الجمعة، 11 أبريل 2014


من أرشيف فنان مصري

صور وأوراق محمود مختار

(1891  ـ 1934)

( 5 )

 

عماد أبو غازي

وفي أرشيف مختار مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية لأعماله الفنية، المعروفة وتلك التي فقدت، وفي هذه المجموعة أيضا صور فوتوغرافية شخصية لبعض أصحاب هذه التماثيل، وتكمل هذه الصور حكايات التماثيل.

 من أعمال مختار الأولى التي ترجع إلى مرحلة الدراسة بمدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز التمثال المعروف بتمثال "رأس زنجية" الموجود إلى الآن بمتحف مختار، والتمثال دراسة لوجه بشري من خلال نحت وجه موديل حي، من ذلك النوع من التماثيل التي يتعلم من خلالها الطلاب في كليات الفنون فن النحت.

 
 

تمثال رأس زنجية من أعمال مرحلة الدراسة بالقاهرة

 
وفي أوراق مختار الشخصية اكتشفت دفترا صغيرا مجلدا بالكرتون الملون في حجم جوازات السفر، إنه "شهادة تحقيق شخصية للخدامين" صادرة عن نظارة الداخلية في 10 فبراير 1917، والشهادة باسم مرسيلة عبد الله المولودة بالسودان والمقيمة بالداودية بالدرب الأحمر، سنها 50 سنة وتعمل طباخة، وتحمل الشهادة المدونة بالعربية والإنجليزية صورة الست مارسيلة، ومن النظرة الأولى يتضح أن الصورة لصاحبة البورترية المعروف باسم رأس زنجية، ومرسيلة هذه كما عرفت من الحكايات الأسرية، طباخة كانت تعيش مع أسرة مختار، وهي طفلة سودانية خطفها تجار الرقيق وباعوها في مصر قبل إلغاء الرق، واشترها جد مختار لأمه في أوائل سبعينات القرن التاسع عشر، وتحررت مثل غيرها لكنها ظلت مرتبطة بالأسرة التي تربت في كنفها، وعندما كان مختار طالبا في مدرسة الفنون كان وجه مرسيلة أول وجه نسائي خلده في تمثال.
 
 

أثبات الشخصية الخاص بمرسيلة عبد الله

 
 من بين أعمال مختار التي يحتفظ بها متحفه في القاهرة بورتريه نصفي لسيدة، يحمل التمثال اسم مدام A.H.، وفي أرشيف صور مختار صورة شخصية لتلك السيدة، بالإضافة لصورتين أخرتين لها أثناء زيارة سعد زغلول وحسين رشدي وويصا واصف لموقع العمل في تمثال نهضة مصر.
  كان التمثال يوصف دوما بأنه تمثال سيدة أمريكية، من الأوراق الخاصة لبدر الدين أبو غازي نعرف من هي مدام إيه إتش، يقول عن لقائه الأول بمارسيل دوبري صديقة مختار الفرنسية في أكتوبر 1969:
"وأجابت ضمنا عن سؤالي حول تمثال مدام إيه إتش، ومن تكون صاحبته؟
أشارت إلى أن هناك في صداقات مختار سيدة صامتة ذات طابع كهنوتي كانت تلتقي به".
 يستطرد بدر الدين أبو غازي قائلا: "لم تكن تعلم أن سؤالي قد لقي جوابه، وإن الجواب كان أقرب مما أظن حين أرسلت لي ماري لويز ديبوا خطابا تشير فيه إلى أنها رأت تمثالها على الشاشة الصغيرة، وسمعت تعليقا يشير إلى أنه لسيدة أمريكية، بينما هي صاحبة التمثال، وصديقة مختار التي عاصرت أيام نهضة مصر وجماعة الخيال، ومازالت هنا تعيش بيننا في الإسكندرية. " (الخطاب يرجع لعام 1969).


تمثال مدام إيه إتش
 


صورة صاحبة التمثال في أوراق مختار الخاصة
 
 
صاحبة التمثال في موقع تمثال النهضة أثناء زيارة الزعيم سعد زغلول للموقع
 أما مارسيل صديقة مختار المفضلة كما تصف نفسها، فلها صورة تجمعها بمختار في حفل شاي وإلى جوارهما النسخة الحجرية لتمثال عروس النيل ومارسيل تتطلع إليها بنظرة لها مغزى، صورة أعرفها منذ زمن رأيتها في أوراق مختار ورأيتها عندما نشرها بدرالدين أبو غازي في أحد كتبه عن مختار.
 
 

مختار ومارسيل إلى جانب تمثال عروس النيل

 
  لكني فهمت مغزى نظرة مارسيل إلى التمثال عندما أرسلت فبيل وفاتها مجموعة من تذكراتها وصورها الخاصة إلى من تبقى من أسرة مختار في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فقد كانت تعتبر أنها تنتمي إلى هذه الأسرة، وكان من بين الصور صورتها ترتدي تاج عروس النيل.



مارسيل ترتدي تاج عروس النيل
 
 وهذه صورة من أرشيف مختار لتمثال عروس النيل تكاد تطابق صورة مارسيل مرتدية التاج.



وتمثال عبد الخالق باشا ثروت من تماثيل الشخصيات التي نحتها مختار، وتوجد من التمثال نسخة من الرخام بمتحف مختار، ونسختان من البرونز واحدة لدى أسرة مختار والثانية لدى أسرة عبد الخالق ثروت.
 
 
النسخة البرونزية من تمثال عبد الخالق ثروت
  وفي أرشيف مختار مجموعة من الصور المرتبطة بالتمثال منها ست صور تمثل مراحل تشكيل مختار للتمثال الذي نحته مختار في ست ساعات، وصورتان شخصيتان لعبد الخالق ثروت أثناء جلسته أمام مختار وهو يشكل تمثاله.


 
 
عبد الخالق باشا ثروت أثناء نحت مختار لتمثاله
 
أكمل مختار عمله في تمثال نهضة مصر تماما في أواخر عام 1926، ولم يزح الستار عن التمثال إلا في 20 مايو 1928، والسبب هو أن الملك فؤاد كان يرى أن ما قام به مختار من اختيار الفلاحة المصرية رمزاً للنهضة هو تحدي لسلطة القصر وتحدي للحاكم المطلق، فحتى ذلك الوقت لم يكن هناك تمثال في أي ميدان في القاهرة إلا تماثيل أفراد الأسرة الحاكمة أو تماثيل رجال الدولة الكبار مثل نوبار باشا ولاظوغلي وسليمان باشا الفرنساوي، وحتى تمثال الزعيم مصطفى كامل لم يُسمح بإخراجه من مكانه في مقر الحزب الوطني ومدرسة مصطفى كامل إلا بعدها بسنوات طويلة، فكان اختيار الفلاحة المصرية رمزًا لنهضة مصر تحديًّا للسلطة، والذي زاد من ضراوة هذا التحدي أن مختار وقد أصبح النحات الأول في مصر الذي تلتف الجماهير حول فنه لم يصنع تمثالاً واحدًا للملك فؤاد، وعندما وجه له بعض أصدقائه النصح بضرورة عمل بورتريه نصفي للملك حتى يرضيه بدأ في تشكيل تمثال نصفي لفؤاد أبدى الملك ملاحظات عليه من الناحية الفنية، فما كان من مختار إلا أن دمر التمثال تمامًا ولم يكمله ولا توجد له إلا صوره في مرسمه في مرحلة التشكيل بالطين و لم يستكمله بعدها.
 
 
صورة لتمثال فؤاد في مرسم مختار
 
 


كما كان مختار يحتفظ بصورتين شخصيتين لفؤاد يبدو أنه كان يشكل تمثاله منهما.


 
ويذكر بعض أصدقاء مختار أنه بعد أن حطم التمثال نحت تمثالا آخر يسخر فيه من فؤاد، لكن بعض أصدقائه عندما شاهدوا التمثال دمروه حماية لمختار من بطش فؤاد به.
 وبعد... فهذه جولة خاطفة بين أوراق مختار الخاصة التي تضم عشرات الصور والخطابات والأوراق والتذكارات التي تصلح لتكون مادة خام للكتابة التاريخية.
تم.
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...