السبت، 16 مايو 2015


سيرة مناضل من أجل الوطن
فتحي رضوان من كتابته
( 3 )
 

عماد أبو غازي

 
 رغم أن لفتحي رضوان عديدًا من المؤلفات والكتب بخلاف سيرته الذاتية؛ أهمها: "عصر ورجال" و"أفكار للكبار" و "مع الإنسان في الحرب والسلام" و"أخي المواطن" و"هذا الشرق العربي"، إلا إنه خلال رحلته الممتدة كان المقال الصحفي وسيلته الأساسية في التعبير عن مواقفه السياسية وآرائه وأفكاره، من خلال مصر الفتاة واللواء الجديد في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، ثم من خلال جريدة الشعب في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
 وإذا كانت مقالاته في المرحلة الأولى قد دارت بشكل أساسي حول الدعوة للاستقلال التام ونهضة الأمة في مواجهة الاستعمار الإنجليزي؛ فإن مقالات المرحلة الأخيرة كانت تدور حول مجموعة من القضايا التي شغلت مصر، أبرزها الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضية فلسطين والموقف من الولايات المتحدة وسياستها في المنطقة، كما تناول عديدًا من القضايا الدولية مثل سباق التسلح ومشكلة الجوع.
 وفي مجال له بمجلة الهلال عدد مارس 1983 بعنوان "هذا العالم المجنون" يتساءل: "هل تتحقق المخاوف أم ينجح الإنسان في أن يخرج نفسه من هذا الجنون الذي أصيب به واستولى عليه؟ يحسب بعض الناس أن عالم الأقوياء عالم ميؤس منه، فلا نفع فيه ولا رجاء، وإنه سيواصل تسابق الهلاك، مدفوعًا بالقصور الذاتي، وبالخضوع لما ألفه من التنافس والتسابق من أجل السيادة، فمفتاح النجاح في يد الفقراء الذين يتجردون من المصلحة، وهم الأكثر عددًا والأكثر غنى في واقع الأمر؛ فهل يتحقق حلم الضعفاء الأقوياء، الفقراء الأغنياء؟"
 وقد تميز أسلوب فتحي رضوان في المقال السياسي بالرؤية الناقدة والتحليل التاريخي عند تناوله لموضوعاته المختلفة مع لغة ساخرة وعبارة واضحة، والمتتبع لمقالات فتحي رضوان السياسية في السبعينيات والثمانينيات يتبين أن السنوات قد انضجت خبرته، لكنها لم تغيير أهدافه، ظل على إيمانه بالانتماءين العربي والإسلامي لمصر، ودعوته للاستقلال الوطني الكامل والحقيقي، وعدائه للاستعمار بكافة أشكاله، ربما فقط تغيرت الوسائل، كما أن التجربة أضافت إليه إيمانًا عميقًا بقضية حقوق الإنسان في مصر والوطن العربي، فرأس المنظمة العربية لحقوق الإنسان عند تأسيسها، وأسس المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
 ولم يقتصر ما كتبه فتحي رضوان على المقال السياسي فحسب؛ فقد كان له إنتاج غزير في موضوعات مختلفة ومتنوعة، وقد نشر فتحي رضوان في السنوات الأخيرة في عدد من كبريات الصحف والمجلات المصرية والعربية، منها: الأهرام والأخبار والدوحة والفجر والهلال، وفيها نشر الكثير من كتاباته طوال خمسين عامًا حيث نشر أول مقالاته في فبراير 1932 عن تركيا القديمة وتركيا الحديثة.
 وتنوعت كتابات فتحي رضوان في تلك المجلات وتعددت موضوعاتها، ما بين التاريخ والفكر والأدب والفن. وعلاقة رضوان بالثقافة والفنون أصيلة، فقد كان يرى في الإحياء الثقافي للأمة ركنًا من أركان نهضتها الشاملة ووسيلة من وسائل تحريرها السياسي والاقتصادي، انعكس هذا الموقف في برنامج مصر الفتاة، وفي أول الحملات السياسية للحركة والتي بدأت بسؤال عنيف صارخ: من الذي سجن تماثيل عظمائنا... سعد ومصطفى كامل؟ السؤال الذي رأى فيه فتحي رضوان رباطًا مباشرًا بين الفنون والعمل السياسي، كما ارتبط بالفنون الجميلة من خلال صداقته للنحات عبد القادر رزق الذي كان عضوًا في مصر الفتاة، وشارك في إخفاء الفريق عزيز المصري بعد فشله في الهروب من مصر أثناء الحرب العالمية الثانية، كما كان فتحي رضوان عضوًا بمجلس إدارة جمعية أصدقاء متحف مختار، وواحدًا من مؤسسيها في الثمنينيات، ولفتحي رضوان كتابات في الفن والنقد الأدبي؛ فكتب عن المثال مختار عدة مقالات في الدوحة والهلال، وكتب عن رواية الوسية للدكتور خليل حسن خليل مقالًا نقديًا في مجلة الدوحة. فضلًا عن ذلك كان فتحي رضوان نفسه أديبًا وكاتبًا مسرحيًا له عدة أعمال مسرحية ومجموعات قصصية، منها: مومس تؤلف كتابًا، وإله رغم أنفه، ودموع إبليس، وهي أعمال أدبية حاول من خلالها تقديم أفكاره ومقولاته الاجتماعية والسياسية والأخلاقية عن طريق الحوار المسرحي. والقضية الأساسية في أعمال فتحي رضوان الأدبية، كيف يستعيد الإنسان ذاته من خلال إدراكه لقواه الكامنة؟
 وكان لفتحي رضوان اهتمام واضح بمناقشة آراء كبار المفكرين في عصره، وكتب العديد من المقالات عبر أكثر من خمسين عامًا في مناسبات مختلفة في هذا الاتجاه، وجمع أهمها في ثلاثة من كتبه: "عصر ورجال" و"أفكار الكبار" و"دور أصحاب العمائم"، حيث تعرض في هذه الكتابات لمجموعة من المفكرين والمثقفين، وناقش دورهم في حياتنا الثقافية والفكرية، وفي هذه المقالات كان ناقدًا لكثير من المقولات التي جرت مجرى المسلمات في حياتنا الثقافية، ولم يكن يراها كذلك. كما قدم وجوهًا لم تأخذ حظها في التعريف بها في حياتنا الثقافية رغم دورها وإنجازها الكبير ومساهماتها الفكرية المهمة.
 وقد ناقش فتحي رضوان في كتاباته الأخيرة بعض المفاهيم النظرية حول الثقافة ودور المثقفين في المجتمع. وقد كان فتحي رضوان صاحب إنجاز مهم في مجال الثقافة عندما كان وزيرًا للإرشاد القومي، ففي عهده أنشئت مصلحة الفنون لتحسين حال الفنون جميعًا وترقيتها. وكانت هذه المصلحة هي النواة الأولى لوزارة الثقافة فيما بعد، وكان لها دورها في دعم وتطوير فنون المسرح والموسيقى والسينما، واتجهت لتوظيف الفنون الشعبية والعناية بها، كما شهدت فترة توليه الوزارة صدور واحدة من أهم المجلات الثقافية في الخمسينات والستينات مجلة المجلة (1957 ـ 1971) كذلك تأسس في تلك الفترة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.
 وعند الحديث عن مقالات فتحي رضوان لا يمكن أن نغفل عن موضوع أثير لديه ظل يكتب فيه لسنوات طوال مقالًا كل عام في صحيفة من الصحف، أقصد ذكرى معركة رشيد التي هزم فيها المصريون من أهالي رشيد قوات حملة فريزر الإنجليزية سنة 1907، والتي لم يمل أبدًا من تذكير الشعب بها والدعوة إلى الاحتفال بذكراها باعتبارها رمزًا للمقاومة الشعبية الناجحة في مصر. ولنترك الكلمة الأخيرة لفتحي رضوان عن تاريخ مصر التي عشقها وشعبها الذي عاش حياته من أجله:
 "ولابد لنفهم التاريخ المصري في حقيقته الناصعة المبرأة من الزيف أن نعرف الحقيقة الكبرى في هذا التاريخ، تلك هي أن في هذا التاريخ شخصية ثابتة تراها من خلف الأحداث والصور الخارجية لنوع الحكم ولونه، واسم الحاكم وجنسه، وللتقاليد والأزياء السائدة وللتراتيل والأناشيد المسموعة في الهياكل أو الكنائس أو المعابد، تلك الشخصية الثابتة الخالدة هي شخصية الشعب المصري، فأنت إذ تقرأ ما كان يقوله المصريون لقمبيز مثلًا منذ آلاف السنين وهو يتهيأ لاقتحام بلادهم ـ تراه أشبه ما يكون بما قاله المصريون في سنة 1956 بعد الميلاد، فالمصري بقى في مسلكه العام واتصاله بالطبيعة وسعيه الحضاري وفهمه لحقائق الحياة هو هو على مر الحقب وكر الأزمنة؛ فلقد عاش المصري الأول بين صحراوين حمتا حضارته من الغزاة فترة، وصانتاه من الاختلاط الذي يخفي خصائصه، فلما ثبتت هذه الحضارة وتأصلت خصائصها أصبح مستحيلًا على أية حضارة أخرى أن تغيير من أصولها."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦ وفارسة في مواجهة التطبيع

  لطيفة الزيات: قائدة في انتفاضة ١٩٤٦  وفارسة في مواجهة التطبيع   عماد أبو غازي     لطيفة الزيات علامة من علامات الجيل الذي ولد بعد ثو...