الاثنين، 28 أبريل 2014


قراءة في تاريخ الأحزاب السياسية في مصر ( 2 )

مصر بين تجربتين

عماد أبو غازي

 هل اختفت التنظيمات السياسة في مصر عقب هزيمة الثورة العرابية وخضوع مصر للاحتلال البريطاني في خريف 1882؟
 نستطيع القول بأن التجربة المصرية الأولى في تشكيل الأحزاب تكاد تكون قد انتهت بهزيمة الثورة العرابية واحتلال بريطانيا لمصر في سبتمبر 1882، ونقول: "تكاد تكون"، لإنه عقب الاحتلال البريطاني مباشرة واصل بعض الوطنيين المصريين في الخارج نضالهم ضد الاحتلال في مصر من خلال صحافة معبرة عن التيار الوطني، كان منهم الشيخ محمد عبده عضو الحزب الوطني الذي شارك جمال الدين الأفغاني في إصدار مجلة العروة الوثقى من الخارج، ويعقوب صنوع الذي نفاه الخديوي إسماعيل فظل يصدر الصحف الوطنية من باريس حتى وفاته، وكل هؤلاء كانوا امتدادًا للتجربة الحزبية القصيرة التي استمرت من 1879 إلى 1882.
 
الأفغاني
 

                                                  يعقوب صنوع

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
محمد عبده
 كذلك تشكلت مجموعات للمقاومة السرية المسلحة، جماعات للانتقام مما حل بالوطن وبقادة ثورته الذين قدم العشرات منهم وفي مقدمتهم أعضاء الحزب الوطني لمحاكم عسكرية ومخصوصة، أصدرت ضدهم أحكاما بالإعدام ـ أرغمت سلطات الاحتلال الخديوي على تخفيفها ـ والنفي والسجن وتحديد الإقامة ومصادرة الأملاك والعزل من الوظيفة، حقًا لم تستمر هذه المنظمات طويلًا، كما لم تكن حركة مجموعات المقاومة السرية مؤثرة، لكنها كانت تعكس إدراك قطاع من المصريين، خاصة الشباب، لأهمية التنظيم، وكان من بين من قبض عليهم بتهمة الانتماء إلى هذه المجموعات الشاب سعد زغلول أحد مريدي الأفغاني ومحمد عبده، سعد الذي أصبح زعيمًا للثورة المصرية بعدها بخمسة وثلاثين عامًا، والذي أسس أهم وأكبر حزب سياسي في مصر في القرن العشرين.
سعد زغلول

 تاريخ هذه المجموعات مازال في معظمه مجهولًا يحتاج إلى البحث والدراسة، وربما كانت الوثائق البريطانية ووثائق نظارة الداخلية ومجلس النظار في مصر مصدرًا لمعلومات عن هذه المنظمات، إذا جاز لنا وصفها بذلك.
 هناك أيضا ظواهر أخرى تشير إلى وجود مجموعات منظمة دون أن تعلن عن تشكيل أحزاب سياسية بالمعنى المتعارف عليه، فعلى سبيل المثال تكشف قصة نجاح عبد الله النديم خطيب الثورة في الهروب لمدة تسع سنوات عن شكل من أشكال الارتباط بين من تبقى حرًا من رجال الحزب الوطني، وتبين أقواله التي أدلى بها عقب القبض عليه عام 1891 رحلته مع الهرب وأسماء من ساعدوه ومولوا رحلته، ومنهم بعض كبار الملاك والأعيان والعمد والمشايخ والموظفين العموميين الذين شاركوا في العمل الوطني في سبعينيات القرن التاسع عشر وثمانينياته، لقد كانوا تيارًا متواصلًا كامنًا تحت السطح، كذلك فإن تيار معارضة الاحتلال ظل يعمل بهدوء على مدى ما يقارب عقدين من الزمان، وكان المعارضون لسلطة الاحتلال يُسمون "الوطنيون" وأحيانًا "الفرنسيون" لإنهم اتخاذوا من الفرنسية لغة للكتابة عندما يكتبون بلغة أجنبية كنوع من التحدي لسلطات الاحتلال، كما عرفت مصر ظاهرة الصالونات الفكرية التي شارك فيها مجموعة من الذين أثروا في الحياة السياسية في مصر من أمثال الشيخ محمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول، وبمجرد عودة النديم من منفاه بعد تولي عباس حلمي الثاني مقعد الخديوية قام بإصدار مجلة الأستاذ، وتحلق حوله مجموعة من الشباب الوطني، وارتادوا مجلسه وكان من بينهم مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني الثاني، وإذا كان النديم قد نُفي مرة أخرى بعيدًا عن مصر، إلا أن الروح الوطنية تجددت مرة أخرى في تسعينيات القرن التاسع عشر، ورغم أن المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي يلح في كتاباته على فكرة تراجع الروح الوطنية تمام وسيادة سلوك التملق للمحتل البريطاني خلال السنوات الخمسة عشر التي أعقبت الاحتلال في محاولة لإبراز التحول الذي حدث بظهور مصطفى كامل، إلا أن مصطفى كامل ما كان له أن يظهر على الساحة ويلعب الدور الذي لعبه في البعث الوطني دون وجود تيار في الحياة السياسية يقاوم الاحتلال البريطاني، حتى ولو كان ذلك بالمقاومة السلبية، حقا إنه من المؤكد حتى الآن في ضوء ما لدينا من وثائق أن تلك لم تعرف تشكيل أحزاب سياسية، لكنها شهدت نمو تدريجي لتيار مقاوم لعب فيه بعض من شاركوا في النضال الوطني قبل الاحتلال دورًا، وتبلور هذا التيار فيما بعد في موجة ثانية من الأحزاب السياسية.
 لقد عاد التيار الوطني إلى الظهور بقوة مع مطلع القرن العشرين، من خلال مجموعة من الصحف الوطنية كانت اللواء التي أصدرها مصطفى كامل سنة 1900 في صدارتها، بينما عادت الحياة الحزبية إلى مصر مرة أخرى مع عام 1907 الذي يطلق عليه المؤرخون عام الأحزاب، ففي ذلك العام تحولت الصحف الرئيسية الثلاثة التي تعبر عن التيارات السياسية الرئيسية في المجتمع، اللواء والمؤيد والجريدة إلى أحزاب سياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...