الاثنين، 21 يوليو 2014


عرض كتاب محمد حاكم:
 

أيام محمد علي


عماد أبو غازي

 "أيام محمد علي ـ التمايز الاجتماعي وتوزيع فرص الحياة"، الكتاب الأول للباحث الراحل محمد حاكم، من أحدث ما صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، صدر قبل رحيل حاكم بأيام قليلة، الكتاب كان في الأصل البحث الذي حصل به محمد حاكم على درجة الماجستير، من كلية الآداب بجامعة القاهرة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تحت إشراف أستاذه الدكتور محمود الكردي، في هذا البحث جمع محمد حاكم المتخصص في علم الاجتماع، بين دراسة الاجتماع والتاريخ والوثائق في براعة فائقة، وقدم إضافة علمية مهمة في كل من المجالات الثلاثة.
 


 غلاف كتاب أيام محمد علي من تصميم الفنانة هبة حلمي
 
 عندما قرر محمد حاكم أن يكون البحث العلمي طريقه في الحياة، اتجه الشاب القادم إلى القاهرة من مناطق التخوم بين القرية والمدينة في ريف الدلتا، والحالم بتغيير العالم، إلى دراسة علم الاجتماع الريفي، واعتبر أن دراسة القرية المصرية وأوضاعها المدخل السليم لتغيير الواقع، لكنه اكتشف دراسة القرية بمعزل عن دراسة المدينة أمرًا مستحيلًا، كما أن عاشق القرية والفلاح كان أيضًا عاشقًا للتاريخ، وقد اكتشف أن إرادة تغيير الحاضر وصنع المستقبل رهينة بفهم الماضي ودراسته، فاتجه إلى التاريخ.
 اختار محمد حاكم التحرر من الأطر التقليدية لعلم الاجتماع، عندما اختار لدراسته موضوع الصراع على فرص الحياة بين الريف والمدينة، وقضية استحواذ المدينة على فائض ما ينتجه الريف، عندما رفض الالتزام بالتقسيمات التقليدية في علم الاجتماع بين الاجتماع الريفي والاجتماع الحضري (دراسة المدينة)، وعندما اختار مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أي عصر محمد علي، زمنًا تاريخيًا للدراسة، وعندما لجأ إلى الوثائق والدفاتر والسجلات المتناثرة بين الأرشيفات المصرية المختلفة، ليستمع إلى أصوات المقهورين عبر الزمن، ويسمعنا إياه.
 
 
محمد حاكم والدكتوراه أمنية عامر في الإسكندرية في ندوة محمد علي بمناسبة 200 عام على حكمه 2005
 
 انطلق حاكم في دراسته للعلاقة بين الريف والمدينة في عصر محمد علي من حقيقة أن العلاقة بين القرية والمدينة تأخذ شكل التناقض والصراع الاجتماعي بينهما، الصراع على فرص الحياة، المدينة مركز القوة والسلطة تسعى للاستحواذ على وسائل الإنتاج من خلال السيطرة على الأرض الزراعية التي تحوز السلطة الحاكمة وسكان المدن الجزء الأكبر منها، وعلى الناتج الفائض للريفيين المتمثل فيما يزرعونه من خلال الاستيلاء على قسم كبير من المحصول ومن خلال الضرائب المتنوعة، هذا الاستحواذ الذي رأى فيه محمد حاكم البؤرة في علاقات الاقتصاد والسلطة.
 وتوقف عند النصف الأول من القرن التاسع عشر باعتباره نقطة محورية في التاريخ المصري، عصر شهد تحولات مهمة استمرت تأثيراتها في التكوين المصري الحديث إلى يومنا هذا، لقد شدت شخصية محمد علي وما قام به من تغيير لوجه المجتمع المصري محمد حاكم فغرق في ذلك العصر، لكنه لم يقع فيما يقع فيه كثير من الباحثين من ولع بالعصر الذي يدرسونه، لقد عاد محمد حاكم إلى القرون السابقة على عصر محمد علي كي يفهم ذلك العصر، كما وضع في اعتباره ما تلاه من عصور حتى يتتبع تأثيراته، أذكر جيدًا كيف أمضى محمد حاكم سنوات من دراسته في قراءة مجلدات من مصادر العصر العثماني مدققًا فيها كلمة كلمة، وباحثًا وراء ما لم تبح به تلك المصادر، ثم جاءت علاقته بالوثائق التي فعلت معه فعل النداهة، فغاص في بحورها دون أن يغرق فيها، واستفاد منها دون أن يقع في فخ التسليم بكل ما تحويه، فقد تعامل معها تعاملًا نقديًا واعيًا، قضى سنوات في البحث في دفاتر الإدارة المالية في العصر العثماني وزمن الحملة الفرنسية وعصر محمد علي والموزعة بين دار الوثائق القومية ودار المحفوظات العمومية، حتى أصبح خبيرًا في خطوطها الصعبة عالمًا بمصطلحاتها الدقيقة، وهنا أتذكر تلك الشهور الطويلة التي بلغت تسعة أشهر، والتي أمضاها محمد حاكم في تدقيق الأرقام في تلك الدفاتر ليستخلص منها جدولًا شغل صفحة واحدة في رسالته، لكنه كان ثورة في المعرفة العلمية عن ذلك العصر.
 
 

 وينقسم كتاب "أيام محمد علي" إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، في المقدمة استعرض محمد حاكم أسئلته التي سعى للإجابة عليها، ومنهجه، ومصادره، وفي الفصل الأول درس نمط التحضر في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وركز في الفصل الثاني على دراسة التمايز الاجتماعي داخل القرية المصرية، وقد ناقش في هذا الفصل الخطاب العلمي والاستشراقي والحكومي الذي ظل يتعامل مع القرية المصرية باعتبارها وحدة متجانسة، أما الفصل الثالث فقد اهتم بدراسة الاستحواذ المديني على القرية من خلال استحواذها على وسائل الإنتاج الريفية وعلى فائض الإنتاج، وفي الفصل الرابع يناقش جانب آخر من جوانب الاستحواذ من خلال تحليل علاقات السلطة والمقاومة.

 لقد تأخر صدور هذه الدراسة لما يقارب السنوات العشر، لكنها صدرت أخيرًا لتحتل مكانها إلى جانب دراسة خالد فهمي، زميل محمد حاكم ومجايله، عن الجيش في عصر محمد علي، والتي صدرت بعنوان: "كل رجال الباشا" عن دار الشروق منذ عدة سنوات، والدراستان معًا تشكلان رؤية جديدة لعصر محمد علي من وجهة نظر جديدة تبناها جيل جديد من الباحثين، حملت لأول مرة أصوات المقهورين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...