الخميس، 19 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور (30)

الطريق إلى اسقاط دستور الإخوان

عماد أبو غازي


 أصبح الدستور الجديد ساريًا اعتبارًا من يوم 25 ديسمبر 2012، وبدى للرئيس أنه وجماعته قد نجحوا في الوصول إلى مبتغاهم، وبعد أيام قليلة من إقرار الدستور قرر الرئيس إعفاء وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين، حيث رأت الرئاسة أنه لم يكن متعاونًا بالقدر الكافي في أثناء إعتصام الاتحادية، فبعد أحداث ذكرى محمد محمود في نوفمبر 2012 لم تتدخل قوات الأمن تقريبًا في مواجهة الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات، وكان تدخل بعض القوات في أحداث الاتحادية يوم 5 ديسمبر محدودًا للغاية، ومن تم التعامل مع وزير الداخلية باعتباره "متواطأ" مع جبهة الإنقاذ وقوى المعارضة، وبمجرد أن حل اللواء محمد إبراهيم وزيرًا للداخلية عادت قوات الأمن للتدخل في مواجهة الاحتجاجات.


 وفي الوقت الذي استمرت فيه جبهة الإنقاذ في ممارسة نشاطها وفي التنسيق بين أطرافها في المواقف السياسية من النظام، استمرت الاحتجاجات في الشارع حتى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، حيث شهد ذلك اليوم مظاهرات ضخمة، واشتباكات بين المتظاهرين وأنصار جماعة الإخوان في أكثر من موقع.





 لكن التظاهرات الكبرى بدأت في الهدوء قليلًا اعتبارًا من فبراير 2013، لتعود مرة أخرى للتصاعد في الأحداث الدامية بمحيط مكتب الإرشاد بالمقطم في جمعة رد الكرامة يوم 22 مارس 2013، ولتأخذ الأحداث اتجاهًا يغلب عليه العنف.



 وفي بداية مايو 2013 ظهرت حركة تمرد بدعوتها لحملة جمع توقيعات واسعة من أجل انتخابات رئاسية مبكرة، وحددت يوم 30 يونيو 2013 يومًا للتظاهر من أجل إنهاء حكم الإخوان، وفي نفس الوقت أجرى الرئيس محمد مرسي تعديلًا على حكومة الدكتور هشام قنديل رفع فيه نسبة تمثيل الوزراء المنتمين إلى الإخوان المسلمين فيما بدى أنه أتجاه واضح للسيطرة على مفاصل الدولة، في وقت كان من الواضح للمتابع أن مرحلة ما بعد إقرار الدستور قد شهدت تعميق الانقسام داخل المجتمع المصري وداخل مؤسسات الدولة ذاتها، فلم تعد المعارضة قاصرة على أحزاب جبهة الإنقاذ والحركات الثورية، بل أصبحت هناك حالة من العداء بين الرئاسة ومن ورائها جماعة الإخوان وحلفائها من ناحية، ومؤسسات القضاء والإعلام والثقافة، كما أن قوى النظام القديم دخلت إلى المواجهة بقوة، كذلك لم يعد ما يعرف بحزب "الكنبة" حزبًا للكنبة فقد دفعت تصرفات الرئاسة منذ إعلان نوفمبر الدستوري بعشرات الآلاف ممن لم يشاركوا من قبل في التظاهر إلى النزول إلى الشوارع.


 كانت أزمة الدستور المفجر الأساسي للمشكلة، أزمة الدستور التي أصبحت لدى طرفي الصراع أزمة هوية، فتيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان تعتبر أن الدستور لابد أن يعبر عن الهوية الدينية للدولة، وفي المقابل يرى معارضوهم أن دستور الإخوان وممارستهم تهدد الهوية الوطنية للدولة.
كان السؤال الرئيسي بعد عام من حكم محمد مرسى وجماعته كما طُرح عليّ في حوار صحفي يوم 23 يونيو 2013 مع خمسة أسئلة أخرى.
 هل اقتربنا من تحقيق شعارات ثورة 25 يناير2011 (عيش ـ حرية ـ عدالةاجتماعية ـ كرامة انسانية)، أم بعدنا عنها؟
 وكانت الإجابات:
 "اعتقد أننا ابتعدنا عنها كثيرًا، نحن نسير في اتجاه نظام قمعي ينتهك الحريات وحقوق الإنسان ويخرق القانون ويسعي بقوة من خلال مجلس الشوري الذي لم يشارك في انتخابه سوي ٧٪ من الناخبين، ولم يكن مخولا بالتشريع إلى التعجيل بإصدار قوانين مقيدة للحريات، قوانين تمكن للنظام من السيطرة علي سلطات الدولة، أما الكرامة الإنسانية فتنتهك كل يوم علي أيدي أجهزة الدولة القمعية ومليشيات الإخوان، ولم نتقدم خطوة واحدة في اتجاه العدالة الاجتماعية بل تراجعنا خطوات."
 أما باقي الأسئلة الخمسة، فكانت:
 "السؤال الأول: هل صحيح أن السياسات الاقنصادية المتبعة هي نفس سياسات الحزب الوطني السابق ولكن بغطاء ديني وهو ما كشفت عنه الموازنة والانحياز الاجتماعي وقانون الضرائب والصكوك أم أن  هناك تغير في هذه السياسات يؤدي إلى التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية؟
 الإجابة: التغير للأسوأ فنجن أمام نظام رأسمالي مستغل غير كفء.
السؤال الثاني: الممارسات السياسية  والدستورية والقانونية التي أقدم عليها الدكتور مرسي؛ كإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، والجمعية التأسيسية، والصدام مع السلطة القضائية، هل يقربنا من الديمقراطية وضمان الحريات العامة والخاصة ومبادئ حقوق الإنسان، أم العكس هو الصحيح؟
الإجابة: المسار السياسي للنظام طوال عام كامل ضد الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان والفصل ما بين السلطات، مع ملاحظة أن موضوع الإعلان المكمل يختلف في بعض جوانبه عن باقي الإجراءات فالإعلان المكمل نفسه معيب، حاول به المجلس الأعلى تصحيح الأخطاء التي بدأت باستفتاء مارس 2011، لكنه تصحيح جاء متأخرًا وبأسلوب غير مناسب.
السؤال الرابع: ما هى مسئولية الرئيس مرسى وجماعته فى تقسيم المجتمع المصرى، أم أن هذا الانقسام طبيعي في ظل المرحلة الانتقالية عقب الثورات؟
 الإجابة: ما يحدث انقسام لا علاقة له بطبيعة مرحلة إنتقالية، إنه شق لوحدة المجتمع تمارسه الجماعة منذ تأسيسها.
السؤال الخامس: ما مسئولية الدكتور مرسي وجماعة الإخوان في أزمة مياة النيل وبناء سد النهضة الإثيوبي؟
 الإجابة: المسئولية تقع بشكل أساسي علي النظام السابق، لكن النظام الحالي لم يستفد من جهود وفد الدبلوماسية الشعبية الذي زار إثيوبيا ودول المنابع عقب الثورة، ولا بجهود حكومة عصام شرف، فقد تم وقتها الاتفاق على وقف المشروع لمدة عامين لحين استقرار الوضع في البلاد، ولم يهتم النظام الجديد بالسعي لحل الأزمة طوال العام الماضي."


 كان هذا الطريق إلى 30 يونيو 2013، ويبدو أن الرئيس وجماعته لم يقدروا حجم الرفض المتزايد لهم ولسياساتهم، وظنوا أنهم باستباق يوم 30 يونيو باحتلال ميدان النهضة ومنطقة رابعة منذ يوم الجمعة 28 يونيو سوف يتمكنوا من وقف مسيرة الأحداث، كما لم يقدروا حجم ما حدث في 30 يونيو، فألقى مرسي خطاب الشرعية الشهير مساء 2 يوليو 2013.

 وفي اليوم التالي جاء إعلان 3 يوليو الذي أعلنه الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع في حضور القادة الدينيين ورئيس المحكمة الدستورية العليا وقادة جبهة الإنقاذ وممثل حزب النور وبعض الشخصيات العامة، ونصه:
 "بسم الله الرحمن الرحيم ... شعب مصر العظيم"، إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التى استدعت دورها الوطنى، وليس دورها السياسي على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي. ولقد استشعرت القوات المسلحة - انطلاقًا من رؤيتها الثاقبة - أن الشعب الذى يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته.. وتلك هى الرسالة التى تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها وقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسى آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسؤولية والأمانة. لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودا مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلى وإجراء مصالحة وطنية بين كل القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ شهر نوفمبر (تشرين الثانى) 2012.. بدأت بالدعوة لحوار وطنى استجابت له كل القوى السياسية الوطنية وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة فى اللحظات الأخيرة.. ثم تتابعت وتوالت الدعوات والمبادرات من ذلك الوقت وحتى تاريخه. كما تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجى على المستوى الداخلى والخارجى تضمن أهم التحديات والمخاطر التى تواجه الوطن على المستوى الأمنى والاقتصادى والسياسى والاجتماعى، ورؤية القوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعى وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة الراهنة. فى إطار متابعة الأزمة الحالية اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة رئيس الجمهورية فى قصر القبة يوم 22 / 6 / 2013 حيث عرضت رأى القيادة العامة ورفضها للإساءة لمؤسسات الدولة الوطنية والدينية، كما أكدت رفضها لترويع وتهديد جموع الشعب المصرى. ولقد كان الأمل معقودا على وفاق وطنى يضع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه، إلا أن خطاب السيد الرئيس ليلة أمس وقبل انتهاء مهلة الـ48 ساعة جاء بما لا يلبى ويتوافق مع مطالب جموع الشعب.. الأمر الذى استوجب من القوات المسلحة استنادا على مسؤوليتها الوطنية والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يقصى أحدا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والانقسام وتشتمل هذه الخارطة على الآتى: - تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت. - يؤدى رئيس المحكمة الدستورية العليا اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة. - إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية لحين انتخاب رئيس جديد. - لرئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية. - تشكيل حكومة كفاءات وطنية قوية وقادرة تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الحالية. - تشكيل لجنة تضم كل الأطياف والخبرات لمراجعة التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور الذى تم تعطيله مؤقتا. - مناشدة المحكمة الدستورية العليا لسرعة إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النواب والبدء فى إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية. - وضع ميثاق شرف إعلامى يكفل حرية الإعلام ويحقق القواعد المهنية والمصداقية والحيدة وإعلاء المصلحة العليا للوطن. - اتخاذ الإجراءات التنفيذية لتمكين ودمج الشباب فى مؤسسات الدولة ليكون شريكا فى القرار كمساعدين للوزراء والمحافظين ومواقع السلطة التنفيذية المختلفة. - تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات. تهيب القوات المسلحة بالشعب المصرى العظيم بكل أطيافه الالتزام بالتظاهر السلمى وتجنب العنف الذى يؤدى إلى مزيد من الاحتقان وإراقة دم الأبرياء.. وتحذر من أنها ستتصدى بالتعاون مع رجال وزارة الداخلية بكل قوة وحسم ضد أى خروج عن السلمية طبقا للقانون وذلك من منطلق مسؤوليتها الوطنية والتاريخية. كما توجه القوات المسلحة التحية والتقدير لرجال القوات المسلحة ورجال الشرطة والقضاء الشرفاء المخلصين على دورهم الوطنى العظيم وتضحياتهم المستمرة للحفاظ على سلامة وأمن مصر وشعبها العظيم. حفظ الله مصر وشعبها الأبى العظيم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".


 أعقب ذلك صدور إعلان دستوري من الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، في 5 يوليو بحل مجلس الشورى، ثم إعلان دستوري آخر في 9 يوليو 2013 في 33 مادة حدد فيه مسار المرحلة الانتقالية، وقد نصت المادة 28 على أن "تشكل بقرار من رئيس الجمهورية خلال مدة لا تجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ صدور هذا الإعلان لجنة خبراء تضم اثنين من أعضاء المحكمة أعضاء المحكمة الدستورية العليا وهيئة المفوضين بها، واثنين من قضاة القضاء العادى، واثنين من قضاة مجلس الدولة، وأربعة من أساتذة القانون الدستورى بالجامعات المصرية، وتختار المجالس العليا للهيئات والجهات القضائية ممثليها، ويختار المجلس الأعلى للجامعات أساتذة القانون الدستورى. وتختص اللجنة باقتراح التعديلات على دستور 2012 المعطل، على أن تنتهى من عملها خلال ثلاثين يوما من تاريخ تشكيلها. ويحدد القرار الصادر بتشكيل اللجنة مكان انعقادها وقواعد تنظيم العمل بها."
 ونصت المادة 29 على أن "تعرض اللجنة المنصوص عليها في المادة السابقة مقترح التعديلات الدستورية على لجنة تضم خمسين عضوا، يمثلون كافة فئات المجتمع وطوائفه وتنوعاته السكانية، وعلى الأخص الأحزاب والمثقفين والعمال والفلاحين وأعضاء النقابات المهنية والاتحادات النوعية والمجالس القومية والأزهر والكنائس المصرية والقوات المسلحة والشرطة والشخصيات العامة، على أن يكون من بينهم عشرة من الشباب والنساء على الأقل، وترشح كل جهة ممثليها، ويرشح مجلس الوزراء الشخصيات العامة. ويتعين أن تنتهى اللجنة من إعداد المشروع النهائى للتعديلات الدستورية خلال ستين يومًا على الأكثر من ورود المقترح إليها، تلتزم خلالها بطرحه على الحوار المجتمعى. ويصدر رئيس الجمهورى القرارات اللازمة لتشكيل اللجنة وتحديد مكان انعقادها، وتحدد اللجنة القواعد المنظمة لعملها والإجراءات الكفيلة بضمان الحوار المجتمعى حول التعديلات."
  ونصت المادة 30 على أن "يعرض رئيس الجمهورية مشروع التعديلات الدستورية على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يومًا من تاريخ وروده إليه، ويعمل بالتعديلات من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليها في الاستفتاء، ويقوم رئيس الجمهورية بالدعوة لانتخاب مجلس النواب خلال خمسة عشر يوما من هذا التاريخ لإجراء الانتخابات خلال مدة لا تقل عن شهر ولا تجاوز شهرين، وخلال أسبوع على الأكثر من أول انعقاد لمجلس النواب تتم الدعوة لإجراء الانتخابات الرئاسية. وتتولى اللجنة العليا للانتخابات القائمة في تاريخ بهذا الإعلان الإشراف الكامل على الاستفتاء."
 وقد قرر الإعلان الدستوري مسارًا محددًا؛ يبدأ بصيغة الدستور ةاستفتاء الشعب عليه، ثم إجراء الانتخابات البرلمانية وتعقبها الانتخابات الرئاسية، وبالفعل تشكلت لجنة الخبراء والجمعية التأسيسية، وتمت صياغة الدستور والاستفتاء عليه في يناير 2014.

 فهل حصلنا على الدستور الذي نريده، والذي نستحقه؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦ وفارسة في مواجهة التطبيع

  لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦  وفارسة في مواجهة التطبيع   عماد أبو غازي     لطيفة الزيات علامة من علامات الجيل الذي ولد بعد ثو...