الثلاثاء، 15 أبريل 2014


مخربشات

لاظ أوغلي بك وعصابة التلات مشايخ ...

عماد أبو غازي

  مرة أخرى مع كتاب "أسماء ومسميات من مصر القاهرة" لمؤلفه محمد كمال السيد محمد المحامي، ومع مصادره الأصلية علي باشا مبارك في كتابه "الخطط التوفيقية الجديدة" وأمين سامي باشا في كتابه "تقويم النيل"، لنستكمل حكاية محمد بك لاظ أوغلي كتخدا الباشا وتأسيس نظامه الأمني في عصر محمد علي باشا، ولنتعرف على حكاية مساعده الأول في هذا النظام الأمني الشيخ يوسف، الذي كانت تتجمع لديه التقارير التي يرفعها البصاصون يوميا وتحملها مدرسة محمد علي أثناء صعودها للقلعة إلى مكتب الشيخ يوسف، ليعد منها الأخير تقريرا مجملا بحال مصر المحروسة يعرضه على البك لاظ أوغلي الكتخدا.
 الشيخ يوسف هذا هو صاحب الضريح الصغير الذي يحمل اسمه والقائم إلى الآن بين ثلاث عمارات في شارع قصر العيني، في مواجهة مدخل شارع مجلس الشعب من الجهة الغربية، وتحت قبة الضريح الصغير مقبرتان، الأولى لصاحب الضريح الشيخ يوسف والثانية لرئيسه وأستاذه لاظ أوغلي بك، ولكن من هو الشيخ يوسف هذا؟
 روى علي باشا مبارك قصة طريفة في خططه عن عصابة مكونة من ثلاثة من اللصوص قاطعي الطريق، أحدهم كان يجلس بدرب سعادة بقرب باب الخلق يرتدي خرقة الدراويش، وكان للناس اعتقاد كبير فيه وفي كراماته، يأتون إليه، يقبلون يده ويتبركون به. وكان يجلس هناك على الخليج المصري ـ شارع بورسعيد حاليا ـ أمام حائط لمنزل قديم مهجور إلى أن يأتي الليل، فإذا مر عليه ليلا شخص بمفرده، صاح قائلا: يا واحد ... فيخرج أنصاره من خلف الحائط ويحيطون بالمار، ويدخلونه إلى المنزل قسرا، فيسلبونه ما معه، ثم يقتلونه، ويلقون بجثته في مكان بعيد.
 استمرت جرائم هذه العصابة وتعددت ضحاياها ولما ازداد قلق الناس مما يحدث، بدأت الشرطة تعد العدة لضبط العصابة التي ترتكب هذه الجرائم، ونجح "كمين أمني" في ضبط  هذا الدرويش متلبسا، في البداية رفض الرجل أن يعترف على شركائه في العصابة، لكن مع التعذيب المتواصل اعترف الدرويش على زميليه في العصابة، وبعد اعترافه أُعدم الرجل، ولا تذكر المصادر التاريخية حتى اسمه.
 لكن من هما الشريكان ؟
 الشريك الأول الذي اعترف عليه الدرويش هو الشيخ صالح، وعندما علم الرجل بانكشاف أمره احتمى بعالمة يعرفها  كانت مشهورة وقتها، ولم يذكر علي مبارك للأسف اسمها، فادعت الست العالمة أن الشيخ صالح مختل عقليا! معتمدة على إصابته بالخرس من شدة الهلع، ووضعت في قدميه قيدا حديديا، ومن هنا صار اسمه الشيخ صالح أبو حديد، وبواسطة تلك العالمة وضمانها تركوا الرجل يعيش في حمايتها دون أن يطوله عقاب على جرائمه!
 لم تكتف العالمة بحصولها للشيخ صالح على حقه في الحياة، بل قررت أن تستفيد منه، فأشاعت أنه شخص مكشوف عنه الحجاب، يستطيع أن ينبئ بالغيب عن طريق إشارات وحركات رأسه ويديه أو بأصوات يصدرها لا يفهمها إلا مجاوروه من حاشية تلك العالمة، وشاع خبره بين الناس فتوافدوا على المنزل الذي يقيم فيه الشيخ صالح أبو حديد تحت حماية الست العالمة، وقصده النساء والرجال والأمراء والأعيان والعامة والمسئولون، كل يبحث عنده عن حل لمشكلته، مقابل الهدايا والنذور التي تختلف باختلاف مقدار صاحبها وقدره وحجم مشكلته التي يبحث لها عن حل.
 كان الشيخ يستقبل زواره وهو ملقى على الفراش وفي رجليه قيود الحديد، وعند رأسه إمرأة بيدها مروحة تروح بها عليه، ويصدر الشيخ من الأصوات والإشارات غير المفهومة ما تقوم المرأة بتفسيره لأصحاب الطلبات بعبارات مبهمة مثل: "الغائب يحضر"، "القضية تكسب"، "البنت تتجوز"، "الأمر واقف"، وهكذا، وكل واحد يفسر الإشارة حسب هواه.
 وعاش الشيخ صالح أبو حديد على هذا الحال سنوات، وبعد أن مات بسنين ظلت سيرته كولي من أولياء الله الصالحين متداولة بين الناس، حتى أن الخديوي إسماعيل في سنة 1871 شيد مسجدا على ضريحه بحي الحنفي بالقرب من المدخل الشرقي لشارع مجلس الشعب، وأوقف عليه أوقافا ضخمة، وقد وصف علي مبارك في حسرة المسجد بأنه "جامع عظيم لم يبن لغيره من الأفاضل ذوي العلوم والمعارف الذين انتفع الكثيرون بعلومهم ومعارفهم".
 أما ثالث الثلاثة المشتركين في العصابة فكان الشيخ يوسف الذي كان يلوذ بلاظ أوغلي بك، فوقع عليه، فعفا عنه، واستمرت العلاقة بينهما قائمة إلى ما بعد الوفاة حيث دفنا جنبا إلى جنب في الضريح المعروف باسم ضريح الشيخ يوسف.
  هذه هي حكاية الرجل الذي كان نقطة الوصل بين البك الكتخدا وجيش البصاصين الذي أنشأه، وللأسف لم نعرف من المصادر التاريخية هل كان الشيخ يوسف يباشر مهامه الأمنية عندما شارك في عصابة التلات مشايخ وعفى عنه لاظ أوغلي لعدم قدرته على الاستغناء عن خدماته، أم أن لاظ أوغلي أكتشف مواهب صديقه بعد افتضاح أمر العصابة فقرر أن يحميه ويستفيد بهذه المواهب في عمل "نافع"، نافع من وجهة نظر البك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...