الأربعاء، 18 مايو 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور ( 29 )

لماذا رفضنا دستور ديسمبر 2012؟

عماد أبو غازي

 أنهت الجمعية التأسيسية كتابة الدستور في 30 نوفمبر 2012، بعد اجتماع مارثوني استمر لمدة 19 ساعة بدء في 29 نوفمبر، وانتهى في اليوم التالى، أخرجت اللجنة مسودة دستور مكون من 236 مادة، وتم إقرار كل مادة على حدة خلال الاجتماع، وسلم رئيس الجمعية النسخة النهائية لرئيس الجمهورية، وكانت الأشهر الأخيرة في عمل الجمعية التأسيسية قد شهدت إطلاق عدد كبير من المسودات، حتى اختلط الأمر على المتابعين في دوامة النصوص المتعددة المتشابهة.


ودعى رئيس الجمهورية الناخبين إلى التصويت على الدستور في نصف المحافظات يوم 15 ديسمبر وفي نصفها الثاني يوم 22 ديسمبر 2012.


 كما أصدر إعلانًا دستوريًا جديدًا فى 8 ديسمبر بعد أن أطئن إلى إنتهاء الجمعية التأسيسية من عملها، حاول أن يمتص به بعض الغضب الذي تسبب فيه إعلانه السابق، فألغى بهذا الإعلان الدستورى الجديد الإعلان الصادر في نوفمبر 2012 مع الإبقاء على ما ترتب عليه من آثار، وتراجع في الإعلان الجديد عن إعادة التحقيق في جرائم قتل المتظاهرين، وعلقها على ظهور دلائل أو قرائن جديدة، كما حدد فيه الإجراءات التي ستتبع فى حالة عدم موافقة الناخبين على مشروع الدستور، فنص على أن يدعو رئيس الجمهورية، في هذه الحالة، خلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر، لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة، مكونة من مائة عضو، انتخابًا حرًا مباشرًا، على أن تنجز هذه الجمعية أعمالها خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ انتخابها، وأكد مرة أخرى في إعلان 8 ديسمبر على حصانة الإعلانات الدستورية التي يصدرها من الطعن عليها أمام أية جهة قضائية؛ وعلى أن تنقضى الدعاوى المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم.
 لم يؤد هذا الإعلان الجديد الذي أصدرة الدكتور محمد مرسي إلى تخفيف حدة الاحتقان السياسي، خاصة بعد أن خرج عقب أحداث 5 ديسمبر الدامية أمام قصر الاتحادية متحدثًا باعتباره ممثلًا للجماعة وليس رئيسًا للجمهورية، هذا الحديث الذي دفع أحد أعضاء الهيئة الاستشارية وهو الدكتور سيف عبد الفتاح إلى الانضمام لقائمة المستقيلين احتجاجًا على سياسات الرئيس، وأذكر يومها أننا كنا في مناظرة على الهواء باستوديهات قناة العربية بالقاهرة، وبكى الدكتور سيف على الهواء تأثرًا.


 في تلك الأيام تصاعدت دعاية جبهة الإنقاذ ضد مشروع الدستور، وكان شعار الحملة "لا للدستور"، وقد أصدرت جبهة الإنقاذ والمجموعات القانونية المساندة لها والقوى السياسية المعارضة للدستور، عدة وثائق انتقدت فيها المسودات المتتابعة للدستور، منها الوثيقة، التي حملت عنوان: "قنابل موقوتة فى دستور الإخوان"، وجاء فيها:
 "إن الخلاف مع حكومة الإخوان والرئيس هو خلاف سياسي وليس خلاف ديني.
أولًا  : تحفظاتنا على الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور: 
1- تشكلت الجمعية التأسيسية على قانون مطعون فى دستوريته، وهو القانون الذي أصدره مجلس الشعب المنحل.. والذي وضع معايير غير موضوعية في اختيار أعضاء التأسيسية أدت إلى جمعية أغلب أعضاءها من تيار سياسي واحد.. وهو ما يتعارض مع أن التأسيسية يجب أن تتشكل من كل أطياف المجتمع.
2-انسحاب كل ممثلى القوى السياسية والمثقفين والكنيسة والصحفيين من الجمعية التأسيسية، والذين يصل عددهم 40% من أعضاء الجمعية ولم يبق إلا فصيل الإسلام السياسي.. وبالتالي الجمعية لن تضع دستورًا يعبر عن كل طوائف المجتمع.
3-أعضاء اللجنة المتبقين ليست لديهم القدرة علي كتابة وثيقة دستورية وغلب عليهم طابع وفلسفة الإقصاء وغاب عنهم الكفاءة والتخصص وغلبت عليهم اتجاهاتهم الشخصية والسياسية."

 ثم واصلت الوثيقة انتقاداتها للدستور، فيما يتعلق بسلطات الرئيس، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الاجتماعية، والانحياز ضد المرأة والطفولة، والتعدي على استقلال المحكمة الدستورية العليا، والعوار في مواد الحقوق والحريات، وغياب أي نص يشير إلى مدنية الدولة.
 ومن هذه الوثائق ورقة بعنوان "س وج حول مشروع الدستور الجديد"، تلخص الاعتراضات على مشروع الدستور في ستة عشر سؤالًا وجوابًا، أوردها هنا كاملة لأهميتها:
"س1​ لماذا ترفض مشروع الدستور الجديد؟
 ج​ لأنه دستور إنتقامي يقسم المصريين ويكرس بذور الفرقة والفتنة والصراع بينهم.
 س2​ وكيف يكرس الفرقة والصراع بين المصريين؟ 
 ج لأنه دستور مغالبة لا توافق، صدر من جمعية تأسيسية باطلة تمثل فصيلًا واحدًا يحاول فرض رؤية وثقافة وأسلوب حياة معين على كل المصريين، دستور يهدم دولة القانون ويؤسس لدولة ولاية الفقيه، على نسق النموذج الإيراني، بالإضافة لمخاطر هائلة على حقوق وحريات المصريين، كما أنه يؤسس لحكم استبدادي غير ديمقراطي.
 س 3​ ماذا تعني بهدم دولة القانون والتأسيس لدولة ولاية الفقيه؟
 ج لأن مشروع الدستور، بالمخالفة لإجماع المصريين، عدل المادة (2) بطريقة ملتوية فأضاف تفسيرًا لمبادئ الشريعة فى المادة (219)، ليغيرها إلى أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والمذاهب والمتغيرة بحسب الظروف والزمان والمكان، والتي تشمل أراء فقهية راقية ومتسامحة وأراء فقهية بالغة التعصب ولا تناسب متطلبات العصر؛ ولذلك فإن تعديل المادة (2) لتكون أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والقابلة للتأويل والتبديل هي المصدر الرئيسي للتشريع، في إطار وجوب أخذ رأي الأزهر فيما يتعلق بالشريعة الاسلامية (المادة 4)، يضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه ويهدد الاستقرار القانوني والاجتماعي، وهو ما يتعارض مع مقتضيات دولة الديمقراطية والقانون.
 س 4​ ولماذا نرفض ولاية الفقيه؟
 ج ​لأن النظام السياسي الذي يضع رأي الفقيه فوق الدستور وفوق القانون يهدم مرجعية الدستور والقانون، ويسمح باستغلال السلطة لبعض الفقهاء، كل بحسب رأيه وحسب رغبة السلطان في تبرير أي قرار، ومثل هذا النظام غير ديمقراطي بطبيعته لأن مقتضاه أولًا عدم الاستقرار القانوني والدستوري، لاختلاف أراء الفقهاء والصراع بينهم، وثانيًا وأد المعارضة لأن من يخالف رأي الفقيه سيتهم بالكفر والإلحاد أو على الأقل الخيانة، فكيف يكون مثل هذا النظام ديمقراطي؟
 س 5​ ولكن الفقيه هنا هو هيئة كبار علماء الأزهر وهم محل ثقة واحترام من جميع المصريين.
 ج أكيد؛ ولكن من يضمن استمرارهم، فبمجرد إقرار الدستور، تصبح هذه الهيئة مركز قوة تسعى الأحزاب والسلطان للسيطرة عليها، وخسارة كبيرة أن يفقد الأزهر مكانته ودوره الفريد كجامعة ومنارة للمعارف والعلوم والحضارة الإسلامية منذ أكثر من ألف عام، ويصبح فى قلب حلبة الصراع السياسي.
وتذكر أن الفقه الإسلامي يتضمن أراء بالغة التشدد والتعصب، كما يتضمن أراء بالغة الرقي والتسامح، ولا يوجد أي ضمان للاستقرار الاجتماعي والقانوني إلا بسيادة القانون على الجميع واستقلال القضاء، والاكتفاء بمبادئ الشريعة باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع والذي طبقته المحكمة الدستورية العليا مما يقرب من أربعين عامًا فحافظت على تطبيق الشريعة من خلال اجتهاد أولي الأمر، ووضعت سياجًا أمام أي مخالفة لقواعدها الآمرة.
 س 6​ وما هي المخاطر على حقوق وحريات المواطن؟
 ج هناك نوعًا من المخاطر مصدرها نصوص بعض المواد التي تغيرت أثناء التصويت بالرغم من ثباتها في كافة المسودات، وأولها على سبيل المثال المادة (33) في شأن مبدأ المساواة أمام القانون وعدم التمييز بين المواطنين، فقد تم حذف النص على "عدم التمييز بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة"، بالمخالفة للنص المستقر منذ دستور 1923 والمنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ساهمت مصر في صياغته في عام 1948؛  وهذا يفتح أبواب الجحيم لأنه يسمح بإصدار تشريعات تفرق بين المواطنين بدعوى اختلاف المراكز القانونية، استنادًا لأراء فقهية متشددة وخاطئة؛ على سبيل المثال لتقييد الحقوق أو لمنع بعض الوظائف أو المزايا بالنسبة للمرأة أو المواطنين المسيحيين أو النوبيين أو غيرهم.
 والثانية المادة (76) والتي سمحت، بالمخالفة لكافة دساتير العالم، بأن تكون هناك جريمة وعقوبة بنص دستوري؛ والأصل أن تكون الجريمة والعقوبة بنص في قانون العقوبات الذي يصدره البرلمان دون مخالفة الدستور،  وهذا النص الغريب فخ ولغم لا يمكن تفسيره إلا أنه يسعى لتمكين القاضي من الحكم بوقوع جريمة والعقاب عليها بموجب النص في الدستور على أحكام الشريعة دون الحاجة للنص عليها في قانون العقوبات، مثل الحكم بالجلد أو الرجم دون نص في القانون، ودون ضمان استيفاء شروط تطبيق الحدود،  وهذا خطر داهم على المواطن المصرى واستقراره وأمانه، خاصة أن النص في قانون العقوبات الذي يطبقه القاضي خاضع لرقابة القضاء الدستوري، أما نص المادة (76) من الدستور فلا يخضع عادة للرقابة القضائية، ويزداد الخطر بسبب العصف باستقلال المحكمة الدستورية العليا في الدستور والتي تقوم بحماية المواطن في مثل هذه الحالات.
 ومثال ثالث هو المادة (51) التي حذفوا منها النص على حظر إنشاء أحزاب سياسية على أساس ديني أو جغرافي، وحظر إنشاء أحزاب أو جمعيات يكون نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكري أو ـ كما طالب المجتمع المدني ـ استنادًا لأي مرجعية تتعارض مع الحقوق والحريات الواردة في الدستور، وأيضا المادة (52) التى سمحت بحل النقابات والتعاونيات بحكم قضائي.
 س 7​ وما النوع الثاني من المخاطر؟
 ج النوع الثاني مصدره نص المادة (81) الذي يشترط لممارسة الحقوق والحريات الواردة في الدستور عدم مخالفتها لمقومات الدولة والمجتمع الواردة في الباب الأول منه؛ ومقتضى ذلك فتح الباب لتقييد حق المواطن وحريته، خاصة حرية الإبداع وحرية التعبير وحرية العقيدة والحرية الشخصية وحقوق المرأة وحرية التظاهر السلمي، استنادًا لأراء فقهية متشددة،  ونص المادة (81) ينسف مرجعية الدستور الذي يهدف أساسًا لحماية الحقوق والحريات للمواطن من تعسف السلطة الحاكمة، ويأتى بمرجعية أعلى منه وهي رأي الفقيه المتغير والمتبدل والذي يمكن استغلاله من الحاكم لتحقيق مصالحه حسب ما يعلمنا التاريخ.
 س 8 ​ولماذا تقول أن مشروع الدستور إنتقامي؟
 ج ​لإنه تضمن نصوصًا استثنائية تعصف بالمحكمة الدستورية العليا، انتقامًا من قيامها بأداء رسالتها بالحكم بعدم دستورية قانون الانتخابات لمخالفته مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، متصورين أن ذلك تدخلًا سياسيًا، في حين أن المحكمة أصدرت نفس الحكم مرتين ضد الرئيس السابق، ولم يتهمها أحد بذلك،  وقد تضمنت المادة (176) تحديد عدد قضاتها برئيس وعشرة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية وفقًا للقانون دون النص على اشتراط موافقة الجمعية العمومية للمحكمة، مما يهدر استقلال المحكمة، كما نصت المادة (233) على استمرار رئيسها وأقدم عشرة أعضاء وعزل الباقين (8 أعضاء) وعودتهم لوظائفهم، وهو اعتداء على حصانة القضاه ومذبحة تهدر مبادئ الشرعية وتعصف باستقلال القضاء وبالدستور الذي أقسم رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان على احترامه.
بالإضافة لذلك، فقد رفضت الجمعية التأسيسية كل اقتراحات نقابة الصحفيين تقريبًا مثل حظر الحبس في جرائم الرأي، والاكتفاء بالعقوبات المدنية، وحظر المصادرة أو الايقاف أو التعطيل حتى بحكم قضائي، وكذلك النص على استقلال الصحف ووسائل الاعلام المملوكة للشعب عن السلطة التنفيذية والحزب الحاكم،  كما أوردت في مشروع الدستور نصوصًا مطاطة تسمح بتقييد حرية الصحافة والاعلام وذلك انتقامًا من الإعلام لدوره في كشف الأخطاء وفضح الأكاذيب.
 س 9​ ولماذا تقول أن مشروع الدستور يؤسس لحكم استبدادي؟
 ج ​لأن رئيس الجمهورية احتفظ بكل سلطات الرئيس السابق في دستور 1971 وزاد عليهم سلطة تعيين رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، التي تراقب عليه،  ولا يرد على ذلك أن مشروع الدستور اشترط موافقة مجلس الشورى على ذلك التعيين، أولًا لأن مجلس الشورى فى العادة يسيطر عليه حزب الأغلبية، وثانيًا لأن مشروع الدستور لم يشترط أغلبية خاصة للموافقة على المعينين، والأغلبية العادية هى أغلبية الحاضرين، وحدها الأدنى أغلبية 26% من الأعضاء فى حالة حضور 51% والأقصى  51% فى حالة حضور 100% من الأعضاء وهو ما يسمح لحزب الأغلبية بالسيطرة على تعيين رؤساء الهيئات والأجهزة المستقلة، وكان الواجب اشتراط أغلبية ثلثي الأعضاء لضمان استقلالها.
كما أن رئيس الجمهورية يعين رئيس الوزراء الذي يعمل تحت اشرافه في وضع السياسات العامة للدولة وتنفيذها، مما يثبت أن نظام الحكم في مشروع الدستور رئاسي مؤكد، وليس مختلطًا كما يزعمون، ومع ذلك فإن رئيس الجمهورية غير مسئول سياسيًا، فبينما يمتلك رئيس الجمهورية كل السلطات، يسحب البرلمان الثقة من رئيس الوزراء أو الوزراء.
وبالرغم من ذلك فان مشروع الدستور حذف النص على تعيين نائب للرئيس وهو مطلب شعبى منذ 30 عامًا رفضه مبارك حتى لا يكون له بديلًا محتملًا، وجاء مشروع الدستور ليلغي النص حتى لا يمكن أن يكون له بديلًا ابدًا.
أضف لذلك أن أغلب قرارات مجلس النواب مثل الموافقة على القوانين والموافقة على موازنة الدولة أو تعديلها أو الحساب الختامي أو على الاقتراض أو تحميل خزانة الدولة بأي التزام تصدر بالأغلبية العادية أي أغلبية الحاضرين، وحدها الأدنى أغلبية 26% من الأعضاء فى حالة حضور 51% وحدها الأقصى  51 % فى حالة حضور 100% من الأعضاء،  وهذا يخل بدور مجلس النواب الرقابي ويسمح للسلطة التنفيذية وحزب الأغلبية بالانفراد بالقرار دون رقابة تمامًا مثل الوضع أثناء حكم النظام السابق الذي قامت الثورة للتخلص من استبداده وفساده، وكان الواجب اشتراط أغلبية الأعضاء وثلثي الأعضاء في حالة الاقتراض لضمان التوازن بين السلطات. 
وأخيرا فإن العصف بالقضاء ممثلًا فى المحكمة الدستورية العليا والنائب العام، مهما كان الرأي في أدائه لمهامه، وتحصين مجلس النواب القادم ضد الحل، واستباق حكم الدستورية العليا بتحصين مجلس الشورى من الحل في الدستور وقبلهم تحصين التأسيسية من الرقابة القضائية بموجب إعلان الاستبداد الدستوري، كل ذلك لا يعنى إلا شيئًا واحدًا وهو أن هذا الدستور يؤسس لحكم استبدادي.
 أضف الى ذلك ما ناقشناه في شأن ولاية الفقيه وإهدار سيادة القانون واستقلال القضاء والحقوق والحريات، خاصة حرية الصحافة والأعلام ، لتصل إلى ذات النتيجة أن مشروع الدستور يؤسس لحكم غير ديمقراطي.
 س 10 هل صحيح أن مشروع الدستور متناقض مع نفسه كما يقولون؟
 ج ​أكيد فهو يعطينا كمواطنين الحقوق والحريات ويضمن لنا عدم إمكان تعطيلها أو انتقاصها، ثم يقيد ممارسة هذه الحقوق والحريات بعدم مخالفة مقومات الدولة والمجتمع أي أراء الفقهاء في الشريعة الاسلامية، فيأخذ باليمين ما أعطاه لنا باليسار، والكارثة أنه لا توجد أراء فقهية متفق عليها مما يسمح بالتعسف والطغيان عن طريق استغلال الحاكم لبعض الفقهاء لتبرير أي قرار أو قانون حسب المصلحة السياسية للحزب الحاكم.
ومثال آخر أن مشروع الدستور ينص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وإن استقلال القضاء وحصانة القضاه ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات المادة (74) ويأتي في نفس الوقت ليعصف باستقلال القضاء ويضع نصوصًا لعزل النائب العام وثمانية قضاه من الدستورية العليا، ويحصن مجلس النواب ومجلس الشورى والقرارات المترتبة على إعلان الاستبداد الدستوري من رقابة القضاء.
 س 11 وهل هناك عيوب أخرى في مشروع الدستور؟
 ج هناك الكثير من العيوب من أهمها مثلًا عدم الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال النص على التأمين الاجتماعي قاصر لا يكفل مختلف أنواع التأمينات، كما لا يضمن أن يكون المعاش مساويًا على الأقل للحد الأدنى للأجور، أما إلتزام الدوله بالنسبة لحق السكن فقد رفضوا النص على التزامها بتوفير المرافق الأساسية كالنور والمياه والصرف الصحي للسكن، وغير ذلك الكثير من المسالب
 س 12 وماذا عن حق الطفل والضجة التي ثارت حول عمل الأطفال؟ 
ج نص المادة (70) لم يقدم الحماية الكافية لحقوق الطفل فسمح للطفل بالعمل قبل سن الانتهاء من التعليم الإلزامي بشرط ألا يكون ذلك في أعمال خطرة أو تمنعه من التعليم، بينما النص في القانون الحالي هو حظر عمالة الأطفال حتى الانتهاء من سن التعليم الإلزامي، مع السماح لهم بالعمل في الإجازة الصيفية بعد سن الثالثة عشر، وحظر عملهم في الأعمال الخطرة في جميع الأحوال، وهو ما يتفق مع مصلحة أطفالنا وأيضًا مع التزاماتنا الدولية وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل التي تمثل إجماعًا عالميًا. بالإضافة لذلك لم تنص المادة (70)  على رعاية المصلحة الفضلى للطفل وعدم التمييز وعدم المساءلة جنائيًا إلا في الحدود وللمدد التي نص عليها القانون كما لم تنص على حظر زواج الاطفال، وارتبطت قضية حظر زواج الأطفال بالمادة (73) التي رفضوا النص فيها على حظر الاتجار بالبشر وهي جريمة نص عليها القانون المصرى 64 لسنة 2010، بهدف منع التعامل بأي صورة على أي شخص، رجلًا أو إمرأة أو طفلًا، أو استغلاله بما في ذلك الاستغلال الجنسي أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة أو التسول  أو استئصال أعضاء بشرية أو أنسجة أو جزء منها لغرض الاتجار، وسبب رفض الجمعية التأسيسية حظر هذه الجريمة في الدستور هو عدم وضع قيود على زواج القاصرات حيث جرى العرف في بعض الأحيان على قيام بعض الأباء بتزويج بناتهم القاصرات لشيوخ مقابل مبالغ مالية مجزية تدفع كمهر، وينص القانون المصرى على أن الحد الأدنى لسن الزواج هو 18 سنه للرجل والمرأة وذلك حتى يتيح لهما فرصًا عادلة للحصول على التعليم والرعاية والنضوج العقلي والنفسي والصحي لتحمل مسئولية الزواج وإقامة أسرة، وحماية حقوق اطفالنا واجب لأن هذا حقهم كما أنهم مستقبل مصر وأملها في النهضة والتقدم.
 س 13 وماذا عن حرية العقيدة؟
 ج ​هذه مشكلة كبيرة فدستور 1923 ينص على أن حرية العقيدة مطلقة، ونص دستور 1971 على أن تكفل الدولة حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، إلا أننا تراجعنا في مشروع الدستور الجديد فنصت المادة (43) على أن حرية العقيدة مصونة، وأن إلتزام الدولة بكفالة حرية ممارسة الشعائر وبناء دور العبادة للديانات السماوية سيكون على النحو الذي ينظمه القانون، والمقلق في هذا الشأن هو التراجع في التزام الدولة بكفالة حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية، خاصة في إطار المناخ الحالي الذي تزداد فيه درجة التعصب الديني وتشتعل فيه الحرائق لأسباب تتعلق ببناء الكنائس أو ترميمها، وكنا نتوقع أن يأتى الدستور بعد ثورة 25 يناير قويًا في تعزيز هذه الحقوق والحريات الأساسية ومطمئنًا للمواطنين المسيحيين ولغيرهم من أصحاب الديانات والعقائد الأخرى، خاصة وأن عدد المسلمين في البلاد الأخرى كبير جدًا، ومن المهم أن نراعى أن أي قيود نضعها على ممارسة غير المسلمين من الديانات السماوية أو غيرها  للشعائر الدينية ستنعكس فى قيود مماثلة على حرية المسلمين في البلاد الأخرى وفقًا لمبدأ المعاملة بالمثل. 
 س14 وكيف يمكن لتيار سياسي معين أن يفرض رؤية أو أسلوب حياة معينة على باقى المصريين؟
 ج تلخصت خطة تيار الإسلام السياسي في السيطرة على الجمعية التأسيسية والأغلبية اللازمة للتصويت على المواد فيها، وذلك لوضع نصوص في الدستور تفرض رؤيتهم الخاصة ـ فعلى سبيل المثال نصت المادة (10) على أن المجتمع يحرص على تماسك الأسرة "وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها وفقًا للقانون" وهو ما يسمح بإصدار قانون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغرض فرض وحماية قواعد أخلاقية معينة، أما المادة (12) فتلزم الدولة بالعمل على تعريب التعليم والعلوم وهو ما يمكن أن يؤدى للعزلة وعدم اللحاق بالتقدم العلمي الذي يتطور بسرعة مذهلة في العالم المتقدم، ومع الإقرار بالأهمية القصوى للاهتمام باللغة العربية، إلا أن مثل هذا النص قد يفسر على أنه معاد لتعليم اللغة الأجنبية، علمًا أن لغة العلم والاقتصاد العالمية هي الانجليزية كما هو معلوم، وهذا التوجه ضار لمصر ويقلص فرص العمل لأبنائنا.
 س 15 وهل نص مشروع الدستور على محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وماذا عن ميزانية القوات المسلحة؟
ج تنص المادة (198) من مشروع الدستور على اختصاص القضاء العسكري بمحاكمة المدنيين في الجرائم التي تضر القوات المسلحة والتي سيحددها القانون، والمطلوب حظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهو الوضع في المسودات السابقة، وتم التراجع عنه في ليلة التصويت.
 أما موازنة القوات المسلحة فقد نصت المادة (197) على أن مجلس الدفاع الوطني يختص بمناقشتها لا الموافقة عليها، وهذه النقطة تحصيل حاصل لأن تشكيل مجلس الدفاع الوطنى أغلبيته من القوات المسلحة، أما اعتماد تلك الموازنة فتظل لمجلس النواب بعد مراجعة اللجنة المختصة وبالأغلبية العادية للحاضرين، أي بموافقة حزب الأكثرية أو الأغلبية الحاكم. 
 س 16 بأي أغلبية يتم إقرار الدستور الذي يحكم حياتنا وحياة أولادنا والموافقة على استكمال الرئيس لمدته؟ 
ج بالأغلبية العادية للأصوات الصحيحة، مما يعنى أنه لايوجد حدًا أدنى للحضور ولا أغلبية خاصة للموافقة على هذة الوثيقة الخطيرة أو على استمرار الرئيس لنهاية مدته، وهو ما يلزم التصويت عليه لأن اختصاصات الرئيس تغيرت تمامًا في مشروع الدستور، فإذا ذهب مليون مواطن ووافق 501 ألف عليه، يتم إقراره ويصبح دستور مصر ويستمر الرئيس، وكان الواجب النص على ضرورة موافقة ثلثي الأصوات الصحيحة على الأقل."


 بدأت جبهة الإنقاذ تنظيم حملة غعلامية واسعة في الصحف وقنوات التلفزيون الخاصة لرفض الدستور، وتواصلت التظاهرات في الشوارع والميادين، واستمر الاعتصام ضد دستور الإخوان في ميدان التحرير وحول قصر الاتحادية الذي عاد المتظاهرون إليه بعد يومين من هجوم 5 ديسمبر، وكان آخرها مسيرة سار فيها عشرات الآلاف إلى قصر الاتحادية مساء الثلاثاء 11 ديسمبر 2012، وفي هذه الليلة أعلنت قيادة القوات المسلحة مبادرتها للم الشمل والتوصل إلى تسوية للخروج من الأزمة السياسية، ورفضت الرئاسة المبادرة، فتحولت إلى دعوة لحفل شاي عصر الأربعاء 12 ديسمبر 2012، لكن ما لم يعلن أن لقاءً ثلاثي كان من المفترض أن يسبق حفل الشاي ينتهي إلى حضور الرئيس لحفل الشاي ليعلن وقف إجراءات الاستفتاء، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجري انتخابات برلمانية على أساس دستور 71 المعدل، ويرجأ موضوع صياغة الدستور الجديد، إلى نهاية فترة البرلمان المنتخب، لكن إعلان جبهة الإنقاذ ظهر هذا اليوم لدعوتها للناخبين للتوجه لصناديق الاستفتاء والتصويت بلا دفعت الرئيس إلى التراجع عن موافقته على هذا المقترح، ما دامت جبهة الإنقاذ قد وافقت على الاحتكام للصناديق.

 انتهت الجولة الأولى من التصويت التي جرت يوم 15 ديسمبر 2012 بموافقة أغلبية بسيطة من الناخبين على الدستور، واستمرت حملات جبهة الانقاذ مع لبتشكيك في دقة النتائج المعلنة، وقبل الجولة الثانية التي كان مقرر لها يوم 22 ديسمبر وجه الدكتور عمرو دراج أمين عام الجمعية التأسيسية الدعوة لقادة جبهة الإنقاذ لمناظرة علنية ليلة الاستفتاء، وقد أرسلت ردًا على هذه الدعوة، هذا نصه:
"القاهرة، في ٢١ديسمبر ٢٠١٢
 السيد الدكتور/ عمرو دراج
الأمين العام للجمعية التأسيسية للدستور المصرى 
تحية التقدير والاحترام 
 فقد تلقى حزب الدستور الدعوة الموجهة منكم باسم الجمعية التأسيسية للدكتور محمد البرادعي رئيس الحزب إلى "مناظرة" يشترك فبها "قادة العمل الوطنى الذين لديهم إعتراضات على مشروع الدستور لعرض إعتراضاتهم...  فى حوار علني مع رموز الجمعية التأسيسية يوم الجمعة 21 ديسمبر وذلك حتى يستطيع المواطن إتخاذ قراره بنفسه".
و إذ أبلغكم اعتذار الدكتور محمد البرادعي عن حضور هذا اللقاء، أود أن أوضح ما يلى:
أولًا: إن موقفنا من الجمعية التأسيسية منذ البداية واضح؛ حيث نرى أنها جمعية مطعون في شرعيتها، وإنها لا تعبر عن توافق وطني، ومن ثم أتى المنتج الذي انتهت إليه غير معبر عن توافق الشعب المصري ولا طموحاته في تحقيق أهداف ثورته في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، ومن هذا المنطلق كان اعتراضنا على عمل هذه الجمعية ورفضنا للمشاركة في أي من أنشطتها.
ثانيًا: مع ذلك حرصنا في حزب الدستور وفي جبهة الانقاذ الوطني على تقديم ملاحظاتنا واعتراضاتنا على المسودات المتوالية التي أطلقتها الجمعية التأسيسية تباعًا، كما قدمنا ملاحظاتنا الكاملة على مشروع الدستور في صورته الأخيرة، وشارك عدد من ممثلي جبهة الإنقاذ في مناظرات وحوارات تتعلق بمشروع الدستور والإعتراضات على مواده وعلى توجهه العام، وذلك في حضور ومواجهة من يؤيدون المشروع.
ثالثًا: أعتقد أن الدعوة لمثل هذه المناظرة في الساعات الأخيرة قبل المرحلة الثانية من التصويت لن تقدم جديدًا، ولو كانت هناك نية جادة للوصول إلى توافق وطني لتم إرجاء الاستفتاء على الدستور والبدء في حوار جاد للوصول إلى التوافق الوطني على مسار الخروج من المرحلة الانتقالية.
                                مع خالص التقدير،
           
                                                                أمين عام حزب الدستور
                                                                       عماد أبو غازي"


 تمت الجولة الثانية في موعدها يوم 22 ديسمبر، وأعلنت اللجنة العليا المشرفة على الاستفتاء النتيجة، وكانت الموافقة على الدستور بأغلبية قاربت الثلثين؛ حيث وافق على الدستور 63.8% بينما رفض الدستور 36.2%  ، في استفتاء شارك فيه 17,058,317 ناخبًا من أصل 51,919,067 ممن لهم حق التصويت، لتكون نسبة المشاركة 32.9% ونسبة الامتناع عن المشاركة 67.1%، واعتمد الدستور رسميًا كدستور للبلاد في 25 ديسمبر 2012.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...