الجمعة، 1 مايو 2015


الطبقة العاملة والحركات العمالية في ثورة ٢٥ يناير

عماد أبو غازي

  رغم أن الشائع عادة عن الطابع الغالب للقوى الأساسية الفاعلة في ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ أنها تشكلت من شباب الطبقة الوسطى، وربما شباب قطاعاتها العليا على وجه الخصوص، إلا أن واقع الحال يؤكد المشاركة الواسعة لفقراء المدن منذ جمعة الغضب على الأقل - ٢٨ يناير - وقد كان لهذه المشاركة دور مهم في حسم الموقف في هذا اليوم، كما شاركت الطبقة العاملة المصرية بوضوح في الثورة سواء من خلال الانخراط الفردي في المظاهرات والاحتجاجات، أو من خلال دور قيادات عمالية بارزة في الثورة، لكن الدور الأهم - من وجهة نظري - كان من خلال الحراك الذي حرث الأرض للثورة في السنوات السابقة عليها.

أولًا: عودة إلى الوراء - جذور الحركة العمالية المصرية:

 لو عدنا بعيدًا إلى الوراء سوف نجد أن ظهور الطبقة العاملة في مصر كان مواكبًا لمشروع بناء الدولة القومية الحديثة في القرن التاسع عشر؛ فقد شهد عصر محمد علي باشا تحولًا من نظام الورش الحرفية إلى نظام الصناعة الحديثة؛ فمنذ عصر محمد علي أدخل الباشا عديدًا من الصناعات لخدمة مشروعه وطموحاته العسكرية. ومع دخول السكة الحديد ثم التلغراف إلى مصر ظهر قطاع  عمال الخدمات بالمعنى الحديث، وفي عصر خلفاء محمد علي خاصة الخديوي إسماعيل وابنه الخديوي توفيق تغلغل رأس المال الأجنبي في السوق المصري، وظهرت بعض الاستثمارات الصناعية الأوروبية، وكان طبيعيًا أن تظهر الطبقة العاملة الصناعية في مصر والتي تكونت من خليط من العمال المصريين والأجانب، ومع ظهورها بدأ وعيها بحقوقها ينمو؛ وهكذا لم يتأخر كثيرًا ظهور الحركة العمالية، فتبلورت مطالب العمال خاصة فيما يتعلق بتحسين الأجور، وكان لوجود الأجانب في صفوف الطبقة العاملة تأثيره على سرعة انتشار الوعي النقابي، لقد اختفت تدريجيًا طوائف الحرف التي عرفها مجتمعنا منذ العصور الوسطى بظهور الصناعة الحديثة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن قبل أن ينتهي ذلك القرن كانت النقابات العمالية قد تأسست في مصر.

 ويعتبر كثير من الباحثين أن عام 1899 يعد عامًا لميلاد الحركة العمالية المصرية، فرغم أن الزعيم محمد فريد قد سجل في تأريخه لأحداث عصره إضراب عمال نقل القمح في ميناء بورسعيد عن العمل واعتصامهم في أبريل سنة 1894، ورغم الإشارات المتفرقة إلى حركات محدودة للتمرد في مصانع محمد علي أخذت شكل التسحب إلا أن إضراب لفافي السجائر في القاهرة الذي بدأ في ديسمبر سنة 1899 واستمر حتى فبراير من عام 1900 يعد الميلاد "الرسمي" للحركة العمالية في مصر، خاصة أن هذا العام قد شهد تأسيس أول نقابة عمالية في مصر باسم "جمعية لفافي السجائر" وكان رئيسها يونانيًا يدعى كريازي.

 وقد شهد العقد الأول من القرن العشرين توالي تأسيس الجمعيات العمالية، فتشكلت جمعية اتحاد الخياطين وجمعية الحلاقين وجمعية عمال المطابع وجمعية عمال الأدوات المنزلية في السنوات الأولى من القرن الجديد، وفي سنة 1909 أسس الحزب الوطني بعد أن تولى رئاسته الزعيم محمد فريد نقابة عمال الصنائع اليدوية وأنشأ لها ناديًا بحي السبتية بالقاهرة، ثم توالى إنشاءنقابات عمال الصنائع اليدوية في عواصم المحافظات والمديريات، وكانت لمحمد فريد مواقفة المتعاطفة مع الطبقة العاملة وقضاياها، كما كانت له صلاته بالحركة الاشتراكية العالمية، وكان يرى في تنظيم العمال في نقابات دعمًا للحركة الوطنية في نضالها من أجل الاستقلال والدستور، وحاول أن يدفع الحزب الوطني الوليد إلى تبني مواقف مؤيدة لحقوق العمال.

 وفي أعقاب ثورة ١٩١٩ وبعد المشاركة الواسعة للعمال في الثورة شهدت مصر موجة من الإضرابات العمالية، كما شهدت تأسيس أول حزب اشتراكي سرعان ما خرج منه الحزب الشيوعي المصري الذي ضم في قيادته قادة نقابيين، وأسهم الحزبان في تأسيس النقابات العمالية في مصر، وقيادة اضرابات الطبقة العاملة. ورغم قمع الحكومة الوفدية وقتها للحركة العمالية وملاحقتها للحزب الشيوعي، إلا أن الحركات الاحتجاجية العمالية تواصلت واتسعت مع التوسع الصناعي الذي عرفته مصر منذ العشرينيات، وفي نفس الوقت سعى حزب الوفد إلى التغلغل داخل الحركة العمالية والسيطرة عليها.

 شهد عقد الثلاثينيات في بداياته الأزمة الاقتصادية العالمية التي انعكست تأثيراتها على مصر، والانقلاب الدستوري الذي قاده الملك فؤاد ورئيس حكومته إسماعيل باشا صدقي، وشهد في منتصفه ثورة الشباب سنة 1935 والتي انهت الانقلاب الدستوري ومهدت لمعاهدة 1936، ومع نهايته اشتعلت الحرب العالمية الثانية التي كانت مصر إحدى ساحاتها، وقد انعكست كل هذه التطورات السياسة والاقتصادية على الحركة العمالية المصرية، فحاول بعض قادة الحركة العمالية تأسيس الاتحاد العام لنقابات القطر المصري سنة 1931، كما دخلت الأحزاب السياسية إلى المجال متصارعة مع حزب الوفد من أجل السيطرة على النقابات العمالية، وظهر في الصورة النبيل عباس حليم أحد أفراد الأسرة العلوية الحاكمة كزعيم "عمالي" فأصبح رئيسًا لاتحاد النقابات، كما أسس فيما بعد حزبًا سياسيًا باسم حزب العمال، لم يلعب دورًا بارزًا في الساحة السياسية.

 ومع النصف الثاني من الأربعينيات ازداد وعي الطبقة العاملة نقابيًا وسياسيًا والتحمت بالحركات السياسية المطالبة بجلاء قوات الاحتلال وامتزجت المطالب السياسية بالمطالب الطبقية وبدأت التنظيمات الشيوعية التي تنتمي إلى الموجة الثانية من موجات الحركة الشيوعية المصرية تقيم ركائزها في وسط الحركة العمالية، كما تواصل سعي الأحزاب السياسية الرئيسية للسيطرة على النقابات العمالية التي تزايد عدد المنضمين إليها في تلك المرحلة، وانتهى الأمر إلى الدعوة لتأسيس اتحاد نقابات عمال مصر وتحدد للاجتماع يوم 27 يناير 1952، تلك الدعوة التي أجهضها حريق القاهرة الذي وقع قبل يوم واحد من الموعد المحدد لانعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد.

 وعندما وصل تنظيم الضباط الأحرار إلى الحكم بعد ٢٣ يوليو ١٩٥٢، تصدى بقوة للإضرابات العمالية، فقام النظام بعد شهر واحد باستخدام القوة لفض اعتصام العمال وإضرابهم في مصانع الغزل والنسيج بمدينة كفر الدوار شمال غرب الدلتا في شهر أغسطس 1952، وتمت محاكمة العمال أمام محكمة عسكرية ميدانية، وصدر الحكم بإعدام اثنين من العمال: مصطفى خميس ومحمد البقري وتم تنفيذ الحكم بالفعل بعد أيام قليلة من انتهاء المحاكمة، كما رفض النظام الجديد عقد الاجتماع التأسيس لاتحاد عمال مصر في شهر سبتمبر 1952.

 وخلال المرحلة الانتقالية التي انتهت بما يعرف في التاريخ المصري بأزمة مارس ٥٤ نجح الجناح الأقوى في تنظيم الضباط الأحرار في السيطرة على الحركة العمالية وتدجين كثير من قياداتها، بل واستخدامهم في تصفية الحياة الديمقراطية في البلاد.

 وبعدها بسنوات قليلة تأسس الاتحاد العام لعمال مصر الخاضع لسلطة الدولة وتنظيمها السياسي الوحيد، والقادر على السيطرة على النقابات العمالية على مستوى البلاد، لقد نشاء الاتحاد الذي يعرف الآن باسم "الاتحاد العام لنقابات العمال" كاتحاد عمالي تابع للدولة على غرار الاتحادات العمالية في النظم الشمولية، وسيطرت الدولة من خلاله على الحركة العمالية المصرية وهيمنت عليها.  ومع ذلك شهدت مصر احتجاجات عمالية متفرقة ومتفاوتة في قوتها، كان أبرزها احتجاجات ٦٥ على زيادة أسعار الأرز، والاحتجاجات العمالية الطلابية في فبراير ٦٨ ضد الأحكام الصادرة بحق قادة سلاح الطيران الذين تم تحميلهم مسئولية الهزيمة في ٦٧، وقد رأى الكثيرون وقتها أن الأحكام كانت ضعيفة.

 وفي عقد السبعينيات توالت الاحتجاجات العمالية في مصر وظهر قادة نقابيين حققوا استقلالاً عن هيمنة الدولة، وساعدهم على تحقيق ذلك تفكك التنظيم السياسي للنظام (الاتحاد الاشتراكي العربي) بعد أزمة مايو 71 التي أطلق عليها الرئيس أنور السادات اسم ثورة التصحيح، وقاد هذا الجيل من النقابيين حركات احتجاجية وإضرابات في مختلف المناطق الصناعية الكبرى في البلاد، خصوصًا في منطقة حلوان الصناعية جنوب القاهرة، وشبرا الخيمة شمالها، والإسكندرية، والمحلة الكبرى، ومدن القناة، ونجع حمادي بصعيد مصر، وارتبط بعض هؤلاء القادة بالتنظيمات الشيوعية التي عادت الى النشاط منذ عام 1968، كما شهدت حقبة السبعينات انتفاضة عمالية كبرى في أول يناير من عام 1975 تظاهر فيها العمال في ميدان التحرير ووسط المدينة، وقد انتهت تلك الموجة من الاحتجاجات العمالية بانتفاضة الخبز في ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، التي تفجرت عقب صدور قرارات إلغاء الدعم ورفع الأسعار التي اتخذتها حكومة ممدوح سالم تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.

 أما الثمانينات خاصة نصفها الثاني فقد شهدت بداية موجة جديدة من الإضرابات العمالية، كان أبرزها إضراب عمال السكة الحديد سنة 1986، وإضراب الحديد والصلب سنة 1989، وظهر في هذين الإضرابين دور رابطة العمال في مواجهة النقابة الخاضعة للحكومة كما أقرت المحاكم في أحكمها مبدأ حق الإضراب، ليبدأ مسعى جديد للحركة العمالية نحو الاستقلال عن الدولة تبلور في الألفية الجديدة في شكل النقابات المستقلة. 

ثانيا: دور الطبقة العاملة في التمهيد لثورة يناير 2011:

 شهدت السنوات السابقة على ثورة 25 يناير في مصر حراكًا عماليًا واسعًا، وجرى هذا الحراك على عدة مستويات:

1)    المستوى التنظيمي:

 مع مطلع الألفية شهدت الحركة العمالية المصرية تطورًا مهمًا في اتجاه استقلالها عن نظام الحكم بحزبه وأجهزته الأمنية، فبعد أكثر من أربعين عامًا من سيطرة الدولة على الحركة العمالية، من خلال السيطرة على الاتحاد العام والنقابات العمالية عبر تشريع يضمن هذه السيطرة ويجعل القرار في يد مجلس الاتحاد وليس نقابات المصانع والوحدات الإنتاجية، ظهرت حركة جديدة لتأسيس نقابات عمالية مستقلة عن الدولة وعن الاتحاد العام التابع لها.

 لقد جرت محاولات محدودة الأثر في العقود الثلاثة السابقة على بداية الألفية ولكنها لم تكلل بالنجاح، كما لعبت بعض الروابط العمالية التي تعامل معاملة الجمعيات الأهلية ويُحذر عليها ممارسة السياسة أو العمل النقابي دورًا مهمًا خلال الثمانينات خاصة في حركة عمال السكك الحديدية، وحققت بعض المكاسب القانونية التي ربما تكون قد ألهمت بعض القادة النقابيين فكرة النقابات المستقلة.

 ومع نهاية العقد الأول من الألفية كان تيار النقابات المستقلة قد نجح في إثبات وجوده، ونجح في الحصول على مشروعيتها القانونية بأحكام قضائية نهائية، كانت سندًا لحكومة الدكتور عصام شرف التي تشكلت بعد الثورة في الاعتراف بالنقابات المستقلة. وقد شاركت هذه النقابات في ترشيح بعض الوزراء للحكومة.

 لقد بدأت حركة النقابات المستقلة بالنقابة المستقلة للعاملين في الضرائب العقارية، التي قادها النقابي البارز كمال أبو عيطة الذي أصبح وزيرًا للقوى العاملة بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين. كذلك تشكلت في تلك الفترة كيانات داعمة للعمل النقابي ولقضايا الطبقة العاملة، في شكل منظمات مجتمع مدني وجمعيات أهلية وشركات مدنية غير هادفة للربح، وربما كان من أبرزها دار الخدمات النقابية بحلوان، التي خاضت معارك عديدة في مواجهة تعديات الدولة على الحريات النقابية، وامتد نشاطها إلى المشاركة في اجتماعات منظمة العمل الدولية في جنيف.

2) المستوى القانوني:

 على المستوى القانوني خاضت النقابات المستقلة معركة قانونية في ساحات القضاء الإداري من أجل انتزاع حقها في الوجود، وقد كللت هذه المعركة بالنجاح، ولعب الأكاديمي والقانوني المصري الدكتور أحمد البرعي دورًا بارزًا فيها، وقد أصبح الرجل وزيرًا للقوى العاملة في حكومة عصام شرف بعد الثورة، ثم وزيرًا للتضامن الاجتماعي بعد 30 يونيو.

 كذلك نجحت المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني الداعمة للحركة العمالية في نقل الصراع القانوني ضد انتهاكات الحقوق النقابية للعمال إلى الساحات الدولية، وقد تم وضع مصر في القائمة السوداء من قبل منظمة العمل الدولية ولم ترفع منها إلا بعد الثورة.

 وعلى الصعيد القانوني أيضًا شهدت ساحات القضاء عددًا من القضايا التي تبناها المحامي والناشط الحقوقي خالد علي ومركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من أجل استرداد شركات قطاع الأعمال العام التي تم بيعها في العقدين السابقين على الثورة، وشاب عملية البيع شبهات فساد أو إسأة استخدام للسلطة، وقد صدرت بالفعل أحكام قضائية نهائية في بعض هذه القضايا، وبغض النظر عن جدوى هذه القضايا من الناحية الاقتصادية، وعن إمكانية الاسترداد الفعلي لها، حيث إن بعض الشركات المستردة انتهى وجودها المادي، فإن هذه القضايا أدت الى التفاف قطاعات من الطبقة العاملة المصرية حول قضية الحفاظ على الأصول المملوكة للدولة.

3) المستوى الاحتجاجي:

 شهدت السنوات السابقة على الثورة موجهة من الإضرابات وحركات الاحتجاج العمالية، التي تعد بمعنى ما تمهيدًا لثورة يناير، ربما كان أبرزها إضرابات عمال المحلة التي بدأت في ديسمبر 2006، ووصلت ذروتها في عام 2008، وكان إضرابهم في ذلك العام (2008) خطوة كبيرة في الطريق إلى الثورة، خاصة وأن تلك الدعوة للإضراب يوم 6 أبريل 2008 قد تلقفتها مجموعة من القوى والحركات السياسية، واتسع نطاقها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى دعوة للإضراب العام على مستوى الجمهورية ضد الفساد والاستغلال، وقد حققت هذه الدعوة نجاحًا كبيرًا، وهي الدعوة التي تولدت منها حركة شباب 6 أبريل أحد أهم الحركات الاحتجاجية قبل الثورة، والتي شاركت بقوة في أحداث الثورة وما بعدها.

ثالثًا: الطبقة العاملة والثورة:

1)    الطبقة العاملة في 18 يومًا:

  السؤال الذي يُطرح بإلحاح، هل كانت المشاركة العمالية في الثورة فردية أم طبقية؟ تلقائية أم منظمة؟

 أظن أن مشاركة الطبقة العاملة في أيام الثورة الثمانية عشر (25 يناير الى 11 فبراير) كانت مثل مشاركة غيرها من طبقات المجتمع وفئاته المختلفة، فقد شارك أبناء الطبقة العاملة في اعتصامات الميادين كما شاركوا في المظاهرات في مختلف مناطق الجمهورية مثلهم مثل غيرهم من المواطنين، كما كان طرح شعاري "العيش" و"العدالة الاجتماعية" ضمن شعارات الثورة الأربعة تعبيرًا عن انحياز الثورة للفقراء والطبقات المهمشة سياسيًا والمستغلة اقتصاديًا ومن بينها الطبقة العاملة.

 لكن المشاركة المميزة للطبقة العاملة جاءت بعد جمعة الغضب الأولى (28 يناير 2011) عندما أدى كسر حاجز الخوف الى تحرك قطاعات المجتمع المختلفة للمطالبة بحقوقهم الضائعة، وبدأت ظاهرة الوقفات الاحتجاجية والإضرابات والاعتصامات في مواقع العمل المختلفة، بعضها للمطالبة بزيادة الأجور وبعضها للمطالبة بتحسين ظروف العمل أو تثبيت العمالة المؤقتة، وبعضها الآخر للمطالبة بعزل القيادات الفاسدة، وهذه الظاهرة هي ما أطلق عليه اسم "المطالب الفئوية". والتي استمرت بعد هدوء الموجة الثورية الأولى، بل نستطيع القول بأنها ما زالت مستمرة إلى الآن بدرجات أقل، وقد أسفرت بعض هذه الأشكال الاحتجاجية عن تحقيق بعض مطالب الطبقة العاملة في حالات محدودة. وقد شهدت الأيام الأخيرة من الثورة إتساع حركة الإضرابات العمالية في القطاعات الصناعية المهمة في الدولة، الأمر الذي وصفته إحدى الدراسات بأنه كان أقرب للعصيان المدني، وإنه أسهم بقوة في التعجيل بإسقاط رأس النظام.

 وفي الأيام الأخيرة من الثورة يتوالى صدور بيانات من تشكيلات عمالية تدعو العمال إلى الاستمرار في الثورة، ففي 7 فبراير 2011 تصدر "لجنة الحق في العمل" و"اللجنة التنسيقية للحقوق والحريات النقابية والعمالية" بيانًا جاء في ختامه: "يا عمال مصر إنكم جزء من ثورة شعبها العظيمة ولا أبالغ إن قلت أنكم في صفوفها الأمامية وأنتم من شاركتكم في كل مقدماتها العظيمة، إياكم ودعاوى التهدئة والأمان فمتى عرفتم الأمان في ظل حكم مبارك وعصاباته الفاسدة، متى عرفتم الهدوء أو حتى الحياة نفسها في ظل هذه الطغمة الفاسدة، أن هؤلاء الإداريين الذين يرتدون اليوم مسوح الطيبة والسلام والذين يعدوكم اليوم بالعلاوات والتحسينات هم أنفسهم الذين كونوا ملياراتهم من الفساد ومص دمائكم وأرزاقكم، وعلى حساب صحتكم وحياتكم وحرمان أبنائكم من العلاج والتعليم والسكن المناسب والنقابة المستقلة والأجر العادل وكافة شروط ومتطلبات العمل اللائق كما أقره العالم كله.

 إياكم والتردد من الاستمرار في الثورة والاستمرار في الكفاح من أجل استرداد حقوقكم المغتصبة، وتحسين حياتكم وتحرير وطنكم، ولا تنسوا أنها اللحظة المناسبة لمحاسبة كل من أستغلكم ونهبكم ومص دمائكم، واطرقوا الحديد وهو ساخن كما يفعل زملائكم العمال في كل مكان"، ويرفع البيان شعار "تغيير ... حرية... عدالة اجتماعية."

 وعلى الجانب الآخر تم توجيه الاتهام لوزيرة القوى العاملة في أخر حكومات الرئيس السابق مبارك، السيدة عائشة عبد الهادي، ولبعض قادة الاتحاد الحكومي للعمال بما فيهم رئيسه، السيد حسين مجاور، بالمشاركة في الإعداد للهجوم على ميدان التحرير يوم 2 فبراير 2011 فيما عرف إعلاميًا باسم "موقعة الجمل". ورغم عدم إدانة أيًا من المتهمين في هذه القضية، وانتهاء الدعوى في أول درجة من درجات التقاضي بسبب عدم طعن النائب العام الذي عينه الرئيس السابق محمد مرسي على الحكم بالبراءة في المدة القانونية، إلا أن الأمر المؤكد كان قيام الاتحاد الرسمي للعمال بتنظيم مظاهرات مؤيدة للرئيس السابق مبارك ونظامه خلال أيام الثورة الأولى، وحشد أتباعه في هذه المظاهرات.

2)    المرحلة الانتقالية:

 ربما كان الإنجاز الأكبر الذي تحقق للطبقة العاملة المصرية بعد الثورة وخلال المرحلة الانتقالية الأولى انتزاع الاعتراف الحكومي بالحق في تكوين النقابات المستقلة، ذلك الحق الذي نجحت الطبقة العاملة في فرضه جزئيًا كأمر واقع قبل الثورة، وفي الحصول على أحكام قضائية مؤيدة له كذلك دون اعتراف من الدولة أو إقرار بهذا الحق؛ فعقب تشكيل حكومة الدكتور عصام شرف في مارس 2011، اتخذت الحكومة قرارًا بالتعامل مع النقابات المستقلة والاعتراف بحق العمال والعاملين في تكوين نقاباتهم المستقلة خارج إطار التنظيم النقابي الذي تهيمن عليه الدولة، وكان هذا كله من خلال السياسة التي دعا إليها وتبناها وزير القوى العاملة في تلك الحكومة الأكاديمي والمحامي الدكتور أحمد البرعي، كما رخصت وزارة القوى العاملة للعديد من النقابات المستقلة وتعاملت معها، وساهمت هذه الخطوات في رفع مصر من القائمة السوداء لمنظمة العمل الدولية، لكن هذا المسار تعرض لانتكاسات بعد استقالة حكومة الدكتور عصام شرف، ففي ظل حكومة الدكتور كمال الجنزوري تعرضت النقابات المستقلة لعديد من الضربات على يد رجال الأعمال، ولم يكتمل الاعتراف القانوني بالاتحاد العام للنقابات المستقلة.

 وعندما حلت ذكرى أول مايو (عيد العمال العالمي) في عام الثورة، عام 2011، احتفل عدد كبير من عمال مصر بهذه المناسبة في ميدان التحرير، ورفعت الرايات الحمراء وأعلام الأحزاب الشيوعية للمرة الأولى في الميدان، وشهدت مصر احتفالين رسميين لعيد العمال، الأول لاتحاد النقابات المستقلة والثاني للاتحاد العام لعمال مصر. 

 وفي نفس الوقت اتخذ وزير القوى العاملة في حكومة عصام شرف، الدكتور أحمد البرعي، بدعم من مجلس الوزراء قرارًا بحل مجلس إدارة الاتحاد العام لعمال مصر الذي كانت تسيطر عليه الدولة تنفيذًا لحكم قضائي، وكان هذا المجلس مطعونًا في نزاهة الانتخابات التي أتت به، وشكل لجنة إدارية لإدارة الاتحاد مؤقتًا لحين إجراء الانتخابات، وأنهى بذلك ـ مؤقتًا ـ سيطرة القوى التابعة للنظام القديم على الحركة العمالية، ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تأجيل الانتخابات النقابية عدة مرات، بل إنها لم تجر إلى الآن (2014)، وتم تغيير اللجنة الإدارية التي تدير اتحاد العمال مع تغير الحكومة، فعاد أمر الاتحاد بعد استقالة حكومة شرف إلى القيادات التقليدية للعمال.

 كما قام الدكتور البرعي أيضًا بإعداد قانون الحريات النقابية الذي كان يشكل نقلة نوعية في العمل النقابي في مصر، وأقره مجلس الوزراء قبل أسابيع قليلة من استقالة الحكومة عقب أحداث محمد محمود الأولى في نوفمبر 2011، لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، صاحب سلطة التشريع في ذلك الوقت، لم يصدر القانون.  ومن الجدير بالذكر هنا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يتولى إدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية الاولى لم يكن مرتاحًا لهذه السياسة الجديدة التي اتبعتها الحكومة، وكان يرى فيها تهديدًا للاستقرار.

 خلال المرحلة الانتقالية تصاعدت حدة الوقفات الاحتجاجية للعمال وللعاملين في الجهاز الإداري للدولة، في إطار الظاهرة التي أطلق عليها إعلاميًا "المطالب الفئوية" في محاولة لإدانتها، ولاشك في أن هذه المطالب الفئوية التي تعكس تردي قطاع واسع من الشعب المصري خلال السنوات السابقة على الثورة كانت سببًا من أسباب الثورة، وقد انعكست في شعاري: "العيش" و"العدالة الاجتماعية"، لكن قطاعًا من الفاعلين السياسيين في هذه المرحلة كانوا يركزون على المطالب المتعلقة بالحريات السياسية، ويرون فيها تهديدًا لمسار التحول الديمقراطي؛ الأمر الذي رفضته قيادات الحركة العمالية، وقد حمل أحد البيانات الداعية للاحتفال بعيد العمال عام 2012 من خلال مليونية لتحقيق العدالة الاجتماعية، باسم مليونية أول مايو العمالية، موقفًا واضحًا من هذه القضية، حيث جاء فيه: "إذا كانت ثوره 25 يناير أصبحت ثوره حريات والتي اكتفت النخبه بها... ولكن الشعب مازالت ثورته مستمرة حتى تنتصر.. (ثوره العداله الاجتماعيه).. في خضم المعركة الدائرة على تحقيق أهداف ثورة الحريات مازال يتغافل المثقفون والنخبة السياسية عن الثورة الحقيقية المستمرة للعمال والموظفين وجميع فئات المجتمع المتمثلة في استمرار الاحتجاجات والاضرابات والاعتصامات في قضيه الأجور والأسعار والحياة المعيشية اليومية حتى أصبح الأجر والأسعار في سباق ظالم بين الحمار الأعرج والصاروخ المنطلق.. فالثورة القادمة ستطور وتبنى عدالة اجتماعية حقيقية بوضع حد أدنى واقصى للأجور عادل فتكون الفروق مثل الفروق بين أصابع اليد وليس فرق بين الأرض والسماء فلا تتغافلوا عن حقوق والمطالب الاجتماعيه لكل العاملين بأجر والفقراء والجماهير الشعبية وإلا فسوف تتجاوزنا جميعًا الثورة الاجتماعية القادمة لتكمل ما بدأته ثورة الحريات. التى سوف تدهس كل من تجاهلها وكل من خانها".

 وقد شهد الاحتفال في عام 2012 كذلك توزيع بيانات تعريفية بعيد العمال وبالنضال العمالي العالمي، تبدو فيه نبرة اليسار الشيوعي واضحة. يؤكد البيان على وحدة النضال الأممي للعاملين والعاملات، وينتهي بدعوة صريحة لمواصلة العمل المشترك والنضال من أجل التخلص من شرور الرأسمالية بعبارات واضحة: "وهذا الواقع يدفعنا كعمال في جميع أنحاء العالم إلى الهجوم النضالي المضاد ضد استغلال الرأسمالية الهمجية من أجل الإيفاء بالاحتياجات الأساسية وتحقيق عالم خال من استغلال الإنسان للإنسان. سوف نناضل يوم الثالث من أكتوبر 2012، يوم الحراك الدولي لعام 2012، جنبًا إلى جنب، عن طريق الإضرابات والمظاهرات والتعبئة والأنشطة في عشرات الدول بالقارات الخمس لوضع نهاية للاستغلال الوحشي للشركات متعددة الجنسيات وللمطالبة بحقوقنا في الغذاء والمياه الصالحة للشراب والسكن والدواء والتعليم والنقل والخدمات العامة المجانية للجميع، إن عالم خال من العمال هو نسج من الخيال... وعالم خال من الرأسماليين إنما هو ضرورة."

 ومما تجدر الإشارة إليه أن حكومة عصام شرف، التي تعد أول حكومات الثورة، قد أعدت مشروع قانون لمواجهة هذه الظاهرة بتشديد العقوبة على من يقومون بتعطيل العمل، وقد أثار مشروع القانون جدلًا واسعًا، وتم تحويله إلى مشروع قانون لحماية "حرية العمل"، بحيث تكون العقوبة على من يمنع بالقوة العاملين الراغبين في أداء أعمالهم، أو يمنع رؤوساء الشركات أو كبار العاملين في الدولة من أداء عملهم، ولم يصدر القانون في النهاية خلال الفترة الانتقالية الأولى. ومما لاشك فيه أيضا أن التنافس على النفوذ في وسط الطبقة العاملة بين النقابات المستقلة الجديدة والنقابات التابعة للاتحاد الرسمي الذي سيطر عليه لسنوات الجهاز الأمني والحزب الوطني الديمقراطي كان من أسباب اتساع الظاهرة، التي استندت إلى مشاكل حقيقية لم تحل على أرض الواقع.

  وفي ظل حكومة الدكتور كمال الجنزوري تصاعدت الحركة المطلبية للعمال، وتزايدت الدعوات للإضراب، وكان من أبرزها الدعوة مجددًا لإضراب عمالي بالمحلة الكبرى في شهر مايو 2012؛ وقد جاء في بيان الدعوة للإضراب إشارة صريحة لعلاقة إضرابات عمال المحلة بالتمهيد لثورة يناير، "بدأت ثورة التحرير 25 يناير 2011 من مصانع غزل المحلة في 6 أبريل 2008 ولسوف تبدأ ثورة تطهير الفساد أيضًا من مصانع غزل المحلة في 7 مايو 2012".

  وقد تركزت مطالب الحركة العمالية في تلك المرحلة على ثلاثة قضايا صاغتها بيانات الحركة العمالية واتحاد النقابات المستقلة في ثلاثة شعارات؛ أولها: "من أجل قانون عادل للعمل"، وثانيها: "لا لتحالف رجال الأعمال مع الحكومة"، أما ثالثها فقد كان: "لا لمصادرة حق الإضراب".

 وعلى صعيد آخر فقد حرص المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار المرحلة الانتقالية على المحافظة على نسبة الخمسين في المئة للعمال والفلاحين في الانتخابات البرلمانية، والتي ساهمت في تمكين النظام الحاكم في مصر من السيطرة على المجالس النيابية المتوالية، منذ إقرارها في الستينيات من القرن الماضي، حيث تم النص في الإعلان الدستوري الذي استندت إليه المرحلة الانتقالية على أن يكون خمسين في المئة على الأقل من أعضاء كل من مجلسي الشعب والشورى من العمال والفلاحين.

3)    الطبقة العاملة في مرحلة حكم الإخوان:

 لم تمض إلا أسابيع قليلة على تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية في 30 يونيو 2012 إلا وكان الحراك الشعبي قد بدأ في مواجهة حكم جماعة الإخوان التي كان قد سبق لها السيطرة على البرلمان مع حلفائها من الأحزاب المنتمية للتيار الديني، وكانت البداية بالدعوة للتظاهر يوم 31 أغسطس 2012، وقد كانت مشاركةالتنظيمات العمالية في الحراك الشعبي واضحة، فمن بين ثماني وثلاثين حركة وحزب ونقابة وجبهة وطنية أعلنت مشاركتها في الدعوة للتظاهر في ذلك اليوم، تبرز أسماء: اتحاد النقابات المستقلة، وجبهة العمال المفصولين، بالإضافة إلى عدد من القيادات العمالية بشركات المحلة والنيل للغزل والنسيج وطنطا للكتان، ورغم أن معظم المطالب في هذا الحراك كانت مطالب سياسية مباشرة تتعلق بالحريات ومحاكمة النظام السابق، فقد كان من بين المطالب التي كانت سترفعها تلك المظاهرات المطالبة بحد أدنى وأقصى للأجور، وبمراقبة الأسعار، كما أكد البيان الداعي للتظاهر على المطالب الأساسية للثورة والتي لم تتحقق، العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الانسانية.

 بعد نجاح الدكتور محمد مرسي وتشكيل حكومة الدكتور هشام قنديل وتعيين وزير للقوى العاملة موالي لجماعة الإخوان المسلمين أعيد تشكيل اللجنة التي تدير الاتحاد، كما تم تغيير القانون بصورة أدت الى استبعاد عدد من القيادات العمالية بعضهم من العناصر الموالية للنظام السابق (نظام مبارك) لتجاوزهم السن القانونية، وكانت هناك محاولة واضحة للسيطرة على الحركة العمالية من جانب الإخوان المسلمين، ودفع هذا الاتحاد المصري للنقابات المستقلة إلى إصدار بيان يندد فيه بمحاولة السيطرة على الحركة النقابية، جاء فيه: "يعلن الاتحاد المصري للنقابات المستقلة رفضه الكامل لمشروع قرار بقانون المقدم من وزير القوى العاملة والهجرة والذي جاء بقرار منفرد منه ودون أي مشاورة منه مع النقابات العمالية، وبالمخالفة لما سمعه من كافه التنظيمات النقابية المصرية، ويمثل هذا القرار أعلى شكل من أشكال العدوان على العمل النقابي المصري وتدخلًا من جهة الإدارة. حيث أن سيادته وكممثل للحكومة التي تعد أكبر صاحب عمل في مصر، لا يجوز له أن يغتصب هذا الحق في سلطة النقابات العمالية، كما أنه لا يجوز له كصاحب عمل أن ينفرد بتشريع للعمال، إن الخطوة التي اتخذها الوزير الحالي لم يجرؤ أي من وزراء النظام السابق على اتخاذها". ويستطرد البيان مستعرضًا ما تتعرض له القيادات النقابية: "إن مصر بعد الثورة تتعرض حركتها النقابيه لانتهاكات لم تشاهدها أيام مبارك؛ ويكفينا فصل 185 نقابي مستقل من العمل في مقابل 55 فقط أيام مبارك، كما أن وقف 58 نقابي مؤخرًا عن العمل يعد عدوان على الحريات النقابية لم يحدث من قبل، وكذا تحويل النقابين للتحقيق وتوجيه الاتهامات الباطله لهم." ويؤكد البيان على أن: "العدوان على الحريات النقابية جزء من عدوان أشمل على كافه الحريات في المجتمع، والذي سيستهدف تقويض الحريات التي انتزعها الشعب المصري من الاحتلال عبر التاريخ، ومن النظم الفاسدة والمستبدة".

 وفي شهر أكتوبر 2012 بدأ الصدام السياسي بين الإخوان وحلفائهم من جهة والقوى السياسية من جهة أخرى، ففي جمعة كشف الحساب قامت عناصر الإخوان بالاعتداء على المتظاهرين في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به، الأمر الذي دفع القوى السياسية للدعوة لجمعة "مصر مش عزبة" في الأسبوع التالي مباشرة (19 أكتوبر 2012) في تحدٍ واضح للإخوان، وقد أصدرت مجموعة من الحركات العمالية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والحركات السياسية بيانًا تحت اسم "حملة حريتنا النقابية طريقنا للعدالة الاجتماعية"، تعلن فيه موقفها مما يجرى على الساحة، وتندد بسياسة حكومة الدكتور هشام قنديل ووزير القوى العاملة فيها خالد الأزهري، وتكشف محاولات الإخوان للهيمنة على الحركة النقابية، ومحاولاتهم لإلغاء المكاسب التي انتزعتها الحركة العمالية أثناء الثورة، وفي مقدمتها حق التنظيم النقابي المستقل، ويوجه البيان انتقاده للتعديلات التي وافقت عليها الحكومة للقانون رقم 35 لسنة 1976، بما يضمن لها إحكام السيطرة علي النقابات، من خلال تلك التعديلات، خاصة في نقطتين، الأولى تتعلق بتشكيل مجالس إدارة المؤسسات النقابية، أما النقطة الثانية والأهم حسب نص البيان؛ فهي "النقطة الخاصة بعدم قبول أوراق النقابات سوى في المنشآت التي لا يوجد بها نقابة، ويمثل هذا تعدي واضح على حرية وحق العمال في تأسيس نقاباتهم بحرية وبدون تدخل من أحد، فمرسي وحكومته يحاربون العمال ونقاباتهم بكل ما أُتوا من قوة، وبدلاً من إصدار القوانين التي تحمي عمال مصر في بلدهم، مثل إصدار قانون بدلاً من قانون العمل الجائر، وإصدار قانون الحريات النقابية، نجدهم يصدرون قانون يصادر حق العمال في تأسيس نقاباتهم بحرية، كما يوافقون قبلها بيوم واحد علي قانون يسمونه "الحفاظ علي مكتسبات ثورة 25 يناير"، وهم في حقيقة الأمر يقصدون الحفاظ علي ما جنوه هم من ثورة 25 يناير علي حساب دماء الشهداء، والذي يهدر أهم مكتسبات الثورة المصرية بالنسبة للعمال، فهو يجرم حق مشروع لكل عمال مصر هو حق الإضراب لدرجة أنه يضع من يمارس هذا الحق ضمن معتادي الإجرام، وممارسي الدعارة والتزييف وغيرها من الجرائم..." وينتهي البيان بمطالب محددة واضحة؛ فتقول الفقرة الختامية في البيان: "وحملة حريتنا النقابية طريقنا للعدالة الاجتماعية إذ ترفض سياسة مرسي والإخوان المسلميين، وتطالب بمحاسبة مرسي الذي تعرض عمال مصر في عهده لمزيد من الظلم  وأنهم رافضين، وتطالب بإقالة خالد الأزهري عدو العمال، ونطالب بوقف كافة أشكال الفصل والتعسف وكافة أشكال المحاكمات، وإلغاء الأحكام التي صدرت ضد العمال، كما نطالب بوقف أي محاولة لتعديل قانون 35 المشبوه، وبسرعة إصدار قانون الحريات النقابية، وسرعة تطبيق الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور."

 ومع تصاعد المعركة ضد دستور الإخوان، دستور 2012، تظهر الشعارات المنادية بسقوط هذا الدستور في الظهور في بيانات الإضرابات العمالية، وكانت الحركة العمالية بجناحيها الرسمي والمستقل ترى في الدستور إهدارًا لحقوق الطبقة العاملة، وانحيازًا للأغنياء على حساب الفقراء، وأبرز الشعارات التي ظهرت في هذه البيانات: "يسقط دستور فصل العمال"، و"يسقط دستور الأغنياء ضد الفقراء"، و"فليسقط دستور عدم ضمان حق العمل".

 وعقب نجاح الإخوان في تمرير دستورهم اتجهوا إلى إصدار قانون يجرم التظاهر والإضراب، وفي رد من الأتحاد المصري للنقابات المستقلة علي قانون منع التظاهر أصدر الاتحاد بيانًا بعنوان "إنكم تحفرون قبوركم بأيديكم"، جاء فيه "إن ما سموه كذباً بمشروع قانون التظاهر ـ وهو المشروع الذي يهدف لوقف كل اشكال التظاهر والإضراب والاحتجاج ـ لهو خير دليل علي فشل مرسي وحكومته ليس فقط في حل مشاكل العمال والفلاحين ومشاكل الشعب المصري كله، وإنما أيضاً فهو دليل علي أنهم مغيبين تماماً عن الشعب المصري كله. فمن يخرج بهذا الهراء ويتخيل أنه يستطيع تمريره، لابد أن يكون مغيب، ولا يعيش في مصر. فهم يعرفون أنهم ينتهجون سياسة ستؤدي لزيادة الأفقار للفقراء، وذلك لحساب الأغنياء، وهو ما حرصوا علي أن تكون السمة الرئيسية للدستور أن يكون معبر جيد عن حقوق أصحاب المصانع والشركات، وأن يسلب العمال والفلاحين وفقراء الشعب المصري كل الحقوق. ويعرفون أن الشعب المصري بعماله وفلاحيه وصياديه وشبابه المعطل عن العمل لن يقبل بمثل هذه السياسات، وأنه وإن كانت نتيجة الاستفتاء الذي شهد كل أشكال التزوير والمطعون في شرعيته قد مرت، فليس معني ذلك أن هذه السياسات سوف تمر مهما فعلوا. لذا فبدلاً من أن يعملوا علي تحقيق أمال وطموحات الشعب المصري في الحرية و الآجر العادل، والعمل، والتعليم الجيد لأبنائه، وضمان حق العلاج المجاني وغيرها من الحقوق. نجدهم يستبقون ما سيقدمون عليه من جرائم جديدة في حق الشعب المصري بقانون منع التظاهر والإضراب. فقد أتو بقانون لم يجرؤ مبارك نفسه في التفكير في مثله، فعندما تصبح الاجتماعات بأذن مسبق، ويجوز للجهات الإدارية منها، ويحق لرجال الشرطة حضورها ويحددون المكان الذي يرغبون الجلوس فيه، ومن حقهم طلب فض الاجتماع. وعندما يكون من حق السلطات الإدارية تحديد مكان الاجتماع وتحديد خط سير المظاهرة، وعندما يحرم العمال من حقهم في الإضراب. في الوقت الذي يسمح لصاحب العمل إغلاق المصنع أو الشركة وتشريد عمالها، ولا يضع عقاب واضح له علي تعطيل العمل ولا علي تشريد العمال، في الوقت الذي تصل عقوبة الدعوة للإضراب أو التظاهر للحبس لمدة سنة، وغرامة تتراوح ما بين 30 الف جنيه و 100 ألف جنيه. نحن من نضرب ونعتصم ونتظاهر للمطالبة بحق رغيف الخبز الذي لا نجده، يجرمون حقنا في التظاهر والإضراب، ويعاقبوننا بعقوبات بهذا الشكل."

 وقد تعرضت الطبقة العاملة خلال عام حكم الإخوان المسلمين لمصر لهجمات متوالية خاصة فيما يتعلق بحق الإضراب والاعتصام، وقد تعرضت عدد من الاعتصامات العمالية للفض بالقوة، كما تم فصل عدد كبير من القيادات النقابية والعمالية، خاصة أولئك المنتمين للنقابات المستقلة، ووصف بيان "حركة حريتنا النقابية طريقنا للعدالة الاجتماعية" ما يحدث بالحرب التي "شملت قطع الأرزاق ليصل عدد من تم رصدهم بعد الثورة لأكثر من 300 عامل وعاملة يفصلون بسبب ممارسة نشاطهم النقابي، بخلاف عشرات الآلاف الذين يفصلون شهرياً من المصانع والشركات التي تغلق ولا يعرف أحد عنهم شئ، ورأينا النقابيين وقيادات العمال يتم تحويلهم للمحاكمات والتحقيقات في النيابات بتهمة الإضراب"، ويصف بيان آخر صادر عن الاتحاد المصري للنقابات المستقلة الوضع القائم فيقول: "إن سياسات نظام مرسى امتداد لسياسات نظام مبارك ، لكن النسخة الجديدة أكثر شراسة، فى محاولة لكسر ارادة العمال بالعنف و الخطف و الاعتقال، ثم بطبخ وإصدار تشريعات تقيد حق  التظاهر." وينتهي البيان إلى أنه: "لو أن الحكومة أرادت الاستقرار لفعـّـلت قانون الحد الأدنى ولأقرت حدًا أقصى للأجور، ولأصدرت تشريعًا بتثبيت العمالة المؤقتة، ولفعلت المادة 79 من قانون العمل 12/2003 القاضية بالمساواة بين عمالة الشركة الأم والشركات المتفرعة عنها أو العمالة الموردة إليها عبر شركات التوريد في الحقوق والمميزات، ولضمنت حق العمل للشباب المتعطل عبر دستورها و قوانينها، ولأوقفت العنف الأمني الشرس عبر ممارسات وزارة الداخلية ووزير داخليتها الجديد، لكن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة تساعد فى تأجيج نار تلك الاحتجاجات، بسبب انحيازها الدائم لرجال الأعمال على حساب العمال والطبقات الفقيرة من الشعب المصرى. يا عمال مصر تنظموا عبر نقاباتكم... يا عمال مصر تضامنوا واتحدوا... فسوف نشهد مزيدًا من العنف.. مزيدًا من تقييد الحريات.. مزيدًا من الدم في مصانعنا بعد أن أغرق الدم ميادين مصر."

 وخلال ذلك العام تم القبض على عشرات من العمال أثناء فض الإضرابات بالقوة، الأمر الذي وثقته البيانات الصادرة عن الاتحاد المصري للنقابات المستقلة، كما لجأت الدولة إلى أسلوب جديد في فض الاضرابات، بإصدار أوامر تكليف لعمال السكة الحديد بالقوات المسلحة، الأمر الذي أدانه بيان صادر عن عدد من الهيئات بعنوان "لا لعسكرة السكة الحديد لا لإرهاب سائقي السكة الحديد" جاء فيه: "للمرة الأولي تتدخل القوات المسلحة وبشكل سافر لفض إضراب سائقي السكة الحديد، ليس بالقوة كما كانت تفعل في السابق، وليس بأوامر القبض عليهم بتهم الإضراب أو التحريض علي الإضراب وهو ما حدث مع 16 سائق بالفعل، ولكن عن طريق إصدار قرار باستدعاء المئات من السائقين لتكليفهم بالعمل بالقوات المسلحة بالصفة العسكرية لصالح إدارة النقل".

  وفي مواجهة كل هذه التعديات على حقوق الطبقة العاملة بدأت حملة لجمع التوقيعات على رسالة موجهة إلى الرئيس محمد مرسي تضامناً مع عمال مصر، تطالبة بالاستجابة لأربعة مطالب: الأول، صدور قرار جمهوري بعودة كل العمال المفصولين والموقوفين لاعمالهم، ووقف كل أشكال التعسف و المحاكمات للعمال بسبب نشاطهم النقابي، وألغاء الأحكام التي صدرت ضد بعضهم. والمطلب الثاني، صرف رواتب للعمال المفصولين من صندوق الطوارئ التابع لوزارة القوى العاملة لحين عودتهم للعمل، أما المطلب الثالث فكان إصدار قانون الحريات النقابية. والمطلب الرابع والأخير وضع حد أدني وحد أقصي للأجور وربطها بالأسعار.

 وفي أثناء الإعداد للاحتفال بأول مايو 2013 تشكلت لجنة تنسيقية موحدة ضمت ممثلين لعدد من النقابات والأحزاب والمنظمات، وأصدرت اللجنة التنسيقية عدة بيانات أكدت فيها على مطالب الطبقة العاملة، وقد حملت هذه البيانات عنوان: "عاوزين نشتغل... عاوزين أجر عادل.. عاوزين نقابة حرة"، وحدد البيان الثاني من هذه البيانات مطالب الحركة العمالية على النحو التالي: "سيخرج عمال مصر والقوي السياسية والشبابية والمراكز المنحازة للعمال وقضايا الفقراء بشكل عام، ليس يوم 1 مايو فقط، بل وقبله وبعده في معظم محافظات مصر لرفع أصواتهم بمطالبهم التي طالبوا بها وسيظلوا يطالبون بها ويضربون ويحتجون لحين تحقيقها وهي: 1) وضع قانون للحد الأدني والحد الأقصي للأجور علي أن لا يتعدي الحد الأقصي  15 مثل الحد الأدني، وربطهما بالأسعار، وزيادة الحد الأدني بنفس نسب التضخم الحقيقية. 2) وضع خطه عاجله للقضاء على البطاله والزام الحكومة بتوفير فرص عمل للشباب، وصرف بدل بطالة يساوي الحد الأدني للأجور لحين توفير العمل لهم. 3) إصدار قانون الحريات النقابية الذي يضمن للعمال حريتهم النقابية، وعدم تدخل أي جهه في شئونهم النقابية. 4) وقف التعسف ضد العمال والنقابيين بسبب ممارستهم لنشاطهم النقابي، وإلغاء كل أحكام الحبس ضد العمال بسبب ممارسة حقهم في الإضراب، وإعادة كل المفصولين إلي أعمالهم. 5) تغيير القوانين لتسمح للعمال بتشغيل مصانعهم التي يغلقها أصحاب الأعمال ويشردون عمالها، بدون تحميلهم بديون لم يأخذوها. 6) تثبيت كل العمالة المؤقتة. 7) تعديل كل التشريعات الاجتماعية التي صدرت في عهد مبارك بمعرفة رجال الأعمال مثل قانون العمل وقانون التأمينات الاجتماعية. 8) إسقاط كل قوانين تجريم الاعتصام والإضراب والتظاهر. 9) تنفيذ أحكام القضاء الخاصة بعودة الشركات المخصخصة بالفساد للقطاع العام وضخ الأموال فيها وتشغيلها. 10) رفض القروض التي تزيد من أفقار الشعب المصري، ووقف السياسات التي تقوم علي زيادة الديون وزيادة أعبائها علي الشعب المصري وفي القلب منه العمال. 11) العمل من أجل إعادة توزيع الثروة بما يضمن التوزيع العادل."

 ولم تتم الاستجابة إلى أي من هذه المطالب. وفي يونيو 2013 صدر بيان مشترك من الاتحاد المصري للنقابات المستقلة واتحاد عمال مصر الديمقراطي بمناسبة انعقاد مؤتمر العمل الدولي رقم 102 أكد على نفس المطالب وأشار إلى الوضع السياسي المتأزم في البلاد.

 وخلال شهري مايو ويونيو انخرطت الحركة العمالية بجناحيها الرسمي والمستقل في الإعداد للموجة الثورية التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين في ٣٠ يونيو 2013، بمقاومة محاولة "أخونة" الحركة العمالية، وبمزيد من الإضرابات والاعتصامات، وبالمشاركة في حملات جمع التوقيعات على استمرات تمرد، ثم بالدعوة للتظاهر يوم 30 يونيو والاعتصام في الشوارع والميادين؛ مع ملاحظة أنه في الوقت الذي كانت فيه دعوة كل من الاتحاد المصري للنقابات المستقلة والاتحاد الديمقراطي واضحة وقاطعة، ترك الاتحاد الرسمي الحرية لإعضائها للمشاركة في التظاهرات أو عدم المشاركة فيها.

4)    الموقف بعد ٣٠ يونيو 2013:

 نجحت الموجة الثورية في 30 يونيو في الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وصدر إعلان 3 يوليو الذي أنهى عامًا من حكم الإخوان، ورغم أن النقابات العمالية لم تظهر في المشهد الرسمي يوم 3 يوليو إلا أن المشاركة العمالية في المظاهرات التي شهدتها معظم محافظات مصر كانت واضحة ضمن مشاركة جموع المواطنين، كما ضمت الحكومة التي تشكلت في الأسبوع الثاني من يوليو أحد أبرز قادة النقابات المستقلة كوزير للقوى العاملة، وهو كمال أبو عيطة مؤسس النقابة المستقلة للعاملين في الضرائب العقارية.

 لكن هل تغير شيئ بعد 30 يونيو في وضع الطبقة العاملة؟

 تمثل التغيير الأساسي في فشل مشروع الإخوان المسلمين للسيطرة على النقابات العمالية، بينما استمرت باقي الأوضاع كما هي دون تغيير جوهري، فلم يصدر قانون الحريات النقابية، ولم تجر انتخابات الاتحاد الرسمي، وتواصلت الوقفات الاحتجاجية والإضرابات والاعتصامات، واستمر الأسلوب الأمني في التعامل القمعي مع هذه الإضرابات والاعتصامات. وقد حاول الاتحاد الديمقراطي خلال شهر يوليو 2013 الدعوة لإحياء المناقشة حول قانون الحريات النقابية، لكن القانون لم يصدر حتى الآن.

 بينما شهدت الأشهر التالية للموجة الثورية في 30 يونيو انقسامات جديدة في الحركة العمالية، ليس فقط على قيادة الحركة بين النقابات الرسمية والمستقلة، ولا داخل حركات النقابات المستقلة بين الاتحادات المختلفة، لكن داخل كل اتحاد من الاتحادات حول المواقف السياسية العامة، فكانت هذه بداية لانقسامات بين القيادات العمالية، التي ظلت على قلب رجل واحد في مواجهة حكم الإخوان لكنها سرعان ما انقسمت وتعددت مواقفها بعد الانتصار عليهم.

 وكانت البادرة الأولى للانقسام حول قضية التفويض في 26 يوليو 2013، فقد أصدرت الاتحادات العمالية الثلاثة: الاتحاد العام الحكومي واتحاد عمال مصر الديمقراطي، والاتحاد المصري للنقابات المستقلة بيانات تدعو فيها العمال للاحتشاد في الشوارع يوم 26 يوليو من أجل تفويض الجيش والشرطة في مواجهة الإرهاب، بينما رأت أقلية داخل الاتحاد المستقل أن في هذا موقف خاطئ يهدد مسار الثورة ومصالح الطبقة العاملة، وقد وجهت واحدة من القيادات النقابية البارزة وعضو المكتب التنفيذي للاتحاد المصري للنقابات المستقلة رسالة إلى العمال فجر يوم 26 يوليو بعنوان "التفويض سم قاتل" كشفت فيها عن هذا الخلاف.

 وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي عانت مصر منها، وفي سياق الحرب ضد الإرهاب، وفي إطار الدعوة للتخلي عن المطالب الفئوية، بدأت الدعوات تتصاعد مطالبة العمال والموظفين بتعليق الإضرابات والاحتجاجات لفترة من الزمن حتى يتعافى الاقتصاد المصري، وأدى الموقف من الاستجابة لهذه المطالبات التي تكررت في حكومة الدكتور حازم الببلاوي ثم في حكومة المهندس إبراهيم محلب إلى مزيد من الانقسام في الحركة العمالية، وبات السؤال المطروح، هل يعلق العمال اضراباتهم واعتصاماتهم ويؤجلوا مطالبهم التي توصف بأنها فئوية، أم يستمروا في نضالهم حتى تتحقق هذه المطالب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...