الأحد، 12 مارس 2017

المرأة والفنون (5) ـ خاتمة ومراجع

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(5)

عماد أبو غازي

خاتمة ومراجع



  لقد كانت حصيلة تلك الحقبة في علاقة المرأة بالفن إيجابية إلى أبعد حد، لقد انتقلت المرأة المصرية إلى مرحلة جديدة بالمشاركة في الحركة الفنية في مجالاتها المختلفة، ففي الفنون الجميلة التي كانت مصر مهدا لها منذ أقدم العصور، تلك الفنون التي استعادت مكانتها في مصر مع مطلع القرن العشرين، بعد قرون طويلة من التراجع، كان للمرأة مكانا بارزا فيها احتلته بجدارة منذ قيام الثورة المصرية (ثورة 1919). وفي فنون المسرح والسينما تلك الفنون الجديدة الوافدة على المجتمع المصري، كان للمرأة دورها وعلاماتها الواضحة، بل أن فن السينما شهد ريادة نسائية فريدة على مستوى العالم في مجال هذا الفن من خلال أربع مخرجات رائدات، كما تغير وضع المرأة في الفنون القديمة التي لم تشهد انقطاعا مثل فنون الموسيقى والغناء، وتغيرت نظرة المجتمع إلى تلك الفنون مع تطور دورها في الحياة المصرية، بل أن فن الرقص أيضا كان من الفنون التي بدأت نظرة المجتمع تختلف تجاهها، فتغيرت النظرة للراقصة الشرقية، خاصة مع اقتران هذا الفن بفنون المسرح والسينما وتحول راقصات شرقيات إلى السينما ونبوغهن فيها مثل تحية كاريوكا وسامية جمال، وتجاوز نشاط الأولى منهن العمل الفني إلى العمل العام في مجال السياسة.
 كما تغيرت نظرة المجتمع للفن بشكل عام، فبعد أن كانت علاقة الفتاة بالفن قاصرة على بعض الطبقات العليا في المجتمع التي تعلم البنات بعضا من فنون الموسيقى أو التطريز أو التصوير على أيدي مدرسين خصوصيين بالقصور والبيوت، كنوع من استكمال "الوجاهة" الغربية، وأصبح من المقبول أن تدرس الفتاة الفنون في معاهد العلم خاصة مع ظهور مؤسسات تعليمية تُدرّس الفن، وتحولها تدريجيا إلى تبعية وزارة المعارف العمومية.


 كذلك أصبحت المرأة موضوعا للفن، ففي الفن التشكيلي إذا أخذنا مختار كرائد لفن النحت الحديث نموذجا، نجد أنه خط مكانة بارزة للمرأة المصرية عندما جعل الفلاحة رمزا للنهضة في تمثاله الميداني نهضة مصر، ونجح في أن يجمع الأمة حول هذا الرمز، ولا تقتصر المرأة في أعماله على تمثال النهضة، بل كانت دوما قيمة من القيم الأساسية التي وضعها من خلال أعماله في مسيرته للتمرد على الثوابت التقليدية للمجتمع، فأعلى قيمة المرأة وقيمة العمل، فإحدى القيم الأساسية في أعمال مختار الفنية هي قيمة المرأة وهي تعمل، وتحديدًا المرأة الفلاحة وهي تعمل في الحقل، وكانت المرأة رمزًا في كل أعمال مختار الفنية، المرأة وهي تحب، المرأة وهي تعمل، المرأة وهي ذاهبة إلى الترعة أو إلى النهر تجلب الماء مصدر الحياة، لقد ربط مختار دائمًا بين المرأة والعمل والحياة، وأصبحت المرأة عنده رمزًا للحضارة المصرية ورمزًا للعطاء لمصر. وتعتبر مجموعة التماثيل التي تمثل الفلاحات والماء هي المجموعة الأساسية في أعمال مختار، والتي مثلت المرأة في أوضاع مختلفة، حتى عندما تناول مختار موضوعات مثل الراحة والقيلولة والحزن، كانت المرأة هي الرمز دائمًا.


وقد ربط مختار أيضًا بين المرأة وبين تراثنا المصري القديم في مجموعة من الأعمال الرمزية مثل تمثال "كاتمة الأسرار" و"إيزيس" و"عروس النيل" و"لقية في وادي الملوك"، والتي اختار لها موضوعات مرتبطة بالحضارة المصرية القديمة وجسدها أيضًا من خلال المرأة. وعلى منوال مختار سار كثير من فناني عصره.

 أما المسرح والسينما فقد قدما صورا مختلفة للمرأة، وتناولا كثيرا من قضاياها، ولم تقتصر صورة المرأة في الأعمال الفنية على المرأة المحبة أو المحبوبة، بل تطرقت كثير من تلك الأعمال خاصة في الأربعينيات إلى مشكلات المرأة في المجتمع، وإلى قضايا تعليم المرأة وعملها فأسهمت بذلك في تغيير الصورة التقليدية للمرأة المصرية.

****************
المصادر والمراجع:
  • آمال السبكي: الحركة النسائية في مصر ما بين ثورتين 1919 و1952، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.
  • إجلال خليفة: الحركة النسائية الحديثة، المطبعة الحديثة، القاهرة، 1973.
  • أحمد فؤاد سليم: بانوراما الفن المصري في القرن العشرين، سلسلة دراسات تشكيلية (1)، تقديم: مصطفى الرزاز، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2003.
  • إيميه آزار: التصوير الحديث في مصر، ترجمة: إدوار الخراط ونعيم عطية، المشروع القومي للترجمة (1000)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005.
  • بث بارون: النهضة النسائية في مصر: الثقافة والمجتمع والصحافة، ترجمة: لميس النقاش، المشروع القومي للترجمة (118)، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999.
  • بدر الدين أبو غازي: جيل من الرواد، جمعية محبي الفنون الجميلة، القاهرة، 1975.
  • جابر عصفور وآخرون: سمحة الخولي سنوات من العطاء، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2006.
  • سمير فريد (محررا): المهرجان الثاني لأفلام المرأة المصرية، 8 ـ 16 مارس 2008، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2008.
  • مصطفى الرزاز: الفن المصري الحديث، القرن العشرين، وزارة الثقافة ـ قطاع الفنون التشكيلية، القاهرة، 2007.
  • هدى الصدة وعماد أبو غازي: مسيرة المرأة المصرية علامات ومواقف، ج1، مراجعة وتقديم: جابر عصفور، المجلس القومي للمرأة، القاهرة، 2001.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...