رحلة مع حكاية المصريين والدستور ( 22 )
دستور الوحدة
عماد أبو غازي
كان
التوجه العربي لنظام عبد الناصر قد بدأ يظهر في منتصف الخمسينيات، وكانت سوريا
تحديدًا الأكثر تجاوبًا والأكثر ضغطًا في اتجاه تحقيق وحدة عربية شاملة تأثرًا
بأفكار حزب البعث العربي الاشتراكي، جاءت البداية بتوقيع ميثاق عسكري للدفاع
المشترك بين مصر وسوريا في 20 أكتوبر 1955، وفي يوليو 1956 قرر مجلسا الوزراء
والنواب في سوريا إقامة اتحاد فيدرالي مع مصر يكون نواة لوحدة عربية شاملة، ورحب
عبد الناصر بالقرار مؤكدًا على أن الدستور المصري نص على أن مصر جزء من الأمة
العربية، وكان ما عجل بالوحدة التهديدات التركية والإسرائيلية لسوريا، والتي
تصاعدت خلال عام 1957.
وفي أكتوبر 1957 قرر مجلس النواب السوري دعوة
مجلس الأمة المصري لاجتماع مشترك للتعجيل بالوحدة بين البلدين، وبالفعل زار وفد من
أربعين نائبًا مصريًا برئاسة أنور السادات وكيل مجلس الأمة في مصر دمشق في منتصف
نوفمبر، واتخذ الاجتماع المشترك قرارًا نصه:
"إن نواب المجلسين المجتمعين في جلسة
مشتركة إذ يعلنون رغبة الشعب العربي في مصر وسوريا في إقامة اتحاد فيدرالي بين
القطرين؛ يباركون الخطوات العملية التي اتخذتها الحكومتان السورية والمصرية في
سبيل تحقيق هذا الاتحاد، ويدعون حكومتي مصر وسوريا للدخول فورًا في مباحثات مشتركة
بغية استكمال أسباب تنفيذ هذا الاتحاد."
ووافق مجلس الأمة المصري على القرار ودعا وفدًا
من مجلس النواب السوري لجلسة مشتركة في نهاية ديسمبر 1957.
عبد الناصر والقوتلي يوقعان وثيقة الوحدة
وفي الأول من فبراير 1958 زار مصر وفد سوري
برئاسة الرئيس شكري القوتلي ضم رئيس الوزراء صبري العسيلي ورئيس مجلس النواب أكرم
الحوراني واجتمعوا بالرئيس جمال عبد الناصر، وانتهت الاجتماعات إلى إعلان الاتفاق
على توحيد مصر وسوريا في دولة واحدة تسمى الجمهورية العربية المتحدة، تحقيقًا
لإرادة المجلسين النيابين وتنفيذًا لما ورد في الدستور المصري والدستور السوري من
أن مصر جزء من الأمة العربية.
وفي يوم 5 فبراير ألقى كل من شكري القوتلي وجمال
عبد الناصر بيان إلى شعبه عبر مجلسه النيابي تم فيه إعلان الوحدة والمبادئ
الدستورية التي ستقوم عليها الدولة، وجاء في هذا الإعلان:
"إن نظام الحكم ديمقراطيًا رئاسيًا، يتولى
فيه السلطة التنفيذية رئيس الدولة، يعاونه وزراء يعينهم ويكونون مسؤلين أمامه، كما
يتولى السلطة التشريعية مجلس تشريعي واحد، ويكون لها علم واحد، يظل شعبًا واحدًا،
وجيشًا واحدًا".
وتضمن الإعلان الذي ينظم الفترة الانتقالية سبعة
عشر مبدأ هي المبادئ التي تقوم عليها الجمهورية الجديدة، وأهمها: كفالة الحريات في
حدود القانون، وتولي مجلس الأمة لسلطة التشريع على أن يختار أعضاءه رئيس الجمهورية
من بين أعضاء المجلسين المصري والسوري، واستقلال القضاء، وصيانة الملكية الخاصة،
كما نصت المبادئ على تشكيل الاتحاد القومي في إقليمي الدولة، والاتحاد القومي
التنظيم الذي تأسس في مصر بمقتضى دستور 1956، كذلك نصت المبادئ الدستورية على
تشكيل مجلس تنفيذي في كل إقليم من إقليمي دولة الوحدة.
وحدد الإعلان يوم 21 فبراير لإجراء الاستفتاء
على الدولة الجديدة وعلى اسم رئيس الجمهورية، وبالفعل تم الاستفتاء في موعده
وتأسست الجمهورية العربية المتحدة يوم 22 فبراير 1958.
وفي 5 مارس أعلن جمال عبد
الناصر من دمشق الدستور التفصيلي المؤقت لدولة الوحدة، الذي كان يتكون من ثلاثة
وسبعين مادة تفصل المبادئ السبعة عشر التي وردت في إعلان 5 فبراير.
تحدد
المادة الأولى من دستور 58 شكل الدولة فتعرفها بأن "الدولة العربية المتحدة
جمهورية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة، وشعبها جزء من الأمة العربية."
ويقتصر الحديث عن الحريات في مادة واحدة من مواد
الدستور هي المادة العاشرة التي تنص على أن "الحريات العامة مكفولة في حدود
القانون."
بينما يعطي الدستور سلطة مطلقة لرئيس الجمهورية
فهو رئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ويتولى السلطة التنفيذية
ويمارسها، ويعين نوابه ويعزلهم، كما يعين الوزراء ونوابهم ويعفيهم من منصابهم،
والوزراء مجرد منفذين للسياسة العامة التي يضعها رئيس الجمهورية، وهو الذي يختار
أعضاء مجلس الأمة من بين أعضاء مجلس النواب السوري وأعضاء مجلس الأمة المصري، وهو
الذي يدعو المجلس للانعقاد ويفض دورته، وله حق حل المجلس وتشكيل مجلس جديد، كما أن
له حق اقتراح القوانين والاعتراض عليها وإصدارها، وله أن يصدر أي تشريع أو قرار
مما يدخل أصلًا في اختصاص مجلس الأمة في حالة غياب المجلس، ولا يحق للمجلس إلغاء
ما يصدره الرئيس من قرارات وقوانين إلا بأغلبية الثلثين، وله حق إعلان حالة
الطوارئ، كما أنه يصدر القرارات اللازمة لترتيب المصالح العامة ويشرف على إدارتها.
مرة أخرى حكمت مصر ومعها سوريا هذه المرة بدستور
يرسخ سلطة الفرد ويؤسس لدولة الاستبداد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق