الخميس، 12 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور ( 23 )

دستور 1964 المؤقت

عماد أبو غازي
 لم تدم الوحدة المصرية السورية طويلًا؛ ففي 28 سبتمبر 1961 وقع الانفصال، وانتهت دولة الوحدة، وإن كانت مصر قد ظلت محتفظة باسم الجمهورية العربية المتحدة لعشر سنوات تالية، ومع انفصال سورية عن مصر لم يعد دستور مارس 1958 ملائمًا لإدارة أمور البلاد، لكن في ظل الحالة السياسية العامة التي سادت منذ 1954 لم يكن إصدار دستور جديد يشكل أمرًا ملحًا، بل لم تكن الشرعية الدستورية والقانونية أصلًا تشغل بال النظام، في ظل شعار "القانون في أجازة"، والتستر بالشرعية "الثورية".



 بعد عام من الانفصال صدر إعلان دستوري في سبتمبر 1962، في سياق التحول إلى نظام رأسمالية الدولة، ثم صدر في مارس 1964 دستورًا مؤقتًا للبلاد، في محاولة لبناء أسس جديدة للدولة، وبدء مرحلة تنتهي فيها حالة الطوارئ ويتم في سياقها الإفراج تدريجيًا عن المعتقلين السياسيين.


 بدء الدستور بإعلان دستوري من فقرة واحدة موقع من الرئيس جمال عبد الناصر، يقول الإعلان:
 "يبدأ العمل أبتدأ من يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر مارس سنة 1964 بهذا الدستور في الجمهورية العربية المتحدة، حتى يُتِم مجلس الأمة، الذي يبدأ عمله في صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين من شهر مارس سنة 1964، مهمته بوضع الدستور الدائم للجمهورية العربية المتحدة، وطرح مشروع هذا الدستور على الشعب للاستفتاء لكي يمنحه من إرادته الحرة القوة التي تجعله مصدر السلطات."
 لكن لا مجلس الأمة الذي كلفه الدستور المؤقت بوضع دستور دائم للبلاد قام بمهمته، ولا المجلس الذي تلاه بعد مظاهرات 68 وإصدار بيان 30 مارس، قام بالمهمة، واستمر العمل بالدستور المؤقت لأكثر من سبع سنوات، تحديدًا حتى سبتمبر 1971، عندما صدر الدستور الذي استمر قرلبة أربعين عامًا وكان الأطول عمرًا في تاريخ الدساتير المصرية.
 كشفت مقدمة الدستور المؤقت عن اتجاه جديد للدولة؛ فجاء فيها:
 "استنادا إلى الإرادة الشعبية التي صنعت يوم 23 يوليو المجيد، وحققت به بدء الثورة الشاملة، السياسية والاجتماعية والقومية، ورفعت فوق العمل الوطني والبطولي لشعب مصر، منذ ذلك التاريخ أعلام الحرية والاشتراكية والوحدة."
 كما نصت المقدمة على استلهام الدستور من الميثاق الوطني الذي كان قد أُعلن في 21 مايو 1962، حيث تقول: "وتأكيدا للميثاق الذي أقره مؤتمر القوى الشعبية، والذي تم استخلاصه من قلب معارك النضال، ومن صميم ممارسة التغيير الواسع والعميق لأوضاع المجتمع المصري ليكون دليلًا فكريًا يقود خطى المستقبل، فاستطاع بذلك أن يغني الفكر الثوري بتجربة العمل، ليعيد وضع هذا الفكر في خدمة الاندفاع المستمر المتواصل نحو تحقيق الأهداف العظمى للنضال الشعبي."
 وإذا كان الدستور المؤقت قد سار على هدي دستور 56 في تأكيد سلطات رئيس الجمهورية إلا أنه نص على وجود مجلس الوزراء ككيان قائم بذاته يعين أعضاءه ويعفيهم رئيس الجمهورية، وذلك بدلًا عن المجلس التنفيذي الذي يرأسه رئيس الجمهورية، كذلك اتسعت بعض الشيء سلطات مجلس الأمة في الرقابة على الحكومة وسحب الثقة منها، كما ظهرت في هذا الدستور نسبة الخمسين في المائة المخصصة للعمال والفلاحين في مجلس الأمة.
 ورغم أن الدستور أبقى على نظام الاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية بناء على ترشيح مجلس الأمة، إلا أنه نص في المادة 102 على إمكانية وجود أكثر من مرشح أمام مجلس الأمة للاختيار من بينهم، والتعديل شكلي بالطبع فلم يكن هناك أبدًا لا في ظل دستور 64 أو دستور 71 قبل تعديله مرشح حقيقي للرئاسة أمام رئيس الجمهورية القائم يؤخذ ترشيحه على محمل الجد، وقد تم الاستفتاء على جمال عبد الناصر رئيسًا للجمهورية بعد صدور الدستور بعام واحد وحصل على نسبة 99,999% المعتادة.


 وقد انتقلت النصوص المتعلقة بالحريات كما هي من دستور 56، فنصت المادة 34 على أن "حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد، طبقا للعادات المرعية، على آلا يخل ذلك بالنظام العام"، ونصت المواد 35 و36 على حرية الرأي والتعبير والبحث العلمي، وحرية الصحافة والإعلام، وقيدتها بالقانون، بينما نصت المادة 37 على حق الاجتماع وتنظيم المواكب والتجمعات ولكن أيضًا في حدود القانون، وكان هناك حرص واضح على عدم ذكر مصطلح المظاهرات.

عبد الناصر في مجلس الأمة
 أما التطور اللافت للنظر في الدستور فجاء في مواد الباب الأول التي رسخت لرأسمالية الدولة تحت مسمى الاشتراكية، فنصت المادة الأولى على أن "الجمهورية العربية المتحدة دولة ديمقراطية اشتراكية، تقوم على تحالف قوى الشعب العاملة"، ونصت المادة التاسعة على أن "الأساس الاقتصادي للدولة هو النظام الاشتراكي، الذي يحظر أي شكل من أشكال الاستغلال، بما يضمن بناء المجتمع الاشتراكي بدعامتيه: الكفاية والعدل". كما نصت المادةالعاشرة على توجيه الاقتصاد القومي وفقا لخطة التنمية، والمادة الثانية عشر على سيطرة الشعب على كل أدوات الانتاج.
 وعوضا عن الاتحاد القومي الذي نص دستور 56 على تأسيسه ظهر مصطلح "تحالف قوى الشعب الممثلة للشعب العامل، وعرفها الدستور في مادته الثالثة بأنه: "الفلاحون والعمال والجنود والمثقفون والرأسمالية الوطنية، هي التي تقيم الاتحاد الاشتراكي العربي، ليكون السلطة الممثلة للشعب، والدافعة لإمكانيات الثورة والحارسة على قيم الديمقراطية السليمة".

 لقد ظل دستور 64 المنظم للحياة السياسية حتى عام 71 وكان هذا الدستور تعبيرًا عن لحظة من لحظات التحول في المسار السياسي في مصر، لكنه مثله مثل غيره من الدساتير، كان في كثير من مواده حبرًا على ورق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...