رحلة مع حكاية المصريين والدستور ( 10 )
إعادة
لنشر القسم الأول من مقالي عن دستور 23 المشور يوم 19 أبريل
الطريق إلى دستور الثورة... دستور 1923
عماد أبو غازي
عقب الثورات دائما تكتب الشعوب دساتيرها، هذا ما حدث في مصر؛
فعقب الثورة العرابية صدر دستور 1882 الذي أعاد الحياة النيابية للبلاد وألغته
سلطات الاحتلال، وفي أعقاب ثورة 1919 وبعد أن انتهت الموجة الثورية عادت المطالبة
بالدستور لتتصدر المشهد إلى جانب المطالبة بجلاء قوات الاحتلال.
لقد ظهرت الدعوة إلى تشكيل حكومة تقود البلاد
إلى نظام دستوري تستند إليه في المفاوضات مع بريطانيا من أجل الجلاء في المراسلات
بين سعد وعدلي في فبراير ومارس 1920، وبدأت المطالبة بالدستور تتصاعد في صيف عام
1920، فقد تضمن مشروع الوفد المصري لاستقلال مصر الذي قدمه للورد ملنر يوم 17
يوليو 1920 تشكيل جمعية وطنية تضع الدستور المصري ويكون من مهامها التصديق على
معاهدة استقلال مصر، وقد أكد سعد زغلول هذه الدعوة في بيانه الموجه للأمة في 22
أغسطس من نفس العام.
سعد
عدلي يكن
وبعد استقالة وزارة عدلي باشا يكن في ديسمبر
1921، وضع عبد الخالق ثروت شروطًا لقبول الوزارة كان في مقدمتها إعادة
البرلمان، لكن الخطوات الحقيقية لوضع دستور للبلاد بدأت بعد صدور تصريح 28 فبراير
1922 الذي منحت فيه بريطانيا من جانب واحد استقلالًا منقوصًا لمصر، فتحولت مصر
بمقتضى التصريح إلى مملكة دستورية.
عبد الخالق ثروت
كانت الحركة الوطنية المصرية تطمح إلى تشكيل
جمعية تأسيسية منتخبة تصوغ الدستور، لكن حكومة عبد الخالق باشا ثروت سارت على نهج
آخر؛ ففي 3 أبريل سنة 1922 شكلت الحكومة لجنة لوضع مشروع الدستور وقانون
الانتخابات، وكلفت حسين باشا رشدي رئيس الوزراء السابق برئاسة اللجنة، كما تم
تعيين أحمد حشمت باشا نائبًا لرئيس اللجنة، وتشكلت اللجنة من ثلاثين عضوًا بخلاف
الرئيس ونائبه، وضمت في عضويتها قانونيين وساسة ورجال دين، بالإضافة إلى بعض
الأعيان ورجال المال والتجارة. وقد قاطع الوفد والحزب الوطني اللجنة ووصفوفها
بلجنة الأشقياء وهاجموا أسلوب تكوينها واعتبروه مصادرة على حق الشعب في كتابة
دستوره.
انتهت اللجنة من عملها بعد أقل من سبعة أشهر،
وقدمت مشروع الدستور إلى رئيس الوزراء عبد الخالق باشا ثروت في 21 أكتوبر سنة
1922، وبعدها بأيام قدمت مشروع قانون الانتخابات، فقام ثروت باشا برفعهما إلى
الملك فؤاد لإصدارهما؛ لكن الملك لم يكن راغبًا في إصدار الدستور الذي رأى فيه
تقليصًا كبيرًا لسلطاته.
بدأ الملك يخطط للتخلص من عبد الخالق ثروت
ليتخلص من دستوره، فدبر لإحراجه خروج مظاهرات من الأزهر تهتف بسقوط حكومة ثروت،
وكان الموعد المحدد عقب صلاة الجمعة يوم 1 ديسمبر 1922، وكان مقررًا أن يحضر الملك
ورئيس وزرائه الصلاة بالجامع الأزهر، وتسرب الخبر إلى ثروت باشا فبادر بتقديم
استقالته في 29 نوفمبر فقبلها الملك على الفور، وفي خطاب الاستقالة عدد عبد الخالق
باشا ثروت إنجازات وزارته، وفي مقدمتها مشروع الدستور الذي لم يصدره الملك.
توفيق نسيم
وعقب استقالة عبد الخالق ثروت تولى محمد توفيق
نسيم باشا رئاسة الوزارة وبدأ في تنفيذ خطة الملك فؤاد في تشويه الدستور، وقد أدخل
نسيم باشا عشر تعديلات على مشروع الدستور تمت في تكتم شديد؛ أولها حذف النص على أن
الأمة مصدر السلطات، وثانيها أنه جعل منح الرتب والنياشين من سلطة الملك وحده،
وثالثها منح الملك حق حل مجلسي البرلمان، هذا الحق الذي تكرر استخدامه في عهدي
فؤاد وفاروق، ورابعها جعل نصف عدد أعضاء مجلس الشيوخ بالتعيين، وخامسها انفراد
الملك بتعيين رئيس مجلس الشيوخ دون مشاركة من الوزارة، وسادسها منح الملك حق إصدار
مراسيم بقوانين في وجود البرلمان، وسابعها إخراج بعض المعاهدات التجارية من رقابة
البرلمان، وثامنها تقييد سلطة البرلمان في مناقشة الميزانية، وتاسعها تأكيد سلطة
الملك على معاهد التعليم الديني والأوقاف، وآخرها تغيير النصاب المطلوب لتنقيح
الدستور وتدخل الملك فيه، كانت جميع هذه التعديلات تصب في اتجاه منح سلطات إضافية
للملك، فقد شجعت هذه التعديلات الحكومة البريطانية على التدخل هي الأخرى في صياغة
دستور البلاد وطالبت بحذف النصوص التي تؤكد على وحدة وادي النيل، وقد وافق نسيم
باشا على إدخال هذه التعديلات أيضًا قبل أن تستقيل حكومته في 5 فبراير 1923 بعد
شهرين وخمسة أيام من تشكيلها، أفسدت خلالها مشروع الدستور، وكانت كل إجراءاتها تتم
في سرية كاملة.
قررت وزارة يحيى باشا إبراهيم استكمال مسيرة
وزارة نسيم باشا في تشويه مشروع الدستور لكن أمرها افتضح، وتعرضت لهجوم حاد أحرجها
أمام الرأي العام، وكان في مقدمة المهاجمين عبد العزيز بك فهمي.
عبد العزيز فهمي
ونجح الهجوم في وقف التلاعب في مشروع الدستور
الذي عطل الملك فؤاد صدوره لستة أشهر.
وفي مساء يوم 19 أبريل سنة 1923 رضخ الملك لضغوط
الشعب وأصدر دستور البلاد، دستور 1923 الذي ظل رغم ما أصابه من تشويه من أهم
الدساتير المصرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق