الأحد، 13 أبريل 2014




 
 

من حد السعف إلى عيد القيامة المجيد

كيف كان المصريون يحتفلون بأسبوع الآلام؟

 عماد أبو غازي
 تحتفل الأحد القادم الكنيسة المصرية بعيد القيامة المجيد الذي يعد من الأعياد الدينية الكبرى ويختتم به أسبوع الآلام والصوم الكبير، ومع انتشار المسيحية في مصر منذ القرون الأولى لظهورها أصبحت الأعياد الدينية المسيحية جزء من التراث المصري خاصة مع تزامن بعضها مع بعض الأعياد المصرية القديمة، وبعد دخول العرب إلى مصر وانتشار الإسلام فيها تدريجيا ظلت مصر كلها تحتفل بالأعياد المسيحية باعتبارها أعيادا للمصريين.
ويحدثنا  تقي الدين أحمد بن علي المقريزي الذي عاش في زمن المماليك وتوفي في القرن الخامس عشر الميلادي التاسع الهجري عن تلك الأعياد في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" عند ذكره للأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم، فمن بين الأعياد التي ذكرها المقريزي كمناسبة للاحتفال الرسمي في العصر الفاطمي والتي استمر كثيرا من احتفالاتها حتى عصره، حد السعف، أو أحد الشعانين الذي يوافق يوم ركوب السيد المسيح اليعفور بالقدس ودخوله إلى منطقة جبل صهيون وهو يعظ الناس ويأمرهم بالمعروف ويحثهم على عمل الخير، ويسبق حد السعف عيد القيامة المجيد بأسبوع، وفي هذا اليوم يحمل الناس سعف النخيل ويصنعون منه صلبانا وأشكالا فنية يحملونها في أيديهم، كما يزينون به الكنائس.
  أما عيد القيامة أو الفصح فمن أهم الأعياد الدينية المسيحية ويرتبط الاحتفال به بمجموعة من المناسبات الدينية المتوالية التي ترتبط بأحداث مهمة في حياة السيد المسيح عليه السلام تبدأ بخميس العهد ثم الجمعة الحزينة فسبت النور وتنتهي بعيد الفصح أو أحد القيامة أو عيد القيامة المجيد، وخميس العهد الذي يسبق عيد القيامة أو عيد الفصح بثلاثة أيام، ويأتي قبل الجمعة الحزينة مباشرة، فيوافق اليوم الذي أخذ فيه السيد المسيح العهد على تلاميذه بعد أن غسل أقدامهم بنفسه حتى يعلمهم التواضع، وكان من مظاهر احتفال الدولة بخميس العهد في العصر الفاطمي ضرب الدنانير الذهبية وتفرقتها على رجال الدولة وعلى من يحصلون على رواتب منتظمة أو عطايا من الخليفة، كهدية منه لرعايه باختلاف أديانهم، في هذه المناسبة الدينية المسيحية الجليلة.
 وكان الناس في مصر يسمون خميس العهد باسم خميس العدس، لأن المسيحيين المصريين كانوا يطبخون في هذا اليوم العدس المصفى، وفي زمن المقريزي في أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الخامس عشر كان خميس العدس الذي هو بداية الاحتفال بأيام الأعياد المسيحية المتوالية التي تنتهي بعيد القيامة، من جملة المواسم العظيمة حسب قول المقريزي، "فيباع فيه في أسواق القاهرة من البيض المصبوغ عدة ألوان ما يتجاوز حد الكثرة، فيقامر به العبيد والصبيان والغوغاء، ويهادي المسيحيون بعضهم بعضا، ويهدون إلى المسلمين أنواع السمك المنوع مع العدس المصفى والبيض"، وكانت الاحتفالات تستمر حتى يوم الأحد الذي يوافق عيد القيامة الذي يفطر في ليلته المسيحيون، ويشير المقريزي إلى أن هذه الاحتفالات قد تراجعت بسبب ما حل بالناس من أزمات اقتصادية طاحنة في زمن السلطان فرج بن برقوق الذي شهد واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية في تاريخ مصر في العصور الوسطى.
 أما سبت النور الذي يوافق اليوم السابق مباشرة على عيد القيامة فكان من جملة المواسم الدينية التي صنفها المقريزي ضمن الأعياد الصغار للمسيحيين المصريين التي كانت تحتفل بها مصر كلها، وأذكر أنه حتى زمن قريب كانت الجدات في مصر يصممن على أن يأكل الأطفال في هذا اليوم البيض المسلوق لحفظ قوة نظرهم.
 أما عيد القيامة المجيد الذي يختتم به أسبوع الأعياد وينتهي معه الصيام، فيبدو أنه قد غلب عليه الطابع الديني الكامل ولم يتحول إلى احتفال شعبي عام.

 
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...