من صندوق الذكريات
مشروع إحياء حزب مصطفى كامل الوطني الذي
لم يتم
(نشر هذا المقال في مجلة الهلال عدد سبتمبر 2016)
عماد أبو غازي
أثناء قيامي بترتيب أوراقي القديمة التي جمعت
شتاتها من بيت الأسرة في المعادي ومنزل جدتي لأبي بالمنيل صادفت حافظة أوراق غارقة
في الأتربة، زرقاء اللون من "الفبر"، من ذلك النوع الذي كنا نستخدمه في
زمن ولى لحفظ أوراقنا، وعلى الحافظة بطاقة تعريف بيضاء صغيرة بإطار أزرق مزخرف ـ
تيكت مدرسي يعرفه جيدًا من هم في سني ـ مكتوب عليها بخط يدي عبارة "الحزب
الوطني"؛ لم أتصور ما الذي يمكن أن أجده بداخل الحافظة!
فتحت الحافظة على الفور لأجد فيها كتيبًا صغير
الحجم، لا يتناسب حجمه مع حجم الحافظة التي تحتويه، بغلاف كان في يوم ما أبيض
اللون، تحول إلى الإصفرار بفعل الزمن، تعلوه الأتربة لدرجة أخفت بعض ملامحه،
العنوان المطبوع على غلاف الكتيب:
"مشروع برنامج الحزب الوطني المقدم إلى
اللجنة التحضيرية للحزب".
أما ترويسة الغلاف فنصها:
"اللجنة التحضيرية للحزب الوطني الذي أسسه
مصطفى كامل في ديسمبر 1907".
ما هذا هل أملك مشروع البرنامج التأسيسي للحزب
الوطني حزب مصطفى كامل فعلًا؟
ربما، فجدي لأمي كان من الشباب الذين انضموا
للحزب عند تأسيسه، لكن سرعان ما وجدت الإجابة بمجرد إزاحة الأتربة من على غلاف
الكتيب، فهناك نص ثالث يقول:
"من الأستاذ فتحي رضوان توطئة لعرضه على
الجمعية العمومية للحزب الوطني".
عندما وقعت عيناي على هذه العبارة أضاءت الذاكرة
فجأة، تذكرت الحكاية بكثير من تفاصيلها التي مر عليها أكثر من أربعين عامًا؛ كانت
المناسبة ندوة علمية للاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لميلاد الزعيم مصطفى كامل في
أغسطس 1974، وكان مكان الاحتفال في القاعة الرئيسية بالجمعية المصرية للاقتصاد
السياسي والتشريع والأحصاء بشارع رمسيس، وكانت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
هي الجهة المنظمة للاحتفال، كنت وقتها طالبًا أنهيت دراستي بالسنة الثانية في قسم
التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وكانت المرة الأولى التي أحضر فيها نشاطًا
للجمعية التاريخية، وكان أحد أحب أساتذتنا إلى قلوبنا ونحن طلاب الدكتور محمد أنيس
مشاركًا ببحث في الندوة، مما دفعنا للحرص على حضور الندوة، ذهبت إلى الندوة بصحبة
أبي الذي كان مهتمًا بموضعها.
وهناك ألتقيت بالأستاذ فتحي رضوان الذي كان
مشاركًا في الندوة ومتحدثًا فيها باعتباره من تلاميذ مدرسة مصطفى كامل السياسية،
وكان الرجل قد أسس قبل 1952 الحزب الوطني الجديد من مجموعة من الشباب المؤمنين
بمبادئ الحزب الوطني، والمعارضين في ذات الوقت لأسلوب القيادات التاريخية للحزب القديم في ذلك الوقت، كانت
المرة الأولى التي ألتقي فيها بالأستاذ فتحي رضوان وجهًا لوجه وأنا شاب ناضج، ربما
شاهدته مرتين أو ثلاثة وأنا طفل صغير بصحبة أبي وأمي في الإسكندرية في أواخر
الخمسينيات وأوائل الستينيات، فقد كانت تربطه بأبي صداقة قديمة ترجع إلى أواخر
الثلاثينيات عندما تولى الرجل وهو محامي شاب قضية نزاع على ميراث المثال مختار،
كان فيها محاميًا لوالدة مختار وشقيقتيه، وإحداهما جدتي لأبي.
في ذلك اليوم من صيف عام 1974 حضر فتحي رضوان
إلى الندوة، وبصحبته مجموعة من المطبوعات الصغيرة وزعها على بعض الحضور، وكان
أحدها من نصيبي؛ كانت المطبوعة المكونة من أربع صفحات عبارة عن دعوة لإعادة إحياء
حزب مصطفى كامل، في وقت لم يكن مصرحًا فيه بتشكيل الأحزاب السياسية في مصر، ففي
نفس الشهر، شهر أغسطس من سنة 1974 طرح الرئيس السادات ما يعرف بورقة أغسطس، والتي
كان أسمها الرسمي "ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكي العربي"، كانت الورقة
محاولة لفتح حوار مجتمعي واسع حول مستقبل التنظيم السياسي الواحد بعد انتصار
أكتوبر، وكان التوجه الأساسي للدولة وقتها إقامة منابر ثابتة أو متحركة داخل
التنظيم، وهي فكرة كانت قد طرحت للمرة الأولى عقب مظاهرات الطلاب والعمال في
فبراير 1968 في إطار محاولات إحتواء آثار النكسة، لكن الفكرة لم يقدر لها
الاستمرار وقتها.
كانت
هذه المطبوعة التي كان يفترض أن تكون داخل الحافظة الزرقاء، والتي لم أتمكن إلى
الآن من العثور عليها ضمن أوراقي هي أساس لمشروع طرحه فتحي رضوان وقتها لإعادة
تأسيس الحزب الوطني الذي كان قد تم حله مع باقي الأحزاب السياسية في يناير 1953.
فما هي قصة هذا المشروع؟
في ذلك الزمن؛ سنوات النصف الأول من السبعينيات،
كانت أشياء كثيرة تتغير في مصر، يبدو معها في الظاهر أن مصر تدخل عصرًا جديدًا،
عصر بدأ منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.
فمن ناحية أسفر الصراع على قمة السلطة بعد رحيل
الرئيس عبد الناصر عن استبعاد مجموعة من قيادات النظام الذين كانوا يعتبرون الأقرب
إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتم إيداع بعضهم في السجون بعد محاكمة سياسية
خارج الأطر القضائية التقليدية، واستتب الأمر للرئيس الجديد والمجموعة التي إلتفت
حوله، فيما أطلق عليه الرئيس السادات وقتها ثورة التصحيح، وقد واكبها صدور مجموعة
من التعديلات القانونية عرفت بقوانين الحريات، ثم الدستور الدائم للبلاد، دستور
1971، الأمر الذي خلق هامشًا من الحرية كان مفتقدًا لسنوات، وإن كان هذا الصراع قد
أدى إلى ارتباك في التنظيم السياسي الوحيد المعترف به في البلاد؛ الاتحاد الاشتراكي
العربي.
ومن ناحية أخرى بدأ القادة التاريخيون الباقين
على قيد الحياة من قادة تنظيم الضباط الأحرار يصدرون بيانات سياسية جماعية موجهة
إلى رئيس الجمهورية، مقدمة له النصح والمشورة السياسية، التي رفضها معتبرًا إياها
محاولة لفرض الوصاية عليه.
في الوقت نفسه تفجرت الاحتجاجات الطلابية مجددًا
بعد هدوء نسبي استمر من 1968، في هذه الموجة الجديدة من الاحتجاجات الطلابية بدا
أننا أمام حركة أكثر استمرارًا، وأكثر جذرية في مطالبها السياسية المتبلورة حول
قضيتي تحرير الأرض والديمقراطية، لقد استمرت الاحتجاجات منذ أواخر عام 1971 حتى
نهاية العام الدراسي في صيف 1973، كانت الحركة الطلابية التي شارك فيها آلاف
الطلاب في الجامعات المصرية تبتكر أشكالها التنظيمية المستقلة؛ اللجان الوطنية
للطلاب عام 1971/1972 ولجان الدفاع عن الديمقراطية عام 1972/1973، وتلقت الحركة
تأييدًا من عدد من الكتاب والمثقفين من خلال البيان الذي أصدره توفيق الحكيم ونجيب
محفوظ وثروت أباظة، ووقع عليه أكثر من مئة شخصية، وقد تراجعت الحركة بشكل واضح بعد
حرب أكتوبر 1973، وإن استمرت بعض مكتسباتها لسنوات قليلة تالية.
كانت الاحتجاجات العمالية تتصاعد، والعمال
يشكلون لجان الإضراب كبديل عن النقابات التي تسيطر عليها السلطة، وكانت الحلقة
الثالثة من الحركة الشيوعية المصرية تولد متفاعلة مع هذا الحراك العمالي والطلابي.
بدأت الآفاق تتفتح أمام مراجعة التجربة المصرية
في الحقبة الناصرية فكريًا وسياسيًا وأخلاقيًا، وكان كتاب توفيق الحكيم الصغير في
حجمه الكبير في قيمته "عودة الوعي" فاتحة القول في هذه المراجعة، وسقطت
تدريجيًا المحظورات في الحديث عن الماضي.
وبعد حرب أكتوبر 1973 بدأ الرئيس السادات يفتح
الباب من أعلى لإعادة النظر في كثير من الثوابت التي كانت مستقرة منذ وصول الضباط الأحرار
إلى السلطة في يوليو 1952، فقدم الرئيس السادات الوثيقة السياسية لنظامه، والتي
عرفت بورقة أكتوبر، وتم استفتاء الشعب عليها في 15 مايو 1974، في ذكرى ما كان يسمى
بثورة التصحيح، وحاذت الورقة على نسبة الموافقة المعتادة في الاستفتاءات المصرية.
هذه صورة مختصرة عن الحالة العامة في مصر في هذه
الحقبة؛ في صيف 1974 كانت تسعة أشهر قد مرت على حرب أكتوبر 1973، وكان النقاش حول
المستقبل على أشده، هذا النقاش الذي عايشنا مثله في صيف عام 1967 المرير وخلال عام
1968، لكن في أجواء هزيمة قاسية، يتجدد تلك المرة في أجواء الانتصار.
في هذا السياق بادر فتحي رضوان بطرح مشروعه،
فتحي رضوان ذلك الرجل المخضرم صاحب الإسهامات المتعددة في حياة مصر السياسية والثقافية والفكرية في
القرن العشرين، ولد الرجل في 14 مايو 1911، وتفتح إدراكه على الحياة العامة من
حوله مع تفجر الثورة المصرية الكبرى سنة 1919، وساهم في النشاط الطلابي في مدرسته
في العشرينيات، وفي مطلع الثلاثينيات شارك زميل صباه وشبابه أحمد حسين في تأسيس
مصر الفتاة وفي مشروع القرش، لكن سرعان ما انفصل عنه، وكانت مبادئ الحزب الوطني،
حزب مصطفى كامل، تشكل عقيدته السياسية طوال السنوات التالية، وظل مخلصًا لها حتى
رحيله عنا، تم اعتقاله في العصر الملكي، وتولى الوزارة عدة مرات بعد 1952، ويعتبر
المؤسس لوزارة الإرشاد القومي التي نبتت منها وزارة الثقافة، وابتعد عن المشهد
السياسي منذ أواخر الخمسينيات حتى عاد إلى الصورة بقوة في السبعينيات، وكانت البداية
بهذه المطبوعة، والتي أكملها بعدها بعدة سنوات بهذا الكتيب الصغير الذي يحوي مشروع
برنامج الحزب الوطني، وكانت صلتي قد توثقت بالرجل فكنت أتردد عليه في مكتبه
للمحاماه بشارع عبد الخالق ثروت، وحصلت منه على نسخة من المشروع؛ مشروع برنامج
الحزب الوطني.
يتكون البرنامج الذي يقع في 25 صفحة من القطع
الصغير من أثنتي عشرة نقطة، تبدأ بالمبادئ، وهي ستة مبادئ والتي تمت صياغتها على
لسان المؤسسين، ويستهلها بالضمير "نحن".
تقول مبادئ الحزب:
"نحن نؤمن بأنه يجب أن تكون غاية كل مواطن
أن يحرر الوطن من كل قيد يحد من سيادته أو إرادته أو وحدته.
وأن يبقى المواطنون ساهرين أبدًا لحماية حريتهم
ورد العدوان عن استقلال الوطن ووحدة أراضيه، والحيلولة دون خضوعهم لأية صورة من
صور السيطرة الأجنبية: عسكرية كانت أو سياسية أو اقتصادية.
ونحن نؤمن بأن المواطنين لن ينجحوا في تحقيق هذه
الغاية إلا إذغ اتحدوا عندها، وآمنوا بالكفاح والتضحية وسيلة وتسلحوا روحيًا
وماديًا، وقضوا على كل دعوة للمهادنة أو اعتبار المفاوضة هي السبيل الأول للتحرير.
ونحن نؤمن بأن استقلال السودان الذي نحرص عليه،
لا ينبغي أن يحول دون قيام وحدة بين شطري وادي النيل: سواء كان شكل هذه الوحدة
تعاهديًا أو اتحاديًا أو دولة موحدة، كما نؤمن بأن الوحدة الكاملة لوادي النيل هي
التعبير عن الحتمي للعلاقة بين مصر والسودان سينتهي إليها أهل القطرين بإرادتهم
الحرة واقتناعهم التام وسعيهم الدائب بلا قهر ولا ضغط.
لذلك نحن نتعهد لكي نحقق هذه الأهداف بأن نعمل
لتكون التربية الوطنية التي تبثها أجهزة التعليم والتثقيف والتوجيه والإرشاد
العام، وسيلة لخلق رأي عام وطني مستنير وشجاع قادر على تقويم القادة وتسديد خطاهم
ورفض كل تقصير وعيب وسوء مسلك من أي شخص أو سلطة أو هيئة وفي أي موقع، بلا خوف ولا
مجاملة ولا ضعف، وهي الأسس التي وضعها مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني وخلفاؤه، حتى
تتحقق هذه الأهداف وتبقى بعد تحقيقها مصونة أبدًا.
نحن نؤمن بأن للعمل الوطني هدفين أساسيين:
أولهما: التحرير، وثانيهما: قيام حكومة منتخبة
تمثل المواطنين تمثيلًا صحيحًا، وتحقق لهم رخاءً وأمنًا، وتوزع عليهم جميع خيرات
الوطن وأعباء حمايته والنهوض به بالعدل والمساواة... مع بذل أقصى الجهد لنزيد
سعادة وأرزاق الطبقات الأشد حرمانًا، على أن يضرب زعماء الحزب داخل وخارج الحكم
المثل في التحلي بالفضائل والبساطة والتواضع وإدامة الصلة بالجماهير.
ونحن ندعو إلى إلغاء جميع القوانين والقرارات
والأوامر المقيدة لحريات الأفراد والجماعات والهيئات وفي مقدمتها قانون محكمة
حماية القيم من العيب، وقانون الأحزاب، وقانون الصحافة، والقانون رقم 37 لسنة
1972، وقانون المحاكم العسكرية، وقانون حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي،
وبالجملة جميع القوانين التي تفرض قيدًا على اجتماع المواطنين أو تظاهرهم أو تكوين
الجمعيات أو الأحزاب، أو إصدار الصحف أو الدوريات".
كانت هذه هي المبادئ الأساسية للحزب تصدم مع
كثير من سياسات النظام وقتها، خاصة في يتعلق بالحريات؛ أما باقي عناصر البرنامج أو
نقاطه فتبين موقف الحزب من مختلف القضايا الداخلية والخارجية.
النقطة الثانية عنوانها "في المحيط العربي
الإسلامي" وتتناول رؤية الحزب لعلاقة مصر بالأمتين العربية والإسلامية، وتشمل
هذه النقطة الحديث عن القضية الفلسطينية التي يراها البرنامج امتدادًا لقضية استقلال
مصر، كما تحوي رؤية لتطوير الجامعة العربية، بينما تحدد النقطة الثالثة من مشروع
برنامج الحزب الوطني رؤية الحزب للسياسة الخارجية، وتبدو فيها روح أفكار التحرر
الوطني التي ترسخت منذ الأربعينات، وعدم الانحياز التي ظهرت في منتصف الخمسينيات
واضحة جلية.
وتعرض النقطة الرابعة رؤية الحزب للدستور، وتركز
بشكل أساسي على قضية الحريات، كما يشير البرنامج إلى ما عانت منه مصر دومًا بتحول
دساتيرها إلى حبر على ورق، ويرى الحل في ترسيخ إيمان الشعب بالمبادئ الدستورية،
وتؤكد على "حق كل مصري أيًا كان دينه أو مركزه أو درجة ثروته في إبدأ رأيه
واختيار مذهبه السياسي وممارسته، وفي انتخاب ممثليه انتخابًا حرًا عن طريق التصويت
السري العام".
أما النقطة الخامسة فتناقش نظام الحكم، وتؤكد
على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية انتخابًا حرًا مباشرًا على درجة واحدة، كما نادى
البرنامج بأن يكون من حق كل مصري تتوافر فيه شروط الترشح ترشيح نفسه للرئاسة، وأن
يكون منصب نائب الرئيس أيضًا بالانتخاب، ودعا البرنامج لأن ينتخب رئيس الجمهورية
لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط.
وتحمل النقطة السادسة عنوان آداة الحكم، وتتناول
الحكومة واستقلال القضاء، والتنظيم الإداري للدولة، وضبط الإنفاق الحكومي، والعمل
على تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار، كما قدمت هذه النقطة تصورًا لإنشاء هيئة
عليا ذات حصانة للأشراف على الإذاعة المسموعة والمرئية.
وتختص النقطة السابعة التي تعتبر أطول
أقسام البرنامج برؤية الحزب للاقتصاد وهي رؤية تقوم على مسئولية الدولة عن توفير
الضمان الاجتماعي للمواطنين، والعمل على تضييق الفوارق بين الطبقات من خلال ضريبة
تصاعدية موحدة، مع إلغاء جميع الضرائب النوعية، ويؤمن الحزب بالتعاون كمبدأ
اقتصادي اجتماعي.
ورغم أن الحزب يؤمن بمبدأ الملكية الخاصة إلا أنه
يتبنى في الوقت نفسه حق الدولة في "التأميم لمقتضيات الظروف الاقتصادية
ولحماية الثروة القومية من الاستغلال والاحتكار، على أن يكون التأميم مقابل تعويض
عادل وأن ينصب في مبدئه على مرافق الدولة ومصادر الثروة"، كما يدعو إلى تحريم
فرض الحراسة الإدارية على الأفراد المصريين.
ويعتبر الحزب الوطني أن الزراعة هي الأساس الأول
من أسس لاقتصاد بوادي النيل، ويهتم بحماية الأرض الزراعية بشؤون العمال الزراعيين،
كما يشير البرنامج إلى تطوير الصناعات والاهتمام بالتعليم الفني وبالنقابات
العمالية.
ويخصص البرنامج الاقتصادي مساحة كبيرة لتصور
إدارة البنك المركزي وتشكيل مجلس إدارته وتحصين رئيسه من العزل طوال فترة توليه
منصبه.
النقطة الثامنة تدور حول التعاون الدولي
في المجال الاقتصادي، وتندرج تحت هذا البند رؤية الحزب للسياحة التي يراها
"موردًا من أعظم موارد مصر الاقتصادية"، وفي هذا الإطار يشير الحزب إلى
أهمية صيانة الآثار المصرية على اختلاف عهودها وحمايتها.
وتتحدث النقطة التاسعة والعاشرة عن مجال رعاية
الأسرة ومجال المرأة والطفولة بإسهاب، ويربط موضوع رعاية الأسرة بقضايا الصحة في
المجتمع ودور الدولة فيها.
وتحدد النقطة الحادية عشر رؤية الحزب لدور الجيش
في المجتمع ويتطلع الحزب إلى بناء جيش عصري مدرب منقطع للعمل العسكري.
وتناقش النقطة الثانية عشر رؤية الحزب
للتعليم والثقافة، والتي تقوم على إيمان الحزب "بأن التعليم هو السبيل الأول
لخلق مواطن صالح محب لخدمة الوطن، قادر على التعاون مع المجتمع ومدرك لواجباته
وحريص على استيفاء حقوقه القومية والدستورية ومستعد للنضال من أجل حرية
بلده".
كما تشير هذه النقطة إلى أهمية العناية بتراثنا
الثقافي وربطه بالثقافة العامة، كما يتناول الحزب في هذه النقطة وضع الأزهر وضرورة
تدارك ما أصابه من مسخ في الستينيات.
أما الختام فنصه: "يعلن الموقعون على هذا
أنهم يعتبرونه ميثاقًا وعهدًا، كما يعلنون أهم يعملون أن الوسيلة لإنفاذه وتحقيقه
هي أن يجاهدوا بأنفسهم وأموالهم لينقلوه من كلام إلى حقيقة وعمل. وهم يدعون
إخوانهم المواطنين في كل موضع من الوطن ومهما كانت انتمائتهم في الماضي أن ينضموا
إليهم في كفاحهم من أجل تحقيق هذا الميثاق، وأن ينشروا الدعوة له، وأن يثيروا
الإيمان في النفوس؛ فإن بلادنا تمر في فترة تحتاج إلى حشد القوى، وضم الصفوف، وأن
يستهدف الجميع أهدافًا واضحة أمام العالم يتبعه الجميع، ولتظلنا عناية الله وأرواح
الشهداء الذين سبقونا إلى الكفاح من أجل استقلال الوطن العزيز وحريته
ومنفعته".
كانت دعوة فتحي رضوان لإحياء حزب مصطفى كامل في
صيف 1974 دعوة لعودة الحياة الحزبية قبل
ظهور اتجاه النظام للقبول بالتعددية المقيدة، وكانت أول مشروع لعودة حزب من أحزاب
ما قبل 52 إلى الحياة، أعقبتها في صيف 1976 دعوة فؤاد سراج الدين لعودة حزب الوفد
أثناء المؤتمر الجماهيري الحاشد الذي عقد بنقابة المحامين في ذكرى سعد والنحاس،
ومحاولة الدكتور عبد المحسن حمودة لانتزاع الحق في تأسيس حزب الطليعة الوفدية في
اللحظة الفارقة ما بين الإعلان عن التعددية الحزبية بتحويل المنابر إلى أحزاب
وصدور قانون الأحزاب، وحتى عندما صدر قانون الأحزاب السياسية ومنع عودة أحزاب ما
قبل 1952 واستثنى من ذلك الحزب الوطني والحزب الاشتراكي (مصر الفتاة) لم يتمكن
فتحي رضوان من إعلان حزبه، فقد أخذ الرئيس السادات اسم الحزب لحزبه الذي أسسه،
الحزب الوطني الديمقراطي، وكان من بين المؤسسين بعض ممن كانوا بين شباب الحزب
الوطني بجناحيه القديم والجديد عند حل الأحزاب السياسية عام 1953.
انتهى مشروع فتحي رضوان عند هذه الورقة دون أن
يتأسس الحزب، فلم يعد إلى الوجود من أحزاب ما
قبل 1952 سوى حزب الوفد الذي يكمل مئويته الأولى بعد ثلاث سنوات، وبرز فتحي رضوان في سنوات السبعينيات
ككاتب معارض بوضوح من خلال مقالاته في جريدة الشعب الأمر الذي أدى بالرئيس السادت
إلى اعتقاله في حملة سبتمبر 1981 الشهيرة، وبعد أن خرج من المعتقل واصل كتاباته
المعارضة، ولعب دورًا رئيسيًا في تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ثم المنظمة
المصرية لحقوق الإنسان، وشارك في الوقفات الاحتجاجية عدة مرات في منتصف
الثمانينيات، ورحل عن عالمنا يوم 2 أكتوبر 1988، وظل حتى نهاية عمره مخلصًا في
دفاعه عن حقوق الإنسان ومنتميًا إلى مبادئ حزب مصطفى كامل الذي لم يعد إلى الحياة
مرة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق