الأحد، 13 يوليو 2014



موقعة كفر الدوار

 صفحة مجيدة في تاريخ المصريين


عماد أبو غازي


 يوم 14 سبتمبر 1882 نجحت القوات البريطانية في دخول القاهرة وأكملت السيطرة عليها في اليوم التالي، بعد نجاحها في هزيمة الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي في معركة التل الكبير يوم 13 سبتمبر 1882، لكن رحلة الاحتلال البريطاني لمصر التي طالت لأكثر من شهرين لم تكن كلها انتصارات لجيوش بريطانيا العظمى، الطريق لم يكن سهلًا أو ميسرًا؛ فعلى جبهة الدلتا، وبعد أسابيع قليلة من احتلال الإنجليز للإسكندرية، لقت قوتهم هزيمة تلو هزيمة على يد الجيش المصري في محافظة البحيرة، في واحدة من الصفحات المجيدة في تاريخ العسكرية المصرية.



 
 فبعد 75 سنة من هزيمة الإنجليز في البحيرة أثناء حملة فريزر تلقوا هزيمتهم الثانية فيها أيضًا، لكن النهايات اختلفت؛ ففي المعركة الأولى سنة 1807 كانت الهزيمة دافعًا لخروج الحملة من مصر بلا عودة، أو بمعنى أدق بلا عودة إلا بعد مرور ثلاثة أرباع القرن، إذا اعتبرنا أن المشروع البريطاني لاحتلال مصر ظل قائمًا ينمو خطوة بخطوة، إلى أن تحقق الهدف في النهاية، أما الهزيمة الثانية سنة 1882 فدفعت الإنجليز إلى تغيير خططهم، والتوجه لاحتلال مصر من جبهة الشرق نقطة الضعف التي أتت منها الشرور، بدلا من جبهة الشمال، فمعظم حملات الاحتلال وغزوات الأعداء الناجحة طوال تاريخنا الممتد لآلاف السنين جاءت عبر بوابتنا الشرقية، أما جبهة الشمال فقلما نجح الغزاة في التسرب من خلالها، فمن الشرق جاء الرعاة الأسيويون في عصر الدولة القديمة، والهكسوس في عصر الدولة الوسطى، والآشوريون والفرس في نهاية عصر الدولة الحديثة، ومن بعدهم الإغريق والعرب ثم الأتراك العثمانيون، وأخيرًا إسرائيل.
  لقد غاب عن عرابي احتمال قيام الجيوش البريطانية بالهجوم من الشرق لأنه صدق وعود فردينان دي ليسبس حول حياد قناة السويس وعدم سماح شركة القناة للأسطول البريطاني بالمرور منها لاحتلال مصر، صدق عرابي بطيبة وسذاجة سياسية وعود دي ليسبس ورفض نصيحة معاونية بإغلاق القناة. فكانت الثغرة في دفاعاته هي الجبهة الشرقية.
 
فردينان دي ليسبس
 أما الجبهة الشمالية الغربية فقد أعد العدة فيها لمواجهة العدو، ويصف لنا عرابي باشا خط الدفاع في البحيرة في مذكراته قائلًا:
 "إن الاستحكامات في كفر الدوار كانت تمتد من عزبة خورشيد إلى كفر الدوار وأنشئوا في كفر الدوار استحكامًا من ترعة المحمودية إلى الملاحة، وحفروا خندقًا عرضه أربعة أمتار، وجعل خط الدفاع في المقدمة عند عزبة خورشيد على طول الخط من المحمودية إلى الملاحة، وجعل ما وراء هذا الخط من التلال والمرتفعات مواقع حصينة وركبت فيها مدافع كروب، وكذلك التلال الكائنة بين المحمودية وسد أبو قير، وقد تم إجراء هذه الأعمال الدفاعية بمعرفة المهندس الحربي العظيم محمود باشا فهمي ورجال الهندسة الحربيين، ومساعدة 5000 رجل من الأهالي من مديريات البحيرة والغربية والمنوفية".

 من ناحية أخرى كان محمود باشا فهمي قد قام بسد ترعة المحمودية حتى لا تصل المياه العذبة إلى الإسكندرية، التي احتلتها القوات البريطانية وغادرها معظم أهلها.
 
 
قوات الاحتلال تحاكم الأهالي في شوارع الإسكندرية
 
 كانت أولى المعارك على الجبهة الشمالية الغربية يوم 5 أغسطس 1882، وقد وقعت وفقًا لوصف المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي عندما تحرك الإنجليز من رمل الإسكندرية في اتجاه الجنوب بأورطتين من المشاة وأورطتين من الفرسان، فالتقى بهم الجيش المصري بقيادة البكباشي أحمد أفندي البيار والبكباشي مصطفى أفندي حسان ومنعوا تقدمهم، في الوقت الذي هاجمهم فيه خورشيد باشا طاهر قائد دفاعات أبو قير بثلاث بلوكات من الفرسان من جهة الشرق فانهزم الإنجليز بعد ثلاث ساعات ونصف من القتال، وبعد يومين عاود الإنجليز الكرة بقوة أكبر هاجمت الجيش المصري على ثلاث جبهات، لكن القوة المصرية تصدت للهجوم وأرغمت الإنجليز على التراجع بعد أربع ساعات ونصف من القتال تكبد فيه الإنجليز خسائر في الأرواح أكبر من خسائر الجيش المصري.

 

 
 ولم يمض أسبوعان على تلك الاشتباكات إلا وكان الإنجليز يكررون المحاولة، لكن دون جدوى، فقد كانت الاستحكامات المصرية أقوى من هجمات الإنجليز؛ "ففي يوم السبت 19 أغسطس سنة 1882 تحركت قوة كبيرة من الإنجليز جاء جانب منها بالقطارات المسلحة من جهة القباري وجانب آخر من جهة الرمل ومحطة السيوف وحجر النواتية، فلما وصلت القطارات إلى مقدمة الجيش المصري أطلق اليوزباشي أحمد أفندي فضلي مدفعًا فكان إيذانًا ببدء القتال، ودارت معركة شديدة بينهم وبين المصريين، فصدهم المصريون عن التقدم بعد أن كبدوهم خسائر جمة، ودام القتال ثلاث ساعات حتى غروب الشمس، وكان يتولى قيادة الجيش المصري في هذه المعركة طلبة باشا عصمت قومندان فرقة كفر الدوار ومعه رضا باشا ومصطفى بك عبد الرحيم وعيد بك محمد وأحمد بك عبد الغفار والقائم مقام أحمد بك عفت والقائم مقام سليمان سامي داود وبدو بك حكمدار المدفعية، وانتهت المعركة بارتداد الإنجليز إلى الإسكندرية".
 
 

 وقد حاول الإنجليز على مدى ثلاثة أيام تالية لهزيمتهم في كفر الدوار اختراق دفاعات الجيش المصري في الجبهة الشمالية الغربية بلا طائل، لتصبح معارك كفر الدوار واحدة من الصفحات المشرقة في تاريخ العسكرية المصرية.
 
 

 وفي هذه الأثناء كان قد تم تعيين القائم مقام جنرال ولسلي قائدًا للجيوش البريطانية العاملة في مصر، ورأى إبدال الخطة العسكرية والتوجه لاحتلال مصر من الشرق عبر احتلال قناة السويس مستفيدًا من تقاعس العرابيين عن احتلالها. ليحقق ولسلي انتصاره الكبير وربما الوحيد في تاريخه العسكري الذي انتهى سنة 1903 بهزيمته أثناء حرب البوير بجنوب أفريقيا.
 
ولسلي

 لكن كيف نجح ولسلي في تحويل الهزائم المتوالية في معارك جبهة الشمال الغربي إلى نصر كامل في الحرب؟
للحديث بقية...

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...