الأحد، 13 نوفمبر 2016

13 نوفمبر

 النهار ده 13 نوفمبر ذكرى عيد الجهاد الوطني، الذكرى 98 لليوم اللي ابتدت فيه صفحة جديدة من صفحات التاريخ المصري، لقيت في أرشيف مقالاتي مقالة كتبتها في الدستور من 11 سنة باعيد نشرها تاني...


مخربشات
عيد الجهاد الوطني
عماد أبو غازي


  قلت لابنتي مريم هذا الشهر تمر ذكرى عيد الجهاد الوطني، فقالت لي يعني إيه؟ انتبهت إلى أن هذه المناسبة المهمة في تاريخنا الوطني مجهولة للأجيال الجديدة، بل ربما غابت كذلك من ذاكرة الأجيال القديمة، بفضل جهود حركة يوليو 52 في تأميم التاريخ الوطني، ومحو نضال الشعب المصري قبل "الحركة المباركة"، فقررت أن أكتب مرة أخرى عن هذا اليوم المجيد من أيام الشعب المصري حتى لا تضيع الذاكرة الوطنية.
 ففي الأسبوع القادم ـ وعلى وجه التحديد في يوم 13 نوفمبر ـ تمر ذكرى مناسبة وطنية من أهم المناسبات في تاريخنا الحديث، إنها ذكرى عيد الجهاد الوطني، وهي المناسبة التي ظلت مصر كلها تحتفل بها منذ عام 1919 حتى قيام حركة الجيش في عام 1952، ولهذا اليوم قصة ودلالات في تاريخ مصر يجب أن تعرفها الأجيال وتعيها جيلًا بعد جيل.


13 نوفمبر ـ جدارية على قاعدة تمثال سعد بالإسكندرية ـ مختار

 أما القصة فترجع إلى الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الأولى التي استمرت من سنة 1914 إلى سنة 1918، فرغم أن الحرب كانت بين القوى الاستعمارية الأوروبية الكبرى في ذلك الوقت، إلا أن مصر اكتوت بنارها وكانت ساحة من ساحاتها العسكرية، فعلى أرض سيناء وجبهة قناة السويس اندلعت المعارك بين القوات البريطانية التي كانت تحتل مصر منذ عام 1882 والقوات التركية التي كانت تعتبر مصر جزءً من الدولة العثمانية منذ أربعمائة سنة سابقة على هذا التاريخ، كذلك عانى المصريون من وطأة الأحكام العرفية التي فرضتها قوات الاحتلال على مصر عقب عزل الخديوي عباس حلمي وتعيين حسين كامل سلطانًا على البلاد تحت الحماية البريطانية، كما عانوا كذلك من تسخيرهم وتسخير موارد البلاد وثرواتها لخدمة المجهود الحربي البريطاني، وهي الحالة التي عبرت عنها ببلاغة كلمات أغنية "يا عزيز عيني" التي لحنها وغناها سيد درويش، وقد تحمل المصريون هذه المعاناة تحت ضغط الجبروت العسكري لجيوش الاحتلال وكلهم أمل في أن تزول الغمة ويزول الاحتلال بنهاية الحرب، وفي صيف 1918 بدا واضحًا أن كفة الحلفاء (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا ومعهم الولايات المتحدة) هي الراجحة، وأن النصر من نصيبهم، وبالفعل مع خريف ذلك العام استسلمت ألمانيا وأعلن انتصار الحلفاء وانتهاء الحرب، وعلى الفور تحركت مجموعة من رجال مصر كان على رأسهم سعد زغلول الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي وذهبوا إلى دار المعتمد البريطاني (السفير)، وهو الحاكم الفعلي للبلاد، في خطوة مفاجئة ليطالبوا بإنهاء حالة الأحكام العرفية (الطوارئ بلغة اليوم) والسماح لوفد يمثل المصريين بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح الذي كان سيحدد خارطة العالم الجديد بعد الحرب، وكان رد المعتمد البريطاني السير وينجت الرفض القاطع على أساس أنهم لا يحملون أي صفة تتيح لهم تمثيل مصر أو الحديث باسم المصريين، وكانت هذه الواقعة في يوم 13 نوفمبر سنة 1918، وقد تصور وينجت أن الأمر انتهى عند هذا الحد، لكن ما حدث بعد ذلك كان أمر مختلف، لم يتوقعه وينجت، ولا حكومة بريطانيا العظمى التي يمثلها، ولا سلطان البلاد الجديد السلطان أحمد فؤاد الذي عينه الإنجليز قبلها بشهور بعد وفاة رجلهم السلطان حسين كامل، وكان فؤاد طيعًا في يد الانجليز، وقد استقبله الشاعر الكبير بيرم التونسي بقصيدة شهيرة جاء فيها:
ولما عدمنا في مصر الملوك
                            جابوك يا فؤاد لانجليز نصبوك
 المهم كان رد فعل الشعب المصري ردًا عبقريًا يكشف عن روح الثورة التي ظلت كامنة لسنوات في نفوس المصريين، لقد بدأت حملة لجمع التوقيعات على توكيل من أفراد الشعب المصري فردًا فردًا لسعد زغلول ورفاقه ليكونوا وكلاء عن الأمة المصرية في حضور مؤتمر الصلح، وليشكلوا وفدًا يمثل مصر وشعبها هناك ويسعى من أجل الحصول على الاستقلال لمصر وعلى اعتراف المجتمع الدولي بهذا الاستقلال، خلال أسابيع قليلة اتسعت حملة جمع التوقيعات وشملت جميع طوائف الأمة وطبقاتها، وظهرت وحدة المصريين حول هدف واحد، وأصبح اسم "الوفد المصري" تعبيرًا عن طموح المصريين نحو استقلال بلادهم، وفشلت كل محاولات السراي والإنجليز وعملائهم في نظارة الداخلية في وقف حركة التوكيلات، وعندها كان القرار الذي فجر الثورة المصرية الكبرى ثورة 1919، قرار القبض على سعد زغلول وزملائه من رجال الوفد المصري ونفيهم إلى مالطة، في 8 مارس 1919، وفي اليوم التالي مباشرة انفجر بركان الغضب المكبوت ليطيح بنظام قديم وقيم قديمة ويرسي أسس عصر جديد من السعي نحو الاستقلال التام والديمقراطية، لتبدأ حلقة جديدة من حلقات نضال المصريين من أجل الحرية.
 لقد كانت البداية من ذلك الحدث الذي وقع يوم 13 نوفمبر 1918 لذلك أعتبر المصريون هذا اليوم عيدًا للجهاد الوطني ظلوا يحتفلون به كل عام، وفي احتفالهم إرساء لقيم ومبادئ مهمة تشكل دلالات هذا اليوم، أولها أن الأمة هي مصدر السلطات وهي التي تفوض قادتها في تمثيلها وتحاسبهم على ما يفعلون، وثانيها أن مصر كيان مستقل قائم بذاته فلا هي مستعمرة بريطانية ولا هي ولاية عثمانية، وثالثها أن المصريون أمة واحدة لا فرق بينهم على أساس دين أو عقيدة أو جنس تربط بينهم الرابطة الوطنية قبل الرابطة الدينية، ورابعها أن استقلال مصر السياسي لا يتحقق بمعزل عن حرية المواطنين واحترام حقوقهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...