السبت، 17 سبتمبر 2016

500 سنة على الاحتلال العثماني لمصر

(4)
أسطورة فضل الاحتلال العثماني في حماية المنطقة العربية من الاحتلال الأوروبي!!!
عماد أبو غازي
يردد "العثمانيون الجدد"، أولئك الذين يسعون لغسيل تاريخ الحكم العثماني للمنطقة، يرددون مقولة تتكرر دائمًا في خطابهم مفادها أن الحكم العثماني للمنطقة أنقذها من السقوط في أيدي الاستعمار الأوروبي، أو بمعنى أدق أخر هذا الاحتلال لعدة قرون.
 فهل هذا ما حدث فعلًا؟
هل كانت القوى الأوروبية تحاول بالفعل احتلال المنطقة العربية في القرن السادس عشر؟ وهل كان للاحتلال العثماني للمنطقة فضل حمايتها من الاحتلال الأوروبي؟
 لقد كانت سواحل المنطقة وثغورها تتعرض في مطلع القرن السادس عشر لغارات السفن الأوروبية، مثلما كان عليه الحال دائمًا طوال القرون السابقة، كان الجديد في الأمر تغير تلك القوى، فبعد أن كانت الغارات تأتي من القبارصة ومن بعض الجيوب المتبقية من حقبة الحروب الصليبية في جزر البحر المتوسط، أصبح التهديد يأتي من القوى الجديدة الصاعدة في جنوب غرب أوروبا، خصوصًا البرتغال، وبعد أن كانت الغارات تتوجه لموانئ مصر والشام على البحر المتوسط، أصبحت تتجه إلى موانئ مصر والحجاز على البحر الأحمر، وقد نجح المماليك في صد بعض هذه الغارات لكنهم فشلوا في صد غارات كثيرة أخرى وهزم أسطولهم في موقعة ديو البحرية.
 لكن هذه الغارات لم تكن تهدف إلى احتلال البلاد ولا كان في مقدورها ذلك، بل كانت تهدف إلى إيجاد مناطق ارتكاز على طرق التجارة الجديدة، في منطقة خليج عدن وبحر العرب، وفي نفس الوقت زعزعة استقرار طرق التجارة القديمة التي كانت تمر عبر مصر، وضرب التحالف التجاري والسياسي القائم بين مصر ومدن جنوب أوروبا التجارية وفي مقدمتها جمهورية البندقية (فينسيا).
 ومما يؤيد هذا حالة مراكش الأقرب لأسبانيا والبرتغال والتي لم تسقط في أيدي العثمانيين أبدًا، ومع ذلك حافظت على استقلال جل أراضيها حتى بدايات القرن العشرين، عندما احتلها الأسبان والفرنسيون.
 وإذا كانت الدولة العثمانية قد نجحت في وقف الغارات البرتغالية على موانئ البحر الأحمر، فإنها لم تنجح إطلاقًا في وقف سيطرة البرتغاليون ومن بعدهم الهولنديون ثم الإنجليز على تجارة الشرق، ولا في منعهم من بناء نقاط ارتكاز في البحار الجنوبية وفي منطقة الخليج.
 لكن قبل ذلك ينبغي أن نتذكر أن الدولة العثمانية كانت سببًا من أسباب هزائم المماليك المتوالية في معاركهم مع البرتغاليين؛ بسبب قطع موارد الأخشاب عن دولة المماليك، مما ساهم في إضعاف قدرة سلاطين مصر على بناء أسطول بحري قوي يتصدى للبرتغاليين.
  بل ربما نستطيع القول أن الحكم العثماني للمنطقة العربية أدى إلى سقوطها فريسة سهلة في أيدي الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين والأسبان، عندما دخل التنافس الاستعماري الأوروبي مرحلة جديدة وشكلًا جديدًا في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر وطوال القرن التاسع عشر، وأصبحت السيطرة الكاملة بالقوة العسكرية على بلدان المنطقة هدفًا للقوى الاستعمارية الأوروبية.
 لقد مدت الدولة العثمانية أجل العصور الوسطى في منطقتنا العربية، وأبقت المنطقة خارج الزمن في قرون التحول من الحضارة الزراعية إلى الحضارة الصناعية.
 وخلال القرن التاسع عشر حافظت القوى الاستعمارية الكبرى على بقاء الدولة العثمانية، رجل أوروبا المريض، وعلى استمرار سيطرتها على المنطقة العربية، لتتمكن من خلال الدولة العثمانية وبواسطتها من الهيمنة الكاملة على المنطقة، لقد تركتنا القوى الاستعمارية الأوروبية "أمانة" لدى السلطنة العثمانية حتى تنتهي من حسم صراعتها على بلادنا وتحدد أنصبة كل طرف أوروبي في التركة العثمانية.
 لقد كانت ثلاثة قرون من الضعف والانهيار في ظل الحكم العثماني كفيلة بأن تمهد الطريق أمام الاستعمار الأوروبي لاحتلال المنطقة واقتسامها في أقل من قرن من الزمان، فقبل أن ينتهي القرن التاسع عشر كان الجناح الأفريقي من الدولة العثمانية قد سقط في أيدي فرنسا وإنجلترا، باستثناء ليبيا التي سقطت في أيدي الإيطاليين سنة 1911.

 بل لعبت الدولة العثمانية دورًا مباشرًا في تحقيق أهداف أوروبا الاستعمارية في المنطقة، عندما استعانت بالدول الأوروبية لضرب مشروع محمد علي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن أبرز مثال على ذلك ما فعله السلطان عبد الحميد "خليفة المسلمين" وسلطان العثمانيين عندما عزل الخديوي إسماعيل تنفيذًا لرغبة الدول الأوروبية، لأن إسماعيل رضخ لمطالب الحركة الوطنية الناشئة بتأسيس نظام دستوري يراقب فيه نواب الشعب الحكومة، وما فعله بالعرابيين، عندما أصدر فرمانه الشهير بعصيان أحمد عرابي أثناء تصدي الأخير للإنجليز وحليفهم توفيق خديوي مصر عام  1882.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...