الأحد، 11 سبتمبر 2016

من أوراق بدر الدين أبو غازي

(4)

 النهارده الذكرى 33 لرحيل بدر الدين أبو غازي، اخترت نص من النصوص اللي كتبها وما نشرهاش علشان أقدمه في ذكراه.

تقرير عن اليوم الأول من أيام الحملة

 اجتزت وزميلي بقية شارع الأزهر في الطريق إلى قرافة المماليك، وتبين بعد سؤال كثيرين أن الطريق إلى الجبانة شاق طويل، علينا أن نجتازه مشيًا على الأقدام لعدم وجود مواصلات إلى هناك.


 وبدأ الإعياء ينال مني بعد خطوات قصيرة في طريق شاق مرتفع تحت قيظ الشمس المشرقة، وبدأنا نبعد عن الضجيج رويدًا حتى شملنا صمت عميق، لم تكن تقطعه بين حين وحين غير خطوات شيخ مقبل نستبين منه الطريق إلى جبانة المماليك.
وعند مدخل الجبانة لقينا شخصين تدل ملامحهما على أنهما من أرباب هذه الحرفة، ومن سكان هذا المكان، وألقيا علينا نظرة فاحصة لم يستبينا منها شيئًا، ثم ردا تحيتنا بهمهمة خافتة فيها شيء من القلق وكثير من الضيق... ولم يكن اللقاء مشجعًا، فبدأنا نلتمس السبيل إلى مهمتنا بوسائل شتى، حتى اقتنع الرجلان وبدأا معاونتنا في كثير من التحفظ.


وكان التربية كثيري التذمر لتدخلنا في شؤنهم، وؤالهم عن أشياء يرون أنها سر يجب أن يحاط بالكتمان، واشتد ضيق بعضهم علينا حتى كاد يصل إلى شجار ردني عنه هدوء المكان وبعده عن الحياة، ونعش أقبل غير بعيد، فتخلف عنا البعض قائلين: "ما تعطلوناش، خلونا نشوف شغلنا".
ذكرت هذا المصير الهين عندهم فانقلب عبوسي ابتسامًا، ثم أخذنا نجتاز ربوع القرافة بحثًا عن الأشخاص، فتلقانا وجوه عابسة لا تكاد ترد السؤال.
وألح علينا الإعياء والتعب وألح معهما اليأس والضيق، فأخذنا نلتمس السبيل إلى الحياة حتى وصلنا شارع قايتباي، هناك وجدنا إناسًا في حركة وحياة، ودكاكين تنم على ماض كان به درجة من الانتعاش، والآن قد محا الزمن طلاءها، ومحا أسماء كانت قائمة عليها، فازدادت مهمتنا تعقيدًا في البحث عن الأسماء.
 البحث عن الأسماء هو أشق مهمة في مثل هذه الأحياء، هم يلقون كل قادم من "الحكومة" بشك وضيق، لأنهم ألفوا أن يروهم مقبلين وفي أيديهم النذر والعقاب، فاستقر في نفوسهم أن كل قادم يحمل ورقًا إنما يريد بهم شرًا.
لذلك ما تكاد تستفسر منهم عن اسم صاحب محل ما حتى يجيبك صاحبالمحل نفسه بأنه لا يدري، ويكلفك بلهجة الأمر أن تقرأ جميع الأسماء التي معك، فإذا وجد بينهم اسمه أجابك، ويضطرك بعدك عن الحياة والناس إلى أن تتلطف وتنفذ إرادته...
ولم تكد تمضي دقائق حتى تجمع حولنا صبية الحي وأشاعوا إننا جئنا "للم العيال" وكان ذلك كفيلًا بإحاطتنا بنظرات الكره والازدراء.
وكانت قبة قايتباي الجميلة تطالعنا تحت وهج الشمس المشرقة، فاتطلع إلى نقوشها وصمتها لأفر لحظة من عبوس الوجوه وضجة الناس.
وجلسنا على دكة محملة بالحشرات أشاعت في أجسادنا القشعريرة والقلق، ولم نكد نبدأ مهمتنا حتى زاد الضجيج، واشتد ضغط الجموع المحيطة بنا.
وكان الوقت قد تقدم، فعدنا نلتمس طريق العودة، ولقتنا في إحدى الطرقات الصامتة من جبانة المماليك سيارة رجونا صاحبها أن يحملنا إلى أقرب مكان عامر.

ومضت دقائق، وإذا بنا في شارع العباسية نلقى الحياة من جديد بعد أن غبنا عنها ساعات خلف تل من الأحجار والرماد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...