السبت، 29 أكتوبر 2016

عبد المحسن حموده
عاش حياته من أجل حرية الوطن وحرية الإنسان
عماد أبو غازي



عرفت من قليل بخبر رحيل الدكتور عبد المحسن حموده أول امبارح...
 عبد المحسن حموده صفحة من صفحات النضال الوطني والديمقراطي في مصر من الأربعينات،
كان مناضل صلب وصاحب مبدأ عاش حياته مدافع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية من أول ما انضم للطليعة الوفدية، عاش حياته بيحارب الاستبداد بكل أنواعه؛ ديني أو عسكري أو بوليسي، أول مرة قابلته كانت في فبراير 1976 كان في احتفال اتحاد طلاب كلية الآداب جامعة القاهرة وأسرة مصر وجماعة التاريخ المصري في الكلية بالذكرى الثلاثين ليوم كفاح الطلاب ضد الاستعمار (21 فبراير) وذكرى انتفاضة الطلبة والعمال سنة 46. ويومها كانت أول مرة أسمعه بيتكلم، وجاب معاه لوحة رخامية تذكارية باسم مصطفى موسى، وضعنا اللوحة على قاعدة النصب التذكاري لشهداء الجامعة اللي موجود قصاد الباب الرئيسي لجامعة القاهرة باسم مصطفى موسى باعتباره واحد من أبرز قادة الحركة الطلابية في 1946، مصطفى موسى كان زميل كفاح عبد المحسن حموده في الحركة الطلابية وفي الطليعة الوفدية، اللي كانت بتشكل الجناح اليساري في حزب الوفد بقيادة الدكتور مندور وعزيز فهمي، واللي أعاد عبد المحسن حموده إحياء اسمها فيحزب الطليعة الوفدية في السبعينات، لكن ما قدرش يرجع الكيان للوجود. نرجع للوحة التذكارية كان مصطفى موسى توفى قبلها، وكانت نوع من أنواع الوفاء من عبد المحسن حموده لزميله وقائده في النضال، ومحاولة من جيلنا في الحركة الطلابية الجديدة وقتها لتأكيد إننا امتداد لتاريخ طويل من النضال. اللوحة دي فضلت سنين في مكانها. وأزيلت مع تجديد النصب التذكاري من عدة سنوات للأسف. وللأسف كمان تم محو أسماء شهداء الجامعة اللي استشهدوا في العمل الفدائي ضد الإنجليز في القناة سنة ٥١ واللي كانت أساميهم محفورة على قاعدة النصب التذكاري. وتم حفر شعارات كليات الجامعة مكانها!!!
 عبد المحسن حموده كان واحد من الأبناء البررة لمصطفى النحاس واستمر مخلص لذكراه حتى أيامه الأخيرة، آخر مرة قابلته فيها من سنتين ماشي في شارع 26 يوليو في الزمالك كلمني عن قضيته الأخيرة اللي كسبها ومش عارف ينفذ حكمها، قضية إقامة تمثال مصطفى النحاس في ميدان التحرير.
 النهارده باعيد نشر مقال كتبته عنه من 8 سنوات تقريبا عن قضية التمثال.  

مخربشات
قضية الدكتور حموده
عماد أبو غازي

 الدكتور عبد المحسن حمودة مناضل وطني لا يكل ولا يمل، شارك في الحركة الوطنية المصرية منذ أربعينيات القرن الماضي، وفدي أصيل، ابن بار من أبناء الزعيم مصطفى النحاس، ابتكر أسلوبًا جديدا من أساليب النضال السياسي في مواجهة الاستبداد، وتفوق فيه، النضال القضائي، أو بمعنى أدق المواجهة في ساحات القضاء، عندما فصل من الاتحاد الاشتراكي العربي سنة 1973 في إطار الحملة التي أطاحت بالعشرات من الكتاب والمثقفين عقابًا لهم على تضامنهم مع الحركة الطلابية، رفع قضية أمام المحاكم يطالب فيه بالتعويض لأنه لم يكن عضوًا بالاتحاد الأشتراكي من الأصل، وكسب القضية بعد سنوات في المحاكم، وعندما تم توقيع معاهدة كامب ديفيد وأصدر نقيب المهندسين المهندس عثمان أحمد عثمان بيانًا أعلن فيه تأييد كل مهندسي مصر للمعاهدة، رفع الدكتور مهندس عبد المحسن حمودة قضية ضد النقيب باعتباره مهندسًا لا يؤيد المعاهدة، وفي عريضة الدعوة عدّد الدكتور عبد المحسن حمودة أسباب رفضه للمعاهدة، وحول عريضة الدعوة إلى بيان سياسي ناقش فيه بالتفصيل بنود المعاهدة، وعرض وجهة نظره الرافضة لها، وصور مئات النسخ من عريضة الدعوة لتوزيعها في المؤتمرات السياسية والندوات، ورغم أن ما كانت تحمله عريضة الدعوة من نقد للمعاهدة كان حادًا وحاسمًا وقويًا، أقوى مما يمكن أن يحمله أي بيان سياسي، إلا أن أحد لم يستطع أن يتصدى له أو يمنعه من توزيع العريضة البيان، ومن القضايا التي رفعها الدكتور حموده وكسبها، قضية التعويض عن وفاة ابنه باسل بسبب سوء المعاملة في أحد أقسام الشرطة، وقد أسس بقيمة التعويض مركزًا من مركز حقوق الإنسان يحمل اسم باسل حموده.
 قضايا الدكتور حموده دفاعًا عن الحريات وعن حقوق الإنسان وعن القيم الوطنية والديمقراطية كثيرة، لكن أخر هذه القضايا التي كسبها الدكتور حموده كانت قضيته من أجل إقامة تمثال للزعيم مصطفى النحاس في ميدان التحرير.
 ومصطفى النحاس زعيم وطني يستحق أن يكون له تمثال في أهم ميادين القاهرة تخليدًا للقيم التي عاش وكافح من أجلها، واعتذارًا لهذا الرجل الذي تم تشويه تاريخه وحجب اسمه بعد انقلاب يوليو إلا إذا ذكر مقرونًا بالأكاذيب التي تشكك في وطنيته وإخلاصه، وربما كان مسلسل الملك فاروق الذي أذيع في رمضان الماضي أول عمل درامي يصحح الصورة المغلوطة التي قدمت على مدى سنوات لهذا الزعيم العظيم.
 ينتمي مصطفى النحاس إلى الرعيل الأول من مؤسسي الوفد المصري الذين انضموا إلى سعد زغلول، وكان الوفد عندما تأسس يضم خليطًا من السياسيين من اتجاهات مختلفة يمثلون أطياف الخريطة السياسية المصرية التي تشكلت في السنوات الأولى من القرن العشرين، بعضهم كان ينتمي إلى حزب الأمة أو إلى التيار السياسي الذي يمثله ذلك الحزب الذي أسسه أحمد لطفي السيد، وفي مقدمة هؤلاء سعد زغلول نفسه، وبعضهم كان ينتمي إلى الحزب الوطني حزب مصطفى كامل، أو التيار السياسي الذي يمثله، ومنهم كان مصطفى النحاس، الذي أصبح بسرعة من أقرب المقربين إلى الزعيم سعد زغلول، ونفي معه، وأصبح سكرتيرًا عامًا للوفد المصري.
 شارك مصطفى النحاس في أول حكومة وفدية تشكلت بناء على نتيجة أول انتخابات برلمانية أجريت على أساس دستور 1923، وقد تشكلت هذه الحكومة في 28 يناير 1924 برئاسة سعد زغلول، وتولى مصطفى النحاس فيها وزارة المواصلات، لكن تلك الوزارة لم تكمل العام واستقالت في نوفمبر 1924 احتجاجا على العقوبات التي فرضتها بريطانيا على مصر بعد اغتيال السردار لي ستاك.
 وبعد فشل الانقلاب الدستوري الأول الذي قاده زيور باشا تنفيذًا لإرادة الملك، تشكلت حكومة إئتلافية بين الوفد والأحرار الدستوريين، وأصبح مصطفى النحاس وكيلًا لمجلس النواب، وبعد وفاة سعد زغلول في 23 أغسطس 1927 انتخب الوفد مصطفى النحاس رئيسًا له في 23 سبتمبر وأقر الانتخاب رسميًا في اجتماع الهيئة البرلمانية الوفدية في 26 سبتمبر، وحل محله في سكرتارية الوفد مكرم عبيد، ومن يومها حمل مصطفى النحاس راية النضال الوطني والديمقراطي زعيمًا لحزب الأغلبية في ظروف حصار مستمر للحياة النيابية على يد الملك المستبد والسفارة البريطانية.
 بعد أقل من ستة أشهر شكل النحاس باشا أول وزارة برئاسته، كانت وزارة إئتلافية امتدادا للإئتلاف بين الوفد والأحرار الدستوريين الذي بدأ بوزارة عدلي باشا يكن سنة 1926، شكل النحاس الوزارة في 16 مارس 1928، وفي خطابه إلى الملك فؤاد الذي يعلن فيه قبول تشكيل الوزارة قال أنه يستمد قوته من ثقة ممثلو الأمة وتأييدهم، وتشجيع الرأي العام، وأكد على أن ارتباط الأمة بالملك رهنا بصيانته للدستور وتمكين تقاليده، لكن حكومة النحاس لم تدم طويلا، فبعد ثلاثة شهور نفذ الملك فؤاد انقلابه الدستوري الثاني عطل العمل بالدستور، مستعينا بمحمد محمود باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين.
 وخلال الفترة من مارس 1928 إلى يناير 1952 تولى مصطفى النحاس رئاسة الوزارة سبع مرات، منها مرتان في عهد فؤاد ثم مرة في ظل مجلس الوصاية على فاروق وأربع مرات في عهد فاروق، لكن مجموع ما قضاه النحاس في الحكم لا يتجاوز سبع سنوات وعدة أسابيع قليلة، فعادة ما كان حكمه ينتهي بانقلاب دستوري يدبره الملك بمباركة الإنجليز، وفي الوزارة الأخيرة التي أقالها فاروق في 27 يناير 1952، كانت مؤامرة حريق القاهرةالمبرر لإقالة الوزارة.
 لكن لماذا ينبغي أن نقيم تمثال لمصطفى النحاس؟
 الإجابة يطول شرحها، والقضاء الإداري أصدر حكمه لصالح قضية الدكتور حموده لكن الحكم ما اتنفذش لغاية النهارده، ورحل الرجل من غير ما ينجح في تنفيذ الحكم.

 عاش عبد المحسن حموده عمره وحلم كتير وكافح علشان حلمه وكان مثال للإخلاص للمبدأ لكن رحل قبل ما يشوف حلمه بيتحقق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦ وفارسة في مواجهة التطبيع

  لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦  وفارسة في مواجهة التطبيع   عماد أبو غازي     لطيفة الزيات علامة من علامات الجيل الذي ولد بعد ثو...