الثلاثاء، 26 أبريل 2016

رحلة مع حكاية المصريين والدستور ( 7 )

دستور زمن الاحتلال

عماد أبو غازي

 بهزيمة الثورة العرابية واحتلال بريطانيا لمصر بدأت مرحلة جديدة في نضال الشعب المصري وأضيف إلى مهام النضال الوطني من أجل الدستور، النضال من أجل الجلاء؛ فأصبح شعار الحركة الوطنية ومطلبها لسنوات الدستور والجلاء.


 لقد تدخلت بريطانيا في مصر لمناصرة الخديوي توفيق في مواجهة الثورة العرابية، ورددت أن وجودها في البلاد رهن بإعادة الاستقرار، لكنها استمرت لما يقرب من 75 عامًا، وظل وجود بريطانيا في مصر حتى قيام الحرب العالمية الأولى سنة 1914 أمرًا واقعًا دون إطار قانوني محدد ومعلن، ورغم أن مصر ظلت من الناحية الرسمية تابعة للسلطنة العثمانية، ورغم أن الخديوي كان ممثلًا لسلطة الدولة العثمانية في مصر، لكن السلطة الفعلية في البلاد كانت في يد القنصل العام أو المعتمد البريطاني الذي كان في الحقيقة هو الحاكم الفعلي للبلاد، كانت الخطوة الأولى لسلطات الاحتلال بمعاونة الخديوي توفيق السيطرة على الجيش المصري؛ فأصدر الخديوي في 19 سبتمبر سنة 1882 بعد احتلال القاهرة بخمسة أيام مرسومًا بإلغاء الجيش المصري! كما أصدر مرسومًا بتجريد كل الضباط الذين اشتركوا في الثورة من رتبة ملازم ثاني إلى يوزباشي من رتبهم العسكرية وحرمانهم من مستحقاتهم المالية، بينما تمت إحالة كبار الضباط وعلى رأسهم عرابي إلى المحاكمة، وكلف الخديوي ضابطًا إنجليزيًا سابقًا بإعادة تنظيم الجيش، وفي يناير 1883 أصدر توفيق مرسومًا بتعيين السير أفلن وود قائدًا عامًا للجيش المصري، ليحكم سيطرة سلطة الاحتلال على جيش البلاد الذي انضم ضباطه إلى الحركة الوطنية منذ أواخر عصر إسماعيل.


 كانت أولى الخطوات التي اتخذتها سلطات الاحتلال بعد أن استتبت لها الأمور في البلاد إعادة صياغة النظام السياسي؛ فأرسلت بريطانيا في 30 أكتوبر 1882 اللورد دفرين سفيرها في الأستانة مندوبًا ساميًا لها في مصر وكلفته بمهمة محددة: وضع نظام سياسي جديد للبلاد، كانت الفكرة الأساسية في هذا النظام الجديد إلغاء الحياة النيابية وسلب المصريين الدستور الذي حصلوا عليه بعد نضال طويل استمر لسنوات.
 واستجابة للتقرير الذي أعده اللورد دفرين أصدر الخديوي توفيق في أول مايو 1883 مرسومًا خديويًا بالقانون النظامي الجديد، ليحل محل دستور الثورة الذي صدر عام 1882، ونص القانون النظامي على إنشاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية ومجالس المديريات، لتحل جميعها محل مجلس النواب الذي كان قد متوقفًا منذ الاحتلال.

اللورد دوفرين
 ووفقًا لما نص عليه "دستور" زمن الاحتلال، فإن مجالس المديريات كانت تنتخب على درجتين، لمدة ست سنوات، ويتم التجديد النصفي للعضوية كل ثلاث سنوات، ويتفاوت أعضاء هذه المجالس ما بين 8 أعضاء للقاهرة و3 للفيوم، ويرأس مجلس المديرية مدير المديرية، أي المحافظ بلغة اليوم، وكانت مجالس المديريات تتدارس أحوال المديرية لكن رأيها كان استشاريًا غير ملزم، وكانت تنتخب من بين أعضائها ممثل المديرية في مجلس شورى القوانين، الذي كان يفترض أنه بديلًا لمجلس النواب، وكان يتألف من ثلاثين عضوًا من بينهم 14 عضوًا معينًا يختار من بينهم الرئيس وأحد الوكيلين، و16 عشر عضوًا منتخبًا يختار من بينهم الوكيل الثاني، وكان هناك عضوان منتخبان من خلال مندوبي الانتخاب الأول عن القاهرة والثاني عن الثغور، وأربعة عشر عضوًا منتخبين من بين أعضاء مجالس المديريات، واحد عن كل مديرية. وكان المجلس ينعقد مرة كل شهرين في جلسات سرية، ولا يملك أي سلطة في الرقابة أو التشريع، وكان رأيه غير ملزم للحكومة في أي أمر من الأمور.
 أما المجلس الثالث فكان يسمى الجمعية العمومية التي تجتمع مرة كل عامين، وتتشكل من الوزراء وأعضاء مجلس شورى القوانين و46 عضوًا منتخبا على درجتين يمثلون مديريات مصر المختلفة، وكانت السلطة الوحيدة الممنوحة للجمعية العمومية هي سلطة إقرار الضرائب والرسوم الجديدة، أما دورها في باقي الأمور فقد كان استشاريًا.
 ورغم أن هذه المجالس لم تكن تملك سلطة تشريع ولا رقابة وفقا للقانون النظامي، إلا أن مجلس شورى القوانين بدأ منذ عام 1892 يبدي اعتراضات على سياسة الاحتلال والحكومة الموالية له، وكان ذلك مواكبًا للتغير السياسي الناتج عن وفاة توفيق وتولي ابنه عباس حلمي الثاني منصب الخديوية، وللتطور الذي لحق بالحركة الوطنية مع عودة عبد الله النديم من المنفى.

عباس حلمي
 وعندما أصدر مصطفى كامل جريدة اللواء سنة 1900 دعا عبر صفحاتها لإقامة نظام نيابي حقيقي وإصدار دستور للبلاد، واقترنت من يومها المطالبة بالجلاء والمطالبة بالدستور، وعندما أسس مصطفى كامل الحزب الوطني عام 1907 كانت قضية الدستور ركنًا أساسيًا في برنامجه، وقد واصل محمد فريد قيادة النضال من أجل الدستور، ونجح الحزب الوطني بقيادة فريد في أن يحول مجلس شورى القوانين إلى ساحة من ساحات النضال الدستوري.

 وفي عام 1913 ومع تصاعد المطالبة بالدستور أصدر الخديوي عباس حلمي الثاني قانون نظامي جديد، نص على إنشاء الجمعية التشريعية لتحل محل مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية معًا، ورغم تسمية الهيئة النيابية الجديدة باسم الجمعية التشريعية إلا أنها لم تملك سلطة تشريع حقيقية، وفي الانتخابات التي أجريت في ديسمبر 1913 فاز سعد زغلول عن قسمي بولاق والسيدة زينب وأصبح الوكيل المنتخب للجمعية في دور انعقادها الوحيد، فقد قامت الحرب العالمية الأولى، وأعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وأنهت علاقتها بالدولة العثمانية، وعزلت الخديوي عباس وجاءت بحسين كامل سلطانًا على البلاد، وأعلنت الأحكام العرفية، وعطلت أعمال الجمعية التشريعية، وبات دستور الاحتلال في خبر كان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦ وفارسة في مواجهة التطبيع

  لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦  وفارسة في مواجهة التطبيع   عماد أبو غازي     لطيفة الزيات علامة من علامات الجيل الذي ولد بعد ثو...