الأربعاء، 8 مارس 2017

المرأة والفنون
(1919 ـ 1952)
(1)
عماد أبو غازي

 8 مارس يوم المرأة العالمي و9 مارس ذكرى انطلاق الثورة المصرية، ثورة 1919، و16 مارس يوم المرأة المصرية، دي سلسلة مقالات عن المرأة والفنون بين 1919 و1952، كانت أصلا فصل في كتاب عن تاريخ المرأة المصرية صدر سنة 2009.



مدخل:
 شهدت السنوات ما بين سنتي 1919 و1952 تطورًا فارقًا في علاقة المرأة المصرية بالفنون، وفي مشاركتها الإيجابية في الحركة الفنية في مصر راعية وممارسة، سواء في مجال الفنون الجميلة أو المسرح أو السينما، فضلًا عن فنون الموسيقى والغناء التي كان للنساء دورًا بارزًا فيها عبر التاريخ، لكن هذا الدور تطور شكلًا ومضمونًا في تلك الحقبة المهمة من تاريخ مصر الحديث.
 لقد شهدت تلك السنوات التي تعرف بالحقبة الليبرالية في التاريخ المصري تحولات سياسية واجتماعية وثقافية انعكست على وضع المرأة المصرية بشكل عام، كما كانت المرأة فاعلًا أساسيًا في صياغة أحداث مصر في تلك المرحلة جنبًا إلى جانب الرجل، وكانت علاقة المرأة بالفنون علامة من علامات تلك الحقبة وملمحًا من ملامحها، لقد شكلت ثورة 1919 انطلاقة جديدة للمرأة المصرية كما كانت نقطة ارتكاز لتطور الفنون في مصر، لكن التحولات التي أتت بها ثورة 1919 وتلك التي صاحبتها لم تكن وليدة اللحظة بل استمدت أسسها ومقوماتها من المرحلة السابقة على الثورة.
 فقد شهدت مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر محاولة جديدة للنهضة بعد محاولة محمد علي التي انتهت بالفشل، وبدأت هذه المحاولة في عصر الخديوي إسماعيل، وامتدت إلى مجالات مختلفة في الثقافة وفي السياسة وفي مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وأحدثت تحولات مهمة في الحياة المصرية، لقد شهدت تلك السنوات تغير وجه الحياة المصرية، كانت المدينة المصرية تتغير وكذلك كانت القرية تتغير، كانت مصر تشهد حركة تحول من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث، تنشأ وتظهر فيه أشكال فنية جديدة لتحل محل الأشكال التقليدية، وفي هذه الفترة أُنشئت دار الأوبرا المصرية، وقدمت عليها عروض فن الأوبرا لأول مرة، وبدأت فرق مسرحية من الشام تأتي لتعمل على المسارح المصرية، سرعان ما شارك فيها المصريون، وبدأت فنون الموسيقى والغناء تتطور نحو اتجاهات جديدة اكتملت وتبلورت بعد ذلك في القرن العشرين، وبدأت فنون النحت والتصوير الأوروبية تنتشر في المجتمع المصري حيث كان يقوم بمباشرتها فنانون أوروبيون أزاحوا تدريجيًا الأشكال الفنية التقليدية التي كانت موجودة في هذه الفترة، وبدأ الناس في المدن الكبرى يعتادون مرة أخرى على رؤية التمثال يحتل حيزًا من الفراغ العام، من خلال تماثيل الميادين التي أقيمت في القاهرة والإسكندرية.
لقد انتهت تجربة التحديث في عصر إسماعيل مثل تجربة محمد علي إلى الفشل بعد هزيمة الثورة العرابية والاحتلال البريطاني لمصر، انتهت بكبوة ثانية، وعاشت مصر في فترة ظلام مرة أخرى تحطمت فيها مشروعات النخبة المصرية لتحقيق الديمقراطية ولبناء مجتمع مستقل ودولة حديثة، لكن بذور النهضة السياسية والنهضة الفنية أثمرتا.
 وفي تسعينيات القرن التاسع عشر بُعثت الحركة الوطنية من جديد، وكانت النهضة الفنية صنوا لها، كما كان تغير الأفكار ملمحًا من ملامحها، خاصة ما يتعلق بالمرأة وبالموقف من الفن، فبدأت القاهرة تعرف صالونات الفنون الجميلة منذ عام 1891، ونال الصالون رعاية الخديوي في عام 1892، كما عرفت الإسكندرية عروض السينماتوجراف بعد شهور قليلة من اختراع السينما في الغرب، أما المسرح فقد عاد تدريجيًا إلى تألقه الذي بدأ في عصر إسماعيل، واقتحم مع السنوات الأولى للقرن الجديد مجال النقد السياسي بقوة، الأمر الذي دفع السلطة إلى ملاحقة المسارح بقوانين رقابية متشددة.
 لقد كانت السنوات الأولى من القرن العشرين فترة محورية من تاريخ مصر، فشهد المجتمع المصري حركة عامة تواكب فيها نمو الحركة الوطنية وصعودها التدريجي مع بناء المؤسسات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الحديثة وشيوع الأفكار الجديدة بين الناس، فقد شهدت تلك السنوات تأسيس الأحزاب السياسية التي تعبر عن التيارات الأساسية في المجتمع ويسعى كل حزب منها بطريقته لتحقيق أهداف النضال الوطني في الدستور والجلاء، وكان أبرزها حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الموالي للخديوي عباس حلمي، وقد أسسه الشيخ علي يوسف ولسان حاله جريدة المؤيد، وحزب الأمة باتجاهه الليبرالي وأبرز رموزه أحمد لطفي السيد، وكانت جريدة "الجريدة" لسان حاله، ثم الحزب الوطني باتجاهاته الجذرية في العداء للاستعمار البريطاني، وقد أسسه مصطفى كامل سنة 1907، وكان الحزب يشكل تيارًا متصاعدًا في الحياة السياسية المصرية منذ صدرت جريدة "اللواء" سنة 1900.
 كما شهدت تلك السنوات أيضًا تأسيس نادي المدارس العليا كناد سياسي اجتماعي ثقافي نقابي يجمع طلاب المدارس العليا وخريجيها في تنظيم واحد يدافع عن مصالحهم وينمي الروح الوطنية بينهم، وشهدت تأسيس النادي الأهلي كأول نادي رياضي اجتماعي وطني، نفس الفترة عرفت الدعوة لإنشاء الجامعة الأهلية وافتتاح الدراسة بها بالفعل في ديسمبر من عام 1908، لتكون نواة للجامعات المصرية الحديثة فيما بعد، وليتخرج منها مجموعة من رواد حركة التحديث التي انتعشت موجه جديدة من موجاتها في أعقاب الثورة المصرية، ثورة 1919، وعام 1908 نفس العام الذي شهد افتتاح مدرسة الفنون الجميلة استنادًا إلى رأي مستنير للإمام محمد عبده في الفنون بأنواعها، وقد أسسها الأمير يوسف كمال أحد رعاة النهضة الثقافية في مصر وجعل مقرها قصر من قصوره بحي درب الجماميز بالقاهرة، وهي المدرسة التي كان من بين طلاب دفعتها الأولى رواد الفن الحديث في مصر، مختار وراغب عياد ويوسف كامل ومحمد حسن، وتأسست في 1909 "نقابة عمال الصنائع اليدوية" بدعم من الزعيم محمد فريد الرئيس الثاني للحزب الوطني لتبدأ بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الحركة العمالية المصرية، وفي نفس الحقبة تأسست مجموعة من الجمعيات الأهلية كان من أبرزها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء، إنه المشروع الوطني الكبير الذي مهد الأرض للصحوة الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وبلغت ذروتها بقيام ثورة 1919.
 لقد كانت الثورة الشعبية الوطنية الديموقراطية التي قام بها الشعب المصري سنة 1919 تتويجًا لنضال طويل امتد لأكثر من قرن وربع من الزمان، وقد انعكس نجاح الثورة في تحقيق بعض أهدافها على الحياة المصرية كلها، وأرست الثورة مجموعة من المبادئ المهمة، أولها أن الأمة هي مصدر السلطات وهي التي تفوض قادتها في تمثيلها وتحاسبهم على ما يفعلون، وثانيها أن مصر كيان مستقل قائم بذاته فلا هي مستعمرة بريطانية ولا هي ولاية عثمانية، وثالثها أن المصريون أمة واحدة لا فرق بينهم على أساس دين أو عقيدة أو جنس تربط بينهم الرابطة الوطنية قبل الرابطة الدينية، ورابعها أن استقلال مصر السياسي لا يتحقق بمعزل عن حرية المواطنين واحترام حقوقهم.
 وفي 16 مارس سنة 1919 خرجت المرأة المصرية لتشارك في الثورة وتحفر لنفسها صفحة في كتاب الوطن، وبعدها بأربعة أعوام، في 16 مارس 1923 تأسس الاتحاد النسائي المصري في ذكرى أول مظاهرة نسائية في ثورة 1919، وقد ارتبط هذا الحدث المهم في تاريخ الحركة النسائية المصرية بدعوة نساء مصر للمشاركة في المؤتمر النسائي الدولي في روما، وبالفعل نجحت المرأة المصرية في الوصول إلى المؤتمر والمشاركة فيه، فقد سافر إلى المؤتمر وفد من الاتحاد النسائي المصري الوليد، ضم هدى شعراوي وسيزا نبراوي وريجينا خياط وإستر ويصا واصف.
 وكالعادة أثار سفر الوفد النسائي حفيظة المتشددين وبعض المعارضين لفكرة طرح قضايا المرآة في الخارج، إلا أن الوفد النسائي سافر إلى روما رغم أنف المعترضين تعبيرًا عن اقتناع عدد كبير من الرائدات بضرورة مشاركة المرأة المصرية في المحافل الدولية لطرح قضايا المرأة وقضايا الوطن في تلك المحافل، ومن الجدير بالذكر أن ثقافة الوفد المشارك ومستوى علم عضواته حظي باحترام المشاركين والمشاركات في هذا المؤتمر، وشجع الجهات الدولية على التعامل بجدية مع قضايا المرأة المصرية، كما كان بداية لمواقف المساندة التي تبنتها الحركة النسائية العالمية لقضايانا العربية.

 وطوال الحقبة الليبرالية شاركت النساء المصريات من خلال لجنة سيدات الوفد والاتحاد النسائي المصري في التصدي للانقلابات الدستورية التي قادتها السرايا الملكية ضد إرادة الأمة، كما شاركن في النضال الوطني من أجل جلاء القوات البريطانية وتحقيق الاستقلال الكامل غير المنقوص لمصر، وتحققت للمرأة كثير من الانتصارات فاحتلت مكانتها في التعليم الجامعي وفي سوق العمل وفي النشاط النقابي وفي الحياة الثقافية والفنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا

  أسئلة العميد الماضي الذي ما زال حيًا عماد أبو غازي   إذا كنا نحي هذا العام الذكرى الخمسين لرحيل طه حسين، فهناك مناسبة أخرى مرتبطة به ت...