السبت، 12 سبتمبر 2015


المفكرة المصرية

عماد أبو غازي

 كل سنة وأنتم طيبين النهار ده راس السنة المصرية...

 تنقسم السنة المصرية القديمة إلى اثنى عشر شهرًا متساوية يعقبها الشهر الصغير، نسيء، الذي يتكون من خمسة أيام في السنوات البسيطة وستة أيام في السنوات الكبيسة، وتحدد المفكرة الزراعية التي يعتمدها الفلاح المصري ما يزرع وما يجنى في كل يوم من أيام السنة، ولكل شهر من الشهور المصرية القديمة التي ظلت تحكم حياتنا الزراعية عبر آلاف السنين عبارات وأمثال شعبية ترتبط به.
رطب توت
 وشهر توت أول شهور السنة المصرية القديمة، ومن المقولات التي ترتبط به: "رطب توت" ففي هذا الشهر بداية موسم البلح.
 وينسب شهر توت لتحوت أو جحوتي إله السحر والحكمة والعلوم عند قدماء المصريين، الذي تنسب إليه كل الأمور المتعلقة بالثقافة الذهنية، وهو رب القلم ومخترع الكتابة ومقسم الزمن، لذلك أطلق المصريون اسمه على أول شهور سنتهم، وقد خففوا نطقه بعد ذلك إلى توت، وقد رمزوا له بطائر الأيبس، وكذلك بقرد البابون المصري.
 وتوافق بداية شهر توت يوم 11 سبتمبر في التقويم الميلادي الجريجوري في السنوات البسيطة، ويوم 12 سبتمبر في السنوات الكبيسة، والسنة المصرية الكبيسة تسبق السنة الميلادية الكبيسة بسنة، الأمر الذي يجعل اختلاف يوم بداية السنة المصرية لعام واحد كل أربعة أعوام.
بابه خش واقفل الدرابة
 شهر بابه ثاني شهور السنة المصرية، يقابل اليوم الأول منه يوم 11 أكتوبرفي السنوات العادية و12 أكتوبر في السنوات المصرية الكبيسة، وتختلف وجهات النظر في أصل اسم هذا الشهر، فينسب البعض اسمه إلى مدينة آبه، اسم قديم للأقصر، ربما كان اسم الشهر مأخوذا من إله الزرع بي نت رت، أو من الإله بتاح.
 وترتبط بشهر بابه بعض الحكم والأمثال الشعبية المصرية، فيقولون "إن صح زرع بابه غلب القوم النهابة... وإن هاف زرع بابه غلب القوم النهابة"، فشهر بابه يأتي بعد انحسار الفيضان واخضرار الأرض، ومستوى الزرع فيه يحدد مستقبل المحصول في السنة.
 أما المثل الشهير المرتبط بشهر بابه فيقول: "بابه خش واقفل الدرابة" أو البوابة، فهو يوافق بداية الخريف.
هاتور أبو الدهب منتور
 شهر هاتور ثالث شهور السنة المصرية، توافق بدايته يوم 11 نوفمبر في التقويم الميلادي، وينسب شهر هاتور إلى حتحور إلهة الحب والجمال والمرح، يعني اسمها مقر حور أو منزل حور، هي زوجة حور وعين رع التي انتقمت من أعدائه، تصور في شكل إمرأة ترتدي تاجا على شكل قرص الشمس يحيط بها قرنين، كما تصور كذلك على هيئة بقرة تحمل بين قرنيها قرص الشمس.
 أطلق اسمها على الشهر الثالث لأن الأرض تبدو فيه جميلة بجمال الزرع، وفي هذا الشهر يزرع القمح في الوجه البحري ومن هنا جاء المثل الشعبي المرتبط بالشهر والذي يقول: "هاتور أبو الدهب منتور"، كناية على بذر القمح فيه، ومن الأمثال المرتبطة بشهر هاتور كذلك: "إن فاتك زرع هاتور أصبر لما السنة تدور.
كيهك... صباحك مساك
 شهر كيهك رابع شهور السنة المصرية، ويوافق أوله الحادي عشر من شهر ديسمبر، ومعناه عيد اجتماع الأرواح، كاهاكا، وفقا لما ذكره الأثري المصري محرم كمال في كتابه آثار حضارة الفراعنة في حياتنا الحالية.
 ولشهر كيهك أهمية دينية كبيرة لدى الأقباط الأرثوذوكس؛ ففي التاسع والعشرين منه يحتفلون بعيد الميلاد المجيد، ويقابل هذا اليوم السابع من يناير في التقويم الميلادي الجريجوري، والخامس والعشرين من ديسمبر في التقويم اليولياني.
 ومن الأقوال الشائعة عن شهر كيهك قول الناس: "كيهك صباحك مساك، تقوم من فطورك تحضر عشاك" كناية عن قصر النهار في هذا الشهر، ففي منتصف كيهك يقع الانقلاب الشتوي الذي تصل فيه ساعات النهار إلى حدها الأدنى.
طوبة يخلي الصبية كركوبة
شهر طوبة الشهر الخامس من شهور السنة المصرية، وتوافق بدايته اليوم العاشر من شهر يناير من شهور السنة الميلادية، ولأن شهر طوبة يأتي في قلب الشتاء فقد ارتبطت به أمثال شعبية تشير إلى شدة البرد مثل: "طوبة أبو البرد والعنوبة"، و"طوبة تخلي الصبية كركوبة من كترة البرد والرطوبة"، وفي الكنايات يقال: "ماء طوبة"، إشارة إلى أنه شهر الأمطار في مصر، كما أن معنى الكلمة بالقبطية يشير إلى الغسل والتطهير، وفي العاشر منه عيد الغطاس المجيد.
أمشير أبو الزعابير
 أمشير الشهر السادس من شهور السنة القبطية، وفيه يبدأ الصيام الكبير للمسيحيين. وتوافق بدايته الثامن من شهر فبراير، وينسب إلى إله الرياح والعواصف، ففي هذا الشهر تشتد الرياح وفي العشر الأواخر منه تبدأ رياح الخماسين في مصر، والأقوال الشعبية المرتبطة بهذا الشهر تشير عادة إلى الرياح والعواصف، مثل: "أمشير أبو الطبل الكبير" أو "أبو الزعابيب الكتير" أو "أبو الزعابير"، ومنها "أمشير يقول لبرمهات عشرة مني وخد وعشرة منك هات تطير العجوز بين الفكات" إشارة إلى امتداد العواصف الترابية في العشر الأواخر منه والعشر الأوائل من الشهر الذي يليه، شهر برمهات. ولأن الزرع ينمو في أمشير ويقترب من النضج نقول: "أمشير يقول للزرع سير بلا تعسير القصير يحصل الطويل".
برمهات... روح الغيط وهات
 شهر برمهات السابع من شهور السنة المصرية القديمة، ويشير عالم المصريات محرم كمال في كتابه "آثار حضارة الفراعنة في حياتنا اليومية" إلى أن الشهر ينسب إلى أمنحتب.
 وفي شهر برمهات تأتي بداية الاعتدال الربيعي، وتنمو الزروع بسبب اعتدال الحرارة، ومن هنا قال الناس: "برمهات... روح الغيط وهات... أمحات وعدسات وبصلات".
برموده دق بالعموده
 برموده الشهر الثامن من شهور السنة المصرية القديمة وتوافق بدايته التاسع من شهر أبريل، وينسب شهر برموده إلى الإله رنوده إله الحصاد والمحصول عند المصريين القدماء، وفي هذا الشهر كان الحصاد يكتمل، ويقال في الأمثال: "برموده دق بالعموده"، كما يقال ورد برموده ففيه تزهر الزهور وتتفتح.
بشنس يكنس الأرض كنس
 شهر بشنس تاسع شهور السنة المصرية القديمة، وتصادف بدايته التاسع من مايو، وينسب إلى خنسو إله القمر عند المصريين القدماء، وفيه بداية اشتداد الحر، لذلك كان سلاطين المماليك يرتدون فيه الملابس الصيفية، وتحفل المصادر التاريخية التي ترجع إلى ذلك العصر بالإشارات إلى ارتداء السلطان البياض في بشنس، أي خلعه للملابس الشتوية وارتدائه للملابس الصيفية، ويقال في الأمثال: "بشنس يكنس الأرض كنس"، لأن المحاصيل تكون قد جنيت وتصبح الأرض فيه جرداء، كما يقال "نبق بشنس"، لأن ثمار النبق تنضج فيه.
بؤونه تكتر فيه الحرارة الملعونة
 بؤونه الشهر العاشر من شهور السنة المصرية القديمة، وتوافق بدايته الثامن من شهر يونيو بالتقويم الجريجوري، وفي 12 بؤونه يبدأ الفيضان وكان المصريون يحتفلون فيه بعيد نزول النقطة، ومن الأمثال الشعبية المرتبطة بشهر بؤونه: "بؤونه تكتر فيه الحرارة الملعونة، فهو أشد شهور السنة حرارة في مصر.
إن كلت ملوخية في أبيب هات لبطنك طبيب
 شهر أبيب الشهر الحادي عشر من شهور السنة المصرية القديمة، وتوافق بدايته الثامن من يوليو، وأصله وفقا لرواية الأثري المصري محرم كمال أبيبي وينسب للإله أبيبي، الذي يرمز له بالثعبان الكبير الذي أهلكه حور في الأسطورة الأوزيرية، في إشارة إلى الانتصار على التحاريق، ففي أبيب يتبدأ بشائر فيضان النيل.
 ويقال في الأمثال: "أبيب طباخ العنب والزبيب" في إشارة إلى نضج العنب في هذا الشهر، كما يقال كذلك "تين أبيب".
 ويرتبط بهذا الشهر مثل آخر يقول: "إن كلت ملوخية في أبيب هات لبطنك طبيب"، فالخبرة أوصلت المصري أن أكل الملوخية في فترة الحرارة المرتفعة والرطوبة تؤدي إلى إضرابات في الجهاز الهضمي.
مسر ى تجري فيها كل ترعة عسرة
 شهر مسرى أو مس رع، بمعنى ابن رع، الثاني عشر من شهور السنة المصرية القديمة، يبدأ في السابع من شهر أغسطس من شهور السنة الميلادية، وفيه يبلغ فيضان النيل ذروته لذلك ترتبط أمثال هذا الشهر بالفيضان، فيقال: "وإن ما جات مسرى تعجعج بنيلها لا خير في نيل يجيي في توت"، كما يقال: "مسرى تجري فيها كل ترعة عسرة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...