الاثنين، 21 يوليو 2014


 اليوم 21 يوليو تمر الذكرى السنوية السابعة لرحيل الصديق الباحث محمد حاكم، في هذه المناسبة أعيد نشر مقالي الذي نشرته في جريدة الدستور عقب وفاة حاكم.

مخربشات

"أيام محمد حاكم" 4 يناير 1962 ـ 21 يوليو 2007

عماد أبو غازي
 إذن توقفت أيام محمد حاكم، رحل جسده عنا بعد رحلة مع المرض كانت نهايتها سريعة، غاب عنا عصر يوم  21 يوليو، أسرع مما توقعنا جميعًا، فبين اكتشاف خطورة حالته الصحية ورحيله سبعة أسابيع، كان فيها قويًا متماسكًا هادئًا كعادته دائمًا، متقبلًا الأمر برضى، كان فقط مشفقًا على أهله ومحبيه، لقد كان محمد حاكم ممن يحملون هم الآخرين أكثر مما يحمل همه الشخصي، كان ما يشغله وهو يعرف أن النهاية باتت قريبة أن يعرف من طبيبه ما تبقى له بالتقريب حتى يرتب أمور العمل الذي التزم به في إعداد برنامج تلفزيوني، قال لي: "لازم أعرف أقدر أشتغل لإمتى علشان أرتب لهم حد بدلي، أنا التزمت معاهم ما ينفعش أسيب الشغل يقع"، وحتى يرتب أوراقه البحثية المتناثرة التي لم تكتمل بعد، هذا هو محمد حاكم كما عرفته.


 وهذا هو محمد حاكم الذي ذكرني بكلمات عالم المصريات جيمس هنري بريستد مؤلف كتاب فجر الضمير كما ذكرتني بها منذ سنوات لطيفة الزيات في أيامها الأخيرة وهي تحسب ما بقى لها من أيام لتكمل فيها ما يمكنها إكماله من أبحاث "إن إبداع المصري القديم لمتون الأهرام يشكل احتجاجًا حماسيًا ضد الموت وثورة ضد الظلمة والسكون العظيمين"، فالمصري يبدع ويعمل للحياة في مواجهة الموت.

  أذكر تمامًا اللقاء الأول بيننا، كان في 21 فبراير 1981، في مدرج 78 بكلية الآداب جامعة القاهرة، في ندوة نظمتها أسرة من الأسر الطلابية كانت مقررتها الطالبة آمال طنطاوي بقسم الاجتماع، وقد أصبحت الآن الدكتورة آمال طنطاوي من الباحثات البارزات في علم الاجتماع (رحلت آمال عنا العام الماضي)، كانت المناسبة الاحتفال باليوم العالمي لنضال الطلاب ضد الاستعمار، الذكرى الخامسة والثلاثين ليوم 21 فبراير 1946، كان المتحدث في الندوة المؤرخ الكبير الدكتور رءوف عباس، كانت مشاركة مؤرخ وأستاذ جامعي في قيمته وقامته في نشاط طلابي سياسي الطابع حدثًا مهمًا وشجاعة فائقة؛ فالجامعة وقتها تعيش في ظل حصار بوليسي، والنشاط الطلابي شبه محظور، كنت وقتها طالبًا في الدراسات العليا بقسم الوثائق، عائدًا إلى الجامعة أستعيد نشاطي فيها بعد انقطاع دام لثلاث سنوات، بعد أن ألقى الدكتور رءوف عباس محاضرته، قام شاب صغير قدم نفسه باعتباره طالبًا في السنة الأولى بقسم الاجتماع مناقشًا للمحاضر محاولًا ربط الماضي الذي نحتفل به بحاضرنا وقتها، لفت الشاب انتباهي بمداخلته شديدة الذكاء وشجاعته، رغم ما ظهر عليه من ارتباك من يتحدث للمرة الأولى أمام حشد من مئات الطلاب والأساتذة، ويناقش أستاذًا كبيرًا مرموقًا مثل رءوف عباس، عقب الندوة توجهت إليه وتعرفت عليه توطدت العلاقة بيننا بسرعة، تحول من زميل دراسة يجمع بيننا قدر مشترك من الأفكار السياسية، وبراح نتقبل فيه ما نختلف حوله، إلى صديق وجدت فيه بعضًا من العوض عن أخي مختار الذي فقدته مبكرًا، خصوصا مع بعض الملامح المتشابهة بينهما بعد أن أطلق حاكم لحيته.

 منذ عصر ذلك اليوم يوم 21 فبراير 1981حتى عصر 21 يوليو 2007 استمرت العلاقة بيننا. ست وعشرون سنة وخمسة أشهر بالتمام والكمال، جمعت بيننا اهتمامات بحثية مشتركة، وآراء متقاربة في الحياة، تلاقينا حول محمد علي وعصره، جمعنا الولع بالوثائق، وفي إطار ولعنا المشترك أرشدني وأرشد الباحث الفرنسي نقولا ميشيل إلى مجموعة من المجموعات المهمة بدار الوثائق القومية، غيرت نتائج رسالتي للدكتوراه وغيرت الكثير من المفاهيم حول تاريخ الحيازة الزراعية في مصر، كان حاكم بالنسبة لي المرجعية العلمية التي استند إليها، إذا كتبت بحثًا أو مقالًا جديًدا لا أطمئن حتى يقرأه حاكم ويبدي رأيه فيه، كان المعيار بالنسبة لي، في كل أموري العامة والخاصة كان رأيه بمثابة الضمير لي، جمعت بيننا الكتابة في الدستور في صفحتين متقابلتين، كنا نتبادل مقالينا عبر البريد الإلكتروني ليبدي كل منا رأيه في مقال الآخر، في السنوات الأخيرة أصبح جاري في السكن، وقد أعطاني هذا شعورًا دائمًا بالراحة والطمأنينة، كنت أشهد تطور علاقته بابنتي مريم فأشعر أن لها أبًا ثانيًا وسندًا في الحياة، إذا غبنا عن المنزل وهي وحدها هناك من تلجأ إليه، إذا أرادت من تفضفض معه فهناك من يكتم سرها، اليوم فقدت حاكم فذهبت أشياء جميلة كثيرة في حياتي وحياة أصدقاؤه ومحبيه.

 أما أسرته هو، الأم والأب اللذان أنجبا وربيا إنسانًا أحب الوطن وأعطى له، أحب الإنسانية وعشقها، والشقيقات وأبناء أخته سمر وعمر اللذان يحملان الكثير من ملامحه ونبله، تلك الأسرة التي تنتمي لكفر سعد البلد بمحافظة دمياط، والتي نبت بينها هذا الفتى اللامع الذي ومض في حياتنا العلمية والثقافية سريعًا وانطفأ قبل أن يكمل مشواره، فلا أظن أن هناك عزاء يعوضها في فقده سوى حب الناس لمحمد حاكم، والذي كان واضحًا جليًا في أيام مرضه القصيرة، وفي جنازته الكبيرة التي لم أر مثلها منذ سنوات.

 إذن رحل الباحث السوسيولوجي محمد حاكم أحد قادة الحركة الطلابية سنة 1984، وأحد أبرز الباحثين في جيله في مجال الدراسات الاجتماعية والتاريخ، اهتم محمد حاكم في السنوات الأخيرة من خلال إشرافه على البرنامج البحثي للمركز الفرنسي للدراسات القانونية  والاقتصادية بثلاث قضايا محورية في حياتنا العلمية والسياسية، مناهج البحث، وجماعات الإسلام السياسي، والإصلاح الدستوري، لكن إنجازه الأهم كان رسالته للماجستير عن الريف والمدينة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، والتي شكلت نقله في الدراسات الاجتماعية والتاريخية المعتمدة على الوثائق حول عصر محمد علي، وقد صدرت عن المجلس الأعلى للثقافة منذ أيام بعنوان "أيام محمد علي" لتقر به عيني محمد حاكم في أخر أيام وعيه بالدنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...