الثلاثاء، 17 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور (28)

إعلان نوفمبر غير الدستوري وإعادة انتاج الاستبداد

عماد أبو غازي
 كانت مشكلة صياغة الدستور أحد أهم أسباب اتساع الفجوة داخل المجتمع المصري في الأسابيع الأخيرة من سنة 2012، الفجوة بين الحكم والمعارضة السياسية، الفجوة بين تيارات الإسلام السياسي من ناحية ومعظم أطياف المجتمع المصري من ناحية أخرى، وكان إصرار جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها على عدم تقديم تنازلات، وإحساسهم بأن لحظة "التمكين" قد أتت، ورفضهم لأي محاولات للوصول إلى حلول وسط، دافعًا لمعظم الأطراف التي تبقت داخل الجمعية التأسيسية من خارج الجماعة وحلفائها إلى الانسحاب.


 وكان صيف 2012 قد شهد مرحلة الصراع بالإعلانات الدستورية بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين، حيث استبق المجلس نتائج الانتخابات الرئاسية في جولة الإعادة بإعلان دستوري مكمل في 17 يونيو  2012، يحدد سلطات الرئيس المنتخب أيًا كان، وفي 12 أغسطس أصدر رئيس الجمهورية إعلانه الدستوري الأول الذي ألغى به آثار إعلان يونيو، وجاء ذلك بعد أيام قليلة من جنازة شهداء مذبحة رفح التي فشل رئيس الجمهورية في السير فيها بسبب احتجاجات الجماهير المحتشدة على وجوده، والتي تعرض رئيس وزرائه الدكتور هشام قنديل للاعتداء خلال صلاة الجنازة بمسجد آل رشدان فانسحب هو الأخر دون أن يتمكن من المشاركة في الجنازة، وقبل مظاهرات 24 أغسطس التي دعت لها بعض القوى السياسية، ويبدو أن ما حدث في الجنازة من ناحية واستباق مظاهرات 24 أغسطس من ناحية أخرى، كان دافعًا لمرسي لإصدار إعلانه الدستوري الأول وما صحبه من قرارات.



 ثم جاءت مظاهرات جمعتي "كشف الحساب" و"مصر مش عزبة" في أكتوبر لتؤكد اتساع الفجوة بين الحكم والمعارضة، تعددت الاحتجاجات واتسع مجالها. ث


م زادت حدة الاحتقان مع الأحداث التي وقعت في الذكرى الأولى لأحداث محمد محمود واستشهد فيها الشاب جابر صلاح (جيكا).


 وبدى واضحًا أن الأمور تسير في طريق الصدام بين الرئيس وجماعته من ناحية وباقي ألوان الطيف السياسي والمجتمعي من ناحية أخرى، ومع ازدياد حالة الاحتقان فاجأ الرئيس محمد مرسي الجميع بإعلانه الدستوري الذي أذيع في عصر يوم الخميس 22 نوفمبر 2012، ذلك الإعلان الذي نقل به الصراع إلى نقطة اللاعودة، مع القوى السياسية والقضاء.


  بدأ الإعلان الدستوري بديباجة طويلة قدم فيها الرئيس مبرراته لإصدار الإعلان، جاء فيها: "بعد الاطلاع على الإعلان الدستورى الصادر في 13 فبراير 2011، وعلى الإعلان الدستورى الصادر في 30 مارس 2011، وعلى الإعلان الدستورى الصادر في 12 أغسطس 2012، لما كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 قد حملت رئيس الجمهورية مسئولية تحقيق أهدافها والسهر على تأكيد شرعيتها وتمكينها بما يراه من إجراءات وتدابير وقرارات لحمايتها وتحقيق أهدافها، وخاصة هدم بنية النظام البائد وإقصاء رموزه والقضاء على أدواته في الدولة والمجتمع والقضاء على الفساد واقتلاع بذوره وملاحقة المتورطين فيه وتطهير مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية مصر وشعبها والتصدى بمنتهى الحزم والقوة لرموز النظام السابق والتأسيس لشرعية جديدة تاجها دستور يرسي ركائز الحكم الرشيد الذي ينهض على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية ويلبي طموحات الشعب ويحقق آماله."
 أما مواد الإعلان السبعة فكانت كما يلي:
 المادة الأولى: تعاد التحقيقات والمحاكمات في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين وجرائم الإرهاب التي ارتكبت ضد الثوار بواسطة كل من تولى منصبًا سياسيًا أو تنفيذيًا في ظل النظام السابق وذلك وفقًا لقانون حماية الثورة وغيره من القوانين.
 المادة الثانية: الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتى نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض بقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء وتنقضي جميع الدعاوى المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية.
 المادة الثالثة: يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرار من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويشترط فيه الشروط العامة لتولي القضاء وألا يقل سنه عن 40 سنة ميلادية ويسري هذا النص على من يشغل المنصب الحالي بأثر فوري.
المادة الرابعة: تستبدل عبارة تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 8 أشهر من تاريخ تشكيلها، بعبارة تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته 6 أشهر من تاريخ تشكيلها الواردة في المادة 60 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011.
المادة الخامسة: لا يجوز لأية جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور.
المادة السادسة: لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون."
 أما المادة السابعة فتتعلق بنشر القرار في الجريدة.
كما أصدر رئيس الجمهورية قرارًا بعزل النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، وتعيين المستشار طلعت إبراهيم بدلًامنه، وقرارًا جمهوريًا بقانون بتحديدمعاشات أسر شهداء الثورة، كما طرح مشروع قانون حماية الثورة، مستعيدًا بذلك تراث الأنظمة الاستبدادية في مصر التي كانت تمرر أكثر القرارات ترسيخًا لسلطة الحاكم المستبد وسط حزمة من القوانين التي تبدوا كما لو كانت في صالح الشعب.

 كانت قرارات 22 نوفمبر صادمة ومفاجئة، كانت ترسخ للاستبداد والحكم المطلق، وقد فتحت على الرئيس جبهة واسعة من المعارضة، وكانت المسمار الأول في نعش شرعيته، تحولت جمعة "عيون الحرية" التي كانت القوى الثورية تعد لها في إطار إحياء ذكرى أحداث محمد محمود الأولى والاحتجاج على انتهاكات محمد محمود الثانية إلى احتجاجات على الإعلان الدستوري، وعادت وتيرة المسيرات الكبرى أيام الأحد والثلاثاء والجمعة من كل أسبوع، وتشكلت جبهة الإنقاذ في محاولة من الأحزاب والقوى الديمقراطية لمواجهة القرارات، ومحاولة التصدي لمشروع الدستور الذي تعده الجمعية التأسيسية.
 كما دفع هذا الإعلان الدستوري عددًا من أعضاء الهيئة الاستشارية التي شكلها محمد مرسي عقب توليه الرئاسة إلى الاستقالة من مناصبهم.
 لكن لماذا كنا نرفض الإعلان الدستوري والقرارات التي أصدرها الدكتور مرسي؟
 كانت الأحزاب والقوى الديمقراطية ترى أن الاعلان الدستوري يعطي رئيس الجمهورية سلطات مطلقة غير قابلة للمراجعة، ولا تخضع لرقابة القضاء بكل مستوياته؛ لا القضاء الدستوري ولا القضاء الإداري، كما أن  الاعلان أعطى رئيس الجمهورية حق إصدار ما يشاء من قوانين وقرارات دون أي ضوابط او رقابة او مراجعة، فضلًا عن أته كان يعطل سلطة المحكمة الدستورية ويغل يدها في الرقابة على القوانين، ويعيق سلطة القضاء الإداري في الرقابة على القرارات الإدارية، ومنع الاعلان القضاء من استكمال النظر في قضايا مرفوعة أمامه مما يشكل اعتداء على استقلال القضاء ومصادرة لحق المواطنين في التقاضي، كذلك جعل الاعلان لرئيس الجمهورية حق اتخاذ إجراءات استثنائية وقرارات وفقًا لتقديره هو، وهذه الإجراءات لا يجوز وقفها أو مراجعتها أو الاعتراض عليها أمام القضاء. . 
 أما مشروع قانون حماية الثورة فكان يعطي النائب العام حق احتجاز المواطنين لمدة ٦ اشهر دون رقابة من أية جهة قضائية. 

 الخلاصة أن الإعلان وما صحبه من قرارات كانت تجعل رئيس الجمهورية حاكمًا مطلق السلطات، فهو يجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية في يده ويعطل عمل السلطة القضائية ويتعدى عليها.

 كانت القرارات تضع مصر في حالة طوارئ أسواء مما عاشته في عصر مبارك.
 كان الهدف المباشر وراء كل هذه الخطوات منح الفرصة للجمعية التأسيسية من إنهاء مشروع الدستور، وطرحه للاستفتاء، وتمريره.


 على مدى أسبوعين تصاعدت الاحتجاجات، وخرج مئات الألوف إلى الشوارع، وقام المتظاهرون بحصار قصر الاتحادية يوم الثلاثاء 4 ديسمبر 2012، وكان في مقدورهم اقتحامه، واعتصم المتظاهرون حول القصر، وفي اليوم التالي الأربعاء 5 ديسمبر 2012 دفعت جماعة الإخوان بميلشياتها لفض الاعتصام بالقوة، وتواصلت المعارك لعدة ساعات سقط فيها عدد من الشهداء.





وفي يوم الجمعة 7 ديسمبر 2012 عاد عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى محيط قصر الاتحادية وتواصل الاعتصام هناك إلى جانب اعتصام التحرير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...