن يعبر عن توافق مجتمعي
وليس عن رؤية الأغلبية البرلمانية ورأيها."
كان الرئيس عدلي منصور قد أصدر قرارًا بتشكيل
لجنة الخبراء لدراسة تعديل دستور 2012 المعطل في 20 يوليو 2013، وبدأت اللجنة
عملها فورًا، وانتهت منه بعد قرابة شهر، وفي الأول من سبتمبر صدر قرار جمهوري
بتشكيل لجنة الخمسين المكلفة بصياغة تعديلات الدستور، وضمت اللجنة ممثلين للأحزاب
والقوى السياسية والنقابات والاتحادات والمؤسسات الدينية والقوات المسلحة والشرطة،
ومختلف فئات المجتمع، وشارك فيها من تيارات الإسلام السياسي ممثل لحزب النور وعضو
سابق بجماعة الإخوان المسلمين، ولم يشارك فيها بالطبع أي ممثلين لجماعة الإخوان
وحزبها والأحزاب المتحالفة معها، وترأس أعمال اللجنة السيد عمرو موسى.
وبدأ عمل لجنة الخمسين لتعديل الدستور بعد أسبوع
من تشكيلها، ونظمت جلسات استماع لمختلف فئات المجتمع، وفي الأسبوع الأخير من شهر
سبتمبر نظمت جريدة التحرير ندوة بمركز إعداد القادة لمناقشة مسودة الدستور، وقد
شاركت في أعمال الندوة بإدارة الجلسة المخصصة لمناقشة باب الحقوق والحريات.
وهذه
بعض مقطتفات من التقرير الذي قدمته عن أعمال الجلسة التي أدرتها في الندوة، وتم
إرساله مع باقي أعمال الندوة إلى لجنة الخمسين:
"تقرير
عن أعمال ورشة باب الحقوق والحريات"
"شارك في الجلسة
قرابة ثلاثين يمثلون فئات مختلفة من المجتمع ما بين أكاديميين،
ومبدعين، وإعلاميين، وممثلين لمنظمات مجتمع مدني مختلفة معنية بحقوق الأقليات
وحقوق المعاقين، وسياسيين، نساء ورجال، كما شارك في أعمال الورشة اثنان من أعضاء
لجنة الخمسين.
قدم كل من الدكتور حنا جريس والدكتور وحيد عبد
المجيد ورقة بحثية تشتبك مع باب الحقوق والحريات في المسودة المقدمة من لجنة
العشرة، ودارات مناقشة موسعة استمرت قرابة ثلاث ساعات، شارك فيها أكثر من عشرين من
الحاضرين، وفيما يلي الورقة المقترحة وهي مزج بين الورقتين المقدمتين في الورشة
وحصيلة النقاش.
.........
الحقوق
والحريات في التعديل الدستوري 2013
الهدف الأصيل للدستور هو التعبير الواضح عن العقد
الاجتماعي بين أطياف الشعب وبعضها البعض، هذا العقد الذي يحدد بوضوح حقوق الأفراد
والجماعات وحرياتهم الشخصية والسياسية والاجتماعية، ويحدد من ناحية أخرى طبيعة
الدولة التي يرتضيها الشعب، كما يحدد السلطات الممنوحة لهذه الدولة لتحقيق أهداف
العقد الاجتماعي، ويضع الحدود علىها حتى
لا تتغول بالسلطة الممنوحة لها على حريات الأفراد والجماعات، ومن ثم فالدستور
يسجل ما اتفق عليه الشعب من إطار مرجعي للعلاقات القانونية بين أفراده، والعلاقة
بينهم والدولة؛ من يحكم وكيف يحكم.
.........
فإن أردنا تلخيصًا لمسار الحركة الدستورية في مصر سنكتشف الحضور الطاغي
للحكم والدولة في عملية إنتاج الدستور وكتابته، فمنذ العام 1866 نلحظ أن هذه
الطريقة الثابتة في انتاج الدستور، وتتلخص في أن تتختار الدولة الطبقة الاجتماعية
التي تستند عليها ثم تشكل بها ورموزها الكيان الرسمي لإنتاج الدستور، هكذا تم
اختيار لجنة الثلاثين لوضع دستور 1923، وهكذا قدمت الدولة دستور 1930، وهكذا تم
تقديم دساتير 1956، 1964، 1971.
وفي كل هذه
الدساتير سجل المشرع الدستوري العديد من
المواد التي تتعلق بالحقوق والحريات، لكنه أضاف في الوقت نفسه ما يجعل من الدولة
الوصي المسيطر على الإطار الحاكم لها، ومن ثم تضخمت التعريفات الخاصة بالمجتمع
وطبيعته الثقافية والأخلاقية في الباب الأول للدستور، ومن ثم شكل هذا الباب
"المقومات الأساسية للدولة والمجتمع" المدخل الأساسي للدولة وللقوى
المحافظة الدينية في المجتمع للعصف بالكثير من الحقوق مثل: حق التظاهر، والاضراب
عن العمل، وممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين، وغيرها، وأيضا العصف بالكثير من
الحريات مثل حرية الإبداع والتعبير والنشر وغيرها، رغم إقرارها بشكل واضح لا لبس
فيه في كافة الدساتير .
وقد أدرك التيار اليميني الديني المحافظ هذه الحقيقة فعمل على الاستفادة
منها في تأسيس تصورهم عن الدولة في دستور
2012 المعطل، فقد أضافوا فقرة أخيرة
للمادة 81 وهي الأخيرة في باب الحقوق والحريات جا نصها كالتالي:
"تمارس هذه الحقوق والحريات بما لا
يتعارض مع المبادئ الواردة في باب المجتمع والدولة بهذا الدستور"
مسودة الدستور الحالية
واضح مما عرضناه سابقًا أن بنية الدستور وفلسفته لم تتغير منذ دستور 1956،
وإنه يجعل من الدولة/السلطة المحدد الأساسي لهوية المجتمع وبنيته الأخلاقية، ويحدد
أيضًا دور الدولة في الرعاية الاجتماعية للمواطنين والتي يصاحبها الوصاية الأخلاقية
عليهم.
وعندما سنحت الفرصة للتيار
الإسلامي لكتابة دستورًا جديدًا (دستور 2012)، لم يغيروا شيئًا في فلسفة أخر طبعات
دساتير يوليو، دستور 1971، فهذه الفلسفة في الحقيقة تناسب العقلية المحافظة
الدينية ومن ثم لم يغيروا شيئًا في بنية الدستور فيما يتعلق بالحقوق والحريات،
وإنما أضافوا إليه ما يعزز الوصاية الأخلاقية والدينية على المجتمع.
ومسودة لجنة الخبراء التي يناقشها الآن أعضاء لجنة الخمسين تشير إلى أن
اللجنة قد أزالت كل أضافة التيار الإسلامي من فقرات ومواد تحاصر الحقوق والحريات
بأكثر مما هي عليه في الدساتير السابقة.
واللجنة بهذه التعديلات قد أعادت
الدستور لوضع كبير الشبه بدستور 1971، فقد أبقت على باب مقومات الدولة والمجتمع،
وإن قسمته إلى بابين هما باب الدولة، وباب مقومات الأساسية للمجتمع؛ وفي هذا الباب
ابقت في فصله الأول على عنوان استحدثه دستور 2012
(المقومات الاجتماعية والأخلاقية)، وأخيرًا فإن المسودة تضع في ديباجة
الدستور الاحتفاء بحقوق المواطنين وحرياتهم في مكانة متقدمة.
غير أن المسودة الحالية تعاني من عدة مشاكل فيما يتعلق بحماية الحقوق
والحريات نسردها على النحو التالي:
أولًا: الاستمرار في وضع الحقوق والحريات رهينة لما يقرره المشرع الدستوري
لماهية المجتمع وأخلاقه وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على حقوق الناس وحرياتهم.
فعلى سبيل المثال فإن حرية
الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية طبقًا للمادة 47 تطرح سؤالين عن تحديد حرية
الممارسة بـ"الأديان السماوية" وعن طبيعة القانون الذي سينظم أو يحجب
هذا الحق في ممارسة الشعائر الدينية وبناء دور العبادة في ظل المواد 2،4،219 إذا
تم إقراراها.
ثانيًا: أن الكثير من الحقوق والحريات الواردة في الدستور يحال تنظيمًا إلى
القانون، وليس هناك ما يحصن هذه الحقوق والحريات من الانتقاص منها في القانون أو
في الممارسة العملية كما أن المادة 68 التي تنص على أن:-
"الحقوق والحريات اللصيقة بشخص
المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا ولا يجوز لأي قانون ينظم الحقوق والحريات أن
يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها."
لا تحدد ما هي الحقوق والحريات
"اللصيقة" بشخص المواطن، ربما علينا أن نعيد صياغتها لتكون أكثر تحديدًا
على النحو التالي:-
"الحقوق والحريات الواردة في هذا
الدستور لصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا ولا يجوز لأي قانون ينظم
الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها."
ثالثًا: لم يشر المشرع الدستوري إلى المواثيق والعهود الدولية المتعلقة
بحقوق الإنسان والتي وقعت عليها مصر وصادقت على العديد منها باعتبارها ملزمة
للمشرع المصري حال إصداره القوانين التي تنظم هذه الحقوق أو تتقاطع معها، خاصة تلك
المتعلقة بحقوق النساء والأطفال والأقليات، وحقوق التظاهر والإضراب، وأيضًا ما يتعلق بمناهضة التمييز
والتعذيب، وهي قضايا كنا ولا زلنا نعاني منها في ظل دساتير لا تختلف عن مسودة
الدستور التي بين أيدينا.
أخيرًا فإن حماية الحقوق والحريات
لن تتم في نصوص دستورية أو قانونية طالما نفتقد الإرادة المجتمعية في الدفاع عنها،
وهو ما بدأ ينتشر في طبقات المجتمع كافة على مدى السنوات السابقة لكنه لم يصل إلى
المدى الذي يمكنه من فرض فلسفة جديدة للدستور تقوم بالأساس على الحقوق والحريات
وعلى أن الدولة في خدمة الشعب، وأنها ليست وصي عليه أو على أخلاقه.
تصور لتعديل الباب الثالث: الحقوق
والحريات والواجبات العامة
يتضمن الباب الثالث وفقا للتعديلات التي أجرتها
لجنة الخبراء 32 مادة (من المادة 37 إلى المادة 68) بعد أن قامت اللجنة بنقل بعض
المواد التي كانت موجودة فيه إلى الباب الثاني، خاصة فصله الأول المتعلق بالمقومات
الاجتماعية والأخلاقية.
ومن بين هذه المواد عشر لا تحتاج إلى تعديل
(المواد 38 و41 و42 و43 و و57 و58 و59 و61 و63 و66) ومنها ست مواد تحتاج إلى
تعديلات طفيفة (المواد 37 و39 و40 و44 و46 و49). أما باقى المواد فهى تحتاج إلى
تعديلات أساسية.
..........
كما ينقص هذا الباب 4 مواد بالغة الأهمية تتعلق
اثنان منها بحرية الصحافة والإعلام، وتختص الأخريان بالحقوق الاقتصادية
والاجتماعية.
كذلك
أوصت الورشة بمراجعة المواد الواردة في الأبواب الأخرى والتي تتعارض مع مواد باب
الحقوق والحريات أو تلك التي تضع قيدًا عليها يفرغها من محتواها، كذلك ضرورة النص
في الدستور على التزام مصر بالمواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية الموقعة عليها
واعتبارها جزءًا من التشريع المصري."
في النهاية أخذت لجنة الخمسين ببعض
هذه المقترحات ولم تأخذ ببعضها الآخر، وأنهت اللجنة عملها قرب نهاية ديسمبر
2013، لتتم دعوة الناخبين لإبداء رأيهم في الدستور الجديد يومي 14 و15 يناير 2014، وشارك في الاستفتاء أكثر من 20 مليون
ناخب، بلغ عدد الموافقين منهم على مشروع الدستور 19 مليوناً و985 ألفاً و389
صوتاً، بنسبة فاقت 98%، فيما رفضه 381 ألفاً و341 ناخباً بنسبة 1.9%، أما عدد
الأصوات الباطلة فبلغ 246 ألفاً و947 صوتاً.
جاء الدستور الذي أصدره الرئيس عدلي منصور في 18
يناير 2014 في 249 مادة، واعتبر قرار الإصدار أن الدستور تعديلًا لدستور 2012 وليس
دستورًا جديدًا، رغم أن ديباجة الدستور التي تم النص على أنها جزء من الدستور،
ونصت على أن هذا دستور الثورة، كما جاءت مختلفة تمامًا عن ديباجة دستور 2012،
فضلًا عن أن هناك تعديلات جوهرية في النص الجديد.
وأدخلت لجنة الخمسين تعديلًا على خارطة الطريق
التي حددها إعلان يوليو 2013 الدستوري؛ والتي نصت على انتخاب البرلمان أولًا ثم
انتخاب رئيس الجمهورية، حيث تركت المادة 230 من الدستور والتي أتت ضمن الأحكام
الانتقالية للرئيس المؤقت تحديد البدء بانتخابات الرئاسة أو انتخابات مجلس النواب
وفقًا لما يقدره.
وضع الدستور شكلًا لنظام الحكم يجمع بين خصائص
النظام الرئاسي والنظام البرلماني، ووضع نصوص عديدة لحماية الحقوق والحريات، لكنه
أيضًا تضمن بعض النصوص التي أثارت انتقادات عديدة، أبرزها
المادة التي سمحت بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، والتي دفعت بعض النشطاء
لتنظيم وقفة احتجاجية ضد هذه المادة أمام مقر لجنة الشورى التي كانت تنعقد فيها
جلسات لجنة الخمسين، وما زال بعضهم يقضي عقوبة السجن إلى الآن، وأصبحت هذه المادة
قائمة في الدستور، وتعد تراجعًا عما كان عليه الحال في دستور 71 الذي نص على
محاكمة المواطن أمام قاضية الطبيعي.
كذلك تضمن الدستور وضعًا دستوريًا
خاصًا للأزهر نصت عليه المادة السابعة، أول مواد فصل المقومات الاجتماعية، كان هذا
الوضع قد بدأ مع دستور 2012 الإخواني، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ مدنية الدولة.
وقد أولى دستور ٢٠١٤ اهتمامًا غير مسبوق في
الدساتير المصرية بقضايا الثقافة حيث تضمن الباب الثاني الذي يحمل عنوان
"المقومات الاساسية للمجتمع" فصلًا عن المقومات الثقافية يتكون من أربع
مواد إلى جانب عدة مواد في باب الحقوق والحريات والواجبات العامة.
وتركز المواد ذات الصلة
بالثقافة في الدستور على التزام الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية، وأكد النص
على تنوع الروافد الحضارية للهوية المصرية، الأمر الذي أشارت له مواضع أخرى في
الدستور رسخت مبدأ الاعتراف بالتنوع الثقافي في المجتمع المصري، كما أكد على
التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها كذلك حماية الرصيد الثقافي المعاصر
بتنوعاته المختلفة، ويعد هذا تطورًا مهمًا ولافتًا في صياغة الدساتير المصرية منذ
الخمسينيات.
كما ألزم الدستور الدولة بدعم
الثقافة، حيث نصت المادة ٤٨ من الدستور على أن "الثقافة حق لكل مواطن، تكفله
الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب،
دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي أو غير ذلك، وتولي اهتمامًا
خاصًا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجًا."
وفي باب الحريات أكدت مواد الدستور على أن حرية
الاعتقاد مطلقة، وعلى كفالة حرية الفكر والرأي والتعبير وحرية البحث العلمي، وإذا
كان الدستور نص في مادته السابعة والستين على أن حرية الإبداع الفني والأدبي
مكفولة، وألزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب وبرعاية المبدعين وحماية إبداعهم،
وتوفير وسائل التشجيع لهم، إلا أن نفس المادة فتحت بابًا خطيرًا لمصادرة الإبداع،
حيث نصت المادة في وسطها على أنه "لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو
مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة
العامة"، ورغم أن الدافع وراء هذه الصياغة إغلاق الباب أمام دعاوى الحسبة،
إلا أن واقع الحال أنها أقرت مصادرة الأعمال الإبداعية ودسترت هذه المصادرة وهذا
تراجع خطير في مجال حرية الإبداع.
ومن النصوص الإيجابية في الدستور فيما
يتعلق بالمجال الثقافي والمعرفي المادة ٦٨ المتعلقة بحق الشعب في الحصول على
المعلومات والبيانات والإحصاءات والتي أكدت على دور دار الوثائق القومية في حفظ
وثائق الدولة وإتاحتها، كما نصت المادة ٦٩ على إلتزام الدولة بحماية حقوق الملكية
الفكرية بشتى أنواعها.
إن مواد الدستور المتعلقة بالثقافة في مجملها
تلزم الدولة بسياسة ثقافية تسهم في تحقيق ديمقراطية الثقافة باستثناء الجزء المعيب
من المادة ٦٧، وبمعنى ما تعد هذه المواد أساسًا من أسس السياسة الثقافية
للدولة في المرحلة القادمة.
في النهاية أتى الدستور ليعكس التوازن السياسي
القائم، وليعبر عن حدود قدرة القوى الديمقراطية في المجتمع على الحصول على ما ناضل
من أجله المصريون لسنوات طويلة.
***
الآن أصبح لدينا دستورًا به كثير من الإيجابيات
وقليل من السلبيات، لكن ما يمكن أن نتعلمه من خبرة أكثر من قرنين من سعي أهل مصر نحو
الحصول على دستور، أن النصوص وحدها لا تكفي لتحقيق الآمال، فكم من نصوص الدساتير
الرائعة أهدرها الحكام واخترقوها، وعي الشعب وحده قادرًا على صيانة احترام نصوص
الدستور والالتزام بها.
*****
***
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق