السبت، 11 مارس 2017

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(4)
المرأة وفنون الموسيقى والغناء

عماد أبو غازي


 ربما كانت فنون الموسيقى والغناء من الفنون التي ارتبطت بالمرأة في مصر منذ أقدم عصور حضارتنا، وتشهد على ذلك جداريات المقابر المصرية القديمة، وقد استمر هذا الوضع في عصور الحضارة العربية المتوالية حيث ارتبطت تلك الفنون بنظام الرق الذي ساد في تلك العصور، فكانت الجواري والقيان تمارسن فنون الغناء والعزف الموسيقي والرقص في أوساط الطبقات العليا في المجتمع، وكان الفنانون الشعبيون رجالا ونساء ينتشرون في موالد الأولياء والقديسين وفي الأفراح والاحتفالات الشعبية، واستمر هذا الوضع بشكل عام حتى منتصف القرن التاسع عشر، فمع إلغاء الرق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ تحول تدريجي في التعامل مع المؤدين في تلك الفنون وفي نظرة المجتمع إليهم، تواكب هذا التحول مع المؤثرات الأوروبية على فنون الموسيقى والتي بدأت تظهر مع إنشاء دار الأوبرا بمناسبة احتفالات افتتاح قناة السويس، تلك المؤثرات التي انعكست بدرجات متفاوتة على تطور الموسيقى الشرقية، وبلغت مداها في مطلع القرن العشرين، وكانت ثورة 1919 إيذانا بعصر جديد في الموسيقى والغناء حيث تصدرت الأغنية الوطنية المعبرة عن الثورة المصرية ومبادئها العظيمة ساحة الغناء، وكان لثورة سيد درويش في هذا الفن أثرها الذي امتد لسنوات.
  هذا ومنذ عصر إسماعيل عرفت فنون الموسيقى والغناء أسماء لامعة لنساء مارسن الموسيقى والغناء من أشهرهن ساكنة بك وألمظ التي ارتبط أسمها بمطرب العصر عبده الحامولي.

ساكنة بك

ألمظ
 ومع مطلع القرن العشرين ظهرت منيرة المهدية التي جمعت بين الغناء والمسرح.

منيرة المهدية
 لكن التحول الحقيقي لدور المرأة في تلك الفنون كان مع أم كلثوم تلك الفنانة التي نقلت فن الغناء العربي نقلة كبيرة، وقد ولدت أم كلثوم إبراهيم في ريف الدلتا بمحافظة الدقهلية لأسرة تعمل في مجال فنون الإنشاد الديني، ونشأها أبوها تنشئة فنية بمعاير عصره، وبدأت رحلتها مع الغناء بالإنشاد الديني وهي طفلة صغيرة، واستطاعت خلال سنوات قليلة أن تنافس على صدارة الغناء العربي لقوة صوتها وجماله، وقد شهدت الحقبة ما بين 1919 و1952 سطوعها في سماء فن الغناء، فتحولت من منشدة دينية في الموالد والاحتفالات الشعبية إلى مطربة، احتلت قلوب الملايين من عشاق الغناء والموسيقى على امتداد العالم العربي، الأمر الذي دفع نحات مصر الأول محمود مختار إلى اختيارها كرمز للفن المصري المعاصر، عندما كلفته إدارة متحف جريفان للتماثيل الشمعية بباريس في مطلع العشرينيات بنحت تمثال يمثل الفن المصري، فنحت تمثالا لأم كلثوم الفتاة التي كانت وقتها في مطلع العشرينيات، في نبوءة تحققت بعدها بسنوات عندما أصبحت أم كلثوم سيدة الغناء العربي، لقد كانت تعد بحق علامة بارزة على هذا الفن ـ فن الغناء ـ في القرن العشرين كله، ولم يقتصر دور أم كلثوم على الغناء بل أمتد كذلك إلى فن السينما من خلال خمسة أفلام غنائية قامت ببطولتها، وفي عام 1943 انتخبت أم كلثوم نقيبة للموسيقيين لتكون أول امرأة مصرية ترأس نقابة مهنية، واحتفظت بهذا المنصب لسنوات عديدة، وقد حصلت على نيشان الكمال من الملك فاروق عام 1944، فكانت أول فنانة مصرية تحصل على وسام بهذا القدر.
أم كلثوم
 ورغم المكانة التي احتلتها أم كلثوم فلم تكن وحدها في سماء الغناء في هذا العصر، فقد ظهرت بعدها وإلى جانبها أسماء مصرية وعربية كبيرة لمعت في مصر، منهن أسمهان ونور الهدى وليلى مراد ونجاة علي ورجاء عبده، ثم جاءت بعدهن أجيال من المطربات اللاتي بدأن في أواخر الأربعينيات واستمر عطائهن الفني في السنوات التالية.

 وقد ساعد دخول الراديو إلى مصر على تحقيق انتشار واسع لفنون الموسيقى والغناء في صفوف قطاعات أوسع من المواطنين، كما أدى ظهور المعاهد الفنية والكليات المتخصصة في دراسة الموسيقى وإشراف وزارة المعارف عليها، والتحاق الفتيات بها إلى ظهور أجيال جديدة من الدارسات الأكاديميات للموسيقى العربية والغربية على حد سواء، وشهدت السنوات الأولى من الخمسينيات تخرج رائدات لعبن في الحقبة التالية دورا مهما في الحياة الفنية في هذا المجال في مقدمتهن سمحة الخولي التي تخرجت من المعهد العالي للموسيقى ـ الذي أصبح الآن كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان ـ في سنة 1951، والتي تخصصت في الموسيقى الغربية.


الدكتورة سمحة الخولي

الدكتورة رتيبة الحفني
 ورتيبة الحفني التي اتجهت إلى مجال الموسيقى العربية إلى جانب تخصصها في الغناء الأوبرالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...