الأرشيف
والسلطة
إعداد: عماد أبو
غازي
انتهى اليوم ملتقى "التاريخ الشفوي في أوقات التغيير ـ الجندر والتوثيق وصناعة الأرشيف" الذي نظمته مؤسسة المرأة والذاكرة بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة على مدى ثلاثة أيام. وقد اختتم اليوم الأول بمائدة مستديرة حول: "الأرشيف والسلطة"، وهذه هي ورقة النقاش الرئيسية للمائدة التي قمت بإعدادها:
*****
"تدور هذه المائدة حول إشكالية علاقة الأرشيف
بالسلطة، وتركز على ثلاثة مداخل أساسية للموضوع:
1.
الإنتاج.
2.
الإتاحة.
3.
المصداقية.
في البداية سأحاول أن أحدد المصطلحات الأساسية التي تتمحور حولها الورقة:
1) السلطة:
إن مصطلح
سلطة في العربية يقابله مصطلحان في الإنجليزية: Power وAuthority .
وهاتان الكلمتان تستخدمان في اللغة الإنجليزية بمعنيين مختلفين للسلطة؛ حيث يستخدم
مصطلح Power
للدلالة على السلطة في نطاقها العام والشامل؛ إذ يعني أيضًا: القدرة، الاستطاعة،
القوة، أي السلطة بمعنى القدرة على تحقيق المرغوب فيه سواء وجدت مقاومة أو لًا.
وقد يتم تحصيلها بطرق مختلفة منها: المشاورة، والتفويض، والمشاركة بصورة محدودة،
وقد تقوم على القبول أو الموافقة أو على القسر، بينما يقتصر استخدام مصطلح Authority على ما هو تخصيصي، كأن نقول سلطة سياسية أو
عسكرية أو اقتصادية... في الفترة الحديثة ساد الفكر السياسي الغربي تصوران "للسلطة"
برز أحدهما مؤخرًا بصفة خاصة في المناقشات الأكاديمية، ويدور حول فكرة السلطة
بوصفها ظاهرة كمية صرفة، وبهذا المعنى، فإن السلطة لا تزيد عن كونها نوعًا من
القدرة على الفعل. أما التصور الثاني فهو أكثر تعقيدًا ويفيد أن السلطة لا تنطوي
على القدرة على الفعل وحسب، بل أيضًا على الأحقية فيه. ويرى أن كل من القدرة والحق
يتوقفان على قبول أولئك الذين تمارس عليهم السلطة. ويعد هذا التصور الثاني تصورًا
محوريًا في الفكر السياسي والاجتماعي الغربي. والمقصود بالسلطة في هذه الورقة سلطة
الدولة.
افتتاح الملتقى
2) الأرشيف:
تحمل كلمة أرشيف أكثر من دلالة: فالأرشيف
لفظ يشير إلى المكان الذي تحفظ فيه الوثائق التاريخية حفظًا دائمًا، والأرشيف كذلك
يطلق على المؤسسة الرسمية التي تحفظ الوثائق، وتسمى هذه المؤسسة عادة ـ منذ أواخر
القرن الثامن عشر ـ باسم "الأرشيف القومي"، كذلك تطلق كلمة أرشيف على
محتويات أو مقتنيات مؤسسة الأرشيف القومي، أو محتويات أية مؤسسة أرشيفية فرعية أو
متخصصة.
ويتكون
الأرشيف من مجموعة من الوثائق أو مجموعات من الوثائق ترتبط ببعضها، هذه الوثائق قد
تكون مدونة أو مسجلة على المواد التقليدية بأنواعها المختلفة، القديم منها
والحديث، وقد تكون وثائق رقمية ليس لها أصل مادي خارج الأجهزة والشبكات. هذه
الوثائق بأنواعها وأشكالها المختلفة تتراكم في مجموعات مترابطة في المؤسسات التي
أنتجتها أو استقبلتها، واحتفظت بها حتى انتهاء الحاجة إليها لتسيير مجريات العمل
اليومي. عندئذ تنقل الوثائق أو المجموعات ذات القيمة إلى الأرشيف القومي وتصبح جزءًا
من مكوناته، وعندما تنقل الوثائق إلى الأرشيف القومي تحفظ فيه حفظًا دائمًا مؤبدًا
بهدف إتاحتها للكافة. ويرى علماء الأرشيف التقليديين أن
الوثائق التي تحفظ في الأرشيف ينبغي أن تكون ذات صفة رسمية، أي تكون صادرة عن جهة
من جهات الدولة، أو تم توثيقها لديها. وقد اتسع مفهوم الأرشيف في النصف الثاني من
القرن العشرين ليشمل وثائق ليست لها صفة رسمية حكومية مثل وثائق الأحزاب والهيئات
الخاصة، والشركات، والجمعيات الأهلية، وأرشيفات الأسر والعائلات، والأرشيفات
الخاصة للزعماء والقادة والمفكرين والأدباء والفنانين.
3) الوثيقة:
الوثيقة مكون أساسي في حديثنا عن الأرشيف، الوثيقة هي الأخرى ذات دلالات متعددة، والوثائق إفراز طبيعي ينتج من خلال
ممارسة البشر أفرادًا ومؤسسات ومجتمعات لنشاطهم الطبيعي ومن هنا تأتي قوة علاقتها
بالسلطة، ويقصد بالوثيقة كل نص مكتوب أو مدوّن، يشمل على تصرف
قانوني أو واقعة قانونية تم تدوينه لحفظ حق من الحقوق، أو لإثبات حالة من الحالات،
أو ينتج عن النشاط الإداري خلال العمل اليومي لمؤسسات المجتمع، سواء كانت مؤسسات
للدولة أو مؤسسات أهلية.
مداخل
وأسئلة:
المدخل
الأول: إنتاج الوثيقة/إنتاج السلطة:
تدوين الوثائق وليد تحولات اجتماعية وسياسية،
انتقال المجتمع من البساطة إلى التركيب، الوثيقة/الأرشيف تعبير عن السلطة وتجلي من
تجلياتها، وقد ارتبط تدوين الوثائق في الحضارات الإنسانية المختلفة
بظهور الكتابة أو الذاكرة الخارجية للإنسان، التي سمحت له بتدوين خبراته وتناقلها
عبر المكان والزمان، كما ارتبط بظهور التكوينات الأولى للسلطة، ومع هذه البدايات
المبكّرة، عرفت الحضارات الإنسانية الأولى، فكرة تسجيل المعاملات في شكل وثائق؛ ومنذ عرف الإنسان إنتاج
الوثائق كانت الوثيقة منتج من منتجات السلطة، بقدر ما كانت تسهم هي ذاتها في إنتاج
السلطة، ويمكن تبيان هذا الجانب بالاقتراب من الموضوع من زاويتين، الأولى: أساليب
اتخاذ القرار وتسجيله ونشره، أي الأشكال التي تصدر بها القرارات والخطوات التي تمر
بها الوثيقة منذ صدورها إلى أن تصل إلى المخاطبين فيها من رجال الدولة أو تعلن على
العامة حسب الأحوال. أما المدخل الثاني فهو مظاهر السلطة وتجسيدها من خلال الوثائق
الرسمية، ومدى استخدام الوثيقة في خطاب السلطة.
إذا كان هذا ماضي العلاقة بين الوثيقة والسلطة
فماذا عن حاضرنا اليوم ومستقبلنا؟ هل أدى عصر حضارة
الموجة الثالثة، عصر ثورة المعلومات والاتصالات، عصر مجتمع المعرفة، إلى فقدان
المؤسسات الرسمية احتكارها لإنتاج الوثائق؟
المدخل
الثاني: الإتاحة: السلطة تصنع الأرشيف والأرشيف يصنع السلطة:
البحث
في نظم حفظ الوثائق، وفي مصير الأرشيفات، باعتبار أن الأرشيف الرسمي للدولة هو جزء
من ذاكرة السلطة، وإن تحديد ما يحفظ وما لا يحفظ من الوثائق هو جزء من إنتاج
السلطة لصورتها أمام الخاضعين لها. لقد ارتبط ظهور الأرشيفات القومية في العالم بنشأة الدولة القومية أو اختلاقها، باعتبار الأرشيف القومي مؤسسة من مؤسسات بناء وعي الأمة بذاتها، أو مؤسسة من مؤسسات بناء الأمة أو صناعتها. فمع ظهور الدول
القومية الحديثة في الغرب بدأ الاهتمام بإعادة كتابة تاريخ تلك الدول لتأكيد
الجذور البعيدة لهده الدول، كما بدأ التاريخ يتحول من سرد للحوادث إلى علم يقوم
على التحليل، ويعتمد على المصادر الأصلية من آثار ووثائق ومرويات، ومن هنا ظهر
الاهتمام بإنشاء مؤسسات ثقافية قومية تحفظ هذه المصادر، المتاحف لحفظ الآثار
والأرشيفات لحفظ الوثائق والمكتبات لحفظ الإنتاج الفكري، ونُعتت كل من هذه
المؤسسات الثلاثة بصفة القومية تعبيرا عن دورها في حفظ التراث القومي للأمة، كما
أصبحت تلعب دورًا أساسيًا في المساعدة على كتابة التاريخ، والمساهمة في إعادة صيغة
وعي الشعوب بذاتها.
إذا كان أحد أهم أهداف السلطة من السيطرة على الأرشيف
يتمثل في تقديم سرديتها للأحداث، فهل نجحت السلطة في مصر في ذلك عبر مراحل تاريخ
مؤسساتنا الأرشيفية المختلفة؟ وهل نستطيع اليوم أن نقدم سردنا الموازي؟
المدخل
الثالث: المصداقية:
"الوثائق
أصدق مصدر لدراسة التاريخ"... "الوثائق مصدر محايد لا يعرف
الكذب"... عبارات نرددها كثيرًا على مسامع طلابنا، نقولُها نحن المشتغلون
بتدريس علوم الوثائق والأرشيف، ومن قبلنا قالها أساتذة التاريخ، جيل وراء جيل، منذ
ظهرت المدارس القومية لكتابة التاريخ التي اعتبرت الأرشيف للمؤرخ بمثابة المعمل
للفيزيائي أو الكيمائي أو غيرهما من المشتغلين بالعلوم البحتة والتطبيقية.
فهل ما اعتدنا أن نردده مرارًا وتكرارا لطلابنا
حقيقة؟ وهل فعلا الوثائق ـ بين المصادر التاريخية ـ مصدر لا يكذب؟
ثلاث
أوراق مرجعية للنقاش:
http://scholar.cu.edu.eg/?q=eghazi/publications/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D8%B9-%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق