الأحد، 27 أبريل 2014


قراءة في تاريخ الأحزاب السياسية في مصر ( 1 )

البداية

·        حكاية جمعية مصر الفتاة أقدم تشكيل حزبي عرفته مصر في تاريخها الحديث.

·        الحزب الوطني حزب سياسي لا ديني، مؤلف من رجال مختلفي الاعتقاد والمذهب وجميع النصارى واليهود ومن يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها.

عماد أبو غازي

  عرفت مصر الأحزاب السياسية منذ أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، في تجربة قصيرة سبقت الثورة العرابية وانتهت ظاهريا مع الاحتلال البريطاني لمصر، وبعد هذه التجربة الأولى في العمل الحزبي عرفت مصر في تاريخها أربع تجارب أخرى في التعددية الحزبية المقننة؛ الأولى في بدايات القرن العشرين، والثانية واكبت ثورة 1919 واستمرت حتى صدور قرار حل الأحزاب السياسية في يناير 1953 بعد انقلاب الضباط الأحرار، والثالثة في منتصف السبعينيات من القرن العشرين مع العودة للتعددية المقيدة، والتجربة الرابعة نعيشها الآن بعد ثورة 25 يناير،  ولكل مرحلة من هذه المراحل ملامحة المميزة وسماتها الخاصة.
 ورغم ما يببدو في هذا المسار من انقطاعات وفجوات زمنية إلا أن حقيقة الأمر أن النشاط الحزبي لم  يتوقف تقريبًا في مصر منذ بدأ قبل أكثر من مائة وثلاثين عاما، كما أن هناك تواصل دائم بين التجارب الحزبية في تاريخنا حتى وإن لم يبد ظاهرا على السطح.
*****
 التجربة الأولى: في سبعينيات القرن التاسع عشر، في وقت كانت البلاد تموج فيه بتيارات الإصلاح والتجديد، وكان الشعور الوطني في تصاعد مستمر، حيث سعى الوطنيون المصريون إلى إنقاذ البلاد من عبء الديون الخارجية التي كانت قد أوشكت أن تهدر استقلال مصر، أصدرت مجموعة من قادة الرأي ورجال السياسة والعسكريين الوثيقة المعروفة باسم اللائحة الوطنية في 2 أبريل سنة 1879، ووقع عليها 327 شخصية من بينهم ستين من أعضاء مجلس شورى النواب وشيخ الإسلام وبطريرك الأقباط الأرثوذكس وحاخام اليهود المصريين وعدد من العلماء ورجال الدين، وأكثر من أربعين من التجار وكبار الملاك، وبعض الموظفين الحكوميين، وقرابة تسعين من العسكريين، وركزت اللائحة على مطلبين أساسيين: مشروع وطني لحل أزمة الدين الخارجي يضع حد للتدخل الأجنبي في إدارة شؤون البلاد، ونظام نيابي دستوري يأتي بحكومة مسؤولة أمام البرلمان.

القاهرة سبعينيات القرن التاسع عشر
 وقد قبل الخديوي إسماعيل العريضة وسعى لتنفيذها، وكلف شريف باشا برئاسة الحكومة وإعداد الدستور وتنفيذ ما ورد في اللائحة، الأمر الذي أدى إلى الإطاحة به من مقعد الخديوية باتفاق أوروبي عثماني، ليحل محله ابنه توفيق، ولم يستطع شريف باشا الاستمرار مع التوجهات الجديدة للخديوي الشاب الذي خضع لمخططات القوى الأوروبية.



الخديوي إسماعيل


الخديوي توفيق
        
 شريف باشا
 دفع الوضع المتأزم المعارضين الوطنيين إلى تشكيل تجمعات معارضة لسياسة الخديوي وللتدخل الأجنبي، فتشكلت التجمعات السياسية مثل جماعة مصر الفتاة والحزب الوطني الأهلي، التي كانت تطرح مشروعات للإصلاح الوطني والدستوري.

 وتعد جمعية مصر الفتاة التي ظهرت في سبعينيات القرن التاسع عشر أقدم تشكيل حزبي عرفته مصر في تاريخها الحديث، وقد تأسست في مدينة الإسكندرية، وقد اقتبست اسمها من تنظيم وطني إيطالي لعب دورًا بارزًا في تحقيق الوحدة الإيطالية كان يسمى "إيطاليا الفتاة"، وأظن أن اختيار الاسم جاء بتأثير اختلاط الجالية الإيطالية في الإسكندرية  بالمصريين، وكان للجمعية جريدة ناطقة باسمها تحمل أيضًا اسم "مصر الفتاة"تمت مصادرة أعدادها ثم تعطيلها نهائيا في نوفمبر 1879، ورئيس الجمعية غير معروف، لكن نائب رئيسها كان رئيسًا لمحكمة أسيوط اسمه محمد أمين، وكاتم سرها محمود واصف، وكان ممن اتصل بالجمعية وانضم إليها عبدالله النديم، وكان للجمعية برنامجًا سياسيًا يدعو لإقامة نظام سياسي جديد يقوم على توزيع السلطات وتوازنها، واستقلال القضاء، وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، وصيانة الحريات الشخصية وحرية الاعتقاد والتعبير، وتطوير التعليم العام والاهتمام به، وإعادة تنظيم الجيش، والإصلاح الضريبي والاقتصادي للتخلص من أزمة الدين العام، كما اهتمت الجمعية في كتابتها بأوضاع الفلاحين والطبقات الشعبية، ويبدو أن الجمعية لم تستمر طويلا فحسب ما ذكره الدكتور محمود متولي في كتابه المعنون "مصر والحياة الحزبية والنيابية قبل سنة 1952"، انتقل أعضاء الجمعية تدريجيًا إلى الحزب الوطني.

عبد الله نديم
 أما الحزب الثاني فقد قام بتشكيله بعض الموقعين على العريضة الوطنية في شكل جماعة أخذت تجتمع بشكل سري في القاهرة في بيت السيد البكري نقيب الأشراف ثم في بيت محمد باشا سلطان، وقد عرفت باسم الحزب الوطني الأهلي، كما عرفت باسم جماعة حلوان بسبب نقل اجتماعاتها إلى حلوان بعيدًا عن عيون شرطة رياض باشا.
رياض باشا
 وقد بدأت المجموعة نشاطها الرسمي في 4 نوفمبر 1879 بإصدار بيان سياسي طبعوا منه 20 ألف نسخة تم توزيعها في أنحاء البلاد، وفشل رياض باشا في التوصل إلى المجموعة التي تقود الحزب، وكان محمد باشا سلطان أول رئيس للحزب، وضم الحزب في عضويته عناصر مدنية وعسكرية وعددًا من قادة الرأي البارزين آنذاك تبنوا برنامجًا للإصلاح السياسي والاقتصادي، منهم سليمان باشا أباظة وحسن باشا الشريعي وشريف باشا وإسماعيل راغب باشا وعمر باشا لطفي، ومن العسكريين شاهين باشا كينج ناظر الحربية السابق ومحمود سامي البارودي وأحمد عرابي وعبد العال حلمي وعلي فهمي، وتوالت بيانات الحزب في الداخل والخارج تحمل مطالب الحركة الوطنية المصرية، وفي ذات الوقت تم تكليف أديب اسحاق بإصدار صحيفة في باريس اسمها "القاهرة" لتكون لسان حال الحزب الوطني، بعد إغلاق جريدتي "مصر" و"التجارة" المعبرتان عن التيار الوطني، وكانت أعداد جريدة القاهرة تدخل إلى البلاد مهربة ويتم تداولها سرًا.

أديب إسحاق
 وكان لجمعية مصر الفتاة والحزب الوطني دورهما المهم في التمهيد لقيام الثورة العرابية، بل إن أحمد عرابي نفسه كما رأينا كان عضوًا بالحزب.



الخديوي توفيق وشريف باشا مع قادة الثورة العرابية
 وبعد الثورة سعى الحزب الوطني إلى تقديم نفسه بشكل واسع داخل البلاد وخارجها من خلال برنامج سياسي تفصيلي ساهم في ترويجه السياسي البريطاني ويلفرد بلنت صديق العرابيين، وأشير فيه صراحة إلى أن أحمد عرابي هو لسان حال الحزب، واللافت للنظر أن البرنامج يبدو فيه اتجاه طمئنة الخارج العثماني والأوروبي، فقد أكد البرنامج على العلاقة الودية بين مصر والدولة العثمانية مع الحفاظ على ما نصت عليه الفرمانات السلطانية من استقلال لمصر، لكنه في ذات الوقت اعترف بحق السلطنة العثمانية فيما تحصل عليه من خراج من مصر. أما ما يتعلق بالقوة الأوروبية الكبرى (إنجلترا وفرنسا) فقد أشار البرنامج إلى اعتراف الحزب الوطني بفضلهما، وبحقهما في استمرار الرقابة المالية الأوروبية لحين سداد ديون مصر، وفي هذا تراجع واضح عن مطالب اللائحة الوطنية.

 وفي الشأن الداخلي أشار البرنامج في ماده الثانية إلى الخديوي توفيق وأعلن خضوع الحزب لجنابه العالي وتأييد سلطته "ما دامت أحكامه جارية على قانون العدل والشريعة حسب ما وعد به المصريين في شهر سبتمبر سنة 81"، في إشارة إلى مظاهرة عابدين في 9 سبتمبر 1881، وقرن البرنامج الخضوع للخديوي "بالعزم الأكيد على عدم عودة الاستبداد والأحكام الظالمة التي أورثت مصر الذل، وبالإلحاح على الحضرة الخديوية بتنفيذ ما وعدت به من الحكم الشوري وإطلاق عنان الحرية للمصريين". وفي هذا السياق وفي مواضع عدة من البرنامج يتكرر الهجوم على الخديوي إسماعيل باعتباره نموذجًا للاستبداد وإهدار موارد البلاد.

 ويشير البرنامج إلى أن دور العسكريين في السياسة مؤقت وإلى عودتهم إلى مهمة حماية الأمة بمجرد اكتمال الإصلاح السياسي وانعقاد مجلس النواب.

 ويعرف البرنامج الحزب بأنه: "حزب سياسي لا ديني، مؤلف من رجال مختلفي الاعتقاد والمذهب وجميع النصارى واليهود ومن يحرث أرض مصر ويتكلم لغتها منضم لهذا الحزب، فإنه لا ينظر لاختلاف المعتقدات ويعلم أن الجميع إخوان، وحقوقهم في السياسة والشرائع متساوية".

ويُختتم البرنامج بعبارة تقول: "آمال هذا الحزب محصورة في إصلاح البلاد ماديًا وأدبيًا؛ ولا يكون ذلك إلا بحفظ الشرائع والقوانين وتوسيع نطاق المعارف وإطلاق الحرية السياسية التي يعتبرونها حياة للأمة، وللمصريين اعتقاد في دول أوروبا التي تمتعت ببركة الحرية والاستقلال أن تمتعهم بهذه البركة، وهم يعلمون أنه لن تنال أمة من الأمم حريتها إلا بالجد والكد فهم ثابتون على عزمهم، آمنون في تقدمهم، واثقون بجانب الله تعالى إذا تخلى عنهم من يساعدهم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...