الخميس، 3 أبريل 2014

السياسة الثقافية الجديدة ديسمبر ٢٠١١

 

السياسة الثقافية الجديدة

ديسمبر 2011
عماد أبو غازي


أولا: نشأة المؤسسات الثقافية الحديثة وتطورها في مصر:

 عرفت مصر المؤسسات الثقافية الحديثة في القرن التاسع عشر، بداية من عصر محمد علي باشا، وينسب لعصره وضع أسس الدولة المصرية الحديثة عموما، ومن بينها المؤسسات الثقافية، مثل: المطبعة والمكتبة والأرشيف والمتحف؛ ففي عام 1829 أنشأ محمد علي باشا كتبخانة (مكتبة) بالقلعة لاستخدامه الشخصي واستخدام كبار رجال دولته، وفي نفس العام أنشأ ديوان الدفترخانة، وبعدها بسنوات تأسس أول متحف للآثار القديمة، وكانت تلك المؤسسات الثلاث نواة لأهم  ثلاث مؤسسات ثقافية من مؤسسات الدولة القومية الحديثة: المتاحف القومي والمكتبة القومية والأرشيف القومي، وكانت مصر قد عرفت كذلك في عهده الصناعات الثقافية الحديثة عندما أنشأ مطبعة بولاق سنة 1822 لتدخل مصر عصر الكتاب المطبوع، ولم يقتصر الدور الذي قامت به الدولة في القرن التاسع عشر على ذلك، ففي عصر إسماعيل تأسست دار الأوبرا المصرية، والكتبخانة الخديوية.

 كما عرفت مصر كذلك ظهور المصالح الحكومية ذات الصلة بالثقافة بداية بمصلحة الآثار في القرن التاسع عشر، وانتهاء بمصلحة الفنون في منتصف القرن العشرين، عندما تأسست وزارة الإرشاد القومي التي تحولت في عام 1958 إلى وزارة الثقافة، لتكون بذلك أول وزارة للثقافة في العالم العربي والقارة الإفريقية بل ومن أولى وزارات الثقافة على مستوى العالم.

 ومنذ تأسست وزارة الثقافة المصرية عام 1958 مرت بتطورات متعددة في هياكلها التنظيمية، خاصة في علاقتها بوزارة الإرشاد القومي (الإعلام فيما بعد)، فما بين الدمج والفصل بين الوزارتين تغيير وضع وزارة الثقافة أكثر من مرة، إلى أن استقرت كوزارة للثقافة منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وفي أعقاب ثورة 25 يناير 2011 تم فصل الآثار عن الثقافة وأصبح هناك وزير دولة للآثار يشرف على عمل المجلس الأعلى للآثار.

 لقد ضمت وزارة الثقافة منذ البداية مجموعة من الكيانات الحكومية التي كانت قائمة وتتبع وزارات أخرى، كما استحدثت الوزارة كيانات جديدة، وضمت إليها بعض الكيانات الخاصة العاملة في مجال الصناعات الثقافية، والتي تم تأميمها في الستينيات، وطوال أكثر من خمسين عاما من عمر هذه الوزارة تغيرت هيكلها التنظيمية عدة مرات

 وإذا كانت وزارة الثقافة هي الوزارة المنوط بها بشكل أساسي أعباء العمل الثقافي الحكومي في مصر، فإنها بالتأكيد لا تنفرد بتشكيل ثقافة المجتمع أو ثقافة المواطن، فهناك وزارات ومؤسسات حكومية أخرى تلعب دورا مهما في هذا المجال أو يفترض فيها أن تقوم بهذا الدور؛ خاصة وزارات الإعلام والتربية والتعليم والأوقاف والاتصالات، وهناك أيضا الجامعات والمجلس القومي للشباب والمجلس القومي للأسرة والسكان والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، كل في مجال اختصاصه.

 ومنذ البداية سار العمل الثقافي في ثلاثة مسارات متوازية ومتفاعلة في آن واحد: المسار الحكومي والمسار الأهلي والمسار الخاص الربحي المرتبط بالصناعات الثقافية؛ ففي القرن التاسع عشر بدأت مصر تعرف الصناعات الثقافية الحديثة في مجالات صناعة الكتاب والنشر، ثم صناعة الموسيقى والغناء، كما ظهرت الفرق المسرحية الخاصة، وبعد اختراع السينما في أواخر القرن التاسع عشر بسنوات قليلة ظهرت صناعة السينما في مصر، وقد بدأت هذه الصناعات على أيدي غير المصريين لكن سرعان ما دخل المصريون إلى عالمها.

 وفيه أيضا ظهرت الجمعيات الأهلية العاملة في المجال الثقافي، وأسهمت بعض هذه الجمعيات خلال النصف الأول من القرن العشرين في إنشاء بعض المشروعات الثقافية الكبرى في مصر.

 وإلى جانب هذه القطاعات الثلاثة العاملة في المجال الثقافي: القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الأهلي، هناك أيضا جماعات المصالح من نقابات واتحادات وغرف صناعة وجمعيات والتي تعبر عن العاملين في الحقل الثقافي وتدافع عن مصالحهم.


ثانيا: البنية التشريعية:

 تتحكم في العمل الثقافي في مصر بنية تشريعية تتضمن مجموعة من القوانين واللوائح والقرارات الجمهورية والقرارات الوزارية، وتنقسم هذه التشريعات إلى:

1.   القوانين والقرارات المنشئة لهيئات الوزارة وقطاعاتها ومراكزها المختلفة، والتي تحدد اختصاصاتها ووظائفها وهياكلها الإدارية وأسلوب إدارتها.

2.   قوانين إنشاء النقابات الفنية واتحاد الكتاب باعتبارها نقابات مهنية لابد لتأسيسها من صدور قانون من المجلس النيابي التشريعي.

3.   مجموعة من القوانين التي سُنت من أجل تحقيق أهداف الحفاظ على التراث القومي، مثل: قانون الآثار وقانون إنشاء دار الوثائق القومية التاريخية وقانون المخطوطات وقانون الحفاظ على التراث المعماري.

4.   مجموعة التشريعات التي تنظم عمليات حماية حقوق الملكية الفكرية.

5.   القوانين المنظمة لعمليات الرقابة على الإنتاج الثقافي.

6.   القوانين العامة التي تتماس مع العمل الثقافي، مثل القوانين المنظمة للضرائب والجمارك ولعمل الجمعيات الأهلية والمؤسسات الخاصة.

 وهذه المجموعات من القوانين والتشريعات صدرت على مدى قرنين من الزمان وأدخلت عليها تعديلات متعددة وكثير منها يحتاج إلى المراجعة الآن.

 

ثالثا: السياسات الثقافية في مصر في المرحلة السابقة:

 رغم أن مفهوم السياسة الثقافية مفهوم حديث نسبيا ظهر مع ظهور منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، إلا أن بوادره الأولى ظهرت قبل ذلك بكثير، وفي مصر نستطيع أن نرصد عدة محاولات في مجال وضع ما يمكن أن نسميه سياسة ثقافية ظهرت جميعها مرتبطة بسياسات التعليم، حيث ارتبطت في تلك المرحلة المبكرة مؤسسات الثقافة بمؤسسات التعليم، واستقرت تحت مسمى "المعارف"، ومصطلح "المعارف" يحمل دلالات واسعة تشمل التكوين الفكري للإنسان بما فيه من تعليم وثقافة.

  ونستطيع أن نرصد ثلاثة كتب تندرج بمعنى ما تحت فكرة رسم السياسات، الأول "المرشد الأمين للبنات والبنين" لرفاعة الطهطاوي والذي صدر في سبعينيات القرن التاسع عشر، والثاني "القول التام في التعليم العام" ليعقوب أرتين وقد صدر في تسعينيات نفس القرن، أما الثالث فكتاب "مستقبل الثقافة في مصر" لطه حسين، وصدر في عام 1938.

 وارتبط صدور الكتب الثلاثة بنقاط مهمة في تاريخ مصر السياسي وتطلعها نحو تحقيق نهضتها، فالكتاب الأول صدر مواكبا لمشروع الخديوي إسماعيل للتحديث ولبدايات صعود الحركة الوطنية المصرية في سبعينيات القرن التاسع عشر، وصدر الثاني بعد تولي الخديوي عباس حلمي الثاني لحكم مصر وبدء صدامه مع المعتمد البريطاني وظهور بذور مد وطني جديد في مواجهة المستعمر، أما الكتاب الثالث فجاء في أعقاب ثورة الشباب سنة 1935، وبعد توقيع معاهدة 1936 ومعاهدة مونترو والتي حصلت مصر بمقتضاهما على درجة من درجات الاستقلال والاعتراف الدولي وأنهتا الامتيازات الأجنبية.

 وبعد إنشاء وزارة الثقافة وضع أربعة من وزراء الثقافة سياسة ثقافية منشورة، ثروث عكاشة في عام 1968 باسم السياسة الثقافية، وبدر الدين أبو غازي في عام 1971، باسم برنامج العمل الثقافي، كما وضع عبد المنعم الصاوي عندما كان وكيلا أولا لوزارة الثقافة مشروعا لسياسة ثقافية، وجدت طريقها للتنفيذ عندما تولى الوزارة في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، ثم فاروق حسني عندما تولى وزارة الثقافة في عام 1987، ثم في سنة 1998 وقد صدرت في كتاب بعنوان الثقافة ضوء يسطع في سماء الوطن،أعقبها بخطة ثانية عام 2003، باسم الثقافة بنية وتوجه.

 لكن رغم ما حققته هذه السياسة الثقافية من إنجاز على مستوى البنية الأساسية، فإن شكوك وتساؤلات قوية مطروحة حول مدى ما حققته هذه السياسة في المحصلة النهائية، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، وفي تطوير الواقع الثقافي المصري.

 لقد انتهت المرحلة السابقة على الثورة وهناك مجموعة من المشكلات الخطيرة على الساحة الثقافية:

 انتهت بحالة من الانقسام في الجماعة الثقافية المصرية حول السياسات الثقافية للدولة، وبوضع يشوبه قدر كبير من عدم الثقة بين وزارة الثقافة وقطاع مهم من المثقفين.

 انتهت بوزارة تدعم الأنشطة الثقافية المستقلة، لكن دون رؤية واضحة أو منهج محدد أو سياسة ثابتة مستقرة.

 انتهت بموازنة ضعيفة للثقافة، أغلبها موجه للأجور، ويتم توزيعها القسم المخصص للأنشطة الثقافية بشكل غير عادل على مستوى الوطن، حيث تبتلع أنشطة العاصمة الجزء الأكبر منها.

 انتهت ببنية أساسية تشمل مئات المواقع الثقافية على مستوى مصر، لكن ما يقرب من نصفها متوقف عن العمل، والبعض منها يقوم على إدارته عناصر غير مؤهلة، أو معادية للثقافة والإبداع.

 انتهت بوزارة متضخمة بجهاز بيروقراطي يضم عشرات الآلاف من العاملين، الكثير منهم غير مؤهلين للعمل بالأجهزة الثقافية.

رابعا: السياسة الثقافية الجديدة:

 الوظيفة الأساسية للدولة في مجال الثقافة في النظم الديمقراطية تتلخص في أربعة أهداف أساسية:

الأول: حماية التراث الثقافي المادي واللامادي بما فيه من آثار ومخطوطات ووثائق وموروث ثقافي شعبي تراكم عبر الزمن، بالإضافة إلى التراث الفني الحديث بتنويعاته المختلفة، وتشمل وسائل الحماية إقامة مؤسسة لجمع هذا التراث وحفظه، كما تشمل أعمال الصيانة والترميم، والتشريعات القانونية.

 الثاني: حماية حقوق الملكية الفكرية للمبدعين، وتشجيع الصناعات الثقافية والإنتاج الثقافي.

 الثالث: حماية حرية التعبير والإبداع.

 الرابع: توفير الخدمات الثقافية للمواطنين.

 واليوم وبعد ثورة 25 يناير وما نتطلع إليه من تغيرات سياسية نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة المدنية الحديثة لابد من أن نطرح سياسة ثقافية جديدة، تعتمد هذه الأهداف الأربعة وتستبعد فكرة التوجيه واستخدام المؤسسات الثقافية المملوكة للدولة/الشعب في الترويج لسياسات بعينها واستبعاد سياسات أخرى.

 ينبغي للسياسة الثقافية الجديدة أن تحافظ على وجود دور للدولة في العمل الثقافي دون أن يكون هذا الدور موجِها أو مُسيطرا، بل يكون هذا الدور داعما للنشاط الثقافي الأهلي والمستقل، ومشجعا للصناعات الثقافية، وحاميا للتراث الثقافي، وساعيا إلى الوصول بالخدمات الثقافية للمواطنين؛ وفي هذا الإطار تتم إعادة هيكلة مؤسسات الدولة العاملة في مجال الثقافة بما يلائم تحقيق السياسة الثقافية الجديدة، ويُعاد النظر في التشريعات الثقافية بما يتماشى مع هذه السياسة التي تسترشد بمجموعة من المبادئ الأساسية التي يمكن أن نعتبرها أهدافا مبتغاة للسياسة الثقافية، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

·       الإسهام في تنمية الوجدان المصري، ليكون هذا الوجدان قادرًا ومبادرًا ومبدعًا ومعبرًا عن ذاته بحرية.

·        البحث في التراث الثقافي المصري واستجلاء جوانبه، للاستفادة من هذه الجوانب في تأهيل المواطن ليصبح عضوًا فعالاً في مجتمعه.

·       المساهمة في نشر القيم الثقافية التي تؤدي إلى ترسيخ الانتماء لأمة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، تعيش الآن تحديات عصر جديد، يحتاج إلى إنسان مصري منتم إلى حضارته ومنجزاته الحضارية ومؤسساته القومية، وتطلعاته المستقبلية من خلال رؤى مستقبلية يشارك في صنعها كل المصريين.

·        الترويج لقضايا النوع الاجتماعي الثقافية وتقديم رسالة ثقافية تعلي من قيمة المرأة ودورها في بناء المجتمع وفي تحقيق التنمية الشاملة.

·        المساهمة في تأهيل الأطفال والأجيال الجديدة عمومًا للمشاركة الثقافية.

·        الاهتمام بثقافة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والعمل على دمجهم في أنشطة المجتمع الثقافية.

·        دعم النمو الفكري والوجداني والروحي عند الفرد بتشجيع الإبداع ورعايته، وتوفير البنية الأساسية التي تكفل تحقيق التواصل بين المبدع وجمهوره، وبناء الآليات التي تضمن حماية حقوق الملكية الفكرية للمبدعين.

·       الانفتاح على الثقافات العالمية، والتفاعل معها وإشاعة ثقافة التسامح وتقبل الآخر، والاحتكاك المباشر بتيارات الفكر والثقافة والإبداع في العالم.

·        المساهمة في تدعيم قيم التسامح الثقافي؛ فالتباين في الفكر والاعتقاد أمر مشروع بين الناس، وحرية التعبير وحرية الاعتقاد هما الأساس الذي تقام عليه حرية الوطن وحرية المواطن.

·        المساهمة في تأصيل قيم الديمقراطية، فالديمقراطية تنمو وترسخ بإيمان الناس بأن التباين حق مشروع، وبأن التحديات التي تعيشها مصر تحتاج لآراء وأفكار المصريين جميعًا.  

·       التأكيد على القيم المرتبطة بالعلم وذلك بالحرص على المنهج والتفكير العقلاني وتطهير العقل من كل ما يكبله ويعوق حركته للانطلاق.

·        تعميق ثقافة الإبداع فالإبداع تجسيد للمستقبل، لأنه يقوم على تجاوز الحاضر وتحدياته إلى المستقبل.

·        المساهمة في نشر الوعي البيئي والدعوة للاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية.

 

خامسا: آليات تنفيذ السياسة الثقافية:

 تتلخص الآليات التنفيذية للسياسة الثقافية المقترحة في عشرة عناصر:

أولا: تحقيق ديمقراطية الثقافة:

 إن تحقيق ديمقراطية الثقافة هدفا أساسيا من أهداف السياسة الثقافية وفي نفس الوقت آلية من آليات تحقيق السياسة الثقافية الجديدة، أي هدف ووسيلة في ذات الوقت، وتستند ديمقراطية الثقافة على عدة عناصر :

·        العدالة في توزيع الخدمات الثقافية على مستوى مصر، وإنهاء حالة المركزية الشديدة في العمل الثقافي، وتوفير الخدمات للمناطق المحرومة، والاهتمام بدور المواقع الثقافية التابعة لوزارة الثقافة والمنتشرة في جميع محافظات مصر.

·        احترام التعددية الثقافية والاهتمام بحماية التنوع الثقافي داخل الوطن والعناية بالثقافات الفرعية (النوبة – سيناء – سيوه)، والتعامل مع هذا التنوع باعتباره عنصر إثراء وقوة للثقافة المصرية، تضيف إليها ولا تنتقص منها.

·        الاهتمام بقطاعات المجتمع المختلفة في الأنشطة والخدمات الثقافية، على أساس النوع والمراحل العمرية والفئات الاجتماعية والمناطق الجغرافية.

·        حماية حرية الإبداع والدفاع عنها، وتوفير المناخ الثقافي الملائم للإبداع ورعايته وتشجيعه، وإلغاء القيود القانونية على حرية الإبداع والتعبير.

·        ديمقراطية الإدارة الثقافية من خلال جماعية الإدارة عن طريق مجالس إدارة ومجالس أمناء لقطاعات الوزارة والبيوت والمراكز الفنية والمتاحف؛ وإحياء دور المكاتب الفنية؛ واعتماد تجربة انتخاب مديري الفرق الفنية، وإدارة المواقع الثقافية التابعة للدولة بمشاركة المستفيدين من الخدمة الثقافية.

·        الرقابة على الإنفاق الحكومي في المجال الثقافي من خلال مجلس منتخب من الجماعات الثقافية.

 

ثانيا: التكامل بين مؤسسات الدولة العاملة في مجال الثقافة: من منطلق أن مهمة تثقيف المجتمع لا تقع على وزارة الثقافة فقط، بل هي مسئولية تضامنية بين سائر الوزارات وبخاصة التربية والتعليم، والتعليم العالي، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والآثار، والأوقاف، والسياحة، والقوى العاملة، والتضامن الاجتماعي، والمجلس القومي للشباب، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، والمجلس القومي للأسرة والسكان، وغيرها، حيث تفرض التحديات الراهنة على هذه المؤسسات العمل معًا أكثر من أي وقت مضى، والعمل معًا يعني تجميع الطاقات وتبادل الخبرات والمعلومات ووضع الرؤى والخطط المشتركة.

 مع التركيز على تحقيق الربط بين التعليم والثقافة من ناحية، والربط بينهما وبين الإعلام من ناحية أخرى والسعي إلي تحقيق التكامل بين الثقافة والتعليم والإعلام باعتبار إنتاج الثقافة مجالاً أساسيًا من مجالات المعرفة، والتعليم أداة لاكتسابها، والإعلام وسيلة من وسائل من وسائل نشرها.

 

ثالثا: التفاعل بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة والجماعات الثقافية المستقلة: ينبغي أن تسعى الوزارة إلى التعاون مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والجماعات الثقافية المستقلة ودعمها، بهدف تمكين المجتمع المدني من المشاركة في الأنشطة الثقافية وفي تنفيذ المشروعات وتنظيمها، وإدراج المسار الديمقراطي والتشاركي لإدارة الشأن العام واتخاذ القرارات، بهدف تحقيق التنمية المستدامة والرفاهية، وتقديم الدعم لهذه المنظمات وفقا لقواعد شفافة وواضحة، وإتاحة المراكز والمواقع التابعة لوزارة الثقافة لتقدم من خلالها هذه الكيانات المستقلة أنشطتها. حتى يتحقق في النهاية دور أكبر للجمعيات الأهلية والكيانات الثقافية المستقلة في مجال العمل الثقافي.

 

رابعا: تعظيم دور مصر الدولي والإقليمي من خلال سياسة ثقافية خارجية جديدة: وذلك من خلال الاستمرار في التواصل الثقافي بين مصر ودول العالم من خلال قطاع العلاقات الثقافية الخارجية التابع لوزارة الثقافة، في خدمة السياسة الخارجية للدولة بالتعاون والتنسيق مع وزارة الخارجية.

فتقوم وزارة الثقافة بتنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية الدولية بالتعاون مع الجماعات الثقافية المستقلة، تقدم من خلالها صورة مصر الجديدة إلى العالم الخارجي، وتحمل مجموعة من البرامج الثقافية الموجهة لمناطق بعينها من العالم يختلف المحتوى فيها وفقاً للإقليم الذي توجه إليه الرسالة الثقافية، مع التركيز على : العالم العربي – القارة الأفريقية – دول الكومنولث السوفيتي السابق – المنطقة الأورومتوسطية – الجاليات المصرية في الخارج.

خامسا: دعم الصناعات الثقافية الحديثة: دعم الصناعات الثقافية وحمايتها بحزمة من التشريعات تتضمن الحماية ومواجهة القرصنة من ناحية، والتشجيع بالإعفاءات الجمركية والضريبية من ناحية أخرى، انطلاقا من القناعة بأن الصناعات الثقافية تشكل ميزة تنافسية أساسية لمصر، كما يمكن أن تشكل قيمة مضافة للاقتصاد القومي المصري، خاصة صناعة السينما وصناعة الكتاب والنشر وصناعة الموسيقى والغناء.

 وفي هذا الصدد ينبغي أن تسعى الوزارة إلى استرداد أصول السينما المصرية المملوكة للمجلس الأعلى للثقافة والتي انتقلت إدارتها منذ التسعينيات من القرن الماضي إلى شركات تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام ثم وزارة الاستثمار، وتضم هذه الأصول دور العرض والمعامل والاستوديوهات والنسخ السالبة من تراث السينما المصرية الذي أنتجته مؤسسة السينما في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

سادسا: تنمية الصناعات التراثية والحرف التقليدية: العمل على تنمية الصناعات التراثية والحرف التقليدية والحفاظ عليها باعتبارها جزءا من التراث الثقافي، وفي نفس الوقت مجالا للتشغيل وموردا اقتصاديا مهما، وتتبنى الوزارة مشروعا لإنشاء مجلس قومي للحرف التقليدية يعمل على رعايتها وتطويرها.

 سابعا: المساهمة في توفير الأدوات اللازمة لتحقيق القدرة على إنتاج المعرفة، بالتوسع في إنشاء المكتبات العامة من ناحية، والعمل على توفير الكتاب بسعر مناسب لمختلف قطاعات المجتمع من ناحية أخرى، ودعم إنتاج المواد الثقافية بأشكالها المختلفة، والتوسع في سياسة النشر الرقمي، وزيادة الاتصال بين الأفراد والمجموعات وتيسير سبله، من خلال الاتجاه إلى تقديم الخدمات الثقافية بصورة رقمية، عبر المواقع التابعة للوزارة على الإنترنت.

 

ثامنا: تعديل التشريعات الثقافية: إجراء مجموعة من التعديلات التشريعية في القوانين واللوائح المنظمة للعمل الثقافي، لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها الجماعة الثقافية، والتي تناسب المرحلة الجديدة في تاريخ مصر. وفي مقدمة هذه القوانين قانون الحفاظ على الوثائق وإتاحتها، وقانون جوائز الدولة واللوائح المنظمة لها، وقانون الرقابة على المصنفات الفنية، وقانون حماية الملكية الفكرية.

تاسعا: تنمية قدرات العاملين في المؤسسات الثقافية: ضرورة العمل على تنمية قدرات العاملين من خلال دورات تدريبة وتثقفية تنمي مهارتهم وتحولهم إلى منشطين ثقافيين، بالتوازي مع العمل على تحسين الدخل بالنسبة لهم.

عاشرا: إعادة الهيكلة: تحتاج عديد من قطاعات وزارة الثقافة إلى إعادة هيكلتها حتى تتوافق مع المرحلة الجديدة في تاريخ مصر، ومع تطلعات الجماعة الثقافية المصرية، ومع الاحتياجات الفعلية لتطوير العمل، وفي مقدمة هذه المؤسسات: المجلس الأعلى للثقافة، وهيئة قصور الثقافة، وقطاع الإنتاج الثقافي، وهي إجراءات ينبغي أن تتم في على مراحل وتراعي إعادة النظر في حجم العمالة التي تشكل عبء على مؤسسات الوزارة في إطار رؤية شاملة لسياسة التشغيل في الدولة.

سادسا: العقبات:

  هناك مجموعة من العقبات التي تواجه تطبيق السياسة الثقافية الجديدة، يمكن تلخيصها على النحو التالي:

1.    المفاهيم التي سادت لسنوات طويلة حول دور وزارة الثقافة التي بدأت كوزارة للإرشاد القومي بما يحمله هذا من مفهوم التوجيه السياسي المأخوذ عن النظم الشمولية في أوروبا في مرحلة ما بين الحربين ثم في مرحلة الحرب الباردة، وبغض النظر عن مدى نجاح الوزارة التي ظهرت إلى الوجود في ظل نظام شمولي عاتي في تحقيق هدفها في التوجيه فإن هذا المفهوم ما زال سائدا بقوة بين العاملين في الحقل الثقافي.

2.    الهياكل الإدارية المعقدة التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها، والتي تكونت حولها مصالح متكلسة تقاوم أي محاولة جادة للإصلاح.

3.    التضخم في الجهاز الإداري في وزارة الثقافة والذي يحتاج إلى إعادة النظر فيه، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار سياسة عامة للدولة في مجال التشغيل.

4.    صعود تيارات سياسية معادية لحرية الفكر والإبداع تحاول فرض وصايتها على المجتمع، الأمر الذي يشكل تهديدا واضحا لعناصر أساسية للسياسة الثقافية الجديدة، خاصة مع امتلاك هذه القوى سلطة التشريع.

5.    ضعف المخصصات المالية لوزارة الثقافة في الموازنة العامة للدولة، فدون زيادة هذه المخصصات لا يمكن تحقيق أي نجاح للسياسة الثقافية الجديدة.

 

*****
                                                                                                        

هناك تعليقان (2):

  1. مشكور د / عماد.. تمنياتى بدوام التوفيق والتميز

    ردحذف
  2. دراسة مهمة للغاية وتمثل الصوت العلمى والفكرى والسياسى الوحيد المطروح الآن بشأن ضرورة إعادة بناء دور جديد للدولة فى الشأن الثقافى

    ردحذف

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...