المرأة والفنون
(1919
ـ 1952)
(2)
المرأة والفنون الجميلة
عماد أبو غازي
منذ فجر الحركة الفنية الحديثة في مصر، الذي
تفتح مع بدايات القرن العشرين وإنشاء مدرسة الفنون الجميلة وتوالي معارض طلابها
وخريجها لعبت المرأة دورًا مهمًا في تلك الحركة، وشكلت رعاية الفنون المجال الأول
لنشاط المرأة.
وفي مجال رعاية الفنون تبرز ثلاثة أسماء لعبت
أدوارًا مهمة في هذا المجال: الأميرة أمينة هانم إلهامي والأميرة سميحة حسين
والسيدة هدى شعراوي.
أمينة هانم إلهامي
أسست الأولى مدرسة للصناعات والفنون التراثية،
عرفت باسم المدرسة الإلهامية للصناعات والفنون الزخرفية التراثية، وتولت رعايتها
والإنفاق عليها طوال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.
الأميرة سميحة حسين في الوسط بين شقيقتيها
أما الثانية، الأميرة سميحة حسين فقد كانت راعية
للحركة الفنية من خلال رعايتها لأنشطة الجمعية المصرية للفنون الجميلة، ورعاية معارضها
الفنية، وتعد تلك الجمعية من أقدم الجمعيات الفنية في مصر، وكانت الأميرة سميحة
حسين فضلًا عن ذلك فنانة تشكيلية رائدة، وقد استمرت رعاية الأميرة سميحة حسين
للثقافة بعد وفاتها من خلال وصيتها بتحويل قصرها بالزمالك إلى مركز من مراكز
الثقافة، الأمر الذي تحقق عندما حولت وزارة الثقافة قصرها إلى مكتبة عامة تحمل اسم
مكتبة القاهرة الكبرى.
هدى هانم شعراوي
أما الثالثة هدى شعراوي فقد بدأ نشاطها في رعاية
الفنون جنبًا إلى جنب مع الأميرة سميحة حسين في الجمعية المصرية للفنون الجميلة،
ثم انتقل دورها إلى جمعية محبي الفنون الجميلة، لكنها انفردت بدور آخر استمر حتى
رحيلها في ديسمبر سنة 1947، عندما نظمت مسابقة مختار وانفقت عليها منذ عام 1935 في
الذكرى الأولى لرحيل محمود مختار الذي حظي برعايتها ودعمها في حياته وتولت رعاية
ذكره بعد وفاته من خلال تلك المسابقة، ومن خلال تأسيسها لجمعية أصدقاء مختار، تلك
الجمعية التي تبنت مشروع جمع تراث مختار الفني وإنشاء متحف ومقبرة له، بعد أن أهدت
أسرة مختار أعماله إلى الأمة، وقد أصبح المشروع واقعًا عندما افتتح الدكتور ثروت
عكاشة متحف مختار بالجزيرة في يوليو سنة 1962.
وبقدر ما كان عام 1919 عامًا للثورة الوطنية،
وعامًا لانطلاق المرأة للمجال العام، كان عامًا للبعث الثقافي والفني، وعامًا لاقتران نشاط المرأة بالفنون الجميلة،
من خلال تنظيم المعارض الفنية ورعايتها، فبين عامي 1919 و 1921 نظمت الجمعية
المصرية للفنون الجميلة مجموعة من معارض الفن التشكيلي، وكانت الجمعية تضم بين
رعاتها الرئيسيين مجموعة من سيدات المجتمع اللاتي اقتحمن العمل العام، وكان لبعضهن
نشاطًا في الجمعيات الخيرية منذ سنوات ما قبل الحرب، لكنهن أضفن الاهتمام بالفنون
الجميلة ورعايتها إلى هذا النشاط، وكان في مقدمة تلك المجموعة من السيدات، الأميرة
سميحة حسين والسيدة هدى شعراوي والسيدة شريفة رياض وحرم ويصا واصف وحرم حسين سري.
وفي عام 1921 نظمت الجمعية المصرية للفنون
الجميلة صالون الربيع للفنون، وشاركت في هذا الصالون لأول مرة مجموعة من الفنانات
المصريات، فتحولت مشاركة المرأة في الحركة الفنية من الرعاية إلى الممارسة، وكان
في مقدمة المشاركات بالمعرض الأميرة سميحة حسين، والتي كانت تمارس فن النحت، ومن
المشاركات في المعرض كذلك أمينة وإقبال شفيق ونجية محمد مصطفى وكانت أول مدرسة
للرسم في أول مدرسة لرياض الأطفال، ونفيسة أحمد عابدين وحرم محمود بك سري، وقد
شاركن في المعرض إلى جانب جيل رواد الفن التشكيلي في مصر: مختار وراغب عياد ومحمود
سعيد ويوسف كامل ومحمد حسن وناجي وعثمان مرتضى الدسوقي وبعض الفنانين الهواة من
المصريين والأجانب المتمصرين، "وهذا قدر للمرأة المصرية أن تقتحم مجال الفن
التشكيلي بقوة مع البوادر الأولى لحلقة جديدة من حلقات النهضة المصرية، تلك الحلقة
التي واكبت الثورة المصرية الكبرى ثورة 1919 وتولدت عنها، ومثلما كان للمرأة دور
مهم في الثورة المصرية فقد جنت بعضا من ثمارها في مجال الفنون والثقافة، مثلما
كانت الأمة كلها تعبر عن ذاتها كان الفن مجالًا للتعبير والانطلاق شاركت فيه
المرأة إلى جانب الرجل".
وإذا
كانت فنانات هذا الجيل من رائدات الفن التشكيلي في مصر قد انسحبن سريعًا من الحركة
الفنية التشكيلية فإنهن فتحن المجال أمام أجيال متعاقبة من الفنانات التشكيليات
اللاتي درسن الفن في المعاهد والكليات الأكاديمية أو اللاتي دخلن إلى المجال كهاويات
ثم تحولن إلى فنانات محترفات لمعت أسمائهن في سماء الحركة الفنية المصرية، كما
التحقت المرأة المصرية كذلك بالكليات الفنية مُدرسة وأستاذة للفن.
ففي النصف الثاني من العشرينيات من القرن
العشرين، وفي العقود التالية لذلك العقد، برزت أسماء عشرات المبدعات في مختلف
مجالات الفنون التشكيلية وفي صالون القاهرة الذي ظلت جمعية محبي الفنون الجميلة
تنظمه سنويًا منذ عام 1924 حتى ثمانينيات القرن الماضي، وفي مسابقات جائزة مختار
التي امتدت من فن النحت إلى غيره من الفنون الجميلة. وكان لإنشاء المعاهد الفنية
وامتداد إشراف وزارة المعارف عليها أثرًا واضحًا في تقبل الأسرة المصرية لإلحاق
بناتها بتلك المعاهد، كما كان لاقتران الفن التشكيلي بالثورة الوطنية من خلال
تمثال نهضة مصر وحركة الاكتتاب الشعبي من أجل إقامته أثرًا أيضا في تغير نظرة
المجتمع للفن.
لقد ظهرت في الثلاثينيات والأربعينيات ومطلع
الخمسينيات من القرن الماضي أسماء جديدة في الفن التشكيلي، أسماء لفنانات تشكيليات
في مختلف المجالات: من نحت وتصوير وحفر ورسم، ومن هذه الأسماء: مارجريت نخلة وزينب
عبده وكوكب يوسف.
من أعمال مارجريت نخلة
وتعد مارجريت نخلة علامة على هذا الجيل بلغتها
الفنية المميزة وبدايتها المبكرة المتألقة، التي دشنتها بحصولها على الميدالية
الفضية للمعرض الصناعي بالقاهرة عام 1931 والميدالية الذهبية لمعرض الإسكندرية
1932، فكانت من أوليات التشكيليات المصريات اللائي حصلن على جوائز في المعارض
الفنية.
من أعمال عفت ناجي
ثم تأتي عفت ناجي التي تأثرت بأخيها الفنان الرائد
محمد ناجي وقد درست الفن في البداية تحت إشرافه، ثم كونت شخصيتها الفنية الخاصة
وشاركت في العديد من المعارض الجماعية لسنوات إلى أن أقامت أول معارضها الفردية
عام 1950.
وشهدت الأربعينيات ظهور جيل جديد من الفنانات
التشكيليات المصريات، في مقدمتهن: إنجي أفلاطون وتحية حليم وجاذبية سري ومنحة حلمي
وعايدة عبد الكريم وزينب عبد الحميد ومريم عبد العليم وزينب السجيني وإحسان خليل
وشريفة فتحي وثريا عبد الرسول وليلى سليمان وليلى عزت وغيرهن كثيرات.
كما عرفت المعارض الفنية طوال تلك الحقبة (1919 -
1952) أسماء فنانات تشكيليات أجنبيات متمصرات، عشن في مصر واندمجن في مجتمعها،
وتلك ظاهرة عرفتها مختلف جوانب الحياة المصرية في تلك الحقبة، لقد كانت مصر مجتمعًا
منفتحًا على العناصر الأجنبية التي تعيش بين جنباته، لم تعرف مصر تمييزًا بين مصري
وأجنبي خاصة في مجال الثقافة والفنون، وكانت معظم التجمعات الثقافية والأدبية
والفنية تضم المصريين والأجانب جنبًا إلى جنب، ومن تلك الأسماء إميليا كاسوناتو
ولوسي كارولين رينر ومارجو فيون وإيمي نمر ومدام بحري وإيما كيالي عياد وفيسيلا
فريد وغيرهن.
لقد كان تطور إسهام المرأة في الفن التشكيلي
سريعًا ولافتًا، ومما يدل على ذلك أنه في عام 1940 عندما نظمت جمعية محبي الفنون
الجميلة التي كان يرأسها حينذاك محمد محمود خليل بك عرضًا متحفيًا للفن المصري
الحديث إلى جانب بعض المقتنيات من الفنون الأوروبية، كان من بين المعروضات إلى
جانب أعمال الرواد الأوائل: مختار ومحمود سعيد وراغب عياد وأحمد صبري ومحمد حسن
وتلاميذهم من الأجيال التالية أعمالا لمجموعة من هاتيك الفنانات المصريات
والمتمصرات منهن: مولي رايس وإيمي نمر ومارسيل دمبواز وإيما كالي عياد وبن بهمان
وفتحية ذهني وروزين حزيون وكونتين بحري.
وإذا كان ظهور الفنانات التشكيليات الرائدات
ومساهمة المرأة في الحركة الفنية قد ارتبط بثورة 1919 فإن فنانات جيل الأربعينيات
من التشكيليات المصريات قد انخرطن في النضال السياسي وكن فاعلات فيه، في مرحلة
تطور فيها النضال الوطني الديمقراطي واقتران بالنضال الاجتماعي، ومن أبرز النماذج الفنانة
التشكيلية المناضلة إنـﭽـي أفلاطون.
إنجي أفلاطون
وقد كانت إنـﭽـي أفلاطون (1924 ـ 1986) شخصية
متعددة الأنشطة فهي فنانة تشكيلية مبدعة بدأت مشوارها الفني منذ عام 1942 واستمرت
فيه حتى وفاتها، وارتبطت في مرحلة مبكرة بجماعة الفن والحرية وشاركت في معارضها،
كما كانت في نفس الوقت ناشطة سياسية شيوعية، وكان فنها تعبيرًا عن موقفها السياسي
المنحاز إلى الطبقات الشعبية والمعادي للاستعمار وللحكم الاستبدادي، كما كانت من
المدافعات عن قضايا المرأة المصرية وحقوقها.
وقد صدر لها في هذه المرحلة ثلاثة كتب: الأول
صدر سنة 1948 "80 مليون امرأة معنا" وقدم له طه حسين، وقدمت فيه تقريرًا
عن مشاركتها في المؤتمر التأسيسي للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في
باريس سنة 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية ورصدت فيه تطور الحركة النسائية
العالمية في علاقتها بتطور حركة التحرر الوطني خلال ثلاث سنوات، والثاني صدر سنة
1949 بعنوان "نحن النساء المصريات" وقدم له عبد الرحمن الرافعي، وفيه
رصدت واقع المرأة المصرية وأهم المشكلات التي تواجهها، أما الكتاب الثالث
"السلام... الجلاء" فقد صدر سنة 1950، وقد حاولت فيه أن تكشف عن عدم
وجود تعارض بين الدعوة إلى السلم العالمي والدعوة إلى الكفاح ضد المستعمر بكل
الوسائل بما فيها الكفاح المسلح.
وهنا لابد من التوقف عند مجايلتي إنـﭽـي أفلاطون
تحية حليم وجاذبية سري، اللتان جاء تعبيرهما عن القضايا الوطنية والاجتماعية من
خلال فنهما بالدرجة الأولى مع اختلاف الأسلوب الفني لكل واحدة منهن، ولدت تحية
حليم في السودان عام 1919 وتعلمت الفن في مرسم الطرابلسي على يد الفنان حامد
عبدالله في مطلع الأربعينيات ثم التحقت بأكاديمية جوليان في الفترة من 1949 إلى
1951، ويعود معرضها الأول إلى عام 1943، وقد اختطت طريقًا جديدًا في فن التصوير
المصري وفقًا لكثير من النقاد، أما جاذبية سري فقد ولدت بالقاهرة عام 1925، وتخرجت
من معهد البنات للفنون الذي أصبح فيما بعد جزءًا من كلية التربية الفنية عام 1948،
ولفتت الانتباه بأعمالها منذ مشاركاتها المبكرة في المعارض الجماعية، وتحررت من
الصياغات التشكيلية الأوروبية التقليدية، وسعت إلى تجديد الرؤية للتراث الفني
القديم، وعبرت عن القضايا الوطنية بأسلوب فني مميز وغير مباشر.
من أعمال تحية حليم
من أعمال جاذبية سري
ولم تقتصر مشاركة المرأة على الرعاية والإبداع
بل ساهمت كذلك في تأسيس الجمعيات والجماعات الفنية، فبعد المساهمة المبكرة
والمؤثرة للمرأة في جمعيتي "المصرية للفنون الجميلة" و"محبي الفنون
الجميلة"، نكاد نرى أثرًا للمرأة في معظم الجماعات الفنية التي تأسست فيما
بين العشرينيات والخمسينيات.
فقد أسس مختار سنة 1928 جماعة الخيال، وإلى
جانبها تكونت لجنة أصدقاء جماعة الخيال وكان من بين أعضائها مي زيادة وهدى شعراوي،
وعقب وفاة مختار سنة 1934 أسست هدى شعراوي جمعية لإصدقائه لعبت دورًا مهمًا في
الحياة الفنية في مصر حتى مطلع الخمسينيات.
وفي سنة 1938 أسس حبيب ﭽورﭽـي جماعة الفن الشعبي
الفطري، وكون من خلالها مدرسة الفن الشعبي، وجمع فيها مجموعة من الأطفال الريف
والأحياء الشعبية كان من بينهم فتيات منهن سيدة مساك وسميرة حسني وبدور جرجس، وقد
أكمل رمسيس ويصا واصف مسيرة حبيب ﭽورﭽـي في عام 1946 عندما أسس مدرسة الحرانية
التي ما زالت قائمة إلى يومنا هذا، وتشرف عليها أرملته صوفي حبيب، وخرجت عشرات من
الفتيات المبدعات إبداعًا فطريًا.
سجاد الحرانية
وفي ديسمبر من نفس العام (عام 1938) أطلق الشاعر
ﭽورﭺ حنين البيان الذي وحمل عنوان "يحيا الفن المنحط"، وكان بمثابة
البيان التأسيسي لجماعة الفن والحرية التي تأسست فعليًا في يناير 1939، وقد شارك
في معرضها الأول سنة 1940 الفنانات ماريا هاسيا وإيمي نمر وعايدة شحاتة.
وضمت جماعة الفن والحياة التي أسسها الفنان
والمفكر حامد سعيد سنة 1946 فنانات منهن صوفي حبيب وآنا سعيد، أما جماعة الفن
الحديث التي أسسها يوسف العفيفي في نفس السنة فقد التحقت بها عضوات منهن جاذبية
سري وزينب عبد الحميد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق