المجموعة
الكمالية في جغرافية مصر والقارة الإفريقية
عماد
أبو غازي
"المجموعة الكمالية في جغرافية مصر والقارة
الإفريقية"، إنجاز علمي للأمير يوسف كمال إذا وضعناه في كفه ووضعنا باقي إنجازاته
ـ على أهميتها وعظم قيمتها ـ في كفة ثانية، فسوف ترجح كفة المجموعة الكمالية التي
تعد موسوعة جغرافية تاريخية أدبية نادرة في محتواها وإخراجها على حد سواء.
فما هي قصة هذه الموسوعة وما حكاية الأمير معها؟
يقع هذا العمل الموسوعي في أربعة أجزاء مقسمة على
أربعة عشر مجلدًا، وقد استغرق صدورها ما يزيد على ثلاثة عشر عامًا ما بين سنتي
1926 و1939، وقد جمع الأمير يوسف كمال في هذه الموسوعة مئات من النصوص التاريخية
المتعلقة بجغرافية مصر وأفريقيا، والتي يرجع أقدمها إلى عصر الدولة المصرية
القديمة وعلى وجه التحديد إلى زمن الأسرة السادسة.
فقد بدأت الموسوعة الكمالية بتلك النصوص التي
دونها أحد الرحالة المصريين القدماء وهو الرحالة حر خوف أثناء رحلاته وكشوفه في
السودان وأعالي النيل، ثم تتوالى النصوص بعد ذلك حيث جمع الأمير نصوصًا للجغرافيين
والرحالة الإغريق والرومان والعرب والفرس والأوروبيين الذين زاروا مصر وأفريقيا
عبر العصور التاريخية المختلفة، منذ أقدم العصور حتى مطلع العصر الحديث وبداية عصر
الاستعمار الأوروبي لأفريقيا، كذلك ضمت الموسوعة نصوصًا لجغرافيين ومؤرخين وأدباء
كتبوا عن القارة الإفريقية دون أن يقوموا بزيارتها.
وتزخر الموسوعة بنصوص وكتابات لهوميروس واليعقوبي
وياقوت الحموي ودانتي اليجيري وماركو بولو والقلقشدي وغيرهم كثيرين، وقد حرص يوسف
كمال على تسجيل النصوص التي جمعها بلغاتها الأصلية، ثم قام بترجمتها إلى الفرنسية
مع شرحها أو التعليق عليها، وبذلك ضمت الموسوعة نصوصًا باللغات المصرية القديمة
واليونانية واللاتينية والعبرية والفارسية والسريانية والأمهرية والصينية
والإنجليزية وغيرها من لغات العالم.
وضم الكتاب الضخم عشرات من الخرائط القديمة
والنادرة لمصر وأفريقيا، والتي جمع الأمير صورها من مختلف مكتبات العالم ومتاحفه،
وقد حدد الأمير يوسف كمال الهدف من هذا العمل العلمي الجليل في كلمات قال فيها:
"الهدف من تأليف هذا الأطلس هو إلقاء الضوء
على جهود الكُتّاب القدماء والمحدثين الذين سعوا إلى وصف العالم القديم من خلال
الوثائق والخرائط التي بحوزتهم".
ومن الجدير بالذكر أن الأمير يوسف كمال عندما
أصدر هذه الموسوعة التي أنفق عليها مبالغ مالية ضخمة لم يعرض نسخها للبيع، لقد طبع
الأمير مائتي نسخة فقط من هذا العمل الموسوعي الكبير وقام بإهداء النسخ إلى عدد من
المكتبات في مصر والعالم.
ففي مصر نجد نسخا منها في دار الكتب والمتحف
المصري والمتحف القبطي ومتحف الفن الإسلامي ومكتبة جامعة القاهرة ومكتبة الجمعية
الجغرافية المصرية ومكتبة المجمع العلمي المصري إلى جنب مكتبة بلدية الإسكندرية.
أما في خارج مصر فقد وزع الأمير كتابه على أهم
مكتبات العالم؛ كالمكتبة الوطنية في باريس ومكتبة المتحف البريطاني في لندن ومكتبة
الكونجرس في واشنطون، وإذا تتبعنا موسوعة الأمير يوسف كمال في مكتبات العالم فسوف
نجد نسخًا منها في مكتبات أكثر من ثلاثين بلدًا من بلدان العالم.
لكن
ما مدى استفادة الباحثين اليوم من هذا العمل العلمي الموسوعي؟
حقيقة الأمر ما زالت الاستفادة من هذا العمل
العلمي الكبير في مصر محدودة، فالكثير من الباحثين لم يسمعوا به، كما أن نسخه
المتاحة معدودة، وتحرص المكتبات التي تقتنيها على الحفاظ عليها بشتى الطرق، وهي
محقة في ذلك، كما أن تحرير الموسوعة باللغة الفرنسية جعلها بعيدة عن متناول كثير
من الباحثين.
والواقع أن هذه الموسوعة تحتاج إلى فريق عمل من
الجغرافيين والمؤرخين والأثريين والمختصين في اللغات المختلفة لإعادة نشر هذا
الكتاب وإتاحته بشكل أوسع للباحثين، وربما يكون من الملائم والمفيد أيضا نشرها نشرًا
إلكترونيًا، فهذا النوع من الموسوعات التي تحوي نصوصًا ورسومًا وخرائط، مناسبة
تمامًا للنشر الإلكتروني، وربما لو بدأ مثل هذا المشروع اليوم لكان من المكن
إنجازه والانتهاء منه مع الذكرى السبعينية لاكتمال صدور طبعة هذه الموسوعة، تلك
الذكرى التي تقابل عام 2009.
هذه الموسوعة تعد في حد ذاتها تحفة أثرية تشهد
على العصر الذي صدرت فيه وعلى الرجل الذي كان وراء إصدارها، لقد كان يوسف كمال أحد
أمراء أسرة محمد علي الذين قدموا الكثير من العطاء لهذا الوطن، وقد اعتبر نفسه
واحدًا من أبناء مصر رغم أصوله الأجنبية الوافدة، ووجه جهوده وأمواله للرقي بالأمة
ولخدمة نهضتها العلمية والفنية والثقافية.
وربما يكون في ذلك بعض من رد الاعتبار للأمير
الذي شوه تاريخه الكاتب الكبير جليل البنداري في الستينيات في زمن
"الثورة" من خلال الصورة المزيفة التي قدمها لشخصية الأمير في أوبريت
"وداد الغزية" والتي جسدها الفنان الراحل عادل أدهم.
هل يجد هذا المشروع من يتحمس له وينفذه؟
مقال نشرته في الدستور عام 2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق