عاشق
الوطن
فتحي
رضوان من كتابته
( 2
)
عماد أبو
غازي
جمعية
مصر الفتاة والحزب الوطني الجديد
في عام 1933 شارك فتحي رضوان رفيقه أحمد حسين
مرة أخرى في دعوة جديدة عندما أسسا سويًا جمعية مصر الفتاة، التي تحولت سنة 1937
إلى الحزب الذي ترأسه أحمد حسين وكان فتحي رضوان سكرتيرًا عامًا له. وقد نشأت
الجمعية في فترة الأزمة الدستورية في مصر متأثرة إلى حد كبير بالتنظيمات القومية
المتطرفة في أوروبا، وكانت غاية حزب مصر الفتاة كما حددها برنامجه في سنة 1937
"أن تصبح مصر فوق الجميع إمبراطورية عظيمة تتألف من مصر والسودان، وتحالف
الدول العربية، وتتزعم الإسلام."
ويرى فتحي رضوان أن حركة مصر الفتاة كانت ظاهرة
فريدة في الحياة السياسية والوطنية في مصر، وإن انجذاب الشباب إليها والتفافهم
حولها كان أمرًا فذًا في اتجاه الأحداث القومية؛ فقد كانت الحركة حزبًا تكون "من شبان صغار مجهولين، أكثرهم ينتمي إلى الطبقة
المتوسطة الصغيرة، ثم أن هؤلاء الشبان شقوا طريقًا جديدًا في السياسة، فكان الجانب
الاجتماعي ظاهرًا في برنامجهم، والحديث عن ماضي مصر الثقافي بارزًا، واحتفالهم
بالفنون والآداب يستوقف النظر".
لقد
كانت تلك الكلمات هي تقييم فتحي رضوان لحركة مصر الفتاة بعد أكثر من خمسة وأربعين
عامًا على تأسيسها، وبعد أن أصبحت جزًا من تاريخ مصر السياسي فيما بين 1919 و1952،
تلك الحركة التي شارك فتحي رضوان في تأسيسها وصياغة أفكارها وبناء تنظيمها، ورغم
أن فتحي رضوان هو أحد آباء حركة مصر الفتاة فإنه انفصل عن الحركة وعن رفيق صباه
وشبابه أحمد حسين في مطلع الأربعينيات لينضم مع قسم من شباب مصر الفتاة إلى الحزب
الوطني، حزب مصطفى كامل، الذي كانت له دائمًا مكانة عالية متميزة لدى فتحي رضوان،
وذلك في محاولة لتجديد شباب الحزب الوطني؛ وبذلك افترق فتحي رضوان سياسيًا عن رفيق
صباه أحمد حسين بعد رفقة طريق استمرت قرابة ربع قرن، بدأت بمغامرة سياسية وهما
تلميذان في الصف الثالث الابتدائي عندما اشتركا معًا فيما يصفه فتحي رضوان بأنه "أغرب مجازفة وقعت في تاريخ التعليم الابتدائي في تلك
الحقبة من الزمن"، عندما قاما بطبع وتوزيع منشور سياسي يدعو إلى تأسيس
جمعية باسم "نصر الدين الإسلامي"، لقد كانت هذه هي بداية العمل المشترك
بينهما، وكانت نهايته خروج فتحي رضوان من مصر الفتاة ليدخل إلى الحزب الوطني
مشكلًا جناحه الجديد، أو الحزب الوطني الجديد.
ويقول المستشار طارق البشري في مقدمة
الطبعة الثانية من كتابه "الحركة السياسية في مصر 1945 ـ 1953"، عن هذه
الواقعة: "إن الحزب الوطني الجديد كونته صفوة من الشباب الوطني، لا للاختصاص
بهدف متميز عن الغير، ولكن لأن الجامع بينهم كان التآلف المثالي، وما شاع فيهم من
مثاليات سياسية، وإنه في النهاية كان حزبًا يقف من حيث الطبيعة السياسية بين مصر
الفتاة التي خرج منها وبين الحزب الوطني القديم الذي دخل فيه واصطحب معه، لا أقول
عناصر من مصر الفتاة، ولكن أقول قطعة من نسيج مصر الفتاة ومن شحمها، تمثل ذلك في
فتحي رضوان نفسه، وغيره من شباب الثلاثينيات".
ومارس الحزب دعواه ودعايته من خلال صحيفة اللواء
الجديد التي كانت منبرًا طرح من خلاله فتحي رضوان في مقالاته أفكاره الوطنية، وكان
الحزب من الأحزاب المصنفة ضمن القوى الوطنية الراديكالية؛ لذلك انتهى الحال بفتحي
رضوان بعد حريق القاهرة في يناير 1952 وإعلان الأحكام العرفية إلى المعتقل.
في المعتقل
ولم
تكن تلك هي المرة الأولى التي تقيد فيها حرية فتحي رضوان ويعتقل كذلك لم تكن المرة
الأخيرة، إلا أن فتحي رضوان في هذه المرة خرج من المعتقل إلى مقعد الوزارة، فقد تم
اختياره في 7 سبتمبر 1952 وزيرًا للدولة في أول وزارة للرئيس محمد نجيب، وقد استمر
مشاركًا في الحكم حتى عام 1958؛ كوزير للدولة ووزير للمواصلات، لكن الدور الأهم في
تاريخه الوزاري كان توليه لوزارة الإرشاد القومي التي سعى إلى إنشائها وكان أول وزير لها
في الفترة من 17 نوفمبر حتى 9 ديسمبر 1952، ثم عاد ليتولاها ثانية في الفترة من 2
نوفمبر 1952 حتى 6 مارس 1958.
الثورة
العربية الأولى
لقد
تعاون فتحي رضوان مع حركة الضباط الأحرار التي كان يرى في شبابها تلاميذ لحركة مصر
الفتاة والحزب الوطني الجديد، وكان تقيمه للحركة كما أورده في مذكراته عن فترة
توليه للوزارة والتي نشرت في الثمانينيات "إن
ثورة 23 يوليو 1952 كانت الثورة العربية الأولى، التي استهدفت التغيير في الإقليم
الذي قامت فيه تغييرًا يتناول الأسس، وقد نجحت في أمرين جد خطيرين: أولهما قيام
الثورة ذاته، والثاني في ثباتها واستقرارها".
وعندما رأي فتحي رضوان أنه لم يعد هناك مجال
للاستمرار، ترك الوزارة بلا عودة، ودون عداء لأهداف 23 يوليو، ولكنه لم يترك العمل
السياسي حتى فارق الحياة، ففي أوائل السبعينيات وقبل الإعلان الرسمي عن "ورقة
تطوير الاتحاد الاشتراكي العربي"، تمهيدًا لعودة الحياة الحزبية المقيدة بدأ
فتحي رضوان يدعو إلى إعادة تشكيل الحزب الوطني الجديد مرة أخرى، وبالفعل طرح دعوته
من خلال كتيبين صغيرين، ضمن الأول نبذة عن تاريخ الحزب الوطني (حزب مصطفى كامل) وضمن الثاني مشروعًا لبرنامج
الحزب الوطني الجديد، لكن مشروع فتحي رضوان لإعادة تشكيل الحزب لم يتحقق.
وقاد إخلاص فتحي رضوان لمبادئ الوطنية الجذرية
إلى معارضة السياسات التي انتهجها الرئيس أنور السادات، وتصاعدت هذه المعارضة حتى
وصلت بالرجل إلى المعتقل مرة أخرى، فبعد أن احتفل رفاقه وتلاميذه بعيد ميلاده
السبعين بأشهر قليلة، تم اعتقال فتحي رضوان مع مئات من المعارضين في سبتمبر 1981،
وعندما أفرج عن فتحي رضوان وغيره من المعتقلين بعد اغتيال الرئيس السادات وتولي
حسني مبارك بأسابيع قليلة ربما تصور كثيرون أن تجربة الاعتقال لشيخ جاوز السبعين
سوف تدفعه إلى اعتزال العمل السياسي، إلا أن فتحي رضوان سرعان ما عاد إلى سابق
عهده بالنضال، وخرج وهو في الخامسة والسبعين ليقود مظاهرة للمعارضة من أمام جامعة
القاهرة احتجاجًا على موقف الحكومة المصرية الخانع من خطف الطائرات الأمريكية
لطائرة مدنية مصرية وعلى ضرب إسرائيل لمقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس سنة
1986، واستمرت مقالاته السياسية في صحف المعارضة خاصة جريدة الشعب حتى مرضه الأخير
الذي توفي فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق