الاثنين، 16 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور ( 27 )

معركة الجمعية التأسيسية للدستور

 فرض الأمر الواقع

عماد أبو غازي

 أسفرت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الأسابيع الأخيرة من عام 2011 والأسابيع الأولى لعام 2012 عن حصول تيارات الإسلام السياسي مجتمعة على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى، وتصدر حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين الأحزاب الممثلة في البرلمان، مع حصول أحزاب التيار المدني والنظام القديم والمستقلين على ما يقارب ثلث مقاعد المجلسين، وبدأت أعمال مجلس الشعب في 23 يناير 2012، وبعد أسابيع قليلة اتجه حزب الحرية والعدالة وحلفاؤه إلى تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.


 وفي شهر مارس 2012 عقد البرلمان عدة جلسات لتحديد أسلوب اختيار الجمعية التأسيسية، الذي كان أحد مواضيع الخلاف الرئيسية في وثيقة السلمي، وتم الاتفاق في الاجتماع الثاني على أن يكون تشكيل الجمعية التأسيسية على أساس 50% من أعضاء البرلمان و50% من خارجه، وفي الاجتماع الثالث الذي عقد في 24 مارس 2012 تم تشكيل الجمعية، وكان تشكيل الجمعية التأسيسية محل إنتقادات واسعة من معظم القوى السياسية، لغياب المعايير والإشتراطات الواضحة في اختيار الجمعية، كما اتهم المنتقدين جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسي عمومًا بالسعي إلى الهيمنة على الجمعية التأسيسية، بالإضافة إلى ضعف نسب تمثيل قطاعات رئيسية في المجتمع المصري.


وفي 10 إبريل 2012 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا بحل الجمعية التأسيسية، فقام البرلمان في 12 يونيو 2012، قبيل حله مباشرة في 14 يونيو، بتشكيل جمعية تأسيسية أخرى، عقدت أولى جلساتها في 18 يونيو 2012 واختارت المستشار حسام الغرياني رئيسًا لها.


 وقد قاطعت معظم الأحزاب المدنية جلسة تشكيل الجمعية التأسيسية الثانية، ورفضت الانضمام إليها، وأعلن الدكتور زياد بهاء الدين رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي أن الأجواء السائدة لا تسمح بالتوافق.


 وأعلن الدكتور البرادعي أن تشكيل الجمعية التأسيسية وأد للثورة.


 وانسحبت المحكمة الدستورية العليا بقرار من جمعيتها العمومية من المشاركة في الجمعية الجديدة، ثم توالت الانسحابات في الأسابيع التالية بعد أن بدى واضحًا للجميع أن تيارات الإسلام السياسي تسعى لفرض رؤيتها في صياغة الدستور الجديد.


 وكان حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب قد أدى إلى صدور قرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل أقل من 48 ساعة من جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية بين مرسي وشفيق بحل المجلس.

 أعقبه إصدار إعلان دستوري مكمل يوم 17 يونيو 2012، وكان فرز صناديق الانتخابات في بدايته، وتضمن ذلك الإعلان عدة موضوعات أهمها:
تحصين أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة من العزل لحين إقرار الدستور الجديد، ومباشرة المجلس صلاحية التشريع وإقرار الموازنة لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد، بالإضافة إلى حق المجلس في حال تعذر عمل الجمعية التاسيسية للدستور في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة، كما أعطى الحق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في الاعتراض على نص أو أكثر من النصوص المقترحة للدستور، حيث نصت المادة 60م1 على أنه: "إذا رأى رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو رئيس مجلس الوزراء أو المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو خمس عدد أعضاء الجمعية التأسيسية، أن مشروع الدستور يتضمن نصًا أو أكثر يتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها الأساسية التي تتحقق بها المصالح العليا للبلاد، أو مع ما تواتر من مبادئ في الدساتير المصرية السابقة، فلأي منهم أن يطلب من الجمعية التأسيسية إعادة النظر في هذه النصوص خلال مدة أقصاها 15 يومًا، فإذا أصرت الجمعية علي رأيها، كان لأي منهم عرض الأمر على المحكمة الدستورية العليا، وتصدر المحكمة قرارها خلال سبعة أيام من تاريخ عرض الأمر عليها، ويكون القرار الصادر من المحكمة الدستورية العليا ملزما للكافة، وينشر القرار بغير مصروفات في الجريدة الرسمية خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره، وفي جميع الأحوال يوقف الميعاد المحدد لعرض مشروع الدستور على مجلس الشعب لاستفتائه في شأنه، والمنصوص عليه في المادة 60 من هذا الإعلان الدستوري حتى الانتهاء من إعداد مشروع الدستور في صياغته النهائية وفقا لأحكام هذه المادة."

 وبعد تسلم مرسي للسلطة في 30 يونيو 2012 بأسابيع قليلة أصدر إعلانه الدستوري الأول في 12 أغسطس 2012، ذلك الإعلان الذي استعاد فيه رئيس الجمهورية السلطات التي سلبه إياها إعلان 17 يونيو، ونصت مادته الأولى على إلغاء الإعلان الدستورى الصادر فى 17 يونيو 2012، ومادته الثانية على مباشرة رئيس الجمهورية لجميع سلطاته المنصوص عليها في الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 فور توليه منصبه.


 ونصت المادة الثالثة على أنه: "إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية لعملها، شكل رئيس الجمهورية خلال 15 يومًا جمعية تأسيسية جديدة تمثل أطياف المجتمع المصرى بعد التشاور مع القوى الوطنية لإعداد مشروع الدستور الجديد خلال 3 أشهر من تاريخ تشكيلها ويعرض مشروع الدستور على الشعب لاستفتائه فى شأنه خلال 30 يومًا من تاريخ الانتهاء من إعداده وتبدأ إجراءات الانتخابات التشريعية خلال شهرين من تاريخ إعلان موافقة الشعب على الدستورى الجديد."

 كما أصدر في نفس اليوم قرارات بإعفاء عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة من مناصبهم على رأسهم المشير طنطاوي والفريق عنان، مع تعيين عدد منهم في مواقع مدنية أخرى.


 وفي هذه الأثناء باشرت الجمعية التأسيسية عملها ببطء، وتم رفع دعوى أمام القضاء الإداري مرة أخرى لحل التشكيل الثاني للجمعية، ولكن المحكمة بتاريخ 23 أكتوبر 2012 حكمت بعدم اختصاصها في القضية، بدعوى أن التشكيل الثاني للجمعية صدر بقانون، ولا يجوز للمحكمة النظر في القوانين، وكان محمد مرسي بعد توليه السلطة قد أصدر قانون بتشكيل الجمعية التأسيسية، وفتح هذا الحكم الباب أمام الجمعية للأسراع بعملها.



 وكانت الاحتجاجات تتزايد ضد الرئيس مرسي، وقد بدأت في شهر أغسطس بعد مذبحة رفح، وتصاعدت في جمعة كشف الحساب، التي نظمتها الحركات الثورية والأحزاب بمناسبة عدم وفاء الرئيس بما وعد به في المائة يوم الأولى من حكمه.


 وقد تصدت ميلشيات الإخوان للمتظاهرين واعتدت عليهم، الأمر الذي دفع الجمعية الوطنية للتغيير وعدد من الأحزاب والحركات الثورية إلى الدعوة لجمعة "مصر مش عزبة" يوم 19 أكتوبر 2012.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...