الجمعة، 11 أبريل 2014

تقرير تم إعداده عام 2009
مقترحات بشأن تطوير الصناعات الثقافية في مصر

 يجب أن تكون العولمة فرصة جديدة تتيح لنا المزيد من الحضور العالمي والإسهام في رقي الإنسانية، إن مصر  التي شهدت عبر تاريخها الممتد حضارات أسهمت  في التراث الإنساني العالمي إسهاما إيجابيا فعالا تملك من الرصيد الحضاري والثقافي ما يؤهلها لمواجهة تحديات العولمة من خلال صناعات ثقافية قوية تؤكد هويتها  وتعزز مقومات شخصيتها، وتدافع عن خصوصيتها في ثقافة العصر الجديد وقيمه، لقد أصبحت الثقافة في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الجديدة رهانا ينبغي كسبه، فثورة الاتصالات التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة تفرض علينا أن نواجه التحدي الذي تفرضه والمتمثل في سيادة ثقافة الأقوى تقنيا، خاصة بعد أن أصبحت الثقافة والمعرفة في الوقت الراهن قوة وسلطة وسلعة تفرض سيطرتها وتصدر عبر أنحاء العالم بواسطة الأقمار الصناعية من خلال الفضائيات والإنترنت، وأصبحت الصناعات الثقافية ذات مردود اقتصادي كبير يفوق أحيانا عائد الصناعات التقليدية، إن المجتمعات النامية تواجه تحديات كبيرة تفرضها طبيعة الاقتصاد العالمي الجديد القائم على تقنية الاتصالات، وإذا لم تقم صناعاتنا الثقافية على أساس قوى فلن نتمكن من المنافسة، وهذا الأساس القوى لن يتحقق إلا بالحرية الفكرية والشفافية والتعاون بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية.
 إن المهمة الأساسية الملقاة على عاتق مجتمعنا هي توفير الشروط الملائمة لقيام صناعات ثقافية قوية، والسعي إلى تشجيع الصناعات الثقافية القائمة بالفعل والعمل على تدعيمها وحل مشكلاتها، والسير في اتجاه إنشاء مواقع جديدة للإنتاج الثقافي، سواء كانت مواقع حكومية أو خاصة أو أهلية أو مشتركة، والعمل على زيادة عدد مواقع الإنتاج الثقافي فكل موقع جديد هو إضافة لقوتنا الثقافية ولقدرتنا على المنافسة، فكلما تعددت مواقع الإنتاج  وتنوعت واختلفت كلما ازداد الحياة الثقافية ثراء، وكلما تحول الانتاج الثقافي إلى ميزة تنافسية تضيف للاقتصاد القومي وتسهم في التنمية المستدامة.
 أما الشروط الملائمة لتطور الصناعات الثقافية فبعضها سياسي والبعض الآخر منها قانوني وتشريعي والبعض الثالث منها يرتبط بتوفير المقومات المادية لتلك الصناعات الثقافية، ومن هذه الشروط:
 أولا: الحد من القيود الرقابية على الإبداع الفني والأدبي الذي يعد المادة الخام الأساسية لعدد من الصناعات الثقافية، بما يتيح للمبدعين قدرا أكبر من الحرية التي تعد شرطا لازما لتطور الفنون والآداب.
 ثانيا: امتداد الإعفاءات الجمركية إلى أدوات الإنتاج الثقافي ومكونات الصناعات الثقافية المستوردة من الخارج مثل: الورق  والأحبار والأفلام وتجهيزات المعامل والاستوديوهات السينمائية وأجهزة العرض السينمائي وأجهزة الحاسب والبرمجيات وآلات التصوير الفوتوغرافي والسينمائي وأجهزة العرض والمسجلات فغالبيتها مستوردة من الخارج، ومنح مشروعات الصناعات الثقافية حوافز ضريبية تتمثل في منحها فترات سماح ضريبي طويلة حتى يشتد عودها، وتخفيض الأعباء الضريبية على الصناعات الثقافية، وليس فقط على الإنتاج الفكري كما هو معمول به الآن، بمعنى أن تمتد إلى نشاط التأليف والترجمة عندما يتحول إلى مواد سمعبصرية، والتوسع في الإعفاءات الضريبية الممنوحة للمؤلفين والمترجمين والفنانين التشكيليين لتشمل المبرمجين ومصممي المواقع على الإنترنت وتخفيض الأعباء الضريبية على المشتغلين بالصناعات الثقافية خاصة عند تصدير المنتج الثقافي إلى الخارج، وذلك حتى تتمكن الصناعات الثقافية المصرية من تحقيق انتشار أكبر في الأسواق العربية، وتتمكن من المنافسة مع الصناعات الثقافية الأوروبية والأمريكية، وفى نفس الوقت تشجيع قيام صناعات إنتاج أدوات الإنتاج الثقافي في مصر، والسعي لتوقيع اتفاقيات لعدم الازدواج الضريبي والجمركي بين الدول العربية فيما يتعلق بالصناعات الثقافية.
 ثالثا: تقديم التسهيلات الائتمانية لمشروعات الصناعات الثقافية واعتبارها من المشروعات الاستراتيجية التي تخدم المصالح العليا للأمة، وتشجيع المصارف ومؤسسات الائتمان على الاستثمار في الصناعات الثقافية، التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة.
رابعا: زيادة الموازنات الحكومية المخصصة للثقافة، كي تتمكن وزارة الثقافة من القيام بدورها في دعم العمل الثقافي، وفي مساندة المشروعات الثقافية التي تقوم بها الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، والسعي إلى إنشاء الصناديق ذات الموازنات المستقلة عن موازنة الدولة لتوفير حرية الحركة في العمل الثقافي، وهناك تجارب رائدة وناجحة في هذا المجال من أهمها تجربة صندوق إنقاذ آثار النوبة وتجربة صندوق التنمية الثقافية، وقد حققت التجربة الأولي إنجازا مهما في ستينيات القرن الماضي في تحقيق مشروع إنقاذ معبدي أبو سمبل وغيرهما من آثار النوبة، أما التجربة الثانية والتي مر عليها ما يزيد عن خمس عشرة سنة فمازالت تحقق النجاح في دعم العمل الثقافي في مصر سواء كان عملا أهليا أو حكوميا، حيث مول صندوق التنمية الثقافية طبع ونشر عشرات من الكتب الثقافية وشرائط الفيديو والكاسيت واسطوانات الليزر، كما يسهم الصندوق كذلك في تمويل الأفلام السينمائية التسجيلية والوثائقية والعروض المسرحية، ويدعم بعض الجمعيات الثقافية حتى تتمكن من القيام بنشاطها، ويتولى إنشاء المكتبات، وما تحتاجه هذه التجربة، وضع ضوابط واضحة وشفافة لما يقدمه الصندوق من دعم، وتوفير شكل من أشكال رقابة المستفيدين على عمل الصندوق وأدائه.
خامسا: تقديم الدعم غير المباشر للصناعات الثقافية من خلال تنظيم المسابقات التي تقدم فيها الجوائز المالية الكبيرة التي تغطى جزئيا تكاليف الإنتاج الثقافي، ومن أبرز النماذج الناجحة في هذا المضمار المهرجان القومي للأفلام الروائية.  
 سادسا: الاهتمام بالنقابات ولاتحادات الفنية والثقافية، واتحادات منتجي الأعمال ذات الطبيعة الثقافية وغرف الصناعات الثقافية في اتحاد الصناعات، ودعم دور هذه المؤسسات ومساندتها في حماية حقوق الملكية الفكرية لأعضائها، فأحد مقومات نجاح الصناعات الثقافية هو الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للمبدعين وحمايتها من خلال التشريعات والقوانين ومن خلال التزام الدولة بتوفير آليات تطبيق هذه القوانين ومتابعة حماية حقوق مواطنيها في خارج البلاد، وفي هذا السياق ينبغي العمل من أجل إنشاء جهاز موحد للملكية الفكرية في مصر يواكب التطور التشريعي الذي تحقق بصدور القانون رقم 82 لالسنة 2002 الخاص بحماية حقوق الملكية الفكرية.
سابعا: إصدار التشريعات المتعلقة بإنشاء أرشيفات للسينما وللمواد السمعية البصرية تحفظ التراث المصري الطويل في هذا المضمار، وتساهم في الحفاظ على حقوق المبدعين وحقوق المجتمع.
 ثامنا: تطوير البنية الأساسية للصناعات الثقافية خاصة تلك البنية التي تدعم إقامة مرافق المعلومات والاتصالات الحديثة، ففي ظل التطورات التقنية الهائلة في قطاعي الاتصالات و المعلومات، يحتل تطوير شبكات المعلومات أهمية بالغة فهي وسيلتنا في الحصول على موضع لنا على خارطة العالم الجديد، وهى طريقنا لضمان الحفاظ على ثقافتنا في مواجهة التحدي الذي تفرضه العولمة.
تاسعا: الاهتمام بالمؤسسات الأكاديمية والمعاهد العلمية التي تعد العاملين في المجالات المختلفة للصناعات الثقافية، وتشجيع الشباب على العمل في مجال تقنيات المعلومات والاتصالات، وتبنى الدولة للبارزين منهم لتكوين أجيال تصلح لمواجهة تحديات المستقبل.
 عاشرا: الاستفادة من التراث الحضاري والثقافي بإنتاج مصنفات سمعية بصرية وسينمائية وأفلام وثائقية عن التراث الثقافي بغية عرضها في محطات التلفزيون والفضائيات، والاهتمام بالتوجه إلى الجاليات العربية في المهجر من خلال الفضائيات العربية للحفاظ على هويتهم الثقافية من ناحية ولتسويق هذه المنتجات الثقافية من ناحية أخرى.
 حادي عشر: تبني مشروعات توثيق التراث الشعبي ودعمها، وبناء أرشيف للمأثورات الشعبية يحمي تراثنا من التعرض للسطو، وفي نفس الوقت يحوله إلى مورد اقتصادي مهم.
ثاني عشر: الإقرار بالتعددية الثقافية داخل المجتمع والحفاظ عليها.
 
عماد أبو غازي / سبتمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...